الصفحة 222
وفيه خمسة أحاديث
الأول: ابن طاووس عقيب ذكره الحديث السابق(1) قال: فصل فيما نذكره من مجلد آخر من ترجمة كتاب فيه ذكر الآيات التي نزلت في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وتفسير معانيها من القرآن العظيم، وأوله خطبة أولها الحمد لله المستحق للحمد بآلائه ولم يذكر اسم مصنفه فنذكر منه حديث البساط برواية وجدناها في هذا الكتاب فيحتمل أن يكون رواية واحدة فرواها أنس بن مالك مختصرة ورواها جابر بن عبد الله مشروحة، ويحتمل أن يكون حمل البساط لهم دفعتين روى كل واحد ما رآه، وهو من الوجهة الثانية من القائمة السادسة من الكراس السادس منه بلفظة، حدثنا أحمد بن محمد(2) قال: حدثنا أحمد بن الحسين قال: حدثنا الحسن بن دينار عن عبد الله بن موسى عن أبيه عن جده جعفر بن محمد الصادق عن أبيه محمد بن علي عن أبيه (عليهما السلام) عن جابر بن عبد الله الأنصاري رحمة الله عليه قال: خرج علينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوما ونحن في مسجده فقال: من هاهنا؟
فقلت: أنا يا رسول الله وسلمان الفارسي فقال: يا سلمان اذهب فادع مولاك علي بن أبي طالب.
قال جابر: فذهب سلمان ينتدب به حتى استخرج عليا من منزله، فلما دنا من رسول الله (صلى الله عليه وآله) قام إليه فخلا به وأطال مناجاته ورسول الله (صلى الله عليه وآله) يقطر عرقا كهيئة اللؤلؤ ويتهلهل حسنا ثم انصرف رسول الله (صلى الله عليه وآله) من مناجاته فجلس فقال له: أسمعت يا علي ووعيت؟ قال: نعم يا رسول الله.
قال جابر: ثم التفت إلي وقال: يا جابر ادع لي أبا بكر وعمر وعبد الرحمن بن عوف الزهري فذهبت مسرعا فدعوتهم فلما حضروا قال: يا سلمان اذهب إلى منزل أمك أم سلمة وايتني ببساط الشعر الخيبري قال جابر: فذهب سلمان فلم يلبث أن جاء بالبساط فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) سلمان فبسطه ثم قال لأبي بكر وعمر وعبد الرحمن: اجلسوا، كل واحد منكم على زاوية من البساط فجلسوا كما أمرهم ثم خلا رسول الله (صلى الله عليه وآله) بسلمان فناجاه فأسر إليه شيئا ثم قال له: اجلس في الزاوية الرابعة فجلس سلمان ثم أمر عليا أن يجلس في وسطه ثم قال له: قل ما أمرتك فوالذي
____________
(1) وهو الحديث الرابع في الباب السابق.
(2) في المصدر: محمد بن أحمد.
الصفحة 223
بعثني بالحق نبيا لو قلت على الجبل لسار، فحرك علي (عليه السلام) شفتيه فاختلج البساط فمر بهم، قال جابر: فسألت سلمان فقلت: أين مر بكم البساط؟
قال: والله ما شعرنا بشئ حتى انقض بنا البساط في ذروة جبل شاهق وصرنا إلى باب كهف، قال سلمان: فقمت وقلت لأبي بكر: يا أبا بكر قد أمرني رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن تصرخ في هذا الكهف بالفتية الذين ذكرهم الله في كتابه، فقام أبو بكر وصرخ بهم بأعلى صوته فلم يجبه أحد، ثم قلت لعمر: قم واصرخ بهم في هذا الكهف كما صرخ أبو بكر فصرخ عمر فلم يجبه أحد، ثم قلت لعبد الرحمن: قم واصرخ كما صرخ أبو بكر وعمر فصرخ فلم يجبه منهم أحد، ثم قمت أنا فصرخت بأعلى صوتي فلم يجبني أحد، ثم قلت لعلي بن أبي طالب: قم يا أبا الحسن واصرخ في هذا الكهف فإنه أمرني رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن آمرك كما أمرتهم فقام علي (عليه السلام) فصاح بهم بصوت خفي فانفتح باب الكهف ونظرنا إلى داخله يتوقد نورا ويتألق إشراقا وسمعنا ضجة ووجبة شديدة وملئنا رعبا وولى القوم هاربين فناديتهم: مهلا يا قوم فارجعوا، فرجعوا فقالوا: ما هذا يا سلمان؟ قلت: هذا الكهف الذي ذكره الله عز وجل في كتابه، والذين رأيتم هم الفتية الذين ذكرهم الله عز وجل الفتية المؤمنون، وعلي (عليه السلام) واقف يكلمهم فعادوا إلى موضعهم.
قال سلمان: وأعاد علي (عليه السلام) عليهم السلام فقالوا كلهم: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، وعلى محمد رسول الله خاتم النبوة منا السلام أبلغه منا وقل له: قد شهدنا لك بالنبوة التي أمرنا الله قبل وقت مبعثك بأعوام كثيرة ولك يا علي بالوصية، فأعاد علي (عليه السلام) سلامه عليهم فقالوا كلهم: وعليك وعلى محمد منا السلام، نشهد بأنك مولانا ومولى كل من آمن بمحمد (صلى الله عليه وآله)، قال سلمان: فلما سمع القوم أخذوا بالبكاء والنحيب وفزعوا واعتذروا إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) وقاموا كلهم إليه يقبلون رأسه ويقولون: قد علمنا ما أراد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومدوا أيديهم وبايعوه بإمرة المؤمنين وشهدوا له بالولاية بعد محمد (صلى الله عليه وآله)، فجلس كل واحد مكانه من البساط وجلس علي (عليه السلام) في وسطه ثم حرك شفتيه فاختلج البساط فلم نشعر كيف مر بنا أفي البر أم في البحر حتى انفض بنا على باب مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) فخرج إلينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: كيف رأيتم يا أبا بكر؟
قالوا: نشهد يا رسول الله كما شهد أهل الكهف ونؤمن كما آمنوا، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الله أكبر لا تقولوا سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون ولا تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين، والله لئن فعلتم لتهتدوا وما على الرسول إلا البلاغ المبين وإن لم تفعلوا تختلفوا، ومن وفى وفى الله له، ومن يكتم ما سمعه فعلى عقبه ينقلب فلن يضر الله شيئا، أفبعد الحجة والبينة والمعرفة خلف؟
الصفحة 224
والذي بعثني بالحق لقد أمرت أن آمركم ببيعته وطاعته فبايعوه وأطيعوه بعدي ثم تلا هذه الآية:
*(يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)* يعني علي بن أبي طالب (عليه السلام) قالوا: يا رسول الله قد بايعناه وشهد علينا أهل الكهف، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): إن صدقتم فقد أسقيتم ماء غدقا وأكلتم من فوقكم ومن تحت أرجلكم، أو يلبسكم شيعا وتسلكون طريق بني إسرائيل فمن تمسك بولاية علي بن أبي طالب لقيني يوم القيامة وأنا عنه راض، قال سلمان: والقوم ينظر بعضهم إلى بعض فأنزل الله في ذلك اليوم *(ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم وأن الله علام الغيوب)* قال سلمان: فاصفرت وجوههم وينظر كل واحد إلى صاحبه وأنزل الله هذه الآية *(يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور والله يقضي بالحق)* فكان ذهابهم إلى الكهف ومجيئهم من زوال الشمس إلى وقت العصر(1).
الثاني: السيد المرتضى (رضي الله عنه) في كتاب عيون المعجزات عن أبي علي يرفعه إلى الصادق (عليه السلام) عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) قال: جرى بحضرة السيد محمد (صلى الله عليه وآله) ذكر سليمان بن داود (عليه السلام) والبساط وحديث أصحاب الكهف وإنهم موتى أو غير موتى فقال (صلى الله عليه وآله): من أحب منكم أن ينظر باب الكهف ويسلم عليهم؟ فقال أبو بكر وعمر وعثمان: نحن يا رسول الله فصاح يادرحان بن مالك وإذا بشاب قد دخل بثياب عطرة فقال له النبي (صلى الله عليه وآله): ايتنا ببساط سليمان (عليه السلام)، فذهب ووافى به بعد لحظة ومعه بساط طوله أربعون في أربعين من الشعر الأبيض فألقاه في صحن المسجد وغاب، فقال النبي لبلال وثوبان مولييه أخرجا هذا البساط إلى باب المسجد وابسطاه ففعلا ذلك وقام (صلى الله عليه وآله) وقال لأبي بكر وعثمان وأمير المؤمنين (عليه السلام) وسلمان: قوموا وليقعد كل واحد منكم على طرف من البساط وليقعد أمير المؤمنين (عليه السلام) في وسطه ففعلوا ونادى: يا منشبة وإذا بريح قد دخلت تحت البساط فرفعته حتى وضعته بباب الكهف الذي فيه أصحاب الكهف فقال أمير المؤمنين لأبي بكر: تقدم فسلم عليهم فإنك شيخ قريش فقال: يا علي ما أقول؟
فقال (عليه السلام): قل: السلام عليكم أيها الفتية الذين آمنوا بربهم، السلام عليكم يا نجباء الله في أرضه، فتقدم أبو بكر إلى باب الكهف وهو مسدود فنادى بما قال له أمير المؤمنين (عليه السلام) ثلاث مرات فلم يجبه أحد فجاء وجلس فقال: يا أمير المؤمنين ما أجابوني فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): قم يا عمر ثم قل كما قال صاحبك، فقام وقال مثل قوله ثلاث مرات فلم يجب أحد مقالته فجاء وجلس وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) لعثمان: قم أنت وقل مثل قولهما فقام وقال فلم يكلمه أحد فجاء وجلس فقال أمير
____________
(1) سعد السعود 114 - 116.
الصفحة 225
المؤمنين (عليه السلام) لسلمان: تقدم أنت وسلم عليهم فقام وتقدم فقال مثل مقالة الثلاثة وإذا بقائل يقول من داخل الكهف: وأنت عبد امتحن الله قلبك بالإيمان، وأنت من خير وإلى خير ولكنا أمرنا أن لا نرد إلا على الأنبياء والأوصياء فجاء وجلس فقام أمير المؤمنين (عليه السلام) وقال: السلام عليكم يا نجباء الله في أرضه، الموفين بعهده، نعم الفتية أنتم، وإذا بأصوات جماعة: وعليك السلام يا أمير المؤمنين وسيد المسلمين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين، فاز والله من والاك وخاب من عاداك فقال أمير المؤمنين: لم لا تجيبون أصحابي؟ فقالوا: يا أمير المؤمنين إنا نحن أحياء محجوبون عن الكلام ولا نجيب إلا نبيا أو وصي نبي، وعليك السلام وعلى الأوصياء من بعدك حتى يظهر حق الله على أيديهم، ثم سكتوا وأمر أمير المؤمنين (عليه السلام) المنشبة فحملت البساط ثم ردته المدينة وهم عليه كما كانوا وأخبروا رسول الله (صلى الله عليه وآله) بما جرى عليهم، قال الله تعالى *(إذ آوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا)*(1).
الثالث: محمد بن العباس بن ماهيار في تفسيره قال: حدثنا أحمد بن هودة الباهلي عن إبراهيم ابن إسحاق النهاوندي عن عبد الله بن حماد عن عمرو بن شمر قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) أبا بكر وعمر وعليا (عليه السلام) أن يمضوا إلى الكهف والرقيم فيسبغ أبو بكر الوضوء ويصف قدميه ويصلي ركعتين وينادي ثلاثا فإن أجابوه وإلا فليقل مثل ذلك عمر فإن أجابوه وإلا فليقل مثل ذلك علي (عليه السلام)، فمضوا وفعلوا ما أمرهم به رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلم يجيبوا أبا بكر ولا عمر، فقام علي (عليه السلام) وفعل ذلك فأجابوه فقال: لبيك لبيك ثلاثا فقال لهم: ما لكم لم تجيبوا الصوت الأول والثاني وأجبتم الثالث؟ فقالوا: إنما أمرنا أن لا نجيب إلا نبيا أو وصي نبي، ثم انصرفوا إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فسألهم ما فعلوا فأخبروه فأخرج النبي (صلى الله عليه وآله) صحيفة حمراء وقال لهم اكتبوا شهاداتكم بخطوطكم فيها بما رأيتم وسمعتم فأنزل الله عز وجل: *(ستكتب شهادتهم ويسألون يوم القيامة)*(2).
الرابع: ابن شهرآشوب في كتاب المناقب عن كتاب ابن بابويه وأبي القاسم البستي والقاضي أبي عمر بن أحمد عن جابر وأنس أن جماعة نقصوا عليا (عليه السلام) عند عمر فقال سلمان: أوما تذكر يا عمر اليوم الذي كنت وأبو بكر وأنا وأبو ذر عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبسط لنا شملة وأجلس كل واحد منا على طرف وأخذ بيد علي وأجلسه وسطها ثم قال: قم يا أبا بكر وسلم [ على علي ] بالإمامة وخلافة المسلمين، وهكذا كل واحدة منا ثم قال: قم يا علي وسلم على هذا النور يعني الشمس
____________
(1) عيون المعجزات 8، بحار الأنوار: 39 / 146 / ح 11.
(2) بحار الأنوار: 36 / 153 / ح 133.
الصفحة 226
فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): أيها الآية المشرقة، السلام عليك فأجابت القرصة وارتعدت وقالت:
وعليك السلام يا ولي الله ووصي رسوله ثم رفع رسول الله يده إلى السماء فقال: اللهم إنك أعطيت لأخي سليمان صفيك ملكا وريحا غدوها شهر ورواحها شهر، اللهم أرسل تلك لتحملهم إلى أصحاب الكهف، وأمرنا أن نسلم على أصحاب الكهف فقال علي: يا ريح احملينا فإذا نحن في الهواء فسرنا ما شاء الله ثم قال: يا ريح ضعينا فوضعتنا عند الكهف فقام كل واحد منا وسلم فلم يردوا الجواب فقام علي فقال: السلام عليكم أصحاب الكهف فسمعنا: وعليك السلام يا وصي محمد إنا قوم محبوسون هاهنا من زمن دقيانوس فقال لهم: لم لا تردوا على أصحابي سلاما؟
فقالوا: نحن فتية لا نرد إلا على نبي أو وصي نبي وأنت وصي خاتم النبيين وخليفة رسول رب العالمين ثم قال: خذوا مجالسكم فأخذنا مجالسنا ثم قال: يا ريح احملينا فإذا نحن في الهواء فسرنا ما شاء الله ثم قال: يا ريح ضعينا فوضعتنا ثم ركض برجله الأرض فنبعت عين ماء فتوضأ وتوضأنا ثم قال: ستدركون الصلاة مع النبي (صلى الله عليه وآله) أو بعضها ثم قال: يا ريح احملينا ثم قال: ضعينا فوضعتنا فإذا نحن في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد صلى من الغداة ركعة، والبساط أهداه أهل هربوق، والكهف في بلاد الروم في موضع يقال له اركدى وكان في ملك باهندق(1)، وهو اليوم اسم الضيعة، وفي خبر إن الكساء كان أتى به حظي بن الأشرف أخو كعب، فلما رأى معجزات علي (عليه السلام) أسلم.
وقال العوني:
ومن حملته الريح فوق بساطه فأسمع أهل الكهف حين تكلما(2)
الخامس: ابن شهرآشوب قال: وفي رواية أخرى بالإسناد يرفعه إلى سالم بن أبي جعدة قال:
حضرت مجلس أنس بن مالك بالبصرة وهو يحدث فقام إليه رجل من القوم، وقال: يا صاحب رسول الله، ما هذه الشيمة التي أراها بك فإنه حدثني أبي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: البرص والجذام لا يبلى الله به مؤمنا قال: فعند ذلك أطرق أنس بن مالك إلى الأرض وعيناه تذرفان بالدموع ثم رفع رأسه وقال: دعوة العبد الصالح علي بن أبي طالب (عليه السلام) نفذت في، قال: فعند ذلك قام الناس من حواليه وقصدوه وقال: يا أنس، حدثنا ما كان السبب؟ قال لهم: انتهوا عن هذا، قالوا له: لا بد لك أن تخبرنا بذلك، فقال: اقعدوا على مواضعكم واسمعوا مني حديثا كان هو السبب عن علي (عليه السلام)، اعلموا أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان قد أهدي له بساط شعر من قرية كذا وكذا من قرى المشرق يقال لها هندف، فأرسلني رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى أبي بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وسعد وسعيد وعبد
____________
(1) في المصدر: باهتدت.
(2) مناقب آل أبي طالب: 2 / 162.
الصفحة 227
الرحمن بن عوف الزهري فأتيته بهم وعنده ابن عمه علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال لي: أنس ابسط البساط وأجلسهم عليه، ثم قال: يا أنس اجلس حتى تخبرني بما يكون منهم ثم قال: يا علي قل:
يا ريح احملينا فقال الإمام علي (عليه السلام): يا ريح احملينا فإذا نحن في الهواء فقال: سيروا على بركة الله قال: فسرنا ما شاء الله ثم قال: يا ريح ضعينا فوضعتنا فقال: أتدرون أين أنتم؟
قلنا: الله ورسوله وعلي أعلم قال: هؤلاء أصحاب الكهف والرقيم الذين كانوا من آيات الله عجبا، قوموا بنا يا أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى تسلموا عليهم، فعند ذلك قام أبو بكر وعمر فقالا:
السلام عليكم يا أصحاب الكهف والرقيم قال: فلم يجبهما أحد، قال: فقام طلحة والزبير فقالا:
السلام عليكم يا أصحاب الكهف والرقيم فلم يجبهما أحد قال أنس: فقمت أنا وعبد الرحمن بن عوف فقلت: أنا أنس خادم رسول الله (صلى الله عليه وآله)، السلام عليكم يا أصحاب الكهف والرقيم فلم يجاوبني أحد، قال: فعند ذلك قام الإمام وقال: السلام عليكم يا أصحاب الكهف والرقيم الذين كانوا من آيات الله عجبا فقالوا: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته يا وصي رسول الله فقال: يا أصحاب الكهف ألا رددتم على أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ فقالوا: يا خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله) إنا فتية آمنوا بربهم وزادهم الله هدى وليس معنا إذن أن نرد السلام إلا على نبي أو وصي نبي، وأنت وصي خاتم النبيين وأنت سيد الوصيين ثم قال: أسمعتم يا أصحاب رسول الله؟
قالوا: نعم يا أمير المؤمنين، قال: فخذوا مواضعكم وقوموا في مجالسكم قال: فقعدنا في مجالسنا، ثم قال (عليه السلام): يا ريح احملينا فحملتنا وسرنا ما شاء الله إلى أن غربت الشمس ثم قال: يا ريح ضعينا فإذا نحن في أرض كالزعفران ليس فيها حسيس ولا أنيس، نباتها الشيع وليس بها ماء فقلنا له: يا أمير المؤمنين وقت الصلاة وليس بها لنا ماء نتوضأ به ثم قام وجاء إلى موضع من تلك الأرض فرفس برجله فنبعت عين ماء عذب فقال: دونكم وما طلبتم ولولا طلبتكم لجاءنا جبرائيل بماء من الجنة قال: فتوضينا وصلينا ووقف يصلي إلى أن انتصف الليل ثم قال (عليه السلام): خذوا مواضعكم ستدركون الصلاة مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) أو بعضها ثم قال: يا ريح احملينا فإذا نحن في الهواء ثم سرنا ما شاء الله فإذا بمسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد صلى من صلاته الغداة ركعة واحدة فقضينا ما كان قد سبقنا بها رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم التفت إلينا فقال لي: يا أنس تحدثني أم أحدثك؟
قلت: بل من فيك أحلى يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: فابتدأ بالحديث من أوله إلى آخره كأنه كان معنا، قال: يا أنس تشهد لابن عمي بها إذا استشهدك؟ فقلت: نعم يا رسول الله، فلما ولي أبو بكر الخلافة أتى علي إلي وكنت حاضرا عند أبي بكر والناس من حوله فقال لي: يا أنس ألست تشهد لي بفضيلة
الصفحة 228
البساط ويوم عين الماء ويوم الجب؟ فقلت: قد نسيت يا علي لكبري، فعندها قال لي: يا أنس إن كنت كتمتها مداهنة بعد وصية رسول الله لك رماك الله ببياض في وجهك ولظى في جوفك وعمى في عينك، فما قمت من مقامي حتى برصت وعميت وأنا الآن لا أقدر على الصيام في شهر رمضان ولا غيره لأن الزاد لا يبقى في جوفي، ولم يزل على ذلك حتى مات بالبصرة(1). وروى الكشي أنه لما أصابته دعوة أمير المؤمنين (عليه السلام) فبرص فحلف أن لا يكتم منقبة لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) ولا فضلا أبدا(2).
____________
(1) لم نعثر عليه في مناقب ابن شهرآشوب، ونقله المجلسي عن كتابي الروضة والفضائل. انظر البحار: 41 / 217 / ح 31.
(2) رجال الكشي 45 / ح 95.