الصفحة 207
قال صاحب الكتاب: " إنما قلنا: إنه لا بد من العقد حيث ثبت بما قدمناه أنه لا يصير إماما بأن يصلح للإمامة فقط، فلا بد من أمر زائد، وقد ثبت عند كل من يقول بالاختيار أنه إذا حصل العقد من واحد برضا أربعة صار إماما، واختلفوا فيما عدا ذلك، فلا بد فيما يصير به إماما من دليل فما قارنه الإجماع يجب أن يحكم به " (1) ثم عارض نفسه بالزيدية وأجاب عن الاعتراض بأنهم قائلون بالنص على بعض الوجوه، وأنه إنما اعتبر إجماع من يقول باختيار.
ثم قال: " فإن قيل: أليس في الناس من يقول: لا يصير إماما إلا برضا الكافة من البلد (2) الذي يظهر به، وهذه طريقة العامة قيل له ليس ذلك بمذهب يتحصل فيذكر ويطعن به فيما قدمناه من الإجماع، لأنهم ربما اعتبروا العامة وإن خالفت الخاصة في ذلك وربما قالوا بإمامة الفاسق المهتوك إذا غلب (3) وأحد ما يدل على ذلك ما ثبت من إجماع الصحابة في بيعة أبي بكر لأنه بايعه الواحد برضا أربعة على ما تقدم ذكره.. " (4)
____________
(1) المغني 20 ق 1 / 259.
(2) غ " في البلد ".
(3) غ " المفضول للغلبة لا للرضا ".
(4) المغني 20 ق 1 / 260.
الصفحة 208
وعني بذلك أن عمر بايعه برضا أبي عبيدة وسالم مولى أبي حذيفة وأسيد بن حضير الأنصاري، وبشير بن سعد على ما ذكره في الفصل الذي قبل هذا قال: (وقد علمنا بإجماعهم من بعد أنه صار إماما من أول ما عقد له، وبالسبب الذي تقدم فلا بد من سمع ثابت عندهم يقتضي أنه يصير إماما بذلك لأنه لا يجوز وقد حصل له الإجماع فيه أن يحمل على التبخيت (1) ولا أن يقال: إن طريقه الاجتهاد لأن المقادير (2) الجارية هذا المجرى لا مجال للاجتهاد فيها، فلا بد من سمع لكن لا يجب نقله لأنه استغنى بالاجماع عنه، وسقط بذلك قول من يقول: إن ذلك إنما اتفق ولو حضر في الحال من العدد ما يزيد على خمسة وينقص لعقدوا له، فإن الذي قدمناه من مقارنة الإجماع له يمنع (3) من ذلك،...) (4).
يقال له: قد ادعيت الإجماع في موضع لا إجماع فيه، والخلاف فيه ظاهر لأن كثيرا ممن يقول بالاختيار يذهب إلى أن الإمامة لا تنعقد إلا برضا جميع الأمة وتسليمها، ولا يعتبرون في هذا عددا مخصوصا، والذاهب إلى ما ذكرناه من أهل الاختيار أكثر عددا ممن يذهب فيه إلى العدد الذي اعتبره صاحب الكتاب وليس توهينه لهذه المقالة وتضعيفه لأهلها بحجة في مثل هذا الموضع، لأنه ادعى الإجماع، وإذا ثبت خلافه بطلت دعواه سواء كان الخلاف من ضعيف أو قوي عامي أو خاصي.
فأما قوله: (إنهم ربما اعتبروا إجماع العامة وإن خالفت الخاصة فيه) فليس هذا قول من يعتبر إجماع جميع الأمة لأنهم ربما اعتبروا إجماع الأمة
____________
(1) التبخيت تفعيل من البخت، وهو الجد أي الحظ.
(2) غ " المعاذير ".
(3) غ " من مقارنة ذلك أنه يمنع ".
(4) المغني 20 ق 1 / 260.
الصفحة 209
وإن خالفت الخاصة فيه لأنهم إذا لم يجعلوا إجماع الخاصة إذا خالفتهم العامة إجماعا فأولى أن لا يجعلوا إجماع العامة مع خلاف الخاصة حجة وإجماعا، وليس جميع من يذهب إلى ما ذكرناه يجوز إمامة الفاسق المهتوك ومن ذهب منهم إلى ذلك فلسنا نعترض بقوله.
فأما ما اعتمده من إجماع الصحابة على بيعة أبي بكر وصحتها، وإنها إنما انعقدت في الأصل بالعدد المخصوص الذي اعتبره، قلنا في ذلك كلام من وجوه.
أولها، إنا لا نسلم هذا الإجماع لأنه ما كان قط ولا وقع.
وثانيها، أن نسلمه ثم نبين أن لقائل أن يقول: إن إمامته إنما صحت بالاجماع عليها، لا بعقد النفر الذين ذكرهم.
وثالثها، أن نتجاوز عن كل ذلك ونقول لم إذا انعقدت إمامته بخمسة لم يجز النقصان من هذا العدد، ونحن نتكلم على جميع ذلك.
أما الوجه الأول فالأولى أن نؤخر الكلام فيه إلى الفصل الذي نعترض به كلامه في إمامة أبي بكر لأنه اختص بهذا الخلاف من حيث كان هذا الفصل كالفرع على صحة الاختيار وثبوته، والخلاف فيه جار بين من يوافق على أصل الاختيار.
فأما الفصل الثاني فالكلام فيه واضح لأن أبا بكر لما صفق على يده بالبيعة من سبق إلى بيعته لم يبرح من مجلسه ذلك عند من يقول بصحة إمامته، وثبوت اختياره حتى بايعه جميع أهل المدينة فمنهم من حضر السقيفة وصفق على يده بالبيعة وهم جمهور الأنصار والمهاجرين، ومنهم من تأخر لعذر فلم يبايع بيده ورضي البيعة بقلبه، وسلمها وأذعن بها كأمير المؤمنين عليه السلام عندهم، ومن تأخر من بني هاشم معه اشتغالا
الصفحة 210
بتجهيز النبي صلى الله عليه وآله فمن أين له أن إمامته انعقدت بأربعة دون أن يكون إنما انعقدت بالاجماع الذي لم يتراخ عن بيعة من بايعه ممن ذكره.
وقوله: (إنهم أجمعوا على أنه صار إماما من أول ما عقد له) وبالسبب المتقدم لا ينافي ما ذكرناه لأن رضا الكافة وبيعة الجميع كان تاليا صفقة من سبق إلى مبايعته ولم يكن بينهما زمان، والحال التي جرى فيها الخوض إلا بالاجماع عليه عندهم، ولم تنفصل حال الإجماع من الكافة عن حال مبايعة الأربعة بزمان يصح أن يكون معتبرا كما لم تنفصل بيعة عمر ثم عن رضا الأربعة وتسليمهم بزمان يجوز أن يكون معتبرا وإدخالهم في جملة العدد الذي به انعقدت الإمامة أسيد بن خضير طريف لأن جميع من روى خبر السقيفة، لم يرو أن أسيد بن حضير سبق إلى بيعة أبي بكر قبل جماعة الأوس وإنما بايع في جملتهم لما بايعوا بعد أن قال بعضهم لبعض والله لأن وليها الخزرج عليكم مرة لا زالت لهم بذلك الفضيلة عليكم، على ما شرحناه في الخبر الذي اقتصصنا فيه قصة السقيفة على رواية الطبري، فإن كان العقد لم يكمل إلا بأسيد بن حضير فهو لم يبايع إلا مع بني عمه وقومه، فيجب أن تكون بيعة جميعهم معتبرة ولا يقتصر على أربعة، ومن تأمل خبر السقيفة، وما روي من كيفية وقوع البيعة علم أن من اعتبر في صحة إمامة أبي بكر أربعة مخصوصة متحكم مقترح لما لا يشهد به في شئ من الروايات.
ويقال له: في الفصل الثالث: إذا سلم لك أن إمامته انعقدت ببيعة واحد، ورضى أربعة من أين لك أن هذا هو العدد الذي لا نقصان فيه؟ وأكثر ما يقتضيه ما اعتبرته أن يكون الإجماع كاشفا عن أحد أمرين إما أن يكون هذا هو العدد المراعى في عقد الإمامة، أو أن يكون العدد
الصفحة 211
المراعى داخلا في جملته، وليس لك أن تقول إن الإجماع كما كشف لي من أن العدد المطلوب لا يجوز أن يزيد على ما ذكرته كذلك لا يجوز أن ينقص عنه، وذلك أن بين الأمرين فرقا واضحا، وهو أن دلالة الإجماع تمنع من أن يكون العدد المطلوب زائدا على ما قارنه الإجماع، وشهد له بالصحة لأنه لو زاد عليه لخرج الإجماع من أن يكون حجة، وليس بمانع من أن يكون ناقصا عنه لأنه على هذا الوجه لا يخرج من أن يكون حجة، وهذا يجري مجرى تنفيذ الحاكم الحكم بشهادة أربعة في موضع يعتبر فيه شهادة الاثنين، وتنفيذه بشهادة العشرة ما يعتبر فيه شهادة الأربعة، وهذا واضح.
ثم قال صاحب الكتاب: (ويدل على ذلك ما يثبت من صنيع (1) عمر عند وفاته لأنه جعله شورى بين ستة وتقدم إليهم بأن يجتمعوا على واحد منهم فصار ذلك موافقا لما قدمنا " (2).
ثم قال: (فإن قيل: أليس قد روي عن عمر أنه قال إن بايع ثلاثة وخالف اثنان فاقتلوا الاثنين؟ قيل له: إن شيخنا أبا علي (3) قال إن هذا الخبر من أخبار الآحاد ولا شئ يقتضي صحته فلا يجوز (4) أن يطعن به في الإجماع الظاهر الذي قدمناه، قال: ولو صح لقلنا: إن الإمام يصير إماما ببيعة ثلاثة لكن ذلك (5) لما لم يصح لم يجب أن يقال به وذكر - يعني أبا علي - إن الخبر يمكن أن يحمل على أنه أراد أن امتنع اثنان بعد الرضا
____________
(1) غ " ثبت من صنع ".
(2) المغني 20 ق 1 / 261.
(3) غ " قد قال شيخنا أبو علي ".
(4) غ " فلا ينبغي ".
(5) غ " لكنه لما ".
الصفحة 212
وخالفا على جهة شق العصا وطلب الفتنة فاقتلوهما، لأن القتل لا يستحق إلا على هذا الوجه،...) (1).
يقال له: من أعجب الأمور أنك صرت إلى ما هو دليل عليك في فساد ما اعتبرته في العدد المخصوص الذي راعيته في عقد الإمامة فجعلته دليلا لك، ومن دلك بأن تخرج من قصة الشورى كفافا لا لك ولا عليك، لأن عمر لما نص على أهل الشورى لم يجعل العقد ثابتا برضا خمسة لواحد حتى قال: إن خالف واحد الخمسة فاقتلوا الواحد وإن خالف اثنان الأربعة اتفقوا على أحد فاقتلوا الاثنين، فجعل العقد ماضيا بأقل من ستة وهذا بخلاف ما اعتبرتموه، وادعيتم أن أمر السقيفة جرى عليه.
وليس قول أبي علي أن الخبر من أخبار الآحاد بشئ لأن كل من روى الشورى وأن القوم كانوا ستة روى التفصيل الذي ذكرناه (2) فكيف صار الخبر من جهة الآحاد فيما ذكرناه ولم يصر من جهة الآحاد في أنهم كانوا ستة والطريق واحد؟ وقد روى الطبري في تاريخه أن عمر قال:
لأبي طلحة الأنصاري لما يأس من نفسه يا أبا طلحة إن الله طال ما أعز الاسلام بكم فاختر خمسين رجلا من الأنصار فاستحث هؤلاء الرهط حتى يختاروا رجلا منهم، وقال للمقداد بن الأسود إذا وضعتموني في حفرتي فاجمع هؤلاء الرهط في بيت حتى يختاروا رجلا منهم، وقال لصهيب:
صل بالناس ثلاثة أيام وادخل عليا وعثمان والزبير وسعدا وعبد الرحمن بن عوف وطلحة - إن قدم - وأحضر عبد الله بن عمر ولا شئ له من الأمر، وقم على رؤوسهم فإن اجتمع خمسة ورضوا رجلا منهم وأبى واحد فاشدخ (3)
____________
(1) المغني 20 ق 1 / 262.
(2) انظر شرح نهج البلاغة 1 / 190 فما بعدها و ج 9 / 49.
(3) الشدخ: كسر الشئ الأجوف. يقال: شدخ رأسه فانشدخ.
الصفحة 213
رأسه بالسيف وإن اتفق أربعة فرضوا رجلا منهم وأبى اثنان فاضرب رؤوسهما، (1) فإن رضي ثلاثة منهم رجلا وثلاثة رجلا منهم فحكموا عبد الله ابن عمر فأي الفريقين حكم له فليختاروا رجلا منهم، فإن لم يرضوا بحكم عبد الله بن عمر فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف، وهذا قول من لم يعتبر في عقد الإمامة بأن يعقدها واحد لغيره برضا أربعة ولا شئ أدل على بطلان قولهم واعتبار هذا العدد المخصوص من قصة الشورى.
فأما تأويل أبي على الأمر بالقتل على أن المراد به بعد الرضى والدخول في البيعة فمن التأويل البعيد، لأن لفظ الخبر لا يقتضي ذلك، وفحوى كلام الرجل لا يحتمله، وكيف يحمل على ذلك، ومعلوم أن من خالف بعد الرضا والدخول في البيعة على جهة شق العصا أو طلب الفتنة يستحق المحاربة والقتل على أي عدد كان فأي معنى لذكر اثنين في مقابلة أربعة وثلاثة في مقابلة ثلاثة، وليس هذا من التأويل الذي يحمل عليه تدين ولا إنصاف.
ثم عارض صاحب الكتاب نفسه (2) بعقد أبي بكر لعمر وأنه واحد عقد لواحد من غير اعتبار رضا خمسة وأجاب عن ذلك بأن رضا خمسة معتبر إذا لم يحصل من الإمام المتقدم عهد، ثم استدل على أن بعهد الإمام ثبت الإمامة للثاني بفعل أبي بكر ونصه على عمر وذكر أنه لم يثبت أنه فعل ذلك برضا المسلمين، بل قد صح أنه قد كان فيهم من أنكر ذلك على ما روي عن طلحة أنه قال: وليت علينا فظا غليظا فجعل القاطع لقوله وليت أموركم خيركم في نفسي (3) فأضاف توليته إلى نفسه، فيجب أن يكون
____________
(1) هذا مثل (فقد صغت قلوبكما).
(2) المغني 20 ق 1 / 262.
(3) انظر تاريخ الطبري 3 / 429 حوادث سنة 13.
الصفحة 214
ذلك هو الموجب لكونه إماما، ولذلك لم يستأنف له بيعة بعد موت أبي بكر، ولو كان نصه عليه لا يكفي لوجب استئناف العقد له وكان يجب أن يكون ما تقدم منه وجوده كعدمه إن لم يكن له أن ينص على من يقوم بالأمر بعده نصا يزيل الشبهة، وذلك إنه كان يجب أن يكون نصه كلا نص وأن يكون نصه كنص غيره في أنه كان يجب أن يكون الخلاف قائما، وأن يجوز العدول عنه، وحكى هذه الطريقة والاستدلال عن أبي هاشم.
ثم قال: (ولهذه الطريقة أصل في السمعيات (1) وذلك لأنه جعل من له الحق في حال الوفاة أولى بالتصرف وإن لم يتم إلا بعد الممات كما نقوله في الوصايا فلما كان للإمام هذا التصرف لم يمتنع أن يجعل له ذلك لكنه لما كان لا يصح إثبات إمامين صار عهده (2) مستقرا بعد وفاته كما أن الوصية إنما تستقر بعد الموت، فلولا أن الأمر كما قلناه لوجب إذا أوصى الناس بذلك ثم مات أن لا يكون إماما إلا باستئناف العقد لأن رضاهم والإمام الأول في غير معتل به (3) من حيث لم يصر إماما به بأنه لو صار إماما به لكان في ذلك إثبات إمامين فلولا أن لعهده تأثيرا لكان اقتران الرضا به لا يوجب أن يصير إماما بعده لعده،...) (4).
يقال له: هذه الدعوى التي عولت عليها في أن عقد الإمام يغني عن الرضا ويثبت به الإمامة ليس بمقنع لأن لمن خالفك في ذلك من أبي علي وغيره ممن حكيت عنه فيما تقدم أن الإمام لا يصير إماما بعقد الأول حتى يقترن إليه رضا جماعة أقلهم خمسة أن يقول لم زعمت أن بيعة عمر إنما ثبتت بمجرد نص أبي بكر عليه وإلا كان ثبوتها
____________
(1) غ " الشبهات " وما في المتن هو الصحيح على الظاهر.
(2) غ " صار عنده ".
(3) غ " فغير معتل له ".
(4) المغني 20 ق 1 / 263.
الصفحة 215
بما اقترن إلى ذلك من رضا الجماعة به، فإن قلت: لم يرض المسلمون بذلك لأن طلحة خالف، قيل: وأي معتبر بخلاف طلحة مع رضا كل من عدا طلحة وهم أكثر من خمسة، وهو القدر المطلوب في باب الإمامة، فلو خالف مع طلحة أمثاله وأمثاله حتى يسلم رضا خمسة لم يقدح ذلك في ثبوت الإمامة له، وصحتها على أن طلحة ما أقام على هذا الخلاف، بل رجع عنه وسلم ورضي وهل خلاف طلحة في هذا الباب بآكد من خلاف أمير المؤمنين عليه السلام وجماعة من بني هاشم، والزبير وخالد بن سعيد بن العاص (1) وفلان وفلان الذين زعمتم أنهم بعد إظهار الخلاف الذي صرحوا بالمنازعة في نفس الإمامة، وزادوا بذلك على طلحة، لأن طلحة لم يقل إنه لا يصلح للإمامة وإنني غير راض به، وإنما تألم من فظاظته حتى قلتم في جميع من خالف هناك أنه رضي وسلم، وبايع وتابع، ولم يرجعوا من ذلك إلا إلى الامساك وترك النكير الظاهر، فهل كان من طلحة بعد هذا القول نكير وهل كان إلا متابعا مسلما.
فأما تعلقه بإضافة ولايته إلى نفسه فليس بشئ لأن الإضافة تصح من حيث كان هو المبتدئ بها والمنبه عليها، وإن كان إمضاؤها يقف على رضا الغير، وهذا كما يقال إن عمر عقد الإمامة لأبي بكر من حيث سبق إلى بيعته، وإن كان العقد لم يصح إلا بعد رضا غيره، وليس يجب أن تستأنف له بيعة بعد موت أبي بكر إن كان النص بنفسه لم يكن كافيا على ما ظن لأنه إذا أشار إليه في حياته ورضي القوم بذلك من حاله فهو عقد
____________
(1) خالد بن سعيد بن العاص صحابي من السابقين الأولين هجره أبوه وإخوته لما علموا بإسلامه فلازم رسول الله صلى الله عليه وآله ثم هاجر إلى الحبشة وتولى هناك تزويج حبيبة بنت أبي سفيان لرسول الله صلى الله عليه وآله وكان هو وأخواه أبان وعمرو ابنا سعيد بن العاص ممن انحازوا إلى علي عليه السلام بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وامتنعوا من البيعة في أول الأمر.
الصفحة 216
مستقر يتأخر إلى بعد الوفاة، ولا يجب أن تستأنف فيها بيعة ثانية لأن الرضا الأول قد أغني عن ذلك.
فأما قوله: " كان يجب أن يكون ما تقدم من نصه وجوده كعدمه " فلا يجب إذا اقترن به الرضا والتسليم ولو لم يقارنه الرضا لكان وجوده كعدمه.
فأما قوله: (" إن لذلك أصلا في السمعيات " وذكره الوصايا في هذا الباب فغير صحيح لأن كثيرا من الحقوق يثبت التصرف فيها حال الحياة ولا يثبت بعد الوفاة كالحقوق في الفروج، وما جرى مجراها وإنما تكون العبرة التي ذكرها صحيحة في الأموال وما جرى مجراها، وليس التصرف في الإمامة من باب التصرف في الأموال، وقد بينا أنهم إذا رضوا بعهده وعقد الإمامة بعده، لم يجز مع ذلك استئناف العقد بعد وفاته وأن العهد بمجرده لا تأثير له، لولا الرضا والتسليم فلا معنى لتكراره لذلك، ثم ذكر كلاما في هذا المعنى لا طائل في تتبعه وخرج منه إلى كلام في الاختيار نحن نسبق فيه ونذكر ما عندنا فيه عند كلامنا على فساد الاختيار بإذن الله ومشيئته.