الصفحة 334
وفيه ثلاثة أحاديث
الأول: ابن حمزة عن علي بن الحسين عن أبيه (عليه السلام) قال: " كان علي (عليه السلام) ينادي: من كان له عند رسول الله عدة أو دين فليأتني، وكان كل من أتاه يطلب دينا أو عدة يرفع مصلاه فيجد ذلك تحته فيدفعه إليه.
فقال الثاني للأول: ذهب هذا بشرف الدنيا من دوننا فقال: فما الحيلة؟
فقال: لعلك لو ناديت كما نادى هو كنت تجد ذلك كما يجد هو، وإذا كان إنما تقضي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فنادى أبو بكر كذلك فعرف أمير المؤمنين (عليه السلام) الحال فقال: أما إنه سيندم على ما فعل، فلما كان من الغد أتاه أعرابي وهو جالس في جماعة من المهاجرين والأنصار فقال: أيكم وصي رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأشاروا إلى أبي بكر فقال: أنت وصي رسول الله وخليفته؟
قال: نعم، فما تشاء؟
قال: فهلم الثمانين الناقة التي ضمن لي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قال: ما هذه النوق؟
قال: ضمن لي ثمانين ناقة حمراء كحل العيون، فقال لعمر: كيف نصنع الآن؟
قال: إن الأعراب: جهال، فاسأله: ألك شهود بما تقوله؟ فطلبهم منه قال: ومثلي يطلب الشهود منه على رسول الله (صلى الله عليه وآله) بما يضمنه لي؟ والله ما أنت بوصي رسول الله ولا خليفته، فقام سلمان فقال: يا أعرابي اتبعني حتى أدلك على وصي رسول الله.
فتبعه الأعرابي حتى انتهى إلى علي (عليه السلام) فقال: أنت وصي رسول الله؟
قال: نعم، فما تشاء؟
قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ضمن لي ثمانين ناقة حمراء كحل العيون فهاتها، فقال له علي (عليه السلام):
أسلمت أنت وأهل بيتك؟
فانكب الأعرابي على يديه يقبلهما وهو يقول: أشهد أنك وصي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخليفته، فبهذا وقع الشرط بيني وبينه وقد أسلمنا جميعا.
الصفحة 335
فقال علي (عليه السلام): يا حسن انطلق أنت وسلمان وهذا الأعرابي إلى وادي فلان فناد: يا صالح، فإذا أجابك فقل: إن أمير المؤمنين (عليه السلام) يقرأ عليك السلام ويقول لك: هلم الثمانين الناقة التي ضمنها رسول الله (صلى الله عليه وآله) لهذا الأعرابي.
قال سلمان: فمضينا إلى الوادي فنادى الحسن، فأجابه لبيك يا بن رسول الله، فأدى إليه رسالة أمير المؤمنين (عليه السلام).
فقال: السمع والطاعة، فلم نلبث أن خرج إلينا زمام ناقة من الأرض، فأخذ الحسن زمامها فناوله الأعرابي وقال: خذ، فجعلت النوق تخرج حتى كملت الثمانون على الصفة "(1).
الثاني: صاحب كتاب ثاقب المناقب قال: حدثني شيخي أبو جعفر محمد بن الحسين [ ابن جعفر ] الشوهاني في داره بمشهد الرضا (عليه السلام) بإسناده إلى عطاء عن ابن عباس (رضي الله عنه) قال: قدم أبو الصمصام العبسي إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأناخ ناقته على باب المسجد ودخل وسلم وأحسن التسليم ثم قال: أيكم الفتى الغوي الذي يزعم أنه نبي، فوثب إليه سلمان الفارسي (رضي الله عنه) فقال: يا أخا العرب، أما ترى صاحب الوجه الأقمر والجبين الأزهر والحوض والشفاعة والتواضع والسكينة والمسألة والإجابة والسيف والقضيب والتكبير والتهليل والاقسام والقضية والأحكام الحنيفة والنور والشرف والعلو والرفعة والسخاء والشجاعة والنجدة والصلاة المفروضة والزكاة المكتوبة والحج والإحرام وزمزم والمقام والمشعر الحرام واليوم المشهود والمقام المحمود والحوض المورود والشفاعة الكبرى، ذلك مولانا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال الأعرابي: إن كنت نبيا فقل متى تقوم الساعة؟ ومتى يجئ المطر؟ وأي شئ في باطن ناقتي؟ وأي شئ أكتسب غدا؟ ومتى أموت؟
فبقي (صلى الله عليه وآله) ساكتا لا ينطق بشئ فهبط الأمين جبرائيل فقال: " يا محمد اقرأ: *(إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير)*(2) ".
قال الأعرابي: مد يدك، فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأقر أنك رسول الله فأي شئ لي عندك إن أتيتك بأهلي وبني عمي مسلمين.
فقال له النبي (صلى الله عليه وآله): " لك عندي ثمانون ناقة، حمر الظهور، بيض البطون، سود الحدق، عليها من طرائف اليمن ونقط الحجاز ".
ثم التفت النبي (صلى الله عليه وآله) إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) وقال: " اكتب يا أبا الحسن: بسم الله الرحمن
____________
(1) بحار الأنوار: 41 / 192، ح 4.
(2) لقمان: 34.
الصفحة 336
الرحيم، أقر محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، وأشهد على نفسه في صحة عقله وبدنه وجواز أمره أن لأبي الصمصام عليه وعنده وفي ذمته ثمانين ناقة، حمر الظهور بيض البطون، سود الحدق، عليها من طرائف اليمن ونقط الحجاز " وأشهد عليه جميع أصحابه، وخرج أبو الصمصام إلى أهله، فقبض النبي (صلى الله عليه وآله)، فقدم أبو الصمصام وقد أسلم بنو العبس كلهم فقال أبو الصمصام: ما فعل رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟
قالوا: قبض.
قال: فمن الوصي بعده؟
قالوا: ما خلف نبينا أحدا، فقال: فمن الخليفة من بعده؟
قالوا: أبو بكر، فدخل أبو الصمصام المسجد، فقال: يا خليفة رسول الله إن لي على رسول الله دينا ثمانين ناقة حمر الظهور، بيض البطون، سود الحدق، عليها من طرائف اليمن ونقط الحجاز، فقال أبو بكر: يا أخا العرب سألت ما فوق العقل، والله ما خلف فينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا صفراء ولا بيضاء، خلف فينا بغلته الذلول ودرعه الفاضلة فأخذها علي بن أبي طالب، وخلف فينا فدكا فأخذناها نحن بحق ونبينا محمد لا يورث، فصاح سلمان الفارسي: كردي ونكردي، وحق أمير بردي يا أبا بكر (باز كذار إين كار بكسي كه حق أوست)، فقال: رد العمل إلى أهله، ثم مد يده إلى أبي الصمصام فأقامه إلى منزل علي بن أبي طالب وهو يتوضأ وضوء الصلاة فقرع سلمان الباب فنادى علي (عليه السلام): " أدخل أنت وأبو الصمصام العبسي ".
فقال أبو الصمصام: أعجوبة ورب الكعبة، من هذا الذي سماني ولم يعرفني؟
فقال سلمان: الفارسي (رضي الله عنه): هذا وصي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، هذا الذي قال له الرسول (صلى الله عليه وآله): " أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأت الباب ".
هذا الذي قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): " علي خير البشر، فمن رضي فقد شكر، ومن أبى فقد كفر ".
هذا الذي قال الله تعالى فيه: *(وجعلنا لهم لسان صدق عليا)*(1).
هذا الذي قال الله تعالى: *(أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون)*(2).
وهذا الذي قال الله عز وجل فيه: *(أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون)*(3).
____________
(1) مريم: 50.
(2) السجدة: 18.
(3) التوبة: 19.
الصفحة 337
هذا الذي قال الله تعالى فيه: *(يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك)*(1).
هذا الذي قال الله تعالى فيه: *(فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم)*(2) الآية.
هذا الذي قال الله تعالى فيه: *(إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)*(3).
هذا الذي قال الله عز وجل: *(إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون)*(4).
أدخل يا أبا الصمصام وسلم عليه فدخل وسلم عليه، ثم قال: إن لي على رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثمانين ناقة حمر الظهور بيض البطون، سود الحدق، عليها من طرائف اليمن ونقط الحجاز، فقال (عليه السلام):
" أمعك حجة "؟
قال: نعم، ودفع الوثيقة فقال (عليه السلام): " ناد يا سلمان في الناس: ألا من أراد أن ينظر إلى قضاء دين رسول الله (صلى الله عليه وآله) فليخرج إلى خارج المدينة " فلما كان بالغد خرج الناس، وقال المنافقون: كيف يقضي الدين وليس معه شئ غدا فيفتضح، من أين له ثمانون ناقة حمر الظهور، بيض البطون، سود الحدق، عليها من طرائف اليمن ونقط الحجاز، فلما كان الغد اجتمع الناس وخرج علي (عليه السلام) في أهله ومحبيه وجماعة من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأسر إلى الحسن سرا لم يدر أحد ما هو، ثم قال:
" يا أبا الصمصام، امض مع ابني الحسن إلى كثيب الرمل " فمضى [ الحسن (عليه السلام) ] ومعه أبو الصمصام، وصلى ركعتين عند الكثيب، وكلم الأرض بكلمات لا يدرى ما هي، وضرب الكثيب بقضيب رسول الله (صلى الله عليه وآله) فانفجر الكثيب عن صخرة ململمة مكتوب عليها سطران:
الأول: لا إله إلا الله محمد رسول الله، وعلى الآخر: لا إله إلا الله علي ولي الله، فضرب الحسن تلك الصخرة بالقضيب فانفجرت عن خطام ناقة فقال الحسن (عليه السلام): " قد يا أبا الصمصام " فقاد فخرج منها ثمانون ناقة حمر الظهور، بيض البطون، سود الحدق، عليها من طرائف اليمن ونقط الحجاز، ورجع إلى علي (عليه السلام)، فقال: " استوفيت حقك يا أبا الصمصام "؟
فقال: نعم.
فقال: سلم الوثيقة فسلمها إليه فخرقها، فقال: " هكذا أخبرني ابن عمي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أن الله عز وجل خلق هذه النوق في هذه الصخرة قبل أن يخلق ناقة صالح بألفي عام " ثم قال المنافقون:
____________
(1) المائدة: 67.
(2) آل عمران: 61.
(3) الأحزاب: 33.
(4) المائدة: 55.
الصفحة 338
هذا من سحر علي قليل(1).
الثالث: صاحب ثاقب المناقب قال: وروي هذا الخبر على وجه آخر وهو ما روى أبو محمد الإدريسي، عن حمزة بن داود الديلمي، عن يعقوب بن يزيد الأنباري، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن حبيب الأحول، عن أبي حمزة الثمالي، عن شهر بن حوشب عن ابن عباس قال: لما قبض النبي (صلى الله عليه وآله) وجلس أبو بكر نادى في الناس ألا من كان له على رسول الله عدة أو دين فليأت أبا بكر، وليأت معه شاهداه، ونادى علي بذلك على الإطلاق من غير طلب شاهدين فجاء أعرابي فسلم متقلدا سيفه متنكبا كنانته وفرسه لا يرى منه إلا حافره، وساق الحديث، ولم يذكر الاسم والقبيلة وكان ما وعده مائة ناقة حمر بأزمتها وأثقالها، موقرة ذهبا وفضة بعبيدها، فلما ذهب سلمان بالأعرابي إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) قال له حين بصر به: " مرحبا بطالب عدة والده من رسول الله (صلى الله عليه وآله) "، فقال: ما وعد أبي يا أبا الحسن؟
قال: " إن أباك قدم على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقال: أنا رجل مطاع في قومي إن دعوتهم أجابوك وإني ضعيف الحال، فما تجعل لي إن دعوتهم إلى الإسلام فأسلموا "؟
فقال (عليه السلام): " من أمر الدنيا أم من أمر الآخرة؟
قال: وما عليك أن تجمعهما لي يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد جمعهما الله لأناس كثيرة؟
فتبسم النبي (صلى الله عليه وآله) وقال: أجمع لك خير الدنيا والآخرة، فأما في الآخرة فأنت رفيقي في الجنة، وأما في الدنيا فما تريد؟
قال: مائة ناقة حمر بأزمتها وعبيدها موقرة ذهبا وفضة، ثم قال: وإن دعوتهم فأجابوني وقضي علي الموت ولم ألقك فتدفع ذلك إلى ولدي.
قال: نعم، على أني لا أراك ولا تراني في دار الدنيا بعد يومي هذا وسيجيبك قومك، فإذا حضرتك الوفاة فليصر ولدك إلى وليي من بعدي ووصيي، وقد مضى أبوك ودعا قومه فأجابوه وأمرك بالمصير إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) أو إلى وصيه وها أنا وصيه ومنجز وعده ".
فقال الأعرابي: صدقت يا أبا الحسن، ثم كتب له على خرقة بيضاء وناولها الحسن وقال: " يا أبا محمد سر بهذا الرجل إلى وادي العقيق، وسلم على أهله واقذف الخرقة وانتظر ساعة حتى ترى ما يفعل، فإن دفع إليك شئ فادفعه إلى الرجل " ومضيا بالكتاب.
قال ابن عباس: فسرت من حيث لم يرني أحد، فلما أشرف الحسن على الوادي نادى بأعلى
____________
(1) الثاقب في المناقب: 127 / ح 4.
الصفحة 339
صوته: " السلام عليكم أيها السكان البررة الأتقياء، أنا ابن وصي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أنا الحسن بن علي سبط رسول الله وابن رسول الله ورسوله إليكم " وقد قذف الخرقة في الوادي فسمعت من الوادي صوتا: لبيك لبيك يا سبط رسول الله وابن البتول وابن سيد الأوصياء، سمعنا وأطعنا، انتظر ليدفع إليك، فبينا أنا كذلك إذ ظهر غلام لم أدر من أين ظهر وبيده زمام ناقة حمراء تتبعها ستة، فلم يزل يخرج غلام بعد غلام، في يد كل غلام قطار حتى عددت مائة ناقة حمراء بأزمتها وأحمالها فقال الحسن (عليه السلام): " خذ بزمام نوقك وعبيدك ومالك وامض بها يرحمك الله "(1).
____________
(1) الثاقب في المناقب: 133، ح 5.