قال الشيخ أيده الله تعالى و إذا أراد المحدث الوضوء من بعض الأشياء التي توجبه من الأحداث المقدم ذكرها إلى قوله و الكعبان هما قبتا القدمين يدل على ذلك
1- ما أخبرني به الشيخ أيده الله تعالى قال أخبرني أحمد بن محمد عن أبيه عن محمد بن يحيى و أحمد بن إدريس عن محمد بن أحمد بن يحيى عن الحسن بن علي بن عبد الله عن علي بن حسان عن عمه عبد الرحمن بن كثير الهاشمي مولى محمد بن علي عن أبي عبد الله ع
2- و أخبرني الشيخ عن أبي القاسم جعفر بن محمد عن محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن قاسم الخزاز عن عبد الرحمن بن كثير عن أبي عبد الله ع مثله قال بينا أمير المؤمنين ع ذات يوم جالس مع ابن الحنفية إذ قال له يا محمد ايتني بإناء من ماء أتوضأ للصلاة فأتاه محمد بالماء فأكفاه بيده اليسرى على يده اليمنى ثم قال بسم الله و الحمد لله الذي جعل الماء طهورا و لم يجعله نجسا قال ثم استنجى فقال اللهم حصن فرجي و أعفه و استر عورتي و حرمني على النار قال ثم تمضمض فقال اللهم لقني حجتي يوم ألقاك و أطلق لساني بذكرك ثم استنشق فقال اللهم لا تحرم علي ريح الجنة و اجعلني ممن يشم ريحها و روحها و طيبها قال ثم غسل وجهه فقال اللهم بيض وجهي يوم تسود فيه الوجوه و لا تسود وجهي يوم تبيض فيه الوجوه ثم غسل يده اليمنى فقال اللهم أعطني كتابي بيميني و الخلد في الجنان بيساري و حاسبني حسابا يسيرا ثم غسل يده اليسرى فقال اللهم لا تعطني كتابي بشمالي و لا تجعلها مغلولة إلى عنقي و أعوذ بك من مقطعات النيران ثم مسح رأسه فقال اللهم غشني برحمتك و بركاتك ثم مسح رجليه فقال اللهم ثبتني على الصراط يوم تزل فيه الأقدام و اجعل سعيي فيما يرضيك عني ثم رفع رأسه فنظر إلى محمد فقال يا محمد من توضأ مثل وضوئي و قال مثل قولي خلق الله له من كل قطرة ملكا يقدسه و يسبحه و يكبره فيكتب الله له ثواب ذلك إلى يوم القيامة
فأما ما يتضمن جملة كلام الشيخ أيده الله تعالى في حد الوجه في الوضوء و أنه من قصاص الشعر إلى محادر شعر الذقن و ما دارت عليه الإبهام و الوسطى فالذي يدل عليه أن ما اعتبرناه لا خلاف أنه من الوجه و ما زاد على ذلك مختلف فيه فأخذنا بما أجمعت الأمة عليه و تركنا ما اختلفت فيه و ليس لأحد أن يقول إن الوجه هو ما واجه به الإنسان لأنه يلزم عليه أن يكون الأذنان من الوجه و الصدر من الوجه و كل عضو يواجه به الإنسان من الوجه و هذا فاسد بلا خلاف و يدل عليه أيضا
3- ما أخبرني به الشيخ أيده الله تعالى عن أبي القاسم جعفر بن محمد عن محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه و محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان جميعا عن حماد بن عيسى عن حريز عن زرارة قال قلت له أخبرني عن حد الوجه الذي ينبغي له أن يوضأ الذي قال الله عز و جل فقال الوجه الذي أمر الله عز و جل بغسله الذي لا ينبغي لأحد أن يزيد عليه و لا ينقص منه إن زاد عليه لم يؤجر و إن نقص منه أثم ما دارت عليه السبابة و الوسطى و الإبهام من قصاص شعر الرأس إلى الذقن و ما جرت عليه الإصبعان من الوجه مستديرا فهو من الوجه و ما سوى ذلك فليس قلت الصدغ ليس من الوجه قال لا
4- و بهذا الإسناد عن محمد بن يعقوب عن علي بن محمد عن سهل بن زياد عن إسماعيل بن مهران قال كتبت إلى الرضا ع أسأله عن حد الوجه فكتب إلي من أول الشعر إلى آخر الوجه و كذلك الجبينين حينئذ
5- و بهذا الإسناد عن محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن فضال عن ابن بكير عن زرارة قال سألت أبا جعفر ع أن أناسا يقولون إن الأذنين من الوجه و ظهرهما من الرأس فقال ليس عليهما غسل و لا مسح
و ما ذكره من أنه يأخذ الماء لغسل يده اليمنى بيده اليمنى فيديرها إلى يده اليسرى ثم يغسل يده اليمنى فيدل عليه ما تضمنه الخبر المتقدم في صفة وضوء أمير المؤمنين ع و يزيده تأكيدا
6- ما أخبرني به الشيخ أيده الله تعالى عن أحمد بن محمد عن أبيه عن الحسين بن الحسن بن أبان عن الحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير و فضالة عن جميل بن دراج عن زرارة بن أعين قال حكى لنا أبو جعفر ع وضوء رسول الله ص فدعا بقدح من ماء فأدخل يده اليمنى فأخذ كفا من ماء فأسدلها على وجهه من أعلى الوجه ثم مسح بيده الحاجبين جميعا ثم أعاد اليسرى في الإناء فأسدلها على اليمنى ثم مسح جوانبها ثم أعاد اليمنى في الإناء ثم صبها على اليسرى فصنع بها كما صنع باليمنى ثم مسح ببقية ما بقي في يديه رأسه و رجليه و لم يعدها في الإناء
و أما قوله و لا يستقبل شعر ذراعيه فدلالته
7- ما أخبرني به الشيخ أيده الله تعالى عن أحمد بن محمد عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد عن عثمان بن عيسى عن ابن أذينة عن بكير و زرارة ابني أعين أنهما سألا أبا جعفر ع عن وضوء رسول الله ص فدعا بطست أو بتور فيه ماء فغسل كفيه ثم غمس كفه اليمنى في التور فغسل وجهه بها و استعان بيده اليسرى بكفه على غسل وجهه ثم غمس كفه اليمنى في الماء فاغترف بها من الماء فغسل يده اليمنى من المرفق إلى الأصابع لا يرد الماء إلى المرفقين ثم غمس كفه اليمنى في الماء فاغترف بهامن الماء فأفرغه على يده اليسرى من المرفق إلى الكف لا يرد الماء إلى المرفق كما صنع باليمنى ثم مسح رأسه و قدميه إلى الكعبين بفضل كفيه و لم يجدد ماء
فإن قيل كيف يمكنكم القول بذلك و ظاهر قوله تعالى يدل على خلافه لأنه تعالى قال في آية الوضوء فاغسلوا وجوهكم و أيديكم إلى المرافق و إلى معناها الانتهاء و الغاية أ لا ترى أنهم يقولون خرجت من الكوفة إلى البصرة أي حتى انتهيت إلى البصرة و هذا يوجب أن يكون المرفق غاية في الوضوء لا أن يكون المبدأ به قيل له ليس في الآية ما ينافي ما ذكرناه لأن إلى قد تكون بمعنى الغاية و قد تكون بمعنى مع و لها تصرف كثير و استعمالها في ذلك ظاهر عند أهل اللغة قال تعالى و لا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم و قال تعالى حاكيا عن عيسى ع من أنصاري إلى الله أي مع الله و يقال فلان ولي الكوفة إلى البصرة و لا يراد الغاية بل المعنى فيه مع البصرة و يقولون فلان فعل كذا و أقدم على كذا هذا إلى ما فعله من كذا أي مع ما فعله و قال إمرؤ القيس
له كفل كالدعص لبده الندى إلى حارك مثل الرتاج المضبب
أراد مع حارك و قال النابغة الجعدي
و لوح ذراعين في منكب إلى جؤجؤ رهل المنكب
أي مع جؤجؤ و هذا أكثر من أن يحتاج إلى الإطناب فيه و إذا ثبت أن إلى بمعنى مع دل على وجوب غسل المرافق أيضا على حسب ما تضمنه الفصل و يؤكد أن إلى في الآية ليست بمعنى الغاية
8- ما أخبرني به الشيخ أيده الله تعالى عن أبي القاسم جعفر بن محمد عن محمد بن يعقوب عن محمد بن الحسين و غيره عن سهل بن زياد عن علي بن الحكم عن الهيثم بن عروة التميمي قال سألت أبا عبد الله ع عن قوله تعالى فاغسلوا وجوهكم و أيديكم إلى المرافق فقال ليس هكذا تنزيلها إنما هي فاغسلوا وجوهكم و أيديكم من المرافق ثم أمر يده من مرفقه إلى أصابعه
و على هذه القراءة يسقط السؤال من أصله
9- فأما الخبر الذي رواه محمد بن يعقوب عن أحمد بن إدريس عن محمد بن أحمد عن محمد بن عيسى عن يونس قال أخبرني من رأى أبا الحسن ع بمنى يمسح ظهر قدميه من أعلى القدم إلى الكعب و من الكعب إلى أعلى القدم
فمقصور على مسح الرجلين و لا يتعدى إلى الرأس و اليدين و يدل على ذلك أيضا
10- ما رواه الشيخ عن أبي القاسم جعفر بن محمد عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد عن العباس عن محمد بن أبي عمير عن حماد بن عثمان عن أبي عبد الله ع قال لا بأس بمسح الوضوء مقبلا و مدبرا
و أما قوله و يمسح ببلل يديه رأسه و رجليه من غير أن يستأنف ماء جديدا فالخبران المتقدمان يدلان عليه لأن خبر زرارة عن أبي جعفر ع يتضمن في آخره ثم مسح ببقية ما بقي في يده رأسه و رجليه و لم يعدها في الإناء و كذلك الخبر الآخر الذي رواه زرارة مع أخيه بكير عن أبي جعفر ع في آخره ثم مسح رأسه و قدميه إلى الكعبين بفضل كفيه و لم يجدد ماء و هذا صريح بسقوط وجوب تناول الماء الجديد للمسح على ما ترى و يدل على ذلك أيضا
11- ما أخبرني به الشيخ أيده الله تعالى عن أحمد بن محمد عن أبيه عن الحسين بن الحسن بن أبان و محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن صفوان و فضالة بن أيوب عن فضيل بن عثمان عن أبي عبيدة الحذاء قال وضأت أبا جعفر ع بجمع و قد بال فناولته ماء فاستنجى ثم صببت عليه كفا فغسل وجهه و كفا غسل به ذراعه الأيمن و كفا غسل به ذراعه الأيسر ثم مسح بفضل الندى رأسه و رجليه
12- فأما ما رواه أحمد بن محمد بن عيسى عن معمر بن خلاد قال سألت أبا الحسن ع أ يجزي الرجل أن يمسح قدميه بفضل رأسه فقال برأسه لا فقلت أ بماء جديد فقال برأسه نعم
13- و الخبر الذي رواه الحسين بن سعيد عن حماد عن شعيب عن أبي بصير قال سألت أبا عبد الله ع عن مسح الرأس قلت أمسح بما في يدي من الندى رأسي قال لا بل تضع يدك في الماء ثم تمسح
فهذه الأخبار وردت للتقية و على ما يوافق مذهب المخالفين و الذي يدل على ذلك ما قدمنا ذكره من الأخبار و تضمنها نفي تناول الماء للمسح و لا يجوز التناقض في أقوالهم و أفعالهم و يحتمل أن يكون أراد به إذا جف وجهه أو أعضاء طهارته فيحتاج أن يجدد غسله فيأخذ ماء جديدا و يكون الأخذ له أخذا للمسح حسب ما تضمنه الخبر و يحتمل أيضا أن يكون أراد بالخبر الثاني من قوله بل تضع يدك في الماء يعني الماء الذي بقي في لحيته أو حاجبيه و ليس في الخبر أنه يضع يده في الماء الذي في الإناء أو غيره و إذا احتمل ذلك بطل التعارض فيها
و الذي يدل على هذا التأويل
14- ما أخبرني به الشيخ أيده الله تعالى عن أحمد بن محمد عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن موسى بن جعفر عن وهب عن الحسن بن علي الوشاء عن خلف بن حماد عمن أخبره عن أبي عبد الله ع قال قلت له الرجل ينسى مسح رأسه و هو في الصلاة قال إن كان في لحيته بلل فليمسح به قلت فإن لم يكن له لحية قال يمسح من حاجبه أو من أشفار عينيه
15- فأما ما رواه ابن عقدة عن فضل بن يوسف عن محمد بن عكاشة عن جعفر بن عمارة أبي عمارة الحارثي قال سألت جعفر بن محمد ع أمسح رأسي ببلل يدي قال خذ لرأسك ماء جديدا
فالوجه فيه أيضا ما قدمناه من التقية لأن رجاله رجال العامة و الزيدية و أما قوله أيده الله تعالى يمسح برأسه بمقدار ثلاث أصابع مضمومة من ناصيته إلى قصاص شعر رأسه مرة واحدة فدليله
16- ما أخبرني به الشيخ أيده الله تعالى قال أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمد عن محمد بن يعقوب عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن شاذان بن الخليل النيسابوري عن معمر بن عمر عن أبي جعفر ع قال يجزي من مسح الرأس موضع ثلاث أصابع و كذلك الرجل
فإن قيل كيف يمكنكم التعلق بهذا الخبر مع أن ظاهر القرآن يدفعه لأن الله تعالى قال و امسحوا برؤسكم و الباء هاهنا للإلصاق و إنما دخلت لتعلق المسح بالرءوس لا أن تفيد التبعيض لأن إفادتها للتبعيض غير موجود في كلام العرب فإذا كان هذا هكذا فالظاهر يقتضي مسح جميع الرأس قيل لهم قد استدل أصحابنا بهذه الآية على أن المسح في الرأس و الرجلين ببعضها لأنهم قالوا قد ثبت أن الباء لها مراتب في دخولها في الكلام فتارة تدخل للزيادة و الإلصاق و تارة تدخل للتبعيض و لا يجوز حملها على الزيادة و الإلصاق إلا لضرورة لأن حقيقة موضع الكلام للفائدة خاصة إذا صدر من حكيم عالم و بها يتميز من كلام الساهي و النائم و الهاذي و لأن الباء إنما تدخل للإلصاق في الموضع الذي لا يتعدى الفعل إلى المفعول بنفسه مثل قولهم مررت بزيد و ذهبت بعمرو فالمرور و الذهاب لا يتعديان بأنفسهما فدخلت الباء لتوصل الفعلين إلى المفعولين فأما إذا كان الفعل مما يتعدى بنفسه و لا يفتقر في تعديته إلى الباء و وجدناهم أدخلوا الباء عليه علمنا أنهم أدخلوها لوجود فائدة لم تكن و هي التبعيض و قوله تعالى و امسحوا برؤسكم مما يتعدى الفعل بنفسه أ لا ترى أنه لو قال امسحوا رءوسكم كان الكلام مستقلا بنفسه مفيدا فوجب أن يكون لدخولها في هذا الموضع فائدة مجددة حسب ما ذكرناه و ليس هو إلا التبعيض لأنا متى حملناها على ما ذهب إليه الخصوم من الإلصاق و الزيادة كان دخولها و خروجها على حد سواء و هذا عبث لا يجوز على الله تعالى فإن قيل فقد قال الله تعالى في آية التيمم فامسحوا بوجوهكم و أيديكم فينبغي أن يكون المسح ببعض الوجه قلنا كذلك نقول لأن عندنا أن المسح يجب في التيمم ببعض الوجه و هو الجبهة و الحاجبان و يدل على أن الباء توجب التبعيض من جهة الخبر
17- ما أخبرنا به الشيخ أيده الله تعالى عن أبي القاسم جعفر بن محمد عن محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه و محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان جميعا عن حماد بن عيسى عن حريز عن زرارة قال قلت لأبي جعفر ع أ لا تخبرني من أين علمت و قلت إن المسح ببعض الرأس و بعض الرجلين فضحك ثم قال يا زرارة قاله رسول الله ص و نزل به الكتاب من الله تعالى لأن الله تعالى يقول فاغسلوا وجوهكم فعرفنا أن الوجه كله ينبغي له أن يغسل ثم قال و أيديكم إلى المرافق ثم فصل بين الكلامين فقالو امسحوا برؤسكم فعرفنا حين قال برءوسكم أن المسح ببعض الرأس لمكان الباء ثم وصل الرجلين بالرأس كما وصل اليدين بالوجه فقال و أرجلكم إلى الكعبين فعرفنا حين وصلهما بالرأس أن المسح على بعضهما ثم فسر ذلك رسول الله ص للناس فضيعوه ثم قال فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم و أيديكم فلما وضع الوضوء عمن لم يجد الماء أثبت بعوض الغسل مسحا لأنه قال بوجوهكم ثم وصل بها و أيديكم ثم قال منه أي من ذلك التيمم لأنه علم أن ذلك أجمع لا يجري على الوجه لأنه يعلق من ذلك الصعيد ببعض الكف و لا يعلق ببعضها ثم قال ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج و الحرج الضيق
18- فأما ما رواه الحسين بن سعيد عن يونس عن علي بن رئاب قال سألت أبا عبد الله ع الأذنان من الرأس قال نعم قلت فإذا مسحت رأسي مسحت أذني قال نعم كأني أنظر إلى أبي و في عنقه عكنة و كان يحفي رأسه إذا جزه كأني أنظر إليه و الماء ينحدر على عنقه
19- و ما رواه هو أيضا عن فضالة عن الحسين بن أبي العلاء قال قال أبو عبد الله ع امسح الرأس على مقدمه و مؤخره
فمحمولان على التقية لأنهما ينافيان القرآن حسب ما ذكرناه و يدفعان الأخبار على ما أثبتناه و لا يجوز التناقض في كلامهم أو يسمع منهم ما ينافي القرآن و يؤكد ما ذكرناه
20- ما أخبرني به الشيخ أيده الله تعالى عن أحمد بن محمد عن أبيه عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير عن أبي أيوب عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله ع قال مسح الرأس على مقدمه
فإن قال قائل قد مضى في كلامكم أن المسح على الرجلين هو الفرض و مخالفوكم يدفعونكم عن ذلك و يقولون إن ذلك بدعة و إن الفرض هو الغسل دون المسح فما دليلكم عليهم قيل له دليلنا عليه قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم و أيديكم إلى المرافق و امسحوا برؤسكم و أرجلكم إلى الكعبين فصرح في الآية بحكمين في عضوين ثم عطف الأيدي على الوجوه فأوجب لها بالعطف مثل حكمها و عطف الأرجل على الرءوس فأوجب أن يكون لها في المسح مثل حكمها بمقتضى العطف و لو جاز أن يخالف بين حكمها مع العطف جاز أن يخالف بين حكمها في الوجوه و يدل على ذلك أيضا
21- ما روي عن أمير المؤمنين ع و ابن عباس رضي الله عنه عن النبي ص أنه توضأ و مسح على قدميه و نعليه
22- و رووا أيضا عن ابن عباس أنه وصف وضوء رسول الله ص فمسح على رجليه
23- و روي عنه أيضا أنه قال إن في كتاب الله المسح و يأبى الناس إلا الغسل
24- و قد روي مثل هذا عن أمير المؤمنين ع أنه قال ما أنزل القرآن إلا بالمسح
25- و روي عن ابن عباس أيضا أنه قال غسلتان و مسحتان
و كل هذه الأخبار قد رواها مخالفونا و الذي تفرد به أصحابنا أكثر من أن يحصى و أنا أذكر طرفا من ذلك إن شاء الله فمن ذلك
26- ما أخبرني به الشيخ أيده الله تعالى قال أخبرني أحمد بن محمد بن الحسن عن أبيه عن الحسين بن الحسن بن أبان و محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد جميعا عن الحسين بن سعيد عن فضالة عن حماد بن عثمان عن سالم و غالب بن هذيل قال سألت أبا جعفر ع عن المسح على الرجلين فقال هو الذي نزل به جبرئيل ع
27- و بهذا الإسناد عن الحسين بن سعيد عن صفوان عن العلاء عن محمد بن مسلم عن أحدهما ع قال سألته عن المسح على الرجلين فقال لا بأس
28- و بهذا الإسناد عن الحسين بن سعيد عن أحمد بن محمد قال سألت أبا الحسن ع عن المسح على القدمين كيف هو فوضع كفه على الأصابع ثم مسحها إلى الكعبين فقلت له لو أن رجلا قال بإصبعين من أصابعه هكذا إلى الكعبين قال لا إلا بكفه كلها
29- و أخبرني الشيخ أيده الله تعالى عن أحمد بن محمد عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد عن أيوب بن نوح قال كتبت إلى أبي الحسن ع أسأله عن المسح على القدمين فقال الوضوء بالمسح و لا يجب فيه إلا ذلك و من غسل فلا بأس
يعني إذا أراد به التنظيف يدل على ذلك
30- ما أخبرني به الشيخ أيده الله تعالى قال أخبرني أحمد بن محمد عن أبيه عن محمد بن يحيى عن محمد بن علي بن محبوب عن أحمد بن علي عن أبي همام عن أبي الحسن الرضا ع في الوضوء الفريضة في كتاب الله تعالى المسح و الغسل في الوضوء للتنظيف
31- و بالإسناد الأول عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد عن الحجال عن ثعلبة بن ميمون عن زرارة عن أبي جعفر ع أن عليا ع مسح على النعلين و لم يستبطن الشراكين
يعني إذا كانا عربيين لأنهما لا يمنعان من وصول الماء إلى الرجل بقدر ما يجب فيه عليه المسح
32- و أخبرني الشيخ أيده الله تعالى قال أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمد عن محمد بن يعقوب عن أحمد بن إدريس عن محمد بن أحمد عن محمد بن عيسى عن يونس قال أخبرني من رأى أبا الحسن ع بمنى يمسح ظهر قدميه من أعلى القدم إلى الكعب و من الكعب إلى أعلى القدم
و قد مضى تفسير هذا الحديث
33- و بهذا الإسناد عن محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن الحكم بن مسكين عن محمد بن مروان قال قال أبو عبد الله ع إنه يأتي على الرجل ستون و سبعون سنة ما قبل الله منه صلاة قلت و كيف ذلك قال لأنه يغسل ما أمر الله بمسحه
34- محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن علي بن إسماعيل عن علي بن النعمان عن القاسم بن محمد عن جعفر بن سليمان عمه قال سألت أبا الحسن موسى ع فقلت جعلت فداك يكون خف الرجل مخرقا فيدخل يده فيمسح ظهر قدميه أ يجزيه قال نعم
35- الحسين بن سعيد عن حماد عن حريز عن زرارة قال قال لي لو أنك توضأت فجعلت مسح الرجلين غسلا ثم أضمرت أن ذلك من المفروض لم يكن ذلك بوضوء ثم قال ابدأ بالمسح على الرجلين فإن بدا لك غسل فغسلته فامسح بعده ليكون آخر ذلك المفروض
36- فأما ما رواه محمد بن أحمد بن يحيى عن أحمد بن الحسن بن علي بن فضال عن عمرو بن سعيد المدائني عن مصدق بن صدقة عن عمار بن موسى عن أبي عبد الله ع في الرجل يتوضأ الوضوء كله إلا رجليه ثم يخوض الماء بهما خوضا قال أجزأه ذلك
فهذا الخبر محمول على حال التقية فأما مع الاختيار فإنه لا يجوز إلا المسح عليهما على ما بيناه فإن قال قائل ما أنكرتم أن يكون ما اعتمدتموه في الآية من القراءة بالجر لا يوجب المسح و إنما يفيد اشتراك الرجل بالرأس في الإعراب لا أن يوجب اشتراكهما في الحكم فيكون ذلك على المجاورة كما جاء في كثير من كلام العرب مثل قولهم جحر ضب خرب و إن كان خرب من صفات الجحر لا الضب و إنما جر لمجاورته للضب و كما قال الشاعر
كأن ثبيرا في عرانين وبله كبير أناس في بجاد مزمل
و المزمل من صفات الكبير لا البجاد و كما قال الأعشى
لقد كان في حول ثواء ثويته تقضي لبانات و يسأم سائم
و على هذا لا ينكر أن تكون الأرجل مغسولة و إن كانت مجرورة قلنا هذا باطل من وجوه أحدها أنه لا خلاف بين أهل العربية في أن الإعراب بالمجاورة لا يتعدى إلى غيرها و ما هذه منزلته في الشذوذ و الخروج عن الأصول لا يجوز أن يحمل كلام الله تعالى عليه و ثانيها أن كل موضع أعرب بالمجاورة مما ذكره السائل و مما لم يذكره مفقود منه حرف العطف الذي تضمنته الآية و عليه اعتمدنا في تساوي حكم الأرجل و الرءوس فلو كان ما أورده من حكم المجاورة يسوغ القياس عليه لكانت الآية خارجة عنه لتضمنها من دليل العطف ما فقدناه في المواضع المعربة بالمجاورة و لا شبهة على أحد ممن يفهم العربية في أن المجاورة لا حكم لها مع العطف و ثالثها أن الإعراب بالجوار إنما استحسن بحيث ترتفع الشبهة في المعنى أ لا ترى أن الشبهة زائلة في كون خرب صفة للضب و المعرفة حاصلة بأنه من صفات الجحر و كذلك قوله مزمل معلوم أنه من صفات الكبير لا البجاد و ليس هكذا الآية لأن الأرجل يصح أن يكون فرضها المسح كما يصح أن يكون الغسل و الشك في ذلك واقع غير ممتنع فلا يجوز إعمال المجاورة فيها لحصول اللبس و الشبهة و لخروجه عن باب ما عهد استعمال القوم الجوار فيه فأما البيت الذي أنشدوه للأعشى فقد أخطئوا في توهمهم أن هناك مجاورة و إنما جر ثواء بالبدل من الحول و المعنى لقد كان في ثواء ثويته تقضي لبانات و هذا القسم من البدل هو بدل الاشتمال كما قال تعالى قتل أصحاب الأخدود. النار و قال يسئلونك عن الشهر الحرام قتال فيه فإن قيل كيف ادعيتم أن المجاورة لا حكم لها مع واو العطف مع قوله تعالى يطوف عليهم ولدان مخلدون. بأكواب و أباريق إلى قوله و حور عين فخفضهن بالمجاورة لأنهن يطفن و لا يطاف بهن و مثل ذلك أيضا قول الشاعر
لم يبق إلا أسير غير منفلت و موثق في عقال الأسر مكبول
فخفض موثقا بالمجاورة للمنفلت و كان من حقه أن يكون مرفوعا لأن تقدير الكلام لم يبق إلا أسير و موثق قلنا أول ما يبطل هذا الكلام أنه ليس جميع القراء على جر حور عين بل أكثر قراء السبعة على الرفع و هم نافع و ابن كثير و عاصم في رواية و أبو عمرو و ابن عامر و الذي جر حمزة و الكسائي و في رواية المفضل عن عاصم و قد حكي أنه كان ينصب و حورا عينا و للجر وجه غير المجاورة و هو أنه لما تقدم قوله تعالى أولئك المقربون. في جنات النعيم عطف بحور عين على جنات النعيم فكأنه قال هم في جنات النعيم و في مقارنة أو معاشرة حور العين و حذف المضاف و هذا وجه حسن ذكره أبو علي الفارسي في كتاب الحجة في القراءة فأما البيت الذي أنشده السائل فعلى خلاف ما توهمه لأن معنى قوله لم يبق إلا أسير أي لم يبق غير أسير و غير تعاقب إلا في الاستثناء ثم قال و موثق بالجر عطفا على المعنى و على موضع أسير فكأنه قال لم يبق غير أسير و غير منفلت و لم يبق غير موثق فأما قول الشاعر
فهل أنت إن ماتت أتانك راحل إلى آل بسطام بن قيس فخاطب
يمكن أن يكون الوجه في خاطب الرفع و إنما جر الراوي وهما و يكون عطفا على راحل و يمكن أن يكون المراد بخاطب الأمر و إنما جر لإطلاق الشعر فإن قيل ما أنكرتم على تسليم إيجاب الآية لمسح الرجلين أن يكون المسح بمعنى الغسل لأن المسح عند العرب هو الغسل الخفيف حكي ذلك عن أبي زيد الأنصاري و استشهد بقولهم تمسحت للصلاة فسموا الغسل مسحا و على ذلك حمل المفسرون قوله تعالى فطفق مسحا بالسوق و الأعناق أي إنه غسل سوقها و أعناقها قلنا هذا باطل من وجوه منها أنه لا معتبر باحتمال اللفظة في اللغة إذا كانت في عرف الشرع مختصة بفائدة واحدة فلو سلمنا أن الغسل في اللغة مسح لم يقدح ذلك في تأويلنا الآية لأن إطلاق المسح في الشرع يستفاد به ما لا يستفاد بالغسل و لهذا جعل أهل الشرع بعض أعضاء الطهارة ممسوحا و بعضها مغسولا و فصلوا بين الحكمين و فرقوا بين قول القائل فلان يرى أن الفرض في الرجلين المسح و بين قوله فلان يرى الغسل و منها أن الرءوس إذا كانت ممسوحة المسح الذي لا يدخل في معنى الغسل بلا خلاف و عطف الأرجل عليها فواجب أن يكون حكمها مثل حكم الرءوس في المسح و كيفيته لأن من فرق بينهما مع العطف في كيفية المسح كمن فرق بينهما في المسح و منها أن المسح لو كان غسلا و الغسل مسحا لسقط ما لا يزال يستدل به مخالفونا و يجعلونه عمدتهم من روايتهم عنه ع أنه توضأ و غسل رجليه لأنه كان لا ينكر أن يكون الغسل المذكور إنما هو المسح فصار تأويلهم الآية على هذا يبطل أصل مذهبهم في غسل الرجلين و منها أن شبهة من جعل المسح غسلا من أهل اللغة هي من حيث اشتمال الغسل على المسح و ليس كل شيء اشتمل على غيره يصح أن يسمى باسمه لأنا نعلم أن الغسل يشتمل على أفعال مثل الاعتماد و الحركة و لا يجوز أن يسمى بأسماء ما يشتمل عليه و أما استشهاد أبي زيد بقولهم تمسحت للصلاة فالمعنى فيه أنهم لما أرادوا أن يخبروا عن الطهور بلفظ مختصر و لم يجز أن يقولوا اغتسلت للصلاة لأن في الطهارة ما ليس بغسل و استطالوا أن يقولوا اغتسلت و تمسحت للصلاة قالوا بدلا من ذلك تمسحت لأن المغسول من الأعضاء ممسوح أيضا فتجوزوا بذلك اختصارا أو تعويلا على أن المراد مفهوم و هذا لا يقتضي أن يكونوا جعلوا المسح من أسماء الغسل فأما الآية فأكثر المفسرين ذهبوا فيها إلى غير ما ذكر في السؤال و قال أبو عبيدة و الفراء و غيرهما معنى فطفق مسحا أي ضربا و قال آخرون أراد المسح في الحقيقة و أنه كان مسح أعرافها و سوقها و قال شاذ منهم إنه أراد الغسل و من قال بذلك لا يدفع أن يكون حمل المسح على الغسل استعارة و تجوزا و ليس لنا أن نعدل في كلام الله تعالى عن الحقيقة إلى المجاز إلا عند الضرورة فإن قيل ما أنكرتم أن يكون القراءة بالجر تقتضي المسح إلا أنه متعلق بالخفين لا بالرجلين و إن كانت القراءة بالنصب توجب الغسل المتعلق بالرجلين على الحقيقة و يكون الآية بالقراءتين مفيدة لكلا الأمرين قلنا الخف لا يسمى رجلا في لغة و لا شرع كما أن العمامة لا تسمى رأسا و لا البرقع وجها فلو ساغ حمل ما ذكر في الآية من الأرجل على أن المراد به الخفاف لساغ في جميع ما ذكرناه فإن قيل فأين أنتم عن القراءة بنصب الأرجل و عليها أكثر القراء و هي موجبة للغسل و لا يحتمل سواه قلنا أول ما في ذلك أن القراءة بالجر مجمع عليها و القراءة بالنصب مختلف فيها لأنا نقول إن القراءة بالنصب غير جائزة و إنما القراءة المنزلة هي القراءة بالجر و الذي يدل على ذلك
37- ما أخبرني به الشيخ أيده الله تعالى قال أخبرني أحمد بن محمد عن أبيه عن أحمد بن إدريس و سعد بن عبد الله عن محمد بن أحمد بن يحيى عن أبي عبد الله عن حماد عن محمد بن النعمان عن غالب بن الهذيل قال سألت أبا جعفر ع عن قول الله عز و جل و امسحوا برؤسكم و أرجلكم إلى الكعبين على الخفض هي أم على النصب قال بل هي على الخفض
و هذا يسقط أصل السؤال ثم لو سلمنا أن القراءة بالجر مساوية للقراءة بالنصب من حيث قرأ بالجر من السبعة ابن كثير و أبو عمرو و حمزة و في رواية أبي بكر عن عاصم و النصب قرأ به نافع و ابن عامر و الكسائي و في رواية حفص عن عاصم لكانت أيضا مقتضية للمسح لأن موضع الرءوس موضع نصب بوقوع الفعل الذي هو المسح عليه و إنما جر الرءوس بالباء و على هذا لا ينكر أن تعطف الأرجل على موضع الرءوس لا لفظها فتنصب و إن كان الفرض فيها المسح كما كان في الرءوس كذلك و العطف على الموضع جائز مشهور في لغة العرب أ لا ترى أنهم يقولون لست بقائم و لا قاعدا فينصب قاعدا على موضع بقائم لا لفظه و كذلك يقولون خشنت بصدره و صدر زيد و إن زيدا في الدار و عمرو فرفع عمرو على الموضع لأن إن و ما عملت فيه في موضع رفع و مثله من كلامهم إن تأتني فلك درهم و أكرمك لما كان قولهم فلك درهم في موضع جزم عطف و أكرمك عليه و جزم و مثله من يضلل الله فلا هادي له و يذرهم بالجزم على موضع قوله هادي لأنه في موضع جزم و قال الشاعر
معاوي إننا بشر فأسجح فلسنا بالجبال و لا الحديدا
فنصب الحديدا على موضع بالجبال و قال آخر
هل أنت باعث دينار لحاجتنا أو عبد رب أخا عون بن مخراق
و إنما نصب عبد رب لأن من حق الكلام أن يكون باعث دينارا فحمله على الموضع لا اللفظ و قد سوغوا ما هو أبعد من هذا لأنهم عطفوا على المعنى و إن كان اللفظ لا يقتضيه مثل قول الشاعر
جئني بمثل بني بدر لقومهم أو مثل أسرة منظور بن سيار
لما كان معنى جئني أي هات مثلهم أو أعطني مثلهم قال أو مثل بالنصب عطفا على المعنى فإن قيل ما تنكرون أن يكون القراءة بالنصب لا تقتضي إلا الغسل و لا تحتمل المسح لأن عطف الأرجل على موضع الرءوس في الإيجاب توسع و تجوز و الظاهر و الحقيقة يوجبان عطفها على اللفظ لا الموضع قلنا ليس الأمر على ما توهمتم بل العطف على الموضع مستحسن في لغة العرب و جائز لا على سبيل الاتساع و العدول عن الحقيقة و المتكلم مخير بين حمل الإعراب على اللفظ تارة و بين حمله على الموضع أخرى و هذا ظاهر في العربية مشهور عند أهلها و في القرآن و الشعر له نظائر كثيرة على أنا لو سلمنا أن العطف على اللفظ أقوى لكان عطف الأرجل على موضع الرءوس أولى مع القراءة بالنصب لأن نصب الأرجل لا يكون إلا على أحد الوجهين إما بأن يعطف على الأيدي و الوجوه في الغسل أو يعطف على موضع الرءوس فينصب و يكون حكمها المسح و عطفها على موضع الرءوس أولى و ذلك أن الكلام إذا حصل فيه عاملان أحدهما قريب و الآخر بعيد فإعمال الأقرب أولى من إعمال الأبعد و قد نص أهل العربية على هذا فقالوا إذا قال القائل أكرمني و أكرمت عبد الله و أكرمت و أكرمني عبد الله فحمل المذكور بعد الفعلين على الفعل الثاني أولى من حمله على الأول لأن الثاني أقرب إليه و قد جاء القرآن و أكثر الشعر بإعمال الثاني قال الله تعالى و أنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحدا لأنه لو أعمل الأول لقال كما ظننتموه و قال آتوني أفرغ عليه قطرا و لو أعمل الأول لقال أفرغه و قال هاؤم اقرؤا كتابيه و لو أعمل الأول لقال هاؤم اقرءوه كتابيه و قال الشاعر
قضى كل ذي دين فوفى غريمه و عزة ممطول معنى غريمها
فأعمل الثاني دون الأول لأنه لو أعمل الأول لقال قضى كل ذي دين فوفاه غريمه و مما أعمل فيه الثاني قول الشاعر
و كمتا مدماة كأن متونها جرى فوقها فاستشعرت لون مذهب
و لو أعمل الأول لرفع لون و في الرواية منصوب و مثله قول الفرزدق
و لكن نصفا لو سببت و سبني بنو عبد شمس من مناف و هاشم
فقال بنو لأنه أعمل الثاني دون الأول فأما قول إمرئ القيس و إعماله الأول
و لو أن ما أسعى لأدنى معيشة كفاني و لم أطلب قليل من المال
فأول ما فيه أنه شاذ خارج عن بابه و لا حكم على شاذ و الثاني إنما رفع لأنه لم يجعل القليل مطلوبا و إنما كان المطلوب عنده الملك و جعل القليل كافيا و لو لم يرد هذا و نصب فسد المعنى قال الشيخ أيده الله تعالى و الكعبان هما قبتا القدمين أمام الساقين إلى قوله و هو ما علا منه في وسطه على ما ذكرناه فالذي يدل على ذلك قوله تعالى إلى الكعبين فبين أن منتهى المسح إلى الكعبين و لو أراد ما ذهب إليه مخالفونا لقال إلى الكعاب لأن ذلك في كل رجل منه اثنان و يدل عليه أيضا إجماع الأمة و هو أن الأمة بين قائلين قائل يقول بوجوب المسح دون غيره و لا يجوز التخيير و يقطع على أن المراد بالكعبين ما ذكرناه و قائل يقول بوجوب الغسل أو الغسل و المسح على طريق التخيير و يقول الكعبان هما العظمان الناتيان خلف الساق و لا قول ثالث فإذا ثبت بالدليل الذي قدمنا ذكره وجوب مسح الرجلين و أنه لا يجوز غيره ثبت ما قلنا من ماهية الكعبين و يدل على ذلك أيضا
38- ما أخبرني به الشيخ قال أخبرني أحمد بن محمد عن أبيه عن الحسين بن الحسن بن أبان عن الحسين بن سعيد عن فضالة عن حماد بن عثمان عن علي بن أبي المغيرة عن ميسر عن أبي جعفر ع قال الوضوء واحد و وصف الكعب في ظهر القدم
39- و بهذا الإسناد عن الحسين بن سعيد عن أحمد بن حمزة و القاسم بن محمد عن أبان بن عثمان عن ميسر عن أبي جعفر ع قال أ لا أحكي لكم وضوء رسول الله ص ثم أخذ كفا من ماء فصبها على وجهه ثم أخذ كفا فصبها على ذراعه ثم أخذ كفا آخر فصبها على ذراعه الأخرى ثم مسح رأسه و قدميه ثم وضع يده على ظهر القدم ثم قال هذا هو الكعب قال و أومأ بيده إلى أسفل العرقوب ثم قال إن هذا هو الظنبوب
- و بهذا الإسناد عن الحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير عن ابن أذينة عن زرارة و بكير ابني أعين أنهما سألا أبا جعفر ع عن وضوء رسول الله ص فدعا بطست أو تور فيه ماء ثم حكى وضوء رسول الله ص إلى أن انتهى إلى آخر ما قال الله تعالى و امسحوا برؤسكم و أرجلكم إلى الكعبين فإذا مسح بشيء من رأسه أو بشيء من رجليه ما بين الكعبين إلى آخر أطراف الأصابع فقد أجزأه قلنا أصلحك الله فأين الكعبان قال هاهنا يعني المفصل دون عظم الساق فقالا هذا ما هو قال هذا عظم الساق
ثم قال أيده الله تعالى فإذا فرغ المتوضي من الوضوء فليقل الدعاء الحمد لله رب العالمين اللهم اجعلني من التوابين و اجعلني من المتطهرين
41- فأخبرني الشيخ أيده الله تعالى قال أخبرني أحمد بن محمد عن أبيه عن أحمد بن إدريس عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن حماد عن حريز عن زرارة عن أبي جعفر ع قال إذا وضعت يدك في الماء فقل بسم الله و بالله اللهم اجعلني من التوابين و اجعلني من المتطهرين فإذا فرغت فقل الحمد لله رب العالمين
ثم قال و وضوء المرأة كوضوء الرجل سواء إلا أن السنة أن تبتدئ المرأة في غسل يديها بعد وجهها بباطن ذراعيها و يبتدئ الرجل بغسل الظاهر منهما
42- فأخبرني الشيخ أيده الله تعالى قال أخبرني جعفر بن محمد عن محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أخيه إسحاق بن إبراهيم عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن أبي الحسن الرضا ع قال فرض الله تعالى على النساء في الوضوء أن يبدأن بباطن أذرعهن و في الرجال بظاهر الذراع
ثم قال الشيخ أيده الله تعالى و مرخص للمرأة في مسح رأسها أن تمسح منه بإصبع واحدة ما اتصل بها منه و تدخل إصبعها تحت قناعها فتمسح على شعرها و لو كان ذلك مقدار أنملة في صلاة الظهر و العصر و العشاء الآخرة و تنزع قناعها في صلاة الغداة و المغرب فتمسح بثلاث أصابع منه
43- محمد بن أحمد بن يحيى عن أبي إسحاق عن عبد الله بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ع عن أبيه عن أبي عبد الله ع قال لا تمسح المرأة بالرأس كما يمسح الرجال إنما المرأة إذا أصبحت مسحت رأسها و تضع الخمار عنها فإذا كان الظهر و العصر و المغرب و العشاء تمسح بناصيتها
44- و أخبرني الشيخ أيده الله تعالى عن أبي القاسم جعفر بن محمد عن محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن حماد عن حريز عن زرارة قال قال أبو جعفر ع المرأة يجزيها من مسح الرأس أن تمسح مقدمه قدر ثلاث أصابع و لا تلقي عنها خمارها
45- و أخبرني بهذا الحديث الشيخ أيده الله تعالى عن أحمد بن محمد عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد و علي بن حديد و عبد الرحمن بن أبي نجران عن حماد بن عيسى عن حريز بن عبد الله عن زرارة قال قال أبو جعفر ع مثل الحديث الأول
قال الشيخ أيده الله تعالى و من ترك المضمضة و الاستنشاق في الوضوء لم يخل تركه بطهارته إلا أنه يكون تاركا فضلا
- أخبرني الشيخ أيده الله تعالى عن أحمد بن محمد عن أبيه عن الحسين بن الحسن بن أبان عن الحسين بن سعيد عن عثمان عن سماعة قال سألته عنهما فقال هما من السنة فإن نسيتهما لم تكن عليك إعادة
47- و بهذا الإسناد عن عثمان عن ابن مسكان عن مالك بن أعين قال سألت أبا عبد الله ع عمن توضأ و نسي المضمضة و الاستنشاق ثم ذكر بعد ما دخل في صلاته قال لا بأس
48- و بهذا الإسناد عن الحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير عن جميل عن زرارة عن أبي جعفر ع قال المضمضة و الاستنشاق ليسا من الوضوء
يعني ليسا من فرائض الوضوء يدل على ذلك
49- ما أخبرني به الشيخ أيده الله تعالى عن أحمد بن محمد عن أبيه أحمد بن إدريس عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسين بن سعيد عن حماد عن شعيب عن أبي بصير قال سألت أبا عبد الله ع عنهما فقال هما من الوضوء فإن نسيتهما فلا تعد
50- و أخبرني الشيخ أيده الله تعالى عن أبي القاسم جعفر بن محمد عن محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن سيف بن عميرة عن أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد الله ع قال ليس عليك استنشاق و لا مضمضة لأنهما من الجوف
51- فأما ما رواه محمد بن علي بن محبوب عن العباس بن معروف عن القاسم بن عروة عن ابن بكير عن زرارة عن أبي جعفر ع قال ليس المضمضة و الاستنشاق فريضة و لا سنة إنما عليك أن تغسل ما ظهر
فالوجه في قوله و لا سنة هو أنه ليس من السنة التي لا يجوز تركها فأما أن يكون فعله بدعة فلا يدل على ذلك
52- ما أخبرني به الشيخ أيده الله تعالى عن أحمد بن محمد عن أبيه عن الحسين بن الحسن بن أبان عن الحسين بن سعيد عن القاسم بن عروة عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله ع قال المضمضة و الاستنشاق مما سن رسول الله ص
قال الشيخ أيده الله تعالى و من غسل وجهه و ذراعيه مرة مرة أدى الواجب و إذا غسل هذه الأبعاض مرتين حاز به أجرا و أصاب فضلا و أسبغ وضوءه و يدل على ذلك قوله تعالى إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم و أيديكم و من غسل وجهه و ذراعيه مرة واحدة فقد دخل في امتثال ما يقتضيه الظاهر و ما زاد على ذلك يحتاج إلى دلالة شرعية و ليس هاهنا دلالة على أن ما زاد على ذلك فرض و يدل أيضا على ذلك
53- ما أخبرني به الشيخ أيده الله تعالى عن أحمد بن محمد عن أبيه عن الحسين بن الحسن بن أبان عن الحسين بن سعيد عن صفوان و فضالة بن أيوب عن فضيل بن عثمان عن أبي عبيدة الحذاء قال وضأت أبا جعفر ع بجمع و قد بال فناولته ماء فاستنجى ثم أخذ كفا فغسل به وجهه و كفا غسل به ذراعه الأيمن و كفا غسل به ذراعه الأيسر ثم مسح بفضلة الندى رأسه و رجليه
54- و بهذا الإسناد عن الحسين بن سعيد عن فضالة عن حماد بن عثمان عن علي بن أبي المغيرة عن ميسرة عن أبي جعفر ع قال الوضوء واحدة واحدة و وصف الكعب في ظهر القدم
55- و أخبرني الشيخ أيده الله تعالى عن أبي القاسم جعفر بن محمد عن محمد بن يعقوب عن محمد بن الحسن و غيره عن سهل بن زياد عن ابن محبوب عن ابن رباط عن يونس بن عمار قال سألت أبا عبد الله ع عن الوضوء للصلاة فقال مرة مرة
56- و بهذا الإسناد عن سهل بن زياد عن أحمد بن محمد عن عبد الكريم قال سألت أبا عبد الله ع عن الوضوء فقال ما كان وضوء علي ع إلا مرة مرة
57- فأما الخبر الذي رواه الحسين بن سعيد عن حماد عن يعقوب عن معاوية بن وهب قال سألت أبا عبد الله ع عن الوضوء فقال مثنى مثنى
58- و الخبر الآخر الذي رواه أحمد بن محمد عن صفوان عن أبي عبد الله ع قال الوضوء مثنى مثنى
فمحمولان على السنة و الذي يدل على ذلك ما قدمنا ذكره من الأخبار و أنها تتضمن الفرض مرة واحدة و لا يجوز التناقض في الأخبار يدل على ذلك
59- ما أخبرني به الشيخ عن أحمد بن محمد عن أبيه عن أحمد بن إدريس عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن القاسم بن عروة عن ابن بكير عن زرارة عن أبي عبد الله ع قال الوضوء مثنى مثنى من زاد لم يؤجر عليه و حكى لنا وضوء رسول الله ص فغسل وجهه مرة واحدة و ذراعيه مرة واحدة و مسح رأسه بفضل وضوئه و رجليه
حكايته لوضوء رسول الله ص مرة مرة تدل على أنه أراد بقوله الوضوء مثنى مثنى السنة لأنه لا يجوز أن يكون الفريضة مرتين و النبي ص يفعل مرة مرة و الذي يدل على ذلك
60- ما أخبرني به الشيخ أيده الله تعالى عن أبي القاسم جعفر بن محمد عن محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن عمر بن أذينة عن زرارة و بكير أنهما سألا أبا جعفر ع عن وضوء رسول الله ص فدعا بطست و ذكر الحديث إلى أن قال فقلنا أصلحك الله فالغرفة الواحدة تجزي للوجه و غرفة للذراع فقال نعم إذا بالغت فيها و الثنتان تأتيان على ذلك كله
61- فأما الحديث الذي رواه محمد بن أحمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن موسى بن إسماعيل بن زياد و العباس بن السندي عن محمد بن بشير عن محمد بن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله ع قال الوضوء واحدة فرض و اثنتان لا يؤجر و الثالثة بدعة
قوله و اثنتان لا يؤجر يعني إذا اعتقد أنهما فرض لا يؤجر عليهما فأما إذا اعتقد أنهما سنة فإنه يؤجر على ذلك و الذي يدل على ما قلناه
62- ما أخبرني به الشيخ أيده الله تعالى عن أحمد بن محمد عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن محمد بن عيسى عن زياد بن مروان القندي عن عبد الله بن بكير عن أبي عبد الله ع قال من لم يستيقن أن واحدة من الوضوء تجزيه لم يؤجر على الثنتين
63- محمد بن الحسن الصفار عن يعقوب بن يزيد عن الحسن بن علي الوشاء عن داود بن زربي قال سألت أبا عبد الله ع عن الوضوء فقال لي توضأ ثلاثا قال ثم قال لي أ ليس تشهد بغداد و عساكرهم قلت بلى قال فكنت يوما أتوضأ في دار المهدي فرآني بعضهم و أنا لا أعلم به فقال كذب من زعم أنك فلاني و أنت تتوضأ هذا الوضوء قال فقلت لهذا و الله أمرني
قال الشيخ أيده الله تعالى و ليس في المسح على الرأس و الرجلين سنة أكثر من مرة و هو الفرض فالذي يدل على ذلك قوله تعالى و امسحوا برؤسكم و من مسح دفعة واحدة فقد دخل تحت الظاهر و ما زاد على المرة الواحدة يحتاج إلى دلالة شرعية و ليس هاهنا دلالة شرعية على أن المسح بالرأس أكثر من دفعة واحدة و أكثر الأخبار التي تقدم ذكرها في صفة الوضوء يدل على ذلك أيضا لأنهم لما فرغوا ع من صفة غسل الأعضاء قالوا و مسح برأسه و رجليه و لم يقولوا دفعة أو دفعتين و لو كان أكثر من ذلك لبينوا و يؤكد ذلك أيضا
64- ما أخبرني به الشيخ أيده الله تعالى عن أحمد بن محمد عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى رفعه إلى أبي بصير عن أبي عبد الله ع في مسح القدمين و مسح الرأس قال مسح الرأس واحدة من مقدم الرأس و مؤخره و مسح القدمين ظاهرهما و باطنهما
قوله و مسح القدمين ظاهرهما و باطنهما يريد مقبلا و مدبرا من الأصابع إلى الكعبين و من الكعبين إلى الأصابع حسب ما قدمناه و يزيده بيانا
65- ما أخبرني به الشيخ أيده الله تعالى عن أبي القاسم جعفر بن محمد عن محمد بن يعقوب عن أحمد بن إدريس عن محمد بن أحمد عن محمد بن عيسى عن يونس قال أخبرني من رأى أبا الحسن ع بمنى يمسح ظهر قدميه من أعلى القدم إلى الكعب و من الكعب إلى أعلى القدم
66- و أخبرني الشيخ أيده الله تعالى قال أخبرني أحمد بن محمد عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد عن العباس عن محمد بن أبي عمير عن حماد بن عثمان عن أبي عبد الله ع قال لا بأس بمسح القدمين مقبلا و مدبرا
قال الشيخ أيده الله تعالى و الوضوء قربة إلى الله فينبغي للعبد أن يخلص النية فيه و يجعله لوجه الله تعالى فالذي يدل على وجوب النية قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم الآية قوله فاغسلوا أي فاغسلوا للصلاة و إنما حذف ذكر الصلاة اختصارا و مذهب العرب في ذلك واضح لأنهم إذا قالوا إذا أردت لقاء الأمير فالبس ثيابك و إذا أردت لقاء العدو فخذ سلاحك فتقدير الكلام فالبس ثيابك للقاء الأمير و خذ سلاحك للقاء العدو و إذا أمرنا بالغسل للصلاة فلا بد من النية لأن بالنية يتوجه الفعل إلى الصلاة دون غيرها و يدل أيضا على وجوب النية
67- الخبر المروي عن النبي ص إنما الأعمال بالنيات و إنما لامرئ ما نوى الخبر
فلما وجدنا الأعمال قد توجد أجناسها من غير نية علمنا أن المراد بالخبر أنها لا تكون قربة و شرعية مجزية إلا بالنيات و قوله و إنما لامرئ ما نوى يدل على أنه ليس له ما لم ينو و هذا حكم لفظة إنما في مقتضى اللغة أ لا ترى أن القائل إذا قال إنما لك عندي درهم و إنما أكلت رغيفا دل على نفي أكثر من درهم و أكل أكثر من رغيف و يدل على أن لفظة إنما موضوعة لما ذكرنا أن ابن عباس رحمه الله كان يرى جواز بيع الدرهم بالدرهمين نقدا و ناظره على ذلك وجوه الصحابة و احتجوا عليه بنهي النبي ص عن بيع الذهب بالذهب و الفضة بالفضة فعارضهم
68- بقوله ع إنما الربا في النسيئة
فرأى ابن عباس هذا الخبر دليلا على أنه لا ربا إلا في النسيئة و يدل أيضا على أن لفظة إنما تفيد ما ذكرناه أن الصحابة لما تنازعت في التقاء الختانين و احتج من لم ير ذلك موجبا للغسل
69- بقوله ع إنما الماء من الماء
قال الآخرون من الصحابة هذا الخبر منسوخ فلو لا أن الفريقين رأوا هذه اللفظة مانعة من وجوب الغسل من غير إنزال لما احتج بالخبر نافو وجوب الغسل و لا ادعى نسخه الباقون ثم قال الشيخ أيده الله تعالى و من توضأ و في يده خاتم فليدره أو يحركه عند غسل يده ليصل الماء إلى تحته و كذلك المرأة إذا كان عليها سوار إلى قوله و ليس يضر المتوضئ ما وقع من الماء يدل على ذلك
- ما أخبرني به الشيخ أيده الله تعالى عن أحمد بن محمد عن أبيه عن أحمد بن إدريس و أخبرني الشيخ عن أحمد بن جعفر عن أحمد بن إدريس عن محمد بن أحمد بن يحيى عن العمركي عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر ع قال سألته عن الرجل عليه الخاتم الضيق لا يدري هل يجري الماء تحته أم لا كيف يصنع قال إن علم أن الماء لا يدخله فليخرجه إذا توضأ
71- و أخبرني الشيخ أيده الله تعالى قال أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمد عن محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن العمركي عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر قال سألته عن المرأة عليها السوار و الدملج في بعض ذراعها لا تدري أ يجري الماء تحتهما أم لا كيف تصنع إذا توضأت أو اغتسلت قال قال تحركه حتى تدخل الماء تحته أو تنزعه و عن الخاتم الضيق لا يدري هل يجري الماء تحته إذا توضأ أم لا كيف يصنع قال إن علم أن الماء لا يدخله فليخرجه إذا توضأ
قال الشيخ أيده الله تعالى و ليس يضر المتوضي ما وقع من الماء الواقع إلى الأرض أو غيرها على ثيابه و بدنه بل هو طاهر و كذلك ما يقع على الأرض الطاهرة من الماء الذي يستنجي به ثم يرجع عليه لا يضره و لا ينجس شيئا من ثيابه و بدنه إلا أن يقع على نجاسة ظاهرة فيحملها في رجوعه عليه فيجب عليه حينئذ غسل ما أصابه منه
72- فأخبرني الشيخ أيده الله تعالى عن أبي القاسم جعفر بن محمد عن محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن ابن أذينة عن الأحول قال قلت لأبي عبد الله أخرج من الخلاء فأستنجي بالماء فيقع ثوبي في ذلك الماء الذي استنجيت به فقال لا بأس به
73- و بهذا الإسناد عن محمد بن يعقوب عن محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان عن حماد بن عيسى عن ربعي بن عبد الله عن الفضيل بن يسار عن أبي عبد الله ع قال في الرجل الجنب يغتسل فينتضح الماء في إنائه فقال لا بأس به ما جعل عليكم في الدين من حرج
74- و أخبرني الشيخ أيده الله تعالى عن أحمد بن محمد عن أبيه عن الحسين بن الحسن بن أبان عن الحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير عن ابن أذينة عن الفضيل قال سئل أبو عبد الله ع عن الجنب يغتسل فينتضح من الأرض في الإناء فقال لا بأس هذا مما قال الله تعالى ما جعل عليكم في الدين من حرج
75- و أخبرني الشيخ أيده الله عن أحمد بن محمد عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن الحسن بن علي بن فضال عن عمرو بن سعيد المدائني عن مصدق بن صدقة عن عمار بن موسى الساباطي قال سألت أبا عبد الله ع عن الرجل يغتسل من الجنابة و ثوبه قريب منه فيصيب الثوب من الماء الذي يغتسل منه قال نعم لا بأس به
76- و أخبرني الشيخ أيده الله تعالى عن أبي القاسم جعفر بن محمد عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن أبان بن عثمان عن محمد بن النعمان عن أبي عبد الله ع قال قلت له أستنجي ثم يقع ثوبي فيه و أنا جنب فقال لا بأس به
77- و بهذا الإسناد عن الحسين بن سعيد عن علي بن النعمان و محمد بن سنان عن عبد الله بن مسكان عن ليث المرادي عن عبد الكريم بن عتبة الهاشمي قال سألت أبا عبد الله ع عن الرجل يقع ثوبه على الماء الذي استنجى به أ ينجس ذلك ثوبه فقال لا
78- و بهذا الإسناد عن الحسين بن سعيد عن حماد بن عيسى عن الحسين بن المختار عن بريد بن معاوية قال قلت لأبي عبد الله ع أغتسل من الجنابة فيقع الماء على الصفا فينزو فيقع على الثوب فقال لا بأس به
قال الشيخ أيده الله تعالى و لا يجوز التفريق بين الوضوء إلى قوله فإن فرق وضوءه لضرورة حتى يجف ما تقدم منه استأنف الوضوء من أوله و إن لم يجف وصله من حيث قطعه فالذي يدل عليه قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم و أيديكم إلى المرافق و امسحوا برؤسكم و أرجلكم إلى الكعبين و قد ثبت عندنا أن الأمر يقتضي الفور و لا يسوغ فيه التراخي فإذا ثبت ذلك و كان المأمور بالصلاة مأمورا بالوضوء قبله فيجب عليه فعل الوضوء عقيب توجه الأمر إليه و كذلك جميعالأعضاء الأربعة لأنه إذا غسل وجهه فهو مأمور بعد ذلك بغسل اليدين فلا يجوز له تأخيره و من جهة السنة
79- ما أخبرني به الشيخ أيده الله تعالى قال أخبرني أحمد بن محمد عن أبيه عن أحمد بن إدريس عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن فضالة بن أيوب عن الحسين بن عثمان عن سماعة عن أبي بصير عن أبي عبد الله ع قال إذا توضأت بعض وضوئك فعرضت لك حاجة حتى يبس وضوؤك فأعد وضوءك فإن الوضوء لا يبعض
80- و بهذا الإسناد عن الحسين بن سعيد عن معاوية بن عمار قال قلت لأبي عبد الله ع ربما توضأت فنفد الماء فدعوت الجارية فأبطأت علي بالماء فيجف وضوئي قال أعد
81- فأما ما رواه محمد بن أحمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن أبيه عن عبد الله بن المغيرة عن حريز في الوضوء يجف قال قلت فإن جف الأول قبل أن أغسل الذي يليه قال جف أو لم يجف اغسل ما بقي قلت و كذلك غسل الجنابة قال هو بتلك المنزلة و ابدأ بالرأس ثم أفض على سائر جسدك قلت و إن كان بعض يوم قال نعم
فالوجه في هذا الخبر هو أنه إذا لم يقطع المتوضي وضوءه و إنما يجففه الريح الشديد أو الحر العظيم فعند ذلك لا يجب عليه إعادته و متى قطع الوضوء ثم جف ما كان وضأه وجب عليه الإعادة على ما بيناه قال الشيخ أيده الله تعالى و كذلك إن نسي مسح رأسه ثم ذكر و في يده بلل من الوضوء فليمسح بذلك عليه و على رجليه و إن نسي مسح رجليه فليمسحهما إذا ذكر ببلل وضوئه من يده فإن لم يكن في يده بلل و كان في لحيته أو في حاجبه أخذ منه ما تندت به أطراف أصابع يده و مسح بها رأسه و ظاهر قدميه و إن كان قليلا فإن ذكر ما نسيه و قد جف وضوؤه و لم يبق من نداوته شيء فليستأنف الوضوء من أوله فيدل على ذلك
82- ما أخبرني به الشيخ أيده الله تعالى عن أحمد بن محمد عن أبيه عن الحسين بن الحسن بن أبان عن الحسين بن سعيد عن صفوان عن منصور قال سألت أبا عبد الله ع عمن نسي أن يمسح رأسه حتى قام في الصلاة قال ينصرف و يمسح رأسه و رجليه
- و بهذا الإسناد عن صفوان عن ابن مسكان عن أبي بصير عن أبي عبد الله ع قال سألته عن رجل توضأ و نسي أن يمسح رأسه حتى قام في صلاته قال ينصرف و يمسح رأسه ثم يعيد
84- و بهذا الإسناد عن الحسين بن سعيد عن القاسم بن عروة عن ابن بكير عن زرارة عن أبي عبد الله ع في الرجل ينسى مسح رأسه حتى يدخل في الصلاة قال إن كان في لحيته بلل بقدر ما يمسح رأسه و رجليه فليفعل ذلك و ليصل قال و إن نسي شيئا من الوضوء المفروض فعليه أن يبدأ بما نسي و يعيد ما بقي لتمام الوضوء
85- محمد بن الحسن الصفار عن يعقوب بن يزيد عن أحمد بن عمر قال سألت أبا الحسن ع عن رجل توضأ و نسي أن يمسح رأسه حتى قام في الصلاة قال من نسي مسح رأسه أو شيئا من الوضوء الذي ذكره الله تعالى في القرآن أعاد الصلاة
قال الشيخ أيده الله تعالى و يجزي الإنسان في مسح رأسه أن يمسح من مقدمه مقدار إصبع يضعها عليه عرضا مع الشعر إلى قصاصه و إن مسح منه مقدار ثلاث أصابع مضمومة بالعرض كان قد أسبغ و فعل الأفضل و كذلك يجزيه في مسح رجليه أن يمسح كل واحدة منهما برأس مسبحته من أصابعهما إلى الكعبين فإذا مسحهما بكفيه كان أفضل يدل على ذلك قوله تعالى و امسحوا برؤسكم و أرجلكم إلى الكعبين و من مسح رأسه و رجليه بإصبع واحدة فقد دخل تحت الاسم و يسمى ماسحا و لا يلزم على ذلك ما دون الإصبع لأنا لو خلينا و الظاهر لقلنا بجواز ذلك لكن السنة منعت منه و يدل على جواز ذلك أيضا
86- ما أخبرني به الشيخ أيده الله قال أخبرني أحمد بن محمد عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسين بن سعيد و أبيه محمد بن عيسى عن محمد بن أبي عمير عن عمر بن أذينة عن زرارة و بكير ابني أعين عن أبي جعفر ع أنه قال في المسح تمسح على النعلين و لا تدخل يدك تحت الشراك و إذا مسحت بشيء من رأسك أو بشيء من قدميك ما بين كعبيك إلى أطراف الأصابع فقد أجزأك
و يدل عليه أيضا
87- ما أخبرني به الشيخ أيده الله تعالى عن أبي القاسم جعفر بن محمد عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى عن العباس بن معروف عن علي بن مهزيار عن حماد بن عيسى عن بعض أصحابه عن أحدهما ع في الرجل يتوضأ و عليه العمامة قال يرفع العمامة بقدر ما يدخل إصبعه فيمسح على مقدم رأسه
88- و أخبرني الشيخ أيده الله تعالى عن أبي القاسم جعفر بن محمد عن محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن شاذان بن الخليل النيسابوري عن يونس عن حماد عن الحسين قال قلت لأبي عبد الله ع رجل توضأ و هو معتم و ثقل عليه نزع العمامة لمكان البرد فقال ليدخل إصبعه
و هذا الخبر يدل على أن الاقتصار على الإصبع الواحدة في حال الضرورة من البرد أو غيره مجز و قد مضى أن المسح بثلاث أصابع أفضل فلا وجه لإعادته
89- و أما ما رواه سعد عن أحمد بن محمد عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن ظريف بن ناصح عن ثعلبة بن ميمون عن عبد الله بن يحيى عن الحسين بن عبد الله قال سألت أبا عبد الله ع عن الرجل يمسح رأسه من خلفه و عليه عمامة بإصبعه أ يجزيه ذلك فقال نعم
فلا ينافي ما قدمناه من أنه ينبغي أن يكون المسح بمقدم الرأس لأنه ليس يمتنع أن يدخل الإنسان إصبعه من خلفه و مع ذلك فيمسح بها مقدم رأسه و يحتمل أن يكون الخبر خرج مخرج التقية لأن ذلك مذهب بعض العامة و الذي يؤكد ما ذكرناه
90- ما رواه أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن الحكم عن أبي أيوب عن محمد بن مسلم قال قال أبو عبد الله ع مسح الرأس على مقدمه
91- عنه عن علي بن الحكم عن الحسين بن أبي العلاء قال سألت أبا عبد الله ع عن المسح على الرأس فقال كأني أنظر إلى عكنة في قفا أبي يمر عليها يده و سألته عن الوضوء يمسح الرأس مقدمه و مؤخره قال كأني أنظر إلى عكنة في رقبة أبي يمسح عليها
قال محمد بن الحسن الوجه في هذا الخبر مثل ما ذكرناه في الخبر الأول سواء
92- و أما الخبر الذي رواه محمد بن يعقوب عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي الحسن الرضا ع قال سألته عن المسح على القدمين كيف هو فوضع كفه على الأصابع فمسحهما إلى الكعبين إلى ظاهر القدم فقلت جعلت فداك لو أن رجلا قال بإصبعين من أصابعه فقال لا إلا بكفه
فمعناه لا يكون مستكملا لخصال الفضل
- كما قال النبي ص لا صلاة لجار المسجد إلا في مسجده
و إنما أراد لا صلاة فاضلة كثيرة الثواب دون أن يكون أراد نفي الإجزاء على كل وجه
94- و أما ما رواه أحمد بن محمد بن عيسى عن بكر بن صالح عن الحسن بن محمد بن عمران عن زرعة عن سماعة بن مهران عن أبي عبد الله ع قال إذا توضأت فامسح قدميك ظاهرهما و باطنهما ثم قال هكذا فوضع يده على الكعب و ضرب الأخرى على باطن قدمه ثم مسحهما إلى الأصابع
فهذا الخبر محمول على التقية لأنه موافق لمذهب بعض العامة ممن يرى المسح و يقول باستيعاب الرجل و هو خلاف الحق على ما بيناه قال الشيخ أيده الله تعالى و لا يجوز لأحد أن يجعل موضع المسح من رجليه غسلا و لا يبدل مسح رأسه بغسله كما لا يجوز أن يجعل موضع غسل وجهه و يديه مسحا بل يضع الوضوء مواضعه فالذي يدل عليه الآية و هو قوله تعالى إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم و أيديكم إلى المرافق و امسحوا برؤسكم و أرجلكم إلى الكعبين فأوجب الغسل بظاهر الأمر في الوجه و اليدين و فرض المسح في الرأس و الرجلين و من مسح ما أمره الله بالغسل أو غسل ما أمره الله بالمسح لم يكن ممتثلا للأمر و مخالفة الأمر لا تجزي و يدل على ذلك أيضا
95- ما أخبرني به الشيخ أيده الله تعالى عن أبي القاسم جعفر بن محمد عن محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن الحكم بن مسكين عن محمد بن مروان قال قال أبو عبد الله ع إنه يأتي على الرجل ستون و سبعون سنة ما قبل الله منه صلاة قلت و كيف ذلك قال لأنه يغسل ما أمر الله بمسحه
96- و أخبرني الشيخ أيده الله تعالى عن أحمد بن محمد عن أبيه عن الحسين بن الحسن بن أبان عن الحسين بن سعيد عن حماد عن حريز عن زرارة عن أبي عبد الله ع قال قال لي أبي لو أنك توضأت فجعلت مسح الرجلين غسلا ثم أضمرت أن ذلك من المفروض لم يكن ذلك بوضوء ثم قال ابدأ بالمسح على الرجلين فإن بدا لك غسل فغسلته فامسح بعده ليكون آخر ذلك المفروض
و ما ذكره بعد ذلك من قوله فإن أحب الإنسان أن يغسل رجليه لإزالة أذى عنهما و تنظيفهما أو تبريدهما فليقدم ذلك قبل الوضوء ثم ليتوضأ بعده و يختم وضوءه بمسح رجليه حتى يكون ممتثلا لأمر الله تعالى في ترتيب الوضوء فالخبر المتقدم يدل عليه لأنه قال ابدأ بالمسح على الرجلين فإن بدا لك غسل فغسلته يعني إذا أردت أن تنظفهما فامسح بعده ليكون آخر ذلك المفروض
97- فأما ما رواه محمد بن الحسن الصفار عن عبد الله بن المنبه عن الحسين بن علوان عن عمرو بن خالد عن زيد بن علي عن آبائه عن علي ع قال جلست أتوضأ و أقبل رسول الله ص حين ابتدأت في الوضوء فقال لي تمضمض و استنشق و استن ثم غسلت وجهي ثلاثا فقال قد يجزيك من ذلك المرتان قال فغسلت ذراعي و مسحت برأسي مرتين فقال قد يجزيك من ذلك المرة و غسلت قدمي فقال لي يا علي خلل ما بين الأصابع لا تخلل بالنار
فهذا الخبر موافق للعامة قد ورد مورد التقية لأن المعلوم من مذهب الأئمة ع مسح الرجلين في الوضوء دون غسلهما و ذلك أشهر من أن يختلج أحدا فيه الريب و إذا كان الأمر على ما قلناه لم يجز أن تعارض به الأخبار التي قدمناها و لا ظاهر القرآن ثم قال أيده الله تعالى فإن نسي تنظيف رجليه بالغسل قبل الوضوء أو أخره لسبب من الأسباب فليجعل بينه و بين وضوئه مهلة و يفرق بينهما بزمان قل أو كثر و لا يتابع بينه ليفصل الوضوء المأمور به من غيره فقد مضى شرحه و ما في معناه ثم قال أيده الله تعالى و ليس في مسح الأذنين سنة و لا فضيلة و من مسح ظاهر أذنيه و باطنهما فقد أبدع فالذي يدل عليه أن غسل الأعضاء في الطهارة و مسحها حكم شرعي فينبغي أن يتبع في ذلك دليلا شرعيا و ليس في الشرع ما يدل على وجوب مسح الأذنين في الوضوء و من أثبت في الشريعة حكما من غير دليل شرعي فهو مبدع بلا خلاف بين المسلمين و يدل على ذلك أيضا
98- ما أخبرني به الشيخ أيده الله تعالى عن أبي القاسم جعفر بن محمد عن محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن فضال عن ابن بكير عن زرارة قال سألت أبا جعفر ع أن أناسا يقولون إن بطن الأذنين من الوجه و ظهرهما من الرأس فقال ليس عليهما غسل و لا مسح
قال الشيخ أيده الله تعالى و غسل الوجه و الذراعين في الوضوء مرة إلى قوله و لا يستأنف ماء للمسح جديدا بل يستعمل فيه نداوة الوضوء فقد بينا ما في ذلك ثم قال و من أخطأ في الوضوء فقدم غسل يديه على غسل وجهه رجع فغسل وجهه ثم أعاد غسل يديه و كذلك إن قدم غسل يده اليسرى على يده اليمنى وجب عليه الرجوع إلى غسل يده اليمنى و أعاد غسل يده اليسرى و كذلك إن قدم مسح رجليه على مسح رأسه رجع فمسح رأسه ثم أعاد مسح رجليه و الذي يدل على ذلك الآية و هي قوله تعالى إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم و أيديكم إلى المرافق و امسحوا برؤسكم و أرجلكم إلى الكعبين و قد قال جماعة من النحويين إن الواو يوجب الترتيب منهم الفراء و أبو عبيد القاسم بن سلام و غيرهما و إذا كانت موجبة للترتيب فلا يجوز تقديم بعض الأعضاء على بعض و تدل الآية من وجه آخر و هو أنه قال إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم و أيديكم إلى المرافق فأوجب غسل الوجه عقيب القيام إلى الصلاة بدلالة الفاء في قوله فاغسلوا و لا خلاف أن الفاء توجب التعقيب و إذا ثبت أن البدأة في الوضوء بالوجه و هو الواجب ثبت في باقي الأعضاء لأن الأمة بين قائلين قائل يقول بعدم الترتيب و يجوز أن يبدأ بالرجلين أولا و يختم بالوجه و قائل يقول إن البدأة في الوضوء بالوجه و هو الواجب و يوجب في باقي الأعضاء كذلك فإن قال قائل على هذه الطريقة إن الفاء في الآية في هذا الموضع ليست للتعقيب بل هي للجزاء و الفاء التي توجب التعقيب مثل قول القائل اضرب زيدا فعمرا و الفاء في الآية تجري في الجزاء مجرى قول القائل إذا جاء زيد فأكرمه و الفرق بين الفائين أن الفاء إذا دخلت في الجزاء لا يصح قطع الكلام عنها و إذا كانت للتعقيب يصح قطع الكلام أ لا ترى أنه يصح في قولك اضرب زيدا فعمرا أن تقتصر على قولك اضرب زيدا و لا يصح في قولك إذا جاء زيد فأكرمه الاقتصار على الشرط فقط قلنا لا فرق بين الفائين في اللغة لأنه لا إشكال في أن الفاء في اللغة تقتضي التعقيب بعد أن لا يكون من نفس الكلمة و لا فرق في اقتضائها ما ذكرناه بين أن يكون جزاء أو عطفا لأن قول القائل إذا دخل زيد فأعطه درهما الفاء فيه موجبة للتعقيب و إن كان جزاء لأنه حين وقع منه الدخول استحق الإعطاء كما أنه في قول القائل اضرب زيدا فعمرا إذا وقع الضرب بزيد يجب أن يوقعه بعمرو فكيف يظن الفرق بين الفائين و يدل على وجوب الترتيب من جهة السنة
99- ما روي عن النبي ص أنه طاف و خرج من المسجد فبدأ بالصفا و قال ابدءوا بما بدأ الله به
و قوله على لفظة أمر و هو يقتضي الوجوب بأن يبدأ فعلا بما بدأ الله تعالى فإن قيل قوله ابدءوا بما بدأ الله به يقتضي أن يبدءوا قولا بما بدأ الله به قولا و الخلاف إنما وقع في البداءة بالفعل قلنا لا يجوز حمل ذلك على القول من وجهين أحدهما أنه إذا قال ابدءوا بما بدأ الله به و كان ذلك لفظ عموم يدخل تحته القول و الفعل فليس لنا أن نخصص إلا بدليل و الثاني أنه ع بدأ فعلا بالصفا و قال ابدءوا بما بدأ الله به فاقتضى ذلك ابدءوا فعلا بما بدأ الله به قولا فإن قيل على الوجه الأول إن قوله ع ابدءوا بما بدأ الله به يمنع من حمل قوله ابدءوا على العموم أ لا ترى أن القائل إذا قال اضرب زيدا بما ضربه به عمرو و كان عمرو إنما ضربه بعصا لم يجز أن يحمل قوله اضرب زيدا على العموم في كل ما يضرب به بل يجب قصره على ما ضرب قلنا بين الأمرين فرق لأنه لا يمكن أن يضربه على وجوه مختلفة بغير العصا و يكون ضاربا بما ضرب به عمرو فلهذا اختص الكلام بما ضرب به عمرو بعينه و ليس هكذا الخبر لأنه يمكن أن يبدءوا قولا و فعلا بما بدأ الله تعالى به قولا و نحن إذا بدأنا به فعلا نكون مبتدءين بما بدأ الله تعالى به على الحقيقة فبان الفرق بين الأمرين و يدل على وجوب الترتيب أيضا
100- ما أخبرني به الشيخ أيده الله تعالى عن أبي القاسم جعفر بن محمد عن محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه و محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان جميعا عن حماد بن عيسى عن حريز عن زرارة قال قال أبو جعفر ع تابع بين الوضوء كما قال الله عز و جل ابدأ بالوجه ثم باليدين ثم امسح بالرأس و الرجلين و لا تقدمن شيئا بين يدي شيء تخالف ما أمرت به فإن غسلت الذراع قبل الوجه فابدأ بالوجه و أعد على الذراع فإن مسحت الرجل قبل الرأس فامسح على الرأس قبل الرجل ثم أعد على الرجل ابدأ بما بدأ الله عز و جل به
101- و أخبرني الشيخ أيده الله تعالى عن أحمد بن محمد عن أبيه عن الحسين بن الحسن بن أبان عن الحسين بن سعيد عن محمد بن أبي عمير عن ابن أذينة عن زرارة قال سئل أحدهما ع عن رجل بدأ بيده قبل وجهه و برجليه قبل يديه قال يبدأ بما بدأ الله به و ليعد ما كان
102- و بهذا الإسناد عن الحسين بن سعيد عن صفوان عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله ع في الرجل يتوضأ فيبدأ بالشمال قبل اليمين قال يغسل اليمين و يعيد اليسار
103- و أخبرني الشيخ أيده الله تعالى عن أحمد بن محمد عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن صفوان عن منصور بن حازم قال سألت أبا عبد الله ع عمن نسي أن يمسح رأسه حتى قام في الصلاة قال ينصرف و يمسح رأسه و رجليه
ثم قال أيده الله تعالى فإن ترك ذلك حتى يجف ما وضأه من جوارحه أعاد الوضوء مستأنفا ليكون وضوؤه متتابعا غير متفرق فالذي يدل على ذلك
104- ما أخبرني به الشيخ أيده الله تعالى عن أبي القاسم جعفر بن محمد عن محمد بن يعقوب عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد و أبي داود جميعا عن الحسين بن سعيد عن فضالة بن أيوب عن الحسين بن عثمان عن سماعة عن أبي بصير عن أبي عبد الله ع أنه قال إذا توضأت بعض وضوئك فعرضت لك حاجة حتى يبس وضوؤك فأعد وضوءك فإن الوضوء لا يبعض
105- علي بن إبراهيم عن أبيه عن صالح بن السندي عن جعفر بن بشير عن محمد بن أبي حمزة عن معاوية بن عمار قال قلت لأبي عبد الله ع ربما توضأت و نفد الماء فدعوت الجارية فأبطأت علي بالماء فيجف وضوئي فقال أعد
فإن سأل سائل عن الخبر الذي رواه
106- سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد عن موسى بن القاسم و أبي قتادة عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر ع قال سألته عن رجل توضأ و نسي غسل يساره فقال يغسل يساره وحدها و لا يعيد وضوء شيء غيرها
فقال هذا الخبر يدل على خلاف ما ذكرتموه في وجوب الترتيب لأنه لو كان واجبا لما أجاز إعادة غسل اليسار وحدها لأنها حينئذ تكون آخر الأعضاء في الطهارة قلنا معنى هذا الخبر أنه لا يعيد وضوء شيء غيرها مما تقدمها دون ما تأخر عنها مثل غسل الوجه و اليد اليمنى فأما ما تأخر عنها فإنه يجب إعادة مسحها و الذي يدل على ذلك
107- ما أخبرني به الشيخ أيده الله تعالى عن أبي القاسم جعفر بن محمد عن محمد بن يعقوب عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد و أبي داود جميعا عن الحسين بن سعيد عن فضالة بن أيوب عن الحسين بن عثمان عن سماعة عن أبي بصير عن أبي عبد الله ع قال إن نسيت فغسلت ذراعيك قبل وجهك فأعد غسل وجهك ثم اغسل ذراعيك بعد الوجه فإن بدأت بذراعك الأيسر قبل الأيمن فأعد على الأيمن ثم اغسل اليسار و إن نسيت مسح رأسك حتى تغسل رجليك فامسح رأسك ثم اغسل رجليك
108- علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حماد عن الحلبي عن أبي عبد الله ع قال إذا نسي الرجل أن يغسل يمينه فغسل شماله و مسح رأسه و رجليه فذكر بعد ذلك غسل يمينه و شماله فمسح رأسه و رجليه و إن كان إنما نسي شماله فليغسل الشمال و لا يعيد على ما كان توضأ قال و أتبع وضوءك بعضه بعضا
109- الحسين بن سعيد عن القاسم بن عروة عن ابن بكير عن زرارة عن أبي عبد الله ع في الرجل ينسى مسح رأسه حتى يدخل في الصلاة قال إن كان في لحيته بلل بقدر ما يمسح رأسه و رجليه فليفعل ذلك و ليصل قال و إن نسي شيئا من الوضوء المفروض فعليه أن يبدأ بما نسي و يعيد ما بقي لتمام الوضوء
قال الشيخ أيده الله تعالى و من كان جالسا على حال الوضوء و لم يفرغ منه فعرض له ظن أنه قد أحدث ما ينقض وضوءه أو توهم أنه قدم مؤخرا منه أو أخر مقدما منه وجب عليه إعادة الوضوء من أوله ليقوم من مجلسه و قد فرغ من وضوئه على يقين لسلامته من الفساد فإن عرض له شك فيه بعد فراغه منه و قيامه من مكانه لم يلتفت إلى ذلك و قضى باليقين عليه فإن تيقن أنه قد انتقض بحادث يفسد الطهارة أو بتقديم مؤخر أو تأخير مقدم أعاد الوضوء من أوله يدل على ذلك
110- ما أخبرني به الشيخ أيده الله عن أحمد بن محمد عن أبيه عن أحمد بن إدريس و سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن حماد و محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه و محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان جميعا عن حماد عن حريز عن زرارة عن أبي جعفر ع قال إذا كنت قاعدا على وضوئك فلم تدر أ غسلت ذراعيك أم لا فأعد عليهما و على جميع ما شككت فيه أنك لم تغسله أو تمسحه مما سمى الله ما دمت في حال الوضوء فإذا قمت عن الوضوء و فرغت منه و قد صرت في حال أخرى في الصلاة أو في غيرها فشككت في بعض ما قد سمى الله مما أوجب الله عليك فيه وضوءه لا شيء عليك فيه فإن شككت في مسح رأسك فأصبت في لحيتك بللا فامسح بها عليه و على ظهر قدميك فإن لم تصب بللا فلا تنقض الوضوء بالشك و امض في صلاتك و إن تيقنت أنك لم تتم وضوءك فأعد على ما تركت يقينا حتى تأتي على الوضوء قال حماد قال حريز قال زرارة قلت له رجل ترك بعض ذراعه أو بعض جسده من غسل الجنابة فقال إذا شك و كانت به بلة و هو في صلاته مسح بها عليه و إن كان استيقن رجع فأعاد عليهما ما لم يصب بلة فإن دخله الشك و قد دخل في صلاته فليمض في صلاته و لا شيء عليه و إن استيقن رجع فأعاد عليه الماء و إن رآه و به بلة مسح عليه و أعاد الصلاة باستيقان و إن كان شاكا فليس عليه في شكه شيء فليمض في صلاته
111- و أخبرني الشيخ أيده الله عن أحمد بن محمد عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن عبد الكريم بن عمرو عن عبد الله بن أبي يعفور عن أبي عبد الله ع قال إذا شككت في شيء من الوضوء و قد دخلت في غيره فليس شكك بشيء إنما الشك إذا كنت في شيء لم تجزه
112- علي بن إبراهيم عن ابن أبي عمير عن حماد عن الحلبي عن أبي عبد الله ع قال إن ذكرت و أنت في صلاتك أنك قد تركت شيئا من وضوئك المفروض عليك فانصرف فأتم الذي نسيته من وضوئك و أعد صلاتك و يكفيك من مسح رأسك أن تأخذ من لحيتك بللها إذا نسيت أن تمسح رأسك فتمسح به مقدم رأسك
113- محمد بن علي بن محبوب عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير عن محمد بن مسلم قال قلت لأبي عبد الله ع رجل شك في الوضوء بعد ما فرغ من الصلاة قال يمضي على صلاته و لا يعيد
114- الحسين بن سعيد عن فضالة عن أبان بن عثمان عن بكير بن أعين قال قلت له الرجل يشك بعد ما يتوضأ قال هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك
- عنه عن عثمان عن سماعة عن أبي عبد الله ع قال من نسي مسح رأسه أو قدميه أو شيئا من الوضوء الذي ذكره الله في القرآن كان عليه إعادة الوضوء و الصلاة
116- عنه عن ابن أبي عمير عن أبي أيوب عن محمد بن مسلم قال قلت لأبي عبد الله ع رجل يشك في الوضوء بعد ما فرغ من الصلاة قال يمضي على صلاته و لا يعيد
قال الشيخ أيده الله تعالى فإن تيقن أنه قد أحدث و تيقن أنه قد تطهر و لم يعلم أيهما سبق صاحبه وجب عليه الوضوء ليزول الشك عنه و يدخل في صلاته على يقين من الطهارة يدل على ذلك أنه مأخوذ على الإنسان أن لا يدخل في الصلاة إلا بطهارة فينبغي أن يكون مستيقنا بحصول الطهارة له ليسوغ له الدخول بها في الصلاة و من لا يعلم أن طهارته سابقة للحدث فليس على يقين من طهارته و وجب عليه استئنافها حسب ما بيناه قال أيده الله تعالى و من كان على يقين من الطهارة و شك في انتقاضها فليعمل على يقينه و لا يلتفت إلى الشك و ليس عليه طهارة إلا أن تيقن الحدث يدل على ذلك
117- ما أخبرني به الشيخ أيده الله تعالى عن أبي القاسم جعفر بن محمد عن محمد بن يعقوب عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن العباس بن عامر القصباني عن عبد الله بن بكير عن أبيه قال قال لي أبو عبد الله ع إذا استيقنت أنك قد توضأت فإياك أن تحدث وضوءا أبدا حتى تستيقن أنك قد أحدثت
ثم قال أيده الله تعالى و كذلك إن كان على يقين من الحدث و شك في الطهارة فالواجب عليه استئناف الطهارة ليحصل له اليقين بها و لا تجزيه صلاة مع شك في الطهارة لها فينبغي أن يعرف هذا الباب ليكون العمل عليه قد بينا أنه مأخوذ على الإنسان أن لا يدخل في الصلاة إلا و هو على طهر فإذا تيقن أنه كان قد أحدث فينبغي أن لا ينصرف عن هذا اليقين من حصول الطهارة له