الصفحة 52
الشيخ أبو جعفر الطوسي في أماليه قال: أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن الحسن بن شاذان قال: حدثني أحمد بن محمد بن أيوب قال: حدثنا عمر بن الحسن القاضي قال: حدثنا عبد الله بن محمد قال: حدثني أبو حبيبة قال: حدثني سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن عائشة.
قال محمد بن أحمد بن شاذان: وحدثني سهل بن أحمد قال: حدثنا أحمد بن عمر الربيعي قال:
حدثنا زكريا بن يحيى قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا شعبة عن قتادة، عن أنس بن مالك، عن العباس بن عبد المطلب. قال ابن شاذان: وحدثني إبراهيم بن علي بإسناده عن أبي عبد الله جعفر ابن محمد عن آبائه (عليهم السلام) قال: كان العباس بن عبد المطلب ويزيد بن قعنب جالسين ما بين فريق بني هاشم إلى فريق عبد العزى بإزاء بيت الله الحرام إذ أتت فاطمة (عليها السلام) بنت أسد بن هاشم أم أمير المؤمنين (عليه السلام) وكانت حاملة بأمير المؤمنين (عليه السلام) لتسعة أشهر وكان يوم التمام قال: فوقفت بإزاء البيت الحرام وقد أخذها الطلق فرمت بطرفها نحو السماء وقالت: أي رب إني مؤمنة بك وبما جاء به من عندك الرسول وبكل نبي من أنبيائك وبكل كتاب أنزلته وإني مصدقة بكلام جدي إبراهيم الخليل وإنه بنى بيتك العتيق فأسألك بحق هذا البيت ومن بناه وبحق هذا المولود(1) الذي في أحشائي، الذي يكلمني ويؤنسني بحديثه وأنا مؤمنة(2) إنه إحدى آياتك ودلائلك لما يسرت علي ولادتي.
قال العباس بن عبد المطلب ويزيد بن قعنب فلما تكلمت فاطمة بنت أسد ودعت بهذا الدعاء رأينا البيت قد انفتح من ظهره ودخلت فاطمة فيه وغابت عن أبصارنا. ثم عادت الفتحة والتزقت بإذن الله فرمنا أن نفتح الباب ليصل إليها بعض نسائنا فلم ينفتح الباب فعلمنا أن ذلك أمر من أمر الله
____________
(1) في الأمالي والبحار: وبهذا المولود.
(2) في الأمالي والبحار: موقنة.
الصفحة 53
تعالى، وبقيت فاطمة في البيت ثلاثة أيام. قال: وأهل مكة يتحدثون بذلك في أفواه السكك، وتتحدث المخدرات في خدورهن. قال: فلما كان بعد ثلاثة أيام انفتح الباب من الموضع الذي كانت دخلت فيه فخرجت فاطمة وعلي على يديها.
ثم قالت: معاشر الناس إن الله عز وجل اختارني من خلقه وفضلني على المختارات ممن مضى قبلي، وقد اختار الله آسية بنت مزاحم فإنها عبدت الله سرا في موضع لا يحب أن يعبد الله فيه إلا اضطرارا، وإن مريم بنت عمران هزت الجذع(1) اليابس من النخلة في فلاة من الأرض حتى تساقط عليها رطبا جنيا، وإن الله تعالى اختارني وفضلني عليهما وعلى كل من مضى قبلي من نساء العالمين لأني ولدت في بيته العتيق وبقيت فيه ثلاثة أيام آكل من ثمار الجنة وأرزاقها(2)، فلما أردت أن أخرج وولدي على يدي هتف بي هاتف وقال: يا فاطمة سميه عليا فأنا العلي الأعلى وإني خلقته من قدرتي وعز جلالي(3) وقسط عدلي، واشتققت اسمه من اسمي وأدبته بأدبي(4) وهو أول من يؤذن فوق بيتي ويكسر الأصنام ويرميها على وجهها ويعظمني ويمجدني ويهللني، وهو الإمام بعد حبيبي ونبيي وخيرتي من خلقي محمد رسولي ووصيه، فطوبى لمن أحبه ونصره والويل لمن عصاه وخذله وجحد حقه.
قال: فلما رآه أبو طالب سر(5) وقال علي (عليه السلام): " السلام عليك يا أبه ورحمة الله وبركاته ".
ثم قال: دخل(6) رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلما دخل اهتز له أمير المؤمنين (عليه السلام) وضحك في وجهه وقال:
" السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته ".
قال: ثم تنحنح(7) بإذن الله تعالى وقال: " بسم الله الرحمن الرحيم * (قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون) *(8). - إلى آخر الآية - فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): قد أفلحوا بك، وقرأ تمام الآية إلى قوله * (أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون) *(9) فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " أنت والله أميرهم تميرهم(10) من علومك فيمتارون، وأنت والله دليلهم، وبك يهتدون ".
____________
(1) في الأمالي: (ومريم بنت عمران حيث هانت ويسرت عليها ولادة عيسى فهزت الجذع اليابس).
وفي البحار: (وأن مريم بنت عمران اختارها الله حيث يسر عليها ولادة عيسى فهزت الجذع).
(2) وفي الأمالي: وأوراقها.
(3) في الأمالي: وعزتي وجلالي.
(4) في الأمالي والبحار: (وفوضت إليه أمري، ووقفته على غامض علمي وولد في بيتي، وهو أول من يؤذن..).
(5) في الأمالي: سره.
(6) في الأمالي: قال: ثم دخل.
(7) في المخطوطة: تجنح.
(8) المؤمنون: 2 - 3.
(9) المؤمنون: 11 - 12.
(10) مير ميرا: أتاهم بالطعام والمؤنة.
الصفحة 54
ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لفاطمة: " إذهبي إلى عمه حمزة فبشريه به ". فقالت: " فإذا خرجت أنا فمن يرويه "؟ فقال: " أنا أرويه " فقالت فاطمة: " أنت ترويه "؟ قال: " نعم وذلك قول الله تعالى:
* (فانفجرت منه اثنتا عشر عينا) *(1) " قال: فسمي ذلك اليوم يوم التروية: فلما أن رجعت فاطمة بنت أسد رأت نورا قد ارتفع من علي إلى عنان السماء. قال: ثم شددته وقمطته قماطا فبتر القماط(2) ثم جعلته قماطين فبترهما فجعلته ثلاثة فبترها، فجعلته أربعة أقمطة من رق مصر لصلابته فبترها، فجعلته خمسة أقمط ديباج لصلابته فبترها كلها، فجعلته ستة من ديباج وواحدا من الأدم(3) فتمطى فيها فقطعها كلها بإذن الله، ثم قال بعد ذلك: " يا أمه لا تشدي يدي فإني أحتاج إلى أن أبصبص لربي بإصبعي ". قال: فقال أبو طالب عند ذلك: إنه سيكون له شأن ونبأ، قال: فلما كان من غد دخل رسول الله (صلى الله عليه وآله) على فاطمة، فلما بصر علي (عليه السلام) برسول الله (صلى الله عليه وآله) سلم عليه وضحك في وجهه وأشار إليه أن خذني(4) واسقني مما سقيتني بالأمس قال: فأخذه رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالت فاطمة: عرفه ورب الكعبة قال: فلكلام فاطمة سمي ذلك اليوم يوم عرفة يعني(5) أن أمير المؤمنين (عليه السلام) عرف رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلما كان اليوم الثالث وكان العاشر من ذي الحجة أذن أبو طالب في الناس جامعا وقال:
هلموا إلى وليمة ابني علي. قال ونحر ثلاثمائة من الإبل وألف رأس من البقر والغنم واتخذ وليمة عظيمة وقال: معاشر الناس ألا من أراد من طعام علي ولدي فهلموا وطوفوا بالبيت سبعا سبعا(6) وادخلوا وسلموا على ولدي علي، فإن الله شرفه، ولفعل أبي طالب شرف يوم النحر(7).
____________
(1) في الأمالي والبحار: فوضع رسول الله (صلى الله عليه وآله) لسانه في فيه فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا. والآية في سورة البقرة: 60.
(2) في البحار: قال: ثم شدته وقمطته بقماط فبتر القماط. قال: فأخذت فاطمة قماطا جيدا فشدته به فبتر القماط.
(3) أدم وأدم: الجلد المدبوغ.
(4) في البحار: خذني إليك.
(5) في الأمالي: تعني.
(6) في الأمالي: وطوفوا بالبيت سبعا.
(7) الأمالي 2 / 317 - 320 ط: النجف، بحار الأنوار 35 / 35 - 39.