الامامة والتبصرة من الحيرة
للفقيه المحدث
أبي الحسن علي بن الحسين بن بابويه القمي
والد الشيخ الصدوق (ره)
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: الأئمة من بعدي اثنا عشر، أولهم أنت يا علي، وآخرهم القائم الذي يفتح الله - تعالى ذكره - على يديه مشارق الأرض و مغاربها (1).
وقالت سيدة النساء عليها السلام: دخل إلي رسول الله صلى الله عليه وآله عند ولادتي الحسين... ثم قال: يا فاطمة، خذيه [ أي الحسين " ع " ] فإنه إمام، ابن إمام، وأبو الأئمة، تسعة من صلبه، أئمة أبرار، والتاسع قائمهم (2).
وقال أمير المؤمنين عليه السلام لابنه الحسين عليه السلام: التاسع من ولدك يا حسين هو القائم بالحق (3).
وقالت الزهراء عليها السلام: أما والله لو تركوا الحق على أهله، واتبعوا عترة نبيه، لما اختلف في الله اثنان، ولورثها سلف عن سلف، وخلف بعد خلف، حتى يقوم قائمنا، التاسع من ولد الحسين (4).
وقال الإمام الحسن عليه السلام: ذاك التاسع من ولد أخي الحسين، ابن
____________
1 - كمال الدين ج 1 / 282 ح 35، عيون أخبار الرضا (ع) ج 1 / 53 ح 34، أمالي الصدوق ص 97 ح 9، عنها البحار 36 / 226 ح 1.
2 - كفاية الأثر ص 194 وعنه البحار 36 / 350 ح 9 21 3 - كمال الدين ج 1 / 304 ح 16 وعنه في البحار 51 / 110 ح 2.
4 - كفاية الأثر ص 198 وعنه البحار 36 / 352 ح 224.
الصفحة 4
سيدة الإماء، يطيل الله عمره في غيبته، ثم يظهره بقدرته (1).
وقال الإمام الحسين عليه السلام: منا اثنا عشر مهديا، أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وآخرهم التاسع من ولدي، وهو القائم بالحق (2).
وقال الإمام السجاد عليه السلام: فينا نزلت هذه الآية " وجعلها كلمة باقية في عقبه " والإمامة في عقب الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) إلى يوم القيامة، وإن للقائم منا غيبتين (3).
وقال الإمام الباقر عليه السلام: منا اثنا عشر محدثا، السابع من ولدي القائم (4).
وقال الإمام جعفر الصادق عليه السلام: الإمام من بعدي موسى، والخلف المأمول المنتظر م ح م د ابن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى (5).
وقال الإمام الكاظم عليه السلام: القائم الذي يطهر الأرض من أعداء الله، ويملأها عدلا كما ملئت جورا، هو الخامس من ولدي (6).
وقال الإمام الرضا عليه السلام: القائم... ذاك الرابع من ولدي (7).
وقال الإمام الجواد عليه السلام: القائم... هو الثالث من ولدي (8).
وقال الإمام الهادي عليه السلام: إن الإمام بعدي الحسن ابني، وبعد الحسن ابنه القائم (9).
وقال الإمام العسكري عليه السلام: ابني م ح م د هو الإمام والحجة بعدي، من مات ولم يعرفه مات ميتة جاهلية (10).
____________
1 - كمال الدين ج 1 / 315 ح 2 وعنه البحار 51 / 132 ح 1
2 - كمال الدين ج 1 / 317 ح 3 وعنه البحار 51 / 133 ح 4
3 - كمال الدين ج 1 / 323 ح 8 وعنه البحار 51 / 134 ح 1
4 - إثبات الوصية ص 259 وعنه منتخب الأثر ص 2 21 ح 3
5 - كمال الدين ج 2 / 334 4 وعنه البحار 51 / 143 ح 7
6 - كمال الدين ج 2 / 361 ح 5 وعنه البحار 51 / 151 ح 6
7 - كمال الدين ج 2 / 376 ح 7 وعنه البحار 52 / 322 ح 30
8 - كمال الدين ج 2 / 377 ح 1 وعنه البحار 51 / 156 ح 1
9 - كمال الدين ج 2 / 383 ح 10 وعنه البحار 50 / 339 ح 4
10 - كمال الدين ج 2 / 409 ح 9 وعنه البحار 51 / 160 ح 7.
الصفحة 5
وقال الإمام الغائب المنتظر عجل الله فرجه الشريف: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن جدي محمدا رسول الله، وأن أبي أمير المؤمنين، ثم عد إماما إماما إلى أن بلغ إلى نفسه، ثم قال:
اللهم أنجز لي ما وعدتني، وأتمم لي أمري، وثبت وطأتي، واملأ الأرض بي عدلا وقسطا (1).
____________
1 - كمال الدين ج 2 / 428 وعنه البحار 51 / 13.
الصفحة 6
قال الله تعالى:
وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات
ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم
وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم
وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا...
النور / 55
ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض
ونجعلهم أئمة
ونجعلهم الوارثين *
ونمكن لهم في الأرض...
القصص / 5، 6
ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر
أن الأرض يرثها عبادي الصالحون *
إن في هذا لبلاغا لقوم عابدين * وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين *
الأنبياء / 105 - 107
الصفحة 7
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أوجب الحمد على عباده بنعمه عندهم آنفا واستوجب منهم - بما وفقهم لذلك الحمد على تلك النعم - شكرا مستأنفا.
وسبحان من ليس معه لأحد في الآنف من النعمة، والمستأنف من الشكر صنع في إحداث موهبة، ولا في إلهام شكر، بل برأفته أولى النعم، وبتحننه ألهم الشكر، وبتفضله بسط في ذلك كله التوفيق، وبحكمته أرشد إلى الهدى، وبعدل قضائه لم يجعل في الدين من حرج، ولم يدع إليه بسبيل غامض (ولو بان الدال) (1) عليه عن الكلام المتداول على الألسنة، بينونته - جل ثناؤه - عن عباده، لحارت الأسماع عن إصغائه، وتاهت الأفئدة عن بلوغه، وغربت الأفهام عن حمله غروبها عن كيفية الله - جلت أسماؤه -.
والحمد لله الذي كان من لطيف صنعه وإنفاذ حكمته أن لم يحمل علينا في ذلك إصرا، وجعل سفيره - فيما دعا إليه - خيرته من خلقه محمدا صلى الله عليه وآله، وبين منه - في أيام الدعوة، وقبل حدوث النبوة وإظهار الرسالة - عناصر طيبة وأعراقا طاهرة وشيما مرضية (2).
____________
1 - ما بين المعقوفين زدناه تصحيحا للعبارة، وكان موضعه بياض في نسخة (ب)، أما نسخة (أ) ففيها: ولم يدع إليه سبيل غامض عليه من الكلام.
2 - في (ب): وسيما مرضية.
الصفحة 8
وجعله المقتدى به في مكارم الأخلاق، والمشار إليه بمجانبة الأعراض التي تمنع التقديم والتأخير، وتحجزت بالتقديس والتفضيل، حتى دعانا إلى الله جل جلاله بكلام مفهوم، وكتاب عزيز (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد) (3).
فجعل الداعي منزها عن دنية تحجزه عن قول معروف، ومصونا بالعصمة عن أن ينهى عن خلق ويأتي بمثله، والرسالة مباينة عن أن يأتيها الباطل من بين يديها أو من خلفها.
ومن على خلقه أن جعل الداعي معهودا بالمجاورة، والدعوة مشهورة بالمجاورة، وأوكد في ذلك على عباده الحجة أن دعا إلى حق لا يجمع مختلفين ولا يضم متفقين.
وجعل عباده - على اختلاف هممهم واتساع خلائقهم - بمعزل عن السبيل التي " لو اتبع الحق أهوائهم، لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن " (4) ومباينة من الحالة التي يملكون فيها لأنفسهم نفعا أو ضرا، وأوكل عجزهم (5)، وضعف آرائهم إلى أئمة أصفياء، وحفظة أتقياء، عن الله يبلغون، وإليه يدعون، وبما يأمرون به من الخيرات يعملون، وعما ينهون عنه ينتهون " ولا يشفعون إلا لمن ارتضى، وهم من خشيته مشفقون " (6).
فالحمد لله على جميع هذه النعم الحسنة، حمدا يؤدى به الحق، ويستجلب به المزيد.
وصلى الله على محمد وآله صلاة ترفع إليه وتزكو عنده، وتدل على اشتمال الثبات، واستقرار الطويات على أنهم لله علينا حجة، وإليه لنا قادة وعليه - تبارك اسمه - أدلة، وفي دينه القيم شريعة وسالفة، وأن كلمتهم لا تبطل وحجتهم لا تدحض، وعددهم لا يختلف، ونسبهم لا ينقطع، حتى يرث الله - جل جلاله -
____________
3 - اقتباس من الآية 42 من سورة فضلت 41.
4 - اقتباس من الآية 71 من سورة المؤمنون 23.
5 - هذا هو الظاهر وكان في (أ): وأكل عجز لهم، وفي (ب): وأكل عجزهم وضعفهم.
6 - اقتباس من الآية 28 من سورة الأنبياء 21.
الصفحة 9
الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين، ويظهرهم على الدين كله ولو كره المشركون.
" قال الشيخ أبو الحسن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه الفقيه رحمه الله " (7) إني لما بذلت فيما أخلدت من الكتب وسعي، وأخرجت فيما لزمني من ذلك جهدي، وجدت الصلاة تجمع حدودا كثيرة، والصوم يشمل أمورا وافرة والزكاة تضم معاني مختلفة، والحج يحوي مناسك جمة.
ووجدت حمل هذه الأشياء الجليلة، وملابسة هذا الدين القيم، وتبصرة ما ذكرت من هذه الأحوال، لا تنال إلا بسابقة إليه وإمام يدل عليه، وأن من هداه الله لذلك أرتشد سبيله وانتفع بعلمه وعمله، ومن أضله أضل سبيله وحبط عمله، وخسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين.
وعلمت أن الإمامة حال بها يدرك حدود الصلاة، وشرائع الصوم، ومعاني الزكاة، ومناسك الحج.
ورأيتها أجل عروة محكمة، وأوثق سبيل منهجة.
ورأيت كثيرا ممن صح عقده، وثبتت على دين الله وطأته، وظهرت في الله خشيته، قد أحادته الغيبة، وطال عليه الأمد حتى دخلته الوحشة، وأفكرته (8) الأخبار المختلفة، والآثار الواردة، فجمعت أخبارا تكشف الحيرة وتجسم النعمة (9) وتنبئ عن العدد، وتؤنس من وحشة طول الأمد.
وبالله للصواب أرتشد، وعلى صالح القول أستعين، وإياه أسأل أن يحرس الحق ويحفظه على أهله، ويصون مستقره ومستودعه.
" أسباب اختلاف الروايات وموجبات الحيرة والاشتباه " فلأجل الحاجة إلى الغيبة اتسعت الأخبار، ولمعاني التقية والمدافعة عن الأنفس اختلفت الروايات " وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هديهم حتى يبين لهم
____________
7 - هذا السطر من راوي الكتاب كما هو الظاهر.
8 - في هامش (أ): وأنكرته.
9 - هذا ظاهر (أ) وفي (ب) تجسم الغمة.
الصفحة 10
ما يتقون " (10).
ولولا التقية والخوف، لما حار أحد، ولا اختلف اثنان، ولا خرج شئ من معالم دين الله - تعالى - إلا على كلمة لا تختلف وحرف لا يشتبه.
ولكن الله - عظمت أسماؤه - عهد إلى أئمة الهدى في حفظ الأمة، وجعلهم في زمن مأذون لهم بإذاعة العلم، وفي آخر حلماء " يغفروا للذين لا يرجون أيام الله ليجزى قوما بما كانوا يكسبون " (11).
عظم هذا من أمر وجل! ولأمر ما وقع وحل!.
وغير عجب أن يحدث في مثله من الأوقات خبر يحمي خيط الرقبة (12).
ويحرس بفضل المداراة جمهور البيضة.
وفي مثل هذا الزمن خولف الأمر في العدد، حتى أوقع في الظاهر أمر ما لا خلاف في استبطانه، وكشف عن سبب لا شك في كتمانه.
وليست إشارة مشهورة وإذاعة بينة أن يقول ولي من أولياء الله وثقة من خزان أسرار الله أن صاحب هذا الأمر أثبت (13) مني، وأخف ركابا.
هذا، مع الروايات المشهورة والأحاديث الكثيرة: أن الوقت غير معلوم، والزمن غير معروف، ولولا كتمان الوقت والمساترة به، لما استدل عليه بالصيحة (14)، والآيات وخروج رايات أهل الضلالات، ولقيل: إنه فلان بن فلان، وإن يومه يوم معلوم بين الأيام، ولكن الله - جل اسمه - جعله أمرا منتظرا في كل حين، وحالا مرجوة عند كل أهل عصر،
____________
10 - من الآية 115 سورة التوبة 9.
11 - من الآية 14 سورة الجاثية 45.
12 - هذا هو الظاهر، وكان في النسختين: حيط، بالحاء المهملة.
13 - في (ب): أشب.
14 - هذا هو الظاهر وكان في النسختين: الصحة.
الصفحة 11
لئلا تقسو - بطول أجل يضربه الله - قلوب، ويستبطأ (15) في استعمال سيئة وفاحشة، موعدة عقاب، وليكون كل عامل على أهبة، ويكون من وراء أعمال الخيرات أمنية، ومن وراء أهل الخطايا والسيئات خشية وردعة، وليدفع الله بعضا ببعض، والسنة القديمة على هذا قول رسول الله صلى الله عليه وآله في أمر الساعة حين أنذر قومه: صبحتكم الساعة، مستكم الساعة، بعثت أنا والساعة كهذه من هذه (16).
فلولا ما أراد من المدافعة وتقريب المدة على عامل الخير والشر والثواب والعقاب، لعلم (صلى الله عليه وآله) أن ما جرت إليه الأمة الضالة دون وقوع الساعة، وأن ما وعده الله في أهل بيته من إظهارهم على الدين كله قبل حدوثها يكون.
وعلى هذا مضت الرسل، ودرج الرسل، ودرج الأخيار، كل يقرب القيامة، ويدني الساعة، ويبشر بسرعة المجازاة على العقاب والثواب.
ولو كان الخبر عن كل شئ بحقيقته مقدما، والأجل في كل مدة مضروبا ممهدا، لكان حق الرسالة وفرض البلاغة على عيسى عليه السلام أن يأمر من يعلم أنه يبلغ زمن رسول الله صلى الله عليه وآله أن يقتصر على ما يعهده في أيامه، ثقة بأن شريعته تنسخ الشرايع، وعلما بأنه خير النبيين وسيد المرسلين.
ولاقترف أهل كل فترة ذنوبا عظيمة وجرائح كثيرة، ولكنهم كانوا على اقتراب من انتظار عقاب أو ثواب وبذلك دفع الله الناس بعضهم ببعض.
وهذه السنة في الأئمة عليهم السلام مستعملة، وعلى أيامهم جارية، وفيهم قائمة.
ولو كان أمرهم مهملا عن العدد وغفلا، لما وردت الأخبار الوافرة بأخذ الله
____________
15 - فيهما: يستبطئ.
16 - اقتباس من البحار ج 2 ص 301 ح 3.
الصفحة 12
ميثاقهم على الأنبياء وسالف الصالحين من الأمة.
ويدلك على ذلك قول أبي عبد الله عليه السلام حين سئل عن نوح عليه السلام لما ذكر " استوت سفينته على الجودي بهم ":
هل عرف نوح عددهم؟
فقال: نعم، وآدم عليه السلام (17).
وكيف يختلف عدد، يعرفه أبو البشر ومن درج من عترته والأنبياء من عقبه، على شرذمة من ذريته وبقية يسيرة من ولده؟!
وأي تأويل يدخل على حديث اللوح (18).
وحديث الصحيفة المختومة (19)؟
والخبر الوارد عن جابر في صحيفة فاطمة عليها السلام (20)؟
وكيف لا يعلم: أن الذي قال [ - هـ ] العالم عليه السلام: ستة أيام، أو ستة أشهر أو ست سنين، غير معلوم؟! (21)
____________
17 - ومثله ما ورد عن منصور بن حازم أنه قال لأبي عبد الله (ع): أكان رسول الله صلى الله عليه وآله يعرف الأئمة (ع)؟
فقال نعم، ونوح البحار 38 / 45.
18 - حديث اللوح: حديث طويل، مضمونه أن جابر عبد الله الأنصاري عاد الزهراء فاطمة عليها السلام فرأى في يدها لوحا فيه: أن الباري أهداه إلى النبي صلى الله عليه وآله وقد سجل فيه أسماء الرسول والزهراء والأئمة الاثني عشر من بعده. الكافي ج 1 ص 527 ح 3.
رواه المؤلف بسنده وقد نقل الصدوق نصه الكامل برواية أبيه في الباب 28 من إكمال الدين: 308 ح 1، ورواه النعماني في الغيبة (ص 29) والمفيد في الإختصاص (ص 205).
ونقل في بحار الأنوار (ج 36) ص (195) عنهم وعن العيون 1 / 34 ح 2 وغيبة الطوسي: ص 93 و الإحتجاج: 1 / 84 ويأتي بتمامه عن هذه الكتب في المستدرك ص 93.
19 - حديث الصحيفة المختومة: رواه المؤلف في هذا الكتاب الباب 3 وقد ذكرنا له شواهد، فراجع الحديث 20 وتخريجاته.
20 - صحيفة فاطمة، أو مصحف فاطمة، أو كتاب فاطمة، ورد التعبير بكل ذلك عن كتاب ينسب إليها سلام الله عليها كان عنده الأئمة، وردت فيه أسماء من يملك من الملوك وقد ورد ذكره في رواية للمؤلف في هذا الكتاب، الباب 3 فراجع الحديث 20 مع شواهده وتخريجاته.
21 - روى الكليني بسنده عن الأصبغ بن نباتة قال في حديث طويل عن المهدي
=>
الصفحة 13
ومن غير شك: يجوز أن أمرا لا يمتنع أن يجوز وقته من ستة أيام إلى ستة أشهر، ومن ستة أشهر إلى ست سنين، غير ممتنع أن يجوز إلى سنين.
وهل هذا مفهوم؟
فإن كان عليه السلام أراد تسمية الوقت، فقد علم أنه لم يسم.
وإن أراد الاغماض منه (22) فغير عجب أن يغمضه بأشد ما يقدر عليه، ويستر عنه بأجهد ما يمكنه، لأن أمرا يخبر عنه من يوثق بعلمه بالشك بين ستة أيام أو ست سنين، لا يراد به غير المغامضة والستر.
____________
<=
قلت يا أمير المؤمنين، وكم تكون الحيرة والغيبة؟
قال: ستة أيام، أو ستة أشهر أو ست سنين... أصول الكافي (1 / 338) وإثبات الوصية ص 260، لكن رواه الصدوق بأسانيد عديدة منها عن أبيه (المؤلف)، ولم يرد فيه هذا السؤال والجواب، لاحظ إكمال الدين (288 ح 1).
ورواه النعماني في الغيبة (29) عن الكليني بسنده إلى الأصبغ، إلا أن الجواب فيه هكذا قال سبت من الدهر.
وقول المؤلف فيما يلي " لأن أمر يخبر عنه... بالشك بين ستة ستة أيام أو ست سنين " يدل علي أن روايته للحديث كانت محتوية على عبارة تقيد الشك والترديد، إنما وقع الخلل في النقل عنه.
هذا، وقد ورد هذا الترديد في رواية عن الإمام السجاد عليه السلام:
روى الصدوق في الإكمال قال:
حدثنا محمد بن محمد بن عصام الكليني رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن يعقوب الكليني، قال: حدثنا القاسم بن العلاء قال حدثني إسماعيل بن علي القزويني، قال: حدثني علي بن إسماعيل، عن عاصم بن حميد الحناط، عن محمد بن قيس عن ثابت الثمالي:
عن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام، أنه قال: فينا نزلت هذه الآية: " وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله " الأحزاب آية / 6.
وفينا نزلت هذه الآية: " وجعلها كلمة باقية في عقبه " الزخرف آية / 28 والإمامة في عقب الحسين عليه السلام إلى يوم القيامة:
وإن للقائم منا غيبتين، أحدهما أطول من الأخرى:
أما الأولى: فستة أيام، أو ستة أشهر، أو ست سنين.
أما الأخرى: فيطول أمدها، حتى يرجع عن هذا الأمر أكثر من يقول به، فلا يثبت عليه إلا من قوى يقينه وصحت معرفته ولم يجد في نفسه حرجا مما قضيناه، وسلم لنا أهل البيت. إكمال الدين ص 323 ح 8.
22 - في (ب): عنه.
الصفحة 14
ولولا إقحام السؤال عليهم في أوقات غير مسهلة للجواب، لما خرج حكم إلا على حقيقته، ولا كلام إلا على جهته.
فأما قوله عليه السلام: إن صاحب هذا الأمر ابن ثلاثين سنة، أو إحدى وثلاثين سنة، أو أربعين سنة، فإن جاز الأربعين فليس بصاحب هذا الأمر (23).
فإنه لمعنى المدافعة عن الأنفس، وليتيقن (24) من لا يشك في إمامة من يحدث بهذا الحديث من أعدائه: أنه ليس بصاحب السيف فيلهو عنه ويشتغل عن طلبه.
ويدلك على هذا قوله: يملك السابع من ولد الخامس، حتى يملأها عدلا كما ملئت جورا (25).
ولو كان صاحب هذا الأمر لا يجوز أن يجوز أربعين سنة، لما جاز لأحد من الأئمة عليهم السلام أن تصلح له الإمامة فوق الأربعين، لأن الإمامة شأن واحد في القيام بالعلم والسيف، وما كان الله ليجعل هذا الأمر العظيم في رجل يختاره، ثم ينزعه عنه لمعنى السن.
ولو طويت ما نطقت به من هذا التأويل على هذا الخبر، لكان فيما يتأوله من يتعلق به للرد أقنع حجة وأبلغ دفعا، لأن الذي يروي هذا الحديث يتأول: أن امتناع القيام بعد الأربعين سنة من طريق النكير في العقول.
وأعوذ بالله أن أقول: إنهم صلوات الله عليهم بمنزلة سائر الناس، وإن عقولهم مما يدخلها الفساد في الأربعين وما فوقها.
____________
23 -
24 - في (أ): ليتبعن.
25 - قال الصادق (ع) في المهدي (ع): الخامس من ولد السابع رواه المؤلف بسنده وعنه ابنه في إكمال الدين ص 338 ح 12.
وعن الكاظم قوله: إذا فقد الخامس من ولد السابع. رواه الكليني في الكافي ج 1 ص 336 والنعماني في الغيبة ص 78 والمؤلف بسنده كما في الإكمال ص 359 والمسعودي في إثبات الوصية ص 255 نعم روى المسعودي حديثا عن الباقر (ع) قال فيه: القائم: السابع بعدي، إثبات الوصية ص 259.
الصفحة 15
والأسوة برسول الله صلى الله عليه وآله حسنة، وهو سيد النبيين والأئمة الراشدين، وحين أناف على الأربعين نبي، وبعدها بسنين أظهر الدعوة.
فأما أمر موسى عليه السلام، وقوله: إنه لا يموت حتى يملأها عدلا كما ملئت جورا، فإن ذلك قاله عند شدة الطلب وقسوة القلوب، ليقرب المدة، ويردع الظلمة.
والحجة، فيمن قال بالوقف عليه، قد استقصيت بصحيح الأخبار في باب إمامته.
وإنما أردت بذكر هذا الحديث إيراد قوله: " بدا لله فيما قلت " لأنه خرج في أيام فلان حين اشتد الطلب والخوف، حتى وقع بعد هذا الحديث من الغيبة والاختفاء ما اتصل بهذا العهد وبلغ هذه المدة، وما كان الله ليبدو له في إمام تسمية ولا خروجا.
وما أفرق - بعد قولي: إن الإمامة أحد الشرائع الخمسة - بين من يقول بالبداء فيها بالعدد والتسمية، وبين من يقول بالبداء في الصلاة والصوم وسائر الشرائع الأربعة.
لأن مخرج الأربعة من الواحدة، وهي الإمامة، فإن جاز أن ينسخ الله أصل الشرائع، جاز أن ينسخ فرعها.
وأعوذ بالله أن أقول بنسخ شريعة وتبديل ملة، بعد أن جعل الله محمدا صلى الله عليه وآله خاتم النبيين، وشريعته خاتمة الشرائع، وواصل القيام على دينه وشريعته بقيام الساعة، والانتقال منها إلى محشر القيامة فأما الوقت:
فالسنة (26) فيه الكتمان، والشريعة فيه الامساك عن الإعلان.
ومما يدل على التقية ويرشد إلى (27) أن الأخبار الكثيرة وردت لعلة ما: قوله عليه السلام: " بدا لله في إسماعيل ". (28)
____________
26 - كلمة (إلى) ليست في (أ) 27 - في (ب): فإن السنة.
28 - رواه الصدوق في التوحيد (ص 336) مرسلا عن الصادق (ع) قال: (ما بدا لله بداء كما بدا في إسماعيل ابني) وقال بعده: وقد روى لي من طريق أبي الحسين الأسدي (رضي الله عنه) في ذلك شئ غريب، ثم ذكر الحديث ورواه عنه في البحار (4 ص 109).
الصفحة 16
فكيف الحجة الآن في آدم عليه السلام أنه حفظ أسماءهم؟
وما القول في أمر نوح أنه علم عددهم؟ (29) وكيف يثبت أن الله - عز وجل - أخذ على الأمة كلها عهدهم، وهو ينسخ أمرهم، ويبدو له في أسمائهم؟.
وبأي دليل يدفع أمر اللوح؟
فأخبار الأظلة، والآثار الواردة أن الله خلقهم قبل الأمم، وما كان الله ليأخذ مولى من أوليائه على قوم، ثم يبدو له في ذلك وقد قبض إليه منهم العدد الكثير، إذ هو الحق أن لا يحاسب إلا بحجة، ولا يعذب إلا بحقيقة بلاغ.
وحاش لله أن يجعل خلفاء في عباده من ينقض أمرهم ويبدل سنتهم وتكون حكمته - سبحانه - بمحل يرشح رجلا لحفظ بيضة المسلمين فيكون بمنزلة ينحى عنها قبل انقضاء أجله وبلوغ مدته، أو يجعله بمحل من يحدث في عقله الفساد لبلوغه أقصى العمر وأبعد السن، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
والحجة على هذا القول، مثل الحجة على تسميته:
فسمى إماما، ولما هو، وأظهر القول فيه بالبداء لمثله، أو جعل البداء لمعنى معارضة في موت أو غم أو رزق أو أجل.
والإمامة لا تغير، والنسب لا ينقطع، والعدد لا يزيد ولا ينقص.
فإن قال قائل: إن الذي انتهى إليه الوقت في الغيبة غاية عمر أهل الدهر، ونهاية سن خلق هذا العصر، وإن الآيات قبله لم تظهر، والدلالات المذكورة بين يديه لم تحدث؟!
فهلا يقول بالبداء في هذه الدلالات، ويحتج بنسخها، إذ؟ هو جائز عنده
____________
29 - مر ذكر علم نوح عليه السلام عدد الأئمة عليهم السلام.
الصفحة 17
أن يبدو لله في إمام، فإن ذلك أولى وأحق.
وستجده (30) أكثر من يمتنع من هذا، ويحتج بأنها من المحتوم!
فكيف يجعل هذه الدلالات مما (لا) (31) يبدو لله فيها، لأنها من المحتوم، ويقول بالبداء في الإمامة ولا يشك أنها من المحتوم؟!
وكيف لا يتخذ الحجة في ذلك: أن الله - جل اسمه - يعفو عن عباده فيما يتوعدهم به من عقاب وعذاب محتوما كان ذلك منه أو موقوفا.
فلا يبدو له في وعد خير صغيرا كان أو كبيرا، حتى تسلم له المدة ويقرب الله عليه الوقت، ويكفيه أمر الوحشة لطول الغيبة.
وإن (32) ترك هذه العلة في الوقت، وقال بالعمر: أنه لا يجوز عمر متأخر على عمر متقدم؟!
فالخبر شائع أن عمر أبي عبد الله عليه السلام أوفى على عمر من تقدمه (33).
وكلما جاز أن يكون في واحد، هو جائز أن يكون في آخر، لا سيما إذا لم يكن ذلك مما يفسد شريعة أو يبطل سنة.
وعسى أن يعتصم بعد هذه الأحوال مقصر بالتسليم، فيقول:
إنه واجب استعماله في الأخبار كلها، ويكره التفقه، ويرفض القصد فيقول: وردت الأخبار، ولزم القبول ووجب التسليم.
ويجعل الولي في ذلك بمنزلة العدو، فيوجب على أولياء الله استعمال خبر خرج من العلماء عن تقية لأعداء الله.
ولا يعلم أن المجتهد في العمل أفضل من المتكل على الأماني.
ويجهل قول أمير المؤمنين عليه السلام: اللهم إنك تعلم أنه ما ورد علي أمران أحدهما لك رضا، والآخر لي هوى، إلا آثرت رضاك على هواي. (34)
____________
30 - في (أ). ستجدها، و (ب). ستجد.
31 - كلمة (لا) لم ترد في النسختين، لكن تصحيح المطلب يقتضيها.
32 - في (أ): وإلا. 33 - 34 -.
الصفحة 18
وهذا بعيد من هذا النمط، وعميق من القول في هذا الموضع، لكن لطيف النظر يذهب إليه، ودقيق الفكر يوجب أنه إذا لزم الايثار في أمرين كلاهما حق، لفضل رضا الله على هوى ولي من أوليائه.
إن استعمال الايثار في خبر ورد لمكان حجة، واستعبار واجب على خبر وقع لمعنى تقية ومكان مدافعة.
جعلنا الله ممن يبصر رشده، ويهتدي سننه، ويجتهد في الدين بلغته ويبذل فيه طاقته، ويخشاه حق خشيته، ويراقبه مراقبة أهل طاعته، ويرغب في ثوابه ويخاف معاده، وختم أعمالنا بالسعادة والزلفى الحسنة.
وقد بينت الأخبار التي ذكرتها من طريق العدد، وكل ما وقع في عصر إمام من إشارة إلى رجل، أو دعاية (35) منه بغير حق، واستحالة مجاوزة العدد وتبديل الأسماء، بصحيح الأخبار عن الأئمة الهادين عليهم السلام.
متوكلا على الله تعالى، ومستغفرا من التقصير، ومستعيذا به سبحانه أن أريد - بما تكلفته - إلا الاصلاح وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب.
____________
35 - كذا ظاهرا، والمراد أو ادعاء منه، وكان في النسختين: أودعته.