الصفحة 120
قال الشيخ أبو جعفر - رحمه الله - [ في نزول الوحي ](1): اعتقادنا في ذلك(2) أن بين عيني إسرافيل(3)... إلخ(4)،(5).
قال الشيخ المفيد - رحمه الله(6) -: هذا أخذه أبو جعفر - رحمه الله - من شواذ الحديث، وفيه خلاف لما قدمه من أن اللوح ملك من ملائكة الله تعالى.
وأصل الوحي هو الكلام الخفي(7)، ثم قد يطلق على كل شئ قصد به إفهام المخاطب على السر له عن غيره والتخصيص له به دون من سواه، وإذا أضيف إلى الله تعالى كان [ فيما يخص ](8) به الرسل - صلى الله عليهم - خاصة دون من سواهم على عرف الاسلام وشريعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
____________
(1) ليست في بقية النسخ.
(2) (ز): اللوح.
(3) (ق): زيادة: لوحا، فإذا أراد الله تعالى أن يتكلم بالوحي ضرب اللوح على جبين إسرافيل، فينظر فيه، وألقاه إلى ميكائيل، ويلقيه ميكائيل إلى جبرئيل، ويلقيه جبرئيل إلى الأنبياء.
(4) الاعتقادات ص 81.
(5) عنه في البحار 18: 248 / 1.
(6) بحار الأنوار 18: 248.
(7) بحار الأنوار 26: 83.
(8) (ز): يختص.
الصفحة 121
قال الله تعالى: (وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه)(1) الآية، فاتفق أهل الاسلام على أن الوحي كان رؤيا مناما أو كلاما سمعته أم موسى في منامها على الاختصاص، قال الله تعالى: (وأوحى ربك إلى النحل)(2) الآية، يريد به الإلهام الخفي، إذ كان [ خاصا بمن ](3) أفرده به دون من سواه، فكان علمه حاصلا للنحل بغير كلام جهز به المتكلم فأسمعه غيره.
وقال تعالى: (وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم)(4) بمعنى ليوسوسون(5) إلى أوليائهم بما يلقونه من الكلام في أقصى أسماعهم، فيخصون بعلمهم(6) دون من سواهم، وقال سبحانه: (فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم)(7) يريد به أشار إليهم من غير إفصاح الكلام، شبه ذلك بالوحي لخفائه عمن سوى المخاطبين، ولستره(8) عمن سواهم.
وقد يري الله سبحانه وتعالى في المنام خلقا كثيرا ما يصح تأويله [ ويثبت حقه ](9) لكنه لا يطلق بعد استقرار الشريعة عليه اسم الوحي، ولا يقال في هذا الوقت لمن طبعه(10) الله على علم شئ أنه يوحى إليه. وعندنا أن الله تعالى يسمع الحجج بعد نبيه صلى الله عليه وآله وسلم كلاما يلقيه إليهم(11) في علم ما يكون، لكنه لا يطلق عليه اسم الوحي لما قدمناه(12) من إجماع المسلمين على أنه لا وحي [ إلى أحد ](13) بعد
____________
(1) القصص: 7.
(2) النحل: 68.
(3) في بعض النسخ: خالصا لمن.
(4) الأنعام: 121.
(5) (ح) (ز) (ق): يوسوسون.
(6) (ق): بعلمه.
(7) مريم: 11.
(8) ( أ ): وستره، (ز) والمطبوعة: وسره.
(9) في بعض النسخ: وتثبت حقيقته.
(10) في بعض النسخ: أطلعه.
(11) (ح) زيادة: أي الأوصياء.
(12) أنظر (أوائل المقالات ص 78 الطبعة الأولى). چ
(13) (ح): لأحد.
الصفحة 122
نبينا صلى الله عليه وآله وسلم، وأنه لا يقال في شئ مما ذكرناه(1) أنه وحي إلى أحد. ولله تعالى أن يبيح إطلاق الكلام أحيانا ويحظره أحيانا، ويمنع السمات(2) بشئ حينا ويطلقها حينا. فأما المعاني، فإنها لا تتغير عن حقائقها على ما قدمناه(3).
فصل:
قال الشيخ المفيد - رحمه الله تعالى -(4):
فأما الوحي من الله تعالى إلى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم فقد كان تارة بإسماعه الكلام من غير واسطة، وتارة بإسماعه الكلام على ألسن الملائكة. والذي ذكره أبو جعفر - رحمه الله - من اللوح والقلم وما ثبت فيه فقد جاء به حديث، إلا أنا لا نعزم على القول(5) به، ولا نقطع على الله بصحته، ولا نشهد منه إلا بما علمناه(6)، وليس الخبر به متواترا يقطع العذر ولا عليه إجماع، ولا نطق به القرآن، ولا ثبت عن حجة الله تعالى فينقاد له والوجه أن نقف فيه ونجوزه ولا نقطع به ولا نجزم(7) له(8) ونجعله في حيز الممكن.
فأما قطع أبي جعفر به وعلمه على اعتقاده فهو يستند إلى ضرب من التقليد، ولسنا من التقليد في شئ(9).
____________
(1) (ز): ذكرنا.
(2) في المطبوعة: السماع. في (المنجد - مادة وسم) السمة: مص.
العلامة. أثر الكي ج سمات چ.
(3) بحار الأنوار 26: 84.
(4) بحار الأنوار 18: 250.
(5) ( أ ): القبول.
(6) (ق) (ز): علمنا.
(7) كذا في المطبوعة، وفي النسخ المخطوطة بدل (نجزم) كلمة لا تقرأ فراجع.
(8) كذا في جميع النسخ، والأنسب: به.
(9) بحار الأنوار 18: 250.