الصفحة 163
إعلم أن معاني الكلام في هذا الباب قد تقدم كلامنا عليها مستقصى فيما مضى من كتابنا حيث دللنا على وجوب كون الإمام عالما بجميع أحكام الدين، فإنا ذكرنا في الدلالة على ذلك وجوها استقصيناها، وأوضحنا شرحها، وفرقنا بين الولاية والتكليف، وبينا أن تكليف الشئ من لا يعلمه إذا كان له سبيل إلى علمه حسن جائز، وإن ولايته الشئ الذي لا يعلمه قبيحة، وإن كان المتولى متمكنا من أن يعلم، وذكرنا في ذلك ما لا زيادة عليه، وقد اعترف صاحب الكتاب في هذا الفصل بما نريده، وسلم غاية ما نقترحه، لأنه قال: " إن علم الإمام بجميع أحكام الدين إنما يجب على مذهب من يقول إنه حجة وإنه معصوم دون من لا يوجب ذلك " وهذا لعمري صحيح وقد دللنا على أنه حجة ومعصوم، فيجب أن يتبع (1) ذلك ما اعترف بوجوب اتباعه له من كونه عالما بجميع الأحكام.
فأما قوله في هذا الفصل: " إنه لا يشترط في ذلك من العلم ما لا تعلق له بما يقوم به، وما لا يكون أصلا لذلك، لأنا متى اعتبرنا ذلك لم
____________
(1) لا يمنع، خ ل.
الصفحة 164
يكن بعض العلوم بأن يعتبر أولى من بعض، وذلك يوجب كونه عالما بسائر اللغات، وسائر الحرف وغير ذلك،... " (1). فقد أصاب في أن ما لا تعلق له بما يقوم به الإمام لا يجب أن يعلمه، إلا أنه ظن علينا أنا نوجب هذا الجنس من العلوم، فلهذا أتبع كلامه بالحكاية عنا إيجاب كونه عالما بما جرى مجرى الغيب ومعاذ الله أن نوجب له من العلوم إلا ما تقتضيه ولايته، ويوجبه ما وليه، وأسند إليه من الأحكام الشرعية، وعلم الغيب خارج عن هذا.
فأما قوله: " فيجب أن يكون عالما أو في حكم العالم بما يتصل بالأحكام والشرائع، يبين ذلك أن الحاكم يقوم بالأمور التي يقوم هو بها، فإذا لم يعتبر في الحاكم إلا ما ذكرناه فكذلك القول في الإمام، وبعد، فلا يخلو إذا قال المخالف إنه يجب أن يعلم أكثر مما ذكرناه، وأن يوجب في كونه عالما أن يستقل بنفسه، وأن لا يحتاج إلى غيره في شئ من الأحكام، أو يجوز ذلك فيه، فإن منعه لزمه أن يعلم كل ما يتصل بالأحكام من القيم والأروش (2) وما يتصل بالصناعات وبطلان ذلك يبين جواز رجوعه إلى غيره " فقد تقدم الكلام على هذا ونظائره من كلامه لأن معنى قوله (أن يكون في حكم العالم هو أن يكون متمكنا من العلم) وقد بينا أن التمكن من العلم لا يحسن ولاية الشئ من لا يعلمه.
فأما حمله الإمام في هذا الباب على الحاكم فقد مضى الكلام أيضا فيه وبينا أن كلا الأمرين واحد في هذه القضية، وأن الحاكم لا يجوز أن يولى الحكم فيما لا يعلمه على وجه ولا سبب، وأن كل شئ لم يعلمه الحاكم المنصوب للأحكام فهو خارج عن ولايته، ومستثنى به عليه، ويجب متى عرض ما لا يعلمه من الأحكام أن لا يقدم على الحكم فيه،
____________
(1) المغني 20 ق 1 / 208.
(2) الأروش - جمع الأرش بوزن العرش -: دية الجراحات.
الصفحة 165
وينهيه إلى الإمام، وبينا أن ولاية الحاكم خاصة، وولاية الإمام عامة فلا يمكن أن يقال في ولاية الإمام ما قلناه في ولاية الحاكم.
فأما إلزامه إذا ذهبنا إلى وجوب استقلاله بنفسه في العلم بالأحكام التي ولي لتنفيذها، ونصب لإقامتها أن يعلم كل شئ حتى يعلم القيم والأروش والصناعات، فمن طريف الالزام وغريبه، لأنا إنما أوجبنا ما ذهبنا إليه في هذا الباب من حيث كان الإمام حاكما في الدين، وواليا في تنفيذ أحكامه، فيجب في كل حكم لله تعالى في الدين أن يعلمه لينفذه ويضعه في مواضعه، وأبطلنا قول من خالفنا وذهب إلى جواز كونه غير عالم بكثير من الأحكام المشروعة التي تعبد بعلمها، وندب إلى معرفتها، فأين هذا من العلم بالحرف والمهن والقيم والأروش، وكل ذلك مما لا تعلق له بالشريعة ولا كلف أحد من الأمة إماما كان أو مأموما العلم به لا على سبيل الندب ولا الايجاب؟ وإنما تكليفهم المتعلق بالشريعة في ذلك أن يرجعوا إلى أهل القيم والمعرفة بالصناعات، لا أن يقوموا ذلك بأنفسهم.
ثم يقال: مثال (1) ما أجزته على الإمام فيما يتعلق بالصناعات أن يكون غير عالم فيما يكون حكم الله تعالى فيه الرجوع إلى أهل صناعة مخصوصة بهذا الحكم، لأنك قد أجزت تظاهره عليه، وليس مثال ذلك ألا يكون عالما بنفس الصناعة والمهنة على أنك تقول: إن كون الإمام عالما بجميع أحكام الشريعة أفضل وأكمل، ومن كان بهذه الصفة أولى من غيره، فهل تقول إن من كان عالما بالمهن والصناعات كان أفضل وأكمل فيما يتعلق بالإمامة، وأولى بها من غيره؟ فما تثبته أنت وأصحابك فضلا وكمالا، وتجعلونه أولى نوجبه، وما لا تثبتونه بهذه الصفات لا نوجبه نحن، من حيث لا تعلق له بأحكام الشريعة وما يجب على الإمام من إقامتها، وإنما يجب أن يكون عالما بالصنائع والمهن لو كان واليا على أهلها
____________
(1) " ومثل " خ ل.
الصفحة 166
فيها كما أوجبنا إذا كان واليا في الدين ورئيسا في الشريعة أن يكون عالما بأحكامها، فأما والأمر بخلاف ذلك فإن إلزامه العلم بالصنائع على العلم بأحكام الشريعة من بعيد الالزام.
على أنك لا تجيز أن ينصب للإمامة إلا من كان عالما بالأحكام الشرعية، أو في حكم العالم، ومعنى أن يكون في حكم العالم: أن يتمكن من الاجتهاد والاستدلال على إصابة الحكم.
وقد يجوز عندك وعند كل أحد أن ينصب للإمامة من لا يكون عالما بالصنائع والمهن ولا في حكم العالم فبان افتراق الأمرين، وإنه لا تعلق للصنائع والمهن والعلم بها بأحكام الشريعة. فما توجب أنت كون الإمام في حكم العالم به إذا لم يكن عالما نوجب نحن كونه عالما به، وما لا توجب ذلك فيه ولا تجعله شرطا في إمامته لا يجب عندنا أن يكون حاصلا له، وهذا واضح.
فأما قوله: " فإن قيل: فيجب وإن لم يكن من أهل الاجتهاد أن يجوز كونه إماما بأن يرجع إلى قول العلماء، قيل له: قد ثبت أن ذلك ممتنع في الحكام، وأن الإمام يجب أن يكون أعلى رتبة فلا يصح ذلك فيه، ولأن إلزام الحكم أوكد من الفتيا فإذا لم يحل أن يفتي المفتي إلا وهو من أهل الاجتهاد فبأن لا يحل له أن يحكم إلا وهو كذلك أولى، وقد ثبت بما سنذكره إمامة أبي بكر وعمر وعثمان، وإن كانت حالهم تتفاوت (1) في العلم، وفيهم من يقصر عن صاحبه، وقد صح أن أمير المؤمنين عليه السلام
____________
(1) غ " تتقارب ".
الصفحة 167
كان أعلم منهم بالأحكام (1) وعدل مع ذلك إليهم، وذلك يبين أن القدر الذي يطلب من العلم في من يختار للإمامة ما ذكرناه،...) (2) فأول ما فيه أنا نسوي في الالزام بين الإمام والحاكم، فنقول لم لا يكون الحاكم أيضا يرجع إلى أهل الفتيا في الأحكام فيحكم بقولهم، وإن لم يكن من أهل الاجتهاد، فقوله: " قد ثبت أن ذلك ممتنع في الحاكم " دعوى لا نوافقه عليها، وكيف يظن لمن يلزم مثل هذا الالزام في الإمام وهو حاكم الحكام أن يسلم امتناع مثله في الحكام الذين يتولون من قبل الإمام.
فإن قيل: إن الذي يمنع من أن يكون الحاكم بهذه الصفة إجماع الأمة لأنهم متفقون مع اختلافهم على أن الحاكم لا بد من أن يكون من أهل الاجتهاد، ولا يجوز كونه عاميا مقتصرا في الأحكام على الاستفتاء.
قيل له: هذا يمكنك أن تقوله بعينه في الإمام، ولا يكون لردك حال الإمام إلى حال الحاكم معنى في أمر متى نوزعت فيه، وطولبت بالدلالة على أنه شرط في الحاكم فزعت إلى طريقة يمكن أن يستدل بها في الإمام والحاكم معا على حد واحد، والجواب عن الاعتصام بالاجماع سواء فزع إليه في الإمام أو في الحاكم أن الإجماع إذا كان هو المانع من ذلك فيجب أن يكون جائزا قبل الإجماع لجواز كل أمر اختص الإجماع بالمنع منه، وهذا يقتضي التصريح بتجويز إقامة إمام يحكم في جميع الشريعة، ويكون إماما في جميع الدين وأحكامه، وهو مع ذلك خال من جميع العلوم بأحكام الشريعة، معول في كل حكم يحدث على الاستفتاء والرجوع إلى العلماء، وفي علمنا بقبح ذلك عند كل عاقل دلالة على أن الإجماع لا مدخل له في المنع منه.
____________
(1) غ " بالأخبار ".
(2) المغني 20 ق 1 / 209.
الصفحة 168
وأما قوله: " إن إلزام الحكم آكد من الفتيا " فلقائل أن يقول:
أليس الحاكم عندك قد يكون حاكما في أشياء كثيرة من الشريعة، وإن لم يعلمها، بأن يرجع إلى من يعلمها فيستفتيه ويباحثه، ولا يجوز لأحد أن ينتصب للفتيا فيما لا يعلمه، ويرجع في معرفته إلى غيره، بل لا يجوز له أن يفتي بما يستفتى فيه غيره وإن جاز أن يحكم بما يستفتي فيه غيره، ولم يقتض ذلك تأكد حكم الفتيا على القضاء، وتولي الأحكام فألا جاز ما ألزمناك إياه من أن يكون الإمام والحاكم من غير أهل الاجتهاد، وإن لم يجز في المفتي أن يكون بهذه الصفة؟ فإن منع مما ألزمناه تأكد الحكم على الفتيا منع مما حكيناه عنك، وإن جوز أحد الأمرين جوز الآخر.
فأما ادعاؤه ثبوت إمامة من قصر في العلم عن غيره، فمبني على ما لم يصح ولا يصح، وسنتكلم على ما أحال عليه بعون الله ومشيئته، وأحد ما يدل على بطلان إمامة من ذكره تقصيره في العلم عن غيره، واعترافه على نفسه بالخلو عن معرفة كثير من الأحكام، وتوقفه فيها ورجوعه إلى غيره في إصابتها، والكلام في ذلك يجيئ في مواضعه.
فأما قوله: بعد كلام لا فائدة في حكايته لأنه كالتفريع على مذهبه:
" وبعد فإن الذي يقوم به الإمام هو الذي يقوم به الأمراء، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يولي الأمراء والعمال على النواحي إذا عرفوا من العلم القدر الذي ذكرناه فلا وجه للقول بالحاجة إلى زيادة عليه،... " (1) فقد تقدم فيما مضى الكلام على هذا المعنى، وبينا أنه لا يجوز أن يتولى الحكم في شئ من لا يعلمه سواء كان إماما أو أميرا وإن الأمير إنما لم يجب فيه العلم بجميع أحكام الحوادث حتى يكون مساويا
____________
(1) المغني 20 ق 1 / 210.
الصفحة 169
للإمام من حيث كانت ولايته خاصة وولاية الإمام عامة، وبينا أن الأمير يرجع فيما لا يعلمه، وليس بأمير عليه، ولا حاكم فيه إلى الإمام، ولا يجوز في الإمام مثل ذلك، لأنه لا يمكن أن يشير إلى شئ من الشريعة ليس هو إماما فيه ومنصوبا لتنفيذ أحكامه، واستقصينا ذلك استقصاء يغني عن تكراره هاهنا.
فأما قوله: " فإن قيل: أليس الرسول صلى الله عليه وآله يجب أن يكون عالما بكل الدين وأعلم من سائر أمته، فهلا وجب في الإمام مثله ".
قيل له: إنما وجب في الرسول صلى الله عليه وآله ذلك لأن من جهته يعلم أمر الشرع وهو الحجة فيه وإليه يرجع في باب الديانات ولا يجوز أن يكون كذلك إلا ويفوق في العلم غيره، وإلا كان محتاجا إلى غيره في بعض ذلك، وليس كذلك الإمام لأنه لا يعلم من قبله الديانات والشرائع، وإنما فوض إليه القيام بأمور مخصوصة، فحاله كحال الحكام والأمراء... " (1) فقد مضى أيضا الكلام على ذلك، وبينا أن الإمام حجة في الشرع كالرسول، وأن الرجوع إليه في الديانات قد يحصل على حد الرجوع إلى الرسول صلى الله عليه وآله لأنه إذا وقع من الأمة ما يجوز عليها من الإعراض عن نقل بعض الأحكام حتى لم يبق نقل ذلك إلا فيمن لا تقوم الحجة به، فلا مفزع في باب العلم بذلك الحكم إلا إلى قول الإمام، ولا يصح أن يعلم إلا من جهته، ففي هذا الموضع يجري الإمام مجرى الرسول في أن الشرع يعلم من جهته، وهو الحجة فيه، فلو جوزنا أن يذهب عن الإمام بعض أحكام الشريعة لم يأمن أن يكون الذي ذهب عنه هو الذي اتفق كتمانه من الأمة فلم نثق بوصول جميع الشرع
____________
(1) المغني 20 ق 1 / 211.
الصفحة 170
إلينا، ويبطل ما هو أكبر الأغراض في نصب الإمام من حفظ الشريعة، وتلافي ما يعرض فيها من خلل، على إنا نقول له: إذا كان المانع من ذلك عندك هو كون الرسول صلى الله عليه وآله ممن لا يعلم الشرع إلا من جهته فجوز فيه بعد أداء الشريعة كلها وقيام الحجة بها على المكلفين أن يذهب عنه كثير من أحكام الشريعة حتى يحتاج عند حدوثها إلى الرجوع إلى غيره، لأن العلة التي عولت عليها من أن الشرع لا يعلم إلا من جهته هاهنا مرتفعة، وهذا حد لا يبلغه أحد في الرسول صلى الله عليه وآله.
ثم أورد صاحب الكتاب كلاما طويلا (1) يشتمل على موضعين أحدهما أنه أجاب عن سؤال من يسأل عن الإمام: كيف يجوز أن يحتاج في العلم إلى غيره مع حاجة ذلك الغير إليه بأن قال: " جهة الحاجة مختلفة وأن المتناقض هو حاجته إليهم في نفس ما يحتاجون إليه فيه، وبين أنه يحتاج إليهم في العلم ويحتاجون إليه في تنفيذ الأحكام، وإقامة الحدود، فالجهة مختلفة " وقال: " إن ذلك يجري مجرى حاجة الإمام في إقامة الحد إلى شهادة الشهود، والشهود يحتاجون إليه في غير ذلك ويجري مجرى حاجته إلى المقومين فيما يرجع إلى ما وقع فيه التنازع وإن كانوا محتاجين إليه في غير هذا الوجه "، والموضع الآخر أنه قال: " لا اعتبار فيمن يحتاج إلى غيره في أمر من الأمور أن يكون ذلك الذي احتاج إليه فيه واجبا حصوله، بل المراعى أن يكون ذلك الذي احتاج إليه حاصلا لمن تعلقت الحاجة به، ولا فرق بين أن يكون واجبا أو جائزا " قال: " ولهذا يصح عن أحدنا أن يستفيد من غيره الرزق إذا كان حاصلا له، وإن لم يكن واجبا " والكلام عليه في الفصل الأول أنه ادعى فيه أن جهة حاجة العلماء إلى الإمام وحاجته إليهم مختلفة، ولو كان الأمر على ما ظنه لما تناقض ذلك
____________
(1) اختصره المرتضى هنا وتجده في المغني 20 ق 2121 و 213 كاملا.
الصفحة 171
على ما ذكره إلا أن الأمر بخلافه، لأنا قد بينا فيما تقدم أن الإمام حجة في الشرع وأدائه، وأنه يستفاد من جهته، وأن الحال ربما انتهت إلى أن يكون الشرع لا يعلم إلا من جهته، بأن يعرض الناقلون عن نقله، فكيف يحتاج الإمام في تعلم العلم واستفادته على هذا إلى من يحتاج إليه في ذلك بعينه، ولا شبهة في ارتفاع التناقض عن حاجته إلى الشهود مع حاجتهم إليه لاختلاف وجه الحاجة وقد بينا أن الأمر فيما نتكمل عليه بخلاد ذلك.
فأما الموضع الآخر فليس يجوز أن تكون الحاجة إلى أمر من الأمور واجبة وذلك الأمر جائز حصوله وارتفاعه مع القول بأن المحتاج إليه مزاح العلة، لأن وجوب حاجته يقتضي وجوب وجود ما يحتاج إليه حتى يكون مزاح العلة، وهذه الجملة تقتضي أن تكون الأمة إذا وجب عملها بالشرائع إلى أن تقوم الساعة، ووجب بوجوب ذلك علمها بالشرائع يرجع في العلم إلى من يجب حصوله له، ولا يجوز عدمه من جهته، لأن ذلك يؤدي إلى انتفاء إزاحة العلة في التكليف، وقد اعترف صاحب الكتاب بمعنى ما ذكرناه بقوله عقيب هذا الكلام. " ولذلك نقول: إن جملة العلوم يجب أن تكون محفوظة في الأمة وإن تفرقت في العلماء لكي يصح أن يظفر بها من يطلبها من أهل العلم. فأما وجوب حصول ذلك في الواحد فغير واجب لأنه لا فرق بين أن يوجد مفترقا في صحة التوصل إليه أو مجتمعا عند واحد " وهذا تصريح منه كما ترى لوجوب حصول العلم وإمكان الوصول إليه لتكون العلة مزاحة وما استأنفه من ذلك كالناقض لما قدمه، لأنه أراد أن يبين أن حصول المحتاج إليه ليس يجب من حيث تعلقت الحاجة به، وشبهه بالرزق وهو الآن قد اعترف بوجوب وجوده وحصوله، إلا أنه قال: ليس يجب أن يحصل عند واحد بعينه بلا فرق في إزاحة العلة بين وجوده مفترقا ومجتمعا، والأمر في ذلك على ما قال لأن
الصفحة 172
إزاحة العلة لا تقتضي وجود العلم في جهة واحدة بعينه، غير أن الدليل إذا دل على أن من عدا الإمام لا يجب عصمته، ولا يؤمن الخطأ عليه لم يجز أن تتعلق الحاجة في إصابة العلم المحتاج إليه به، ووجوب تعلقها بالمعصوم الذي يؤمن من تغييره وتبديله، ويوثق بوجود العلم في كل حال عنده، وإذا لم يكن من هذه صفته إلا واحدا وجب بهذا الترتيب المرجع في علوم الشريعة إلى واحد.