الصفحة 289
وفيه حديثان
الأول: محمد بن العباس قال: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد عن محمد بن أحمد عن المنذر ابن جعفر قال: حدثني أبي عن جعفر بن الحكم عن منصور بن المعتمر عن ربعي بن حراش قال:
خطبنا علي (عليه السلام) في الرحبة ثم قال: لما كان في زمان الحديبية خرج إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) أناس من قريش من أشراف أهل مكة وفيهم سهل بن عمرو وقالوا: يا محمد أنت جارنا وحليفنا وابن عمنا وقد لحق بك أناس من أبنائنا وإخواننا وأقاربنا ليس فيهم التفقه في الدين ولا رغبة فيما عندك ولكن إنما خرجوا فرارا من ضياعنا وأعمالنا وأموالنا فارددهم علينا، فدعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) أبا بكر فقال له: انظر ما يقولون فقال: صدقوا يا رسول الله، أنت جارهم فاردد عليهم قال: ثم دعا عمر فقال مثل قول أبي بكر، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) عند ذلك: لا تنتهوا يا معشر قريش حتى يبعث الله عليكم رجلا امتحن الله قلبه للتقوى يضرب رقابكم على الدين فقال أبو بكر: أنا هو يا رسول الله؟ فقال: لا فقام عمر فقال: أنا هو يا رسول الله؟ قال: لا ولكنه خاصف النعل، وكنت أخصف نعل رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قال عمر: ثم التفت إلينا علي (عليه السلام) وقال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار(1).
الثاني: المفيد في الإختصاص قال: حدثني محمد بن علي بن شاذان فقال، حدثنا أحمد بن يحيى النحوي أبو العباس تغلب قال: حدثنا أحمد بن سهل بن أبو عبد الرحمن قال: حدثنا يحيى ابن محمد بن موسى قال: حدثنا أحمد بن قتيبة أبو بكر عن عبد الحكم القتيبي عن أبي كيسة ويزيد بن ورمان قالا: لما أجمعت عائشة على الخروج إلى البصرة أتت أم سلمة (رض) وكانت بمكة وقالت: يا بنت أبي أمية كنت كبيرة أمهات المؤمنين، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقيم في بيتك، وكان يقسم لنا في بيتك، وكان ينزل الوحي في بيتك قالت: يا بنت أبي بكر لقد زرتني وما كنت زوارة ولأمر ما تقولين هذه المقالة!.
____________
(1) بحار الأنوار: 32 / 313 / ح 282. وفي سند الحديث اختلاف.
الصفحة 290
قالت: إن ابني وابن أخي أخبراني أن الرجل قتل مظلوما وأن في البصرة مائة ألف سيف يطاعون - وفي نسخة يطيعون - فهل لك أن أخرج أنا وأنت لعل الله أن يصلح بين فئتين متشاجرتين؟ وقالت: يا بنت أبي بكر أبدم عثمان تطلبين ولقد كنت أشد الناس عليه، وإن كنت لتدعينه بالتبري أم أمر ابن أبي طالب تنقضين؟ فقد تابعه المهاجرون والأنصار وإنك سده بين رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبين أمته وحجابه مضروب على حرمه، وقد جمع القرآن ذيلك فلا تبذخيه وسكني عقيراك ولا تضحي بها، الله من وراء هذه الأمة قد علم رسول الله (صلى الله عليه وآله) مكانك ولو أراد أن يعهد إليك فعله قد نهاك رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن الفراطة في البلاد، إن عمود الإسلام لا ترأبه النساء إن انثلم ولا يشعب بهن إن انصدع، حماديات النساء غض بالأطراف وقصر الوهادة وما كنت قائلة لو أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) عرض لك ببعض الفلوات وأنت ناصة قلوصا من منهل إلى آخر أن بعين الله مهواك وعلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) تردين وقد وجهت سدافته وتركت عهيداه.
أقسم بالله لو سرت مسيرك هذا ثم قيل لي: ادخلي الفردوس لاستحييت أن ألقى محمدا (صلى الله عليه وآله) هاتكة حجابا قد ضربه الله علي، اجعلي حصنك بيتك وقاعة الستر خبرك حتى تلقيه وأنت على ذلك أطوع ما تكونين لله ما لزمتيه، وأنصر ما تكونين للدين ما جلست عنه، ثم قالت: لو ذكرت من رسول الله (صلى الله عليه وآله) خمسا في علي لنهشتني نهشة الحية الرقشاء المطرقة ذات الخبب، أتذكرين إذ كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقرع بين نسائه إذا أراد سفرا فأقرع بينهن فخرج سهمي وسهمك فبينا نحن معه وهو هابط من قديد ومعه علي (عليه السلام) يحدثه فذهبت لتهجمي عليه فقلت لك: رسول الله (صلى الله عليه وآله) معه ابن عمه ولعل له إليه حاجة فعصيتني ورجعت باكية فسألتك فقلت إنك هجمت عليهما.
فقلت له: يا علي إنما لي من رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم من تسعة أيام وقد شغلته عني وأخبرتني أنه قال لك: تبغضينه، فما يبغضه أحد من أهلي ولا من أمتي إلا خرج من الإيمان؟ أتذكرين هذا يا عائشة؟
قالت: نعم، ويوم أراد رسول الله (صلى الله عليه وآله) سفرا وأنا أجش له جشيشا فقال: ليت شعري أيتكن صاحبة الجمل الأدبب تنبحها كلاب الحوأب؟ فرفعت يدي من الجشيش فقلت: أعوذ بالله أن أكونه فقال:
والله لا بد لأحدكما أن تكونه، اتقي الله يا حميراء أن تكونيه، أتذكرين من هذا يا عائشة؟ قالت: نعم، ويوم تبدلنا لرسول الله (صلى الله عليه وآله) فلبست ثيابي ولبست ثيابك فجاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) فجلس إلى جنبك فقال: أتظنين يا حميراء إني لا أعرفك، أما إن لأمتي منك يوما مرا ويوما أحمر، أتذكرين هذا يا عائشة؟ قالت: نعم ويوم كنت أنا وأنت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) فجاءك أبوك يستأذن وعمر فدخلنا الخدر فقالا: يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) إنا لا ندري قدر مقامك فينا ولو جعلت لنا إنسانا نأتيه بعدك؟ قال: أما إني
الصفحة 291
أعرف مكانه وأعلم موضعه ولو أخبرتكم به لتفرقتم عنه تفرق بني إسرائيل عن عيسى ابن مريم، فلما خرجا خرجت إليه أنا وأنت فكنت جريئة عليه وقلت له: من كنت جاعلا لهم؟ فقال:
خاصف النعل، وكان علي بن أبي طالب يصلح نعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا تخرقت ويغسل ثيابه إذا اتسخت فقلت: ما أرى إلا عليا فقال: هو ذاك، أتذكرين هذا يا عائشة؟ قالت: نعم، قالت: ويوم جمعنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) في بيت ميمونة فقال: يا نسائي اتقين الله ولا يسفر بكن أحد، أتذكرين هذا يا عائشة؟ قالت: نعم، ما أقبلني لوعظك وأسمعني لقولك فإن أخرج ففي غير حرج وإن أقعد ففي غير بأس، وخرج رسولها فنادى في الناس: من أراد أن يخرج فليخرج فإن أم المؤمنين غير خارجة، فدخل عليها عبد الله بن الزبير فنفث في أذنها وقلبها في الذروة فخرج رسولها فنادى: من أراد أن يسير فليسر فإن أم المؤمنين خارجة فلما كان من ندمها أنشأت أم سلمة تقول:
لو أن معتصما من زلة أحد كانت لعائشة الرتبى على الناس
كم سنة لرسول الله تاركة وتلو آي من القرآن مدراس
قد ينزع الله من ناس عقولهم حتى يكون الذي يقضى على الناس
فيرحم الله أم المؤمنين لقد كانت تبدل أيحاشا بإيناس
قال أبو العباس ثعلب: قوله: يقمؤ في بيتك: يعني يأكل ويشرب وقد جمع القرآن ذيلك فلا تبذخيه: البذخ النفخ والرياء والكبر، سكنى عقيراك: مقامك وبذلك سمي العقار لأنه أصل ثابت، وعقر الدار: أصلها وعقر المرأة ثمن بضعها فلا تضحي بها قال الله عز وجل: *(وإنك لا تظمأ فيها ولا تضحى)* أي لا تبرز للشمس، قال النبي (صلى الله عليه وآله) لرجل محرم: " أضح لمن أحرمت له " أي أخرج إلى البراز والموضع الظاهر المنكشف من الأغطية والستور، القراطة في البلاد: السعي والذهاب، لا ترأبه النساء: لا تضمه النساء، حمادى النساء: ما يحمد منهن غض بالأطراف لا يبسطن أطرافهن في الكلام، قصر الوهادة: جمع وهد وهاد والوهاد: الموضع المنخفض، ناصة قلوصا: النص السوق بالعنف ومن ذلك الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه كان إذا وجد فجوة نص أي أسرع، ومن ذلك نص الحديث أي رفعه إلى أصله بسرعة، من منهل إلى آخر، المنهل الذي يشرب فيه الماء، مهواك:
الموضع الذي تهوين وتستقرين فيه قال الله عز وجل: *(والنجم إذا هوى)* أي نزل، سدافته: من السدفة وهي شدة الظلمة، قاعة الستر: قاعة الدار، صحنها، السدة: الباب(1).
____________
(1) الإختصاص 166. بحار الأنوار: 32 / 162 / ح 128.