الصفحة 340
وفيه ثمانية أحاديث
الأول: ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة وهو من فضلاء المعتزلة قال: روى أبو بكر أحمد ابن عبد العزيز قال: حدثني أبو زيد عمر بن شبة قال: حدثنا إبراهيم بن المنذر قال: حدثنا ابن وهب عن ابن لهيعة عن أبي الأسود قال: غضب رجال من المهاجرين في بيعة أبي بكر بغير مشورة، وغضب علي والزبير فدخلا بيت فاطمة (عليها السلام) معهما السلاح، فجاء عمر في عصابة فيهم أسيد بن حضير وسلمة بن سلامة بن قريش وهما من بني عبد الأشهل، فاقتحما الدار فصاحت فاطمة وناشدتهما الله فأخذوا سيفيهما فضربوا بهما الحجر حتى كسروهما، ثم أخرجهما عمر يسوقهما حتى بايعا، ثم قام أبو بكر فخطب الناس واعتذر إليهم وقال: إن بيعتي كانت فلتة وقى الله شرها وخشيت الفتنة، وأيم الله ما حصرت عليها يوما قط، ولا سألتها الله في سر ولا علانية قط، ولقد قلدت أمرا عظيما ما لي به طاقة ولا يدان ولقد وددت أن أقوى الناس عليه مكاني، فقال المهاجرون وقال علي والزبير: ما غضبنا إلا في المشورة، وإنا لنرى أن أبا بكر أحق الناس بها، إنه لصاحب الغار وثاني اثنين وإنا لنعرف له سنه، ولقد أمره رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالصلاة وهو حي(1).
الثاني: ابن أبي الحديد في الشرح قال: روى أبو جعفر الطبري في التاريخ عن ابن عباس (رضي الله عنه) قال: قال لي عبد الرحمن بن عوف وقد حججنا مع عمر: شهدت اليوم أمير المؤمنين بمنى وقال له رجل: إني سمعت فلانا يقول: لو مات عمر لبايعت فلانا فقال عمر: إني لقائم العشية في الناس أحذرهم هؤلاء الرهط الذين يريدون أن يغتصبوا الناس أمرهم، قال عبد الرحمن: فقلت: يا أمير المؤمنين إن الموسم يجمع رعاع الناس وغوغاءهم، وهم الذين يقربون من مجلسك ويغلبون عليه، وأخاف أن تقول مقالة لا يعونها ولا يحفظونها فيطيروا بك ولكن أمهل حتى تقدم المدينة وتخلص بأصحاب رسول الله فتقول فيسمعوا مقالتك فقال: والله لأقومن بها أول مقام أقومه
____________
(1) شرح نهج البلاغة: 6 / 47.
الصفحة 341
بالمدينة، قال ابن عباس، فلما قدمناها هجرت يوم الجمعة لحديث عبد الرحمن، فلما جلس عمر على المنبر حمد الله وأثنى عليه ثم قال بعد أن ذكر الرجم وحد الزنا: إنه بلغني أن قائلا منكم يقول: لو مات أمير المؤمنين بايعت فلانا فلا يغرن امرؤ أن يقول أن بيعة أبي بكر كانت فلتة، فلقد كانت كذلك ولكن الله وقى شرها وليس فيكم من تقطع إليه الأعناق كأبي بكر وإنه كان خيرنا حين توفي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، إن عليا والزبير تخلفا عنا في بيت فاطمة ومن معهما، وتخلفت عنا الأنصار واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر، وساق حديث أبي بكر.
قال شيخنا أبو القاسم البلخي: قال شيخنا أبو عثمان الجاحظ: إن الرجل الذي قال: لو مات عمر لبايعت فلانا عمار بن ياسر قال: لو مات عمر لبايعت عليا(1).
ثم قال ابن أبي الحديد: وأما حديث الفلتة فقد كان سبق من عمر (رضي الله عنه) أن قال: إن بيعة أبي بكر كانت فلتة وقى الله شرها ومن عاد إلى مثلها فاقتلوه، وهذا الخبر ذكرناه عن ابن عباس وعبد الرحمن بن عوف فيه حديث الفلتة ولكنه منسوق على ما قاله أولا، ألا تراه يقول: فلا يغرن امرؤ أن يقول: إن بيعة أبي بكر كانت فلتة فلقد كانت كذلك؟ فهذا يشعر بأنه قد كان قال من قبل: إن بيعة أبي بكر كانت فلتة، وقد أكثر الناس في حديث الفلتة وذكرها شيوخنا المتكلمون(2).
الثالث: ابن أبي الحديد، وروى الهيثم بن عدي عن عبد الله بن عباس الهمداني عن سعيد بن جبير قال: ذكر أبو بكر وعمر عند عبد الله بن عمر فقال رجل: كانا والله شمسي هذه الأمة ونوريها، فقال ابن عمر: وما يدريك؟ قال الرجل: أوليس قد ائتلفا؟ قال ابن عمر: بل اختلفا لو كنتم تعلمون، أشهد أني كنت عند أبي يوما وقد أمرني أن أحبس الناس عنه فاستأذن عليه عبد الرحمن بن أبي بكر فقال عمر: دويبة سوء ولهو خير من أبيه، فأوحشني ذلك منه فقلت: يا أبة، عبد الرحمن خير من أبيه؟ فقال: ومن ليس خير من أبيه لا أم لك؟ فقال: إيذن لعبد الرحمن فدخل عليه فكلمه في الحطيئة الشاعر أن يرضى عنه، وقد كان عمر حبسه في شعر قاله، فقال عمر: إن في الحطيئة أودا فدعني أقومه بطول حبسه، فألح عليه عبد الرحمن وأبى عمر، فخرج عبد الرحمن فأقبل على أبي وقال: أفي غفلة أنت إلى يومك هذا عما كان من تقدم أحيمق بني تيم علي وظلمه لي؟ فقلت: لا علم لي بما كان من ذلك قال: يا بني فما عسيت أن تعلم؟ فقلت والله لهو أحب إلى الناس من ضياء أبصارهم قال: إن ذلك كذلك على رغم أبيك وسخطه قلت: يا أبة أفلا تجلي عن فعله بموقف في الناس تبين ذلك لهم؟ قال: وكيف لي بذلك مع ما ذكرت أنه أحب إلى الناس من ضياء أبصارهم، إذا
____________
(1) شرح نهج البلاغة: 2 / 22.
(2) شرح نهج البلاغة: 2 / 26.
الصفحة 342
يرضخ رأس أبيك بالجندل، فقال ابن عمر: ثم تجاسر والله فجسر، فما دارت الجمعة حتى قام خطيبا في الناس فقال: أيها الناس، إن بيعة أبي بكر كانت فلتة وقى الله شرها فمن دعاكم إلى مثلها فاقتلوه(1).
الرابع: ابن أبي الحديد في الشرح وروى الهيثم بن عدي عن مجالد بن سعيد قال: غدوت يوما إلى الشعبي وأنا أريد أن أسأله عن شئ بلغني عن ابن مسعود أنه كان يقوله فأتيته وهو في مسجد حيه، وفي المسجد قوم ينتظرونه، فخرج فتعرفت إليه وقلت: أصلحك الله، كان ابن مسعود يقول:
ما كنت محدثا قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة قال: نعم كان ابن مسعود يقول ذلك، وكان ابن عباس يقول أيضا، وكان عند ابن عباس دفاين علم يعطيها أهلها ويصرفها عن غيرهم، فبينما نحن كذلك، إذ أقبل رجل من الأزد فجلس إلينا فأخذنا في ذكر أبي بكر وعمر فضحك الشعبي وقال: لقد كان في صدر عمر ضب على أبي بكر فقال الأزدي: والله ما رأينا ولا سمعنا برجل قط كان أسلس قيادا لرجل ولا أقول فيه بالجميل من عمر في أبي بكر، فأقبل الشعبي وقال: هذا ما سألت عنه، ثم أقبل على الرجل وقال: يا أخا الأزد فكيف تصنع بالفلتة التي وقى الله شرها؟ أترى عدوا يقول في عدو يريد أن يهدم ما بنى لنفسه في الناس أكثر من قول عمر في أبي بكر، فقال الرجل: سبحان الله أنت تقول ذلك يا أبا عمرو!.
فقال الشعبي: أنا أقوله، قاله عمر بن الخطاب على رؤوس الأشهاد فلمه أو دع، فنهض الرجل مغضبا وهو يهمهم في الكلام بشئ لم أفهمه، قال مجالد: فقلت للشعبي: ما أحسب هذا الرجل إلا سينقل عنك هذا الكلام إلى الناس ويبثه فيهم قال: إذا والله لا أحفل به، وشئ لم يحفل به عمر حين قام على رؤوس الأشهاد من المهاجرين والأنصار أحفل به أنا، أذيعوه أنتم عني أيضا ما بدا لكم(2).
الخامس: ابن أبي الحديد في الشرح في حديث طويل عن بعضهم قال فيه القائل ما شاع واشتهر من قول عمر (رضي الله عنه): كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله شرها، فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه، وهذا طعن في العقدة وقدح في ا لبيعة الأصلية، ثم ما نقل عنه من ذكر أبي بكر في صلاته، وقوله عن عبد الرحمن ابنه: دويبة سوء، لهو خير من أبيه(3).
السادس: ابن أبي الحديد في الشرح قال شيخنا أبو جعفر الإسكافي في نقضه لكلام الجاحظ
____________
(1) شرح نهج البلاغة: 2 / 28.
(2) شرح نهج البلاغة: 2 / 29.
(3) شرح نهج البلاغة: 20 / 21.
الصفحة 343
قال: وأما حجة الجاحظ لإمامة أبي بكر بكونه أول الناس إسلاما، فلو كان هذا احتجاجا صحيحا لاحتج به أبو بكر يوم السقيفة وما رأيناه صنع ذلك، لأنه أخذ بيد عمر ويد أبي عبيدة بن الجراح وقال للناس: قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا منهما ما شئتم، ولو كان هذا احتجاجا صحيحا لما قال عمر: وكانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله شرها(1).
السابع: ابن أبي الحديد في الشرح قال: روى أبو جعفر الطبري قال: خطب الناس عمر بالكلام المشهور أن قوما يقولون: إن بيعة عمر أبا بكر كانت فلتة، وأنه لو مات عمر لفعلنا، أما إن بيعة أبي بكر كانت فلتة إلا أن الله وقى شرها، وليس فيكم من يقطع إليه الرقاب كأبي بكر، فأي امرئ بايع امرأ من غير مشورة من المسلمين فإنهما بغرة أن يقتلا(2).
الثامن: ابن أبي الحديد في الشرح قال: قال علي (عليه السلام) من كلام له (عليه السلام): لم تكن بيعتكم لي فلتة، قال ابن أبي الحديد في شرحه: معنى الفلتة الكلام يقع بغير تدبر ولا روية، وفي الكلام تعريض ببيعة أبي بكر (رضي الله عنه)، وقد تقدم لنا في معنى قول عمر (رضي الله عنه): كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله شرها(3)
____________
(1) شرح نهج البلاغة: 13 / 224.
(2) شرح نهج البلاغة: 11 / 13.
(3) شرح نهج البلاغة: 9 / 31.