الصفحة 30
مقدمة:
في تسميته نعثل أقوال: ففي حديث شريك أن عائشة وحفصة قالتا له: سماك رسول الله نعثلا تشبيها بكر يهودي (1) وقال الكلبي: إنما قيل: نعثلا تشبيها برجل لحياني من أهل مصر، وقيل: من خراسان، وقال الواقدي: شبه بذكر الضباع فإنه نعثل لكثرة شعره، وقال: إنما شبه بالضبع لأنه إذا صاد صيدا قاربه ثم أكله؟ إنه أتي بالمرأة لتحد فقاربها ثم أمر برجمها ويقال: النعثل التيس الكبير العظيم اللحية.
قال الكلبي في كتاب المثالب: كان عثمان (2) ممن يلعب به ويتخنث و كان يضرب بالدف، وقد أحدث عثمان أمورا. منها: أنه ولى أمر المسلمين من لا يؤتمن عليه ولا علم له به، التفاتا عن حرمة الدين إلى حرمة القرابة، فولى الوليد بن عقبة فظهر منه شرب الخمر والفساد، وفيه نزل (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا (3)) قال المفسرون: المؤمن علي والفاسق الوليد، وفيه نزل (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا (4)) وصلى بالناس في إمارته سكرانا فقال: أزيدكم قالوا: لا.
وولى سعيد بن العاص الكوفة فقال: إنما السواد بستان لقريش تأخذ منه ما شاءت، فمنعوه دخولها، وتكلموا فيه، وفي عثمان، حتى كادوا يخلعونه: فعزله قهرا.
وولى عبد الله بن أبي سرح مصر، فتكلموا فيه فولى محمد بن أبي بكر وكاتبه أنه يقتل ابن أبي بكر وكل من يرد عليك وتستمر فلما ظفر بالكتاب كان سبب حصره وقتله.
____________
(1) كذا.
(2) عفان، خ ل.
(3) السجدة: 19.
(4) الحجرات: 7.
الصفحة 31
قالوا: ذلك مروان لا عثمان قلنا: فكان يجب على عثمان تعزيره، والتبري منه، فلما لم يفعل ذلك دل على خبثه وكذبه، ومن هذا حاله لا يصلح لأدنى ولاية مع إجماع الصحابة على قتله، وترك دفنه ثلاثا لما تحققوا من أحداثه.
قالوا: والحسين جرى له مثل ذلك قلنا: لا قياس لإجماع المسلمين على أنه قتل ظلما، ولم يحدث حدثا بخلاف عثمان، فقد روى الواقدي أن أهل المدينة منعوا من الصلاة عليه وحمل ليلا ليدفن فأحسوا به فرموه بالحجارة وذكروه بأسوء الذكر وقد روى الجوزي في زاد المسير أن عثمان من الشجرة الملعونة في القرآن.
ومنها: أنه آوى الحكم بن أبي العاص طريد رسول الله من المدينة.
قالوا: ذكر أنه استأذن النبي في رده قلنا: لم ينقل ذلك في كتاب بل المروي خلافه.
قال الواقدي من طرق مختلفة وغيره أن الحكم قدم المدينة بعد الفتح فطرده النبي ولعنه لتظاهره بعداوته، والوقيعة فيه، والعيب بمشيته، وصار اسم الطريد علما عليه فكلمه عثمان فيه، فأبى عنه، وكلم الشيخين في زمن ولايتهما فيه، فأغلظا القول عليه وقال له عمر: يخرجه رسول الله وتأمرني أن أدخله؟ والله لو أدخلته لم آمن من قائل: غير عهد رسول الله، فإياك أن تعاودني، فلو كان النبي أذن له لأعتذر عثمان إليهما به، ولما لامه علي وعمار وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن قال: إنه قرابتي، وفي الناس من هو شر منه.
وقال: لو نال أحد من القدرة ما نلت فكان قرابته لأدخله، فغضب علي وقال:
لتأتينا بشر من ذلك إن سلمت وسترى غب ما تفعل.
وقد روى صاحب كتاب الشفا من الجمهور قول النبي صلى الله عليه وآله: من أحدث في المدينة حدثا فعليه لعنة الله وأورده البخاري في أول الكراس الثاني من الجزء الرابع وزاد: الملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفا، ولا عدلا، ومثل هذا أورد الحميدي في الحديث الثامن عشر من الجمع بين الصحيحين، ومثله أيضا في
الصفحة 32
الحديث الثامن والأربعين من أفراد مسلم.
ومنها: أنه آثر أهله بأموال المسلمين، فدفع إلى أربعة زوجهم بناته أربعمائة ألف دينار وإلى مروان مائة ألف دينار.
قالوا: ربما كان ذلك من ماله قلنا: روى الواقدي أن عثمان قال: إن أبا بكر وعمر كانا يناولان من هذا المال قرابتهما وإني ناولت منه صلة رحمي.
وروى الواقدي أنه قسم مال البصرة بين ولده وأهله بالصحاف وروى الواقدي أيضا أن إبلا من الصدقة وهبها عثمان للحارث ابن الحكم بن أبي العاص وولى الحكم بن أبي العاص على صدقات قضاعة، فبعث ثلاثمائة ألف فوهبها له و أعطى سعيد بن العاص مائة ألف دينار، فأنكر الناس عليه، وقسم بيت المال على المقاتلة وغيرهم.
قالوا: ذلك بالاجتهاد قلنا: الله ورسوله أعلم بمصالح العباد، فإذا عينا لبيت المال جهة مخصوصة لم يجز العدول عنها بالاجتهاد.
تذنيب:
قال أهل التواريخ وصاحب الاستيعاب منهم: لما مات خلف ثلاث زوجات أصاب كل واحدة منهن ثلاثة وثمانون ألف دينار، فجملة المتروك أضعافها، فمن له هذا التكالب على الدنيا، كيف يصلح لخلافة الأنبياء؟
ومنها: ما ذكره عبد الله بن طاهر في كتاب لطائف المعارف أنه كسر ضلع ابن مسعود لما أبى أن يأتيه بمصحفه ليحرقه، ومنعه العطا وأنه كان مع كونه عظيم الشأن يكفر عثمان.
ففي مسلم والبخاري قيل لابن مسعود: صلى عثمان بمنى أربع ركعات فاسترجع وقال: صليت مع النبي ومع أبي بكر وعمر ركعتين ونحوه في مسند أحمد وفي تاريخ الطبري قال له علي: لقد عهدت نبيك يصلي ركعتين وأبا بكر وعمر فما أدري ما ترجع إليه، قال: رأي رأيته، وعاده عثمان في مرضه وسأله الاستغفار له فقال:
أسأل الله أن يأخذ لي منك بحقي وأوصى أن لا يصلي عليه عثمان.
ولما مر ابن مسعود من العراق معتمرا وجد أبا ذر على الطريق ميتا مكفنا
الصفحة 33
فدفنه، فضربه عثمان أربعين سوطا ذكر ذلك ابن طاهر في لطائف المعارف، وقد كان عثمان نفاه إلى الشام، فكان يخطئ معاوية في الأحكام، ويتحسر على الاسلام وكان عثمان الذي نصب معاوية مع علمه عدم استحقاقه، فولاه بغضا لمن جعله الله مولاه، فبعث إلى عثمان يشكوه فبعث إليه أن يحمله إليه مهانا فحمله على قتب حتى سقط لحم فخذيه.
فروى الواقدي أنه لما دخل على عثمان قال له: لا أنعم الله بك عيشا يا جندب أنت الذي تزعم إنا نقول: (يد الله مغلولة وأن الله فقير ونحن أغنياء) فقال: لو كنتم لا تزعمون ذلك لأنفقتم مال الله على عباده، أشهد لقد سمعت رسول الله يقول:
إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثون رجلا جعلوا مال الله دولا، وعباد الله خولا، ودين الله دخلا.
فقال للجماعة: هل سمعتم هذا من النبي؟ فقال علي والحاضرون: نعم سمعناه يقول: ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء ذا لهجة أصدق من أبي ذر.
فنفاه إلى ربذة وقال لعلي عليه السلام: بفيك التراب فقال علي: بل بفيك التراب وسيكون، قال جماعة: فلقد رأينا عثمان مقتولا وبفيه التراب.
وروى الواقدي أن النبي صلى الله عليه وآله رآه نائما في المسجد فقال: كيف تصنع إذا أخرجوك منه؟ قلت: ألحق بالشام، قال: فإذا أخرجوك منها قلت: أرجع إلى المسجد قال: فإذا أخرجوك منه قلت: أضرب بسيفي، قال: هل أدلك على خير من ذلك؟ انسق معهم حيث ساقوك، وتسمع وتطيع، فسمعت وأطعت فهذه الروايات ترد قول القاضي: أنه خرج باختياره.
ومنها: أنه ضرب عمارا حتى أحدث به فتقا، ولما قتل قال عمار: قتلنا كافرا فأين مسعود وعمار مع كونهما صدرين عظيمين كانا لعثمان في حياته وبعد موته مكفرين، وباقي الصحابة لم يدفعوا القتل عنه، حيث علموا موجبه، وترك بغير غسل ولا كفن ملقى على المزبلة ثلاثا وأمير المؤمنين عليه السلام الذي هو مع الحق والحق معه، لم ينه عن ذلك فدل على تكفيره لأن الفاسق لا يجوز التخلف عن دفنه مع
الصفحة 34
تكفنه، وكان لعلي المكية حيث إنه كان في ذلك الوقت بالاجماع خليفة.
قال البرقي:
ألم يدس بطن عمار بحضرته ودق للشيخ عبد الله ضلعان
وقد نفى جندبا فردا إلى بلد ناء المحلة من أهل وجيران
وقد روى أحمد في مسنده عن أنس أنه لما ماتت رقية بنت النبي بضرب زوجها عثمان لعنه النبي خمس مرات وقال: لا يتبعنا أحد ألم بجاريته البارحة لأجل أنه كان ألم بجارية رقية، فرجع جماعة وشكى عثمان بطنه ورجع، ولعنه جماعة حيث حرموا الصلاة عليها بسببه.
ومنها: أنه لم يحضر بدرا ولا بيعة الرضوان.
قالوا: أشغله عن بدر مرض زوجته بنت رسول الله بإذنه، فضرب لهم بسهم من غنائمها فكان حكمه حكم حاضرها، ووضع النبي صلى الله عليه وآله في بيعة الرضوان إحدى يديه على الأخرى وقال: هذه عن عثمان.
قلنا: هذه الاعتذارات خالية من دليل إلا أن يسلمها خصمه، وليس إلى ذلك من سبيل.
ومنها: أنه هرب يوم أحد، ولم يرجع إلى ثلاثة أيام، وقد حكم عليه الشيطان كما نطق به القرآن (إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان (1)) وقد شرط المخالف شجاعة الإمام، والمؤالف عصمته، فدل على عدم صلاحه؟ فراره وخطيئته.
قالوا: نطق القرآن بالعفو عنه قلنا: فيه التزام بالذنب منه، على أن العفو عنهم قد يراد به أكثرهم مثل قرآنا عربيا (2)) فلا يتعين العفو عن عثمان ولجاز كون العفو في الدنيا عن تعجيل المعاقبة، ولأنه لا يلزم من العفو عن الذنب العفو عن كل ذنب.
ومنها: أنه كان يستهزئ بالشرائع ويتجرئ عليها بالمخالفة لها، ففي
____________
(1) آل عمران: 155.
(2) يوسف: 2.
الصفحة 35
صحيح مسلم: ولدت امرأة لستة أشهر، فأمر برجمها فقال له علي (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا (1) وفصاله في عامين (2)) فعانده فبعث فرجمها (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون)، هم الكافرون) في آيات (3). وقتلها فحق عليه قوله تعالى: (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما (4)).
وفي الجمع بين الصحيحين أن عثمان نهى عن عمرة التمتع وفعلها علي فقال: أنا أنهي عنها وتفعلها؟ فقال: ما كنت لأدع سنة رسول الله لقول أحد، وفيه أن النبي صلى الله عليه وآله صلى في السفر دائما ركعتين وأبو بكر وعمر وعثمان في صدر خلافته ثم صلى عثمان. أربعا فكيف جاز له تبديل الشريعة.
وفي صحيح مسلم أن رجلا مدح عثمان فحثى المقداد مع عظم شأنه الحصى في وجهه، لما كبر عليه من مدحه، وأن الذم أولى به، فقال له عثمان: ما شأنك؟
فروى أن النبي قال: إذا رأيتم المادحين فاحثوا في وجوههم التراب، ومن المعلوم مدح الصحابة بعضهم بعضا ولم يحث أحد في وجوههم التراب، فلولا بلوغ عثمان إلى حد استوجب ذلك، لم يفعل بمادحه ذلك، والمقداد من أجلاء الصحابة ولم ينكر أحد عليه، ويكون الخبر الذي ذكره المقداد مخصوصا بمن يستحق الذم لأن المدح كذب حينئذ والعقل قاض بقبحه فمن يمدح الآن عثمان ينبغي فيه الاقتداء بالمقداد في حثو التراب.
ومنها: جرأته على رسول الله صلى الله عليه وآله فروى الحميدي أن السدي قال: لما توفي أبو سلمة وخنيس بن صداقة وتزوج النبي صلى الله عليه وآله زوجتيهما حفصة وأم سلمة قال طلحة وعثمان: ينكح محمد نساءنا ولا ننكح نساءه؟ والله لو مات لأجلنا عليهن بالسهام، وكان طلحة يريد عائشة وعثمان يريد أم سلمة، فأنزل الله (و ما كن لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا) (5) وأنزل
____________
(1) الأحقاف: 15.
(2) لقمان: 14.
(3) النساء: 44 و 45.
(4) النساء: 93.
(5) الأحزاب: 53.
الصفحة 36
الله (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة) (1).
ومنها: أن عثمان باع عليا أرضا وأنكره فقال: حاكمني إلى النبي فقال: إنه ابن عمك، ويحابيك فنزل (في قلوبهم مرض (2)) أي كفر.
وفي تفسير الثعلبي قضى النبي عليه ليهودي فغضب فنزل فيه (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما (3)).
ومنها: ما ذكره عكرمة ومجاهد والسدي والفراء والزجاج والجبائي وابن عباس وأبو جعفر عليه السلام أنه كان يكتب الوحي ويغير، فكتب موضع (غفور رحيم) (سميع عليم) (عزيز حكيم) فأنزل الله فيه (ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله) (4) حين ارتد ولحق بمكة وقال ذلك (5).
ورووا أنه كان يخطب فرفعت عائشة قميص النبي صلى الله عليه وآله وقالت: قد أبليت سنته [ وهذا قميصه لم يبل ] فقال: اسكتي أنت كامرأة نوح وامرأة لوط الآية (6).
تذنيب:
روى أبو وائل أن عمارا قال: ما كان لعثمان اسم في أفواه الناس إلا الكافر حتى ولى معاوية.
وروى حذيفة أنه قال: لا يموت رجل يرى أن عثمان قتل مظلوما إلا لقي الله يوم القيامة يحمل من الأوزار أكثر مما يحمل أصحاب العجل، وقال: ولينا الأول فطعن في الاسلام طعنة، والثاني فحمل الأوزار، والثالث فخرج منه عريان وقد دخل حفرته وهو ظالم لنفسه، وقد اجتمع خمسة وعشرون ألفا لقتله.
____________
(1) الأحزاب: 57. (2 البقرة: 10.
(3) النساء: 65.
(4) الأنعام: 93.
(5) هذه القصة لابن أبي سرح، وكان كاتبا للوحي، فارتد ولحق بمكة، ثم آمن وبعد ذلك ولاه عثمان على مصر.
(6) التحريم: 11 و 12.
الصفحة 37
ومنها: ما رواه السدي أنه لما غنم النبي صلى الله عليه وآله بني النضير وقسم أموالهم قال عثمان لعلي: آت النبي واسأله كذا، فإن أعطاك فأنا شريكك، وأنا أسأله فإن أعطاني فأنت شريكي، فسأله عثمان أولا فأعطاه فأبى أن يشرك عليا فقاضاه إلى النبي فأبى، وقال: إنه ابن عمه، فأخاف أن يقضي له فنزلت (فإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون إلى قوله: بل أولئك هم الظالمون (1)) فلما بلغه ما أنزل فيه جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وأقر بالحق لعلي.
ومنها: ما رواه السدي في تفسير (لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء (2)) لما أصيب النبي صلى الله عليه وآله بأحد قال عثمان: لألحقن بالشام فإن لي بها صديقا يهوديا فآخذ منه أمانا إني أخاف أن يدل علينا، وقال طلحة: إن لي بها صديقا نصرانيا فآخذ منه أمانا قال السدي: فأراد أحدهما أن يتهود، والآخر أن يتنصر، فاستأذن طلحة النبي في المسير إلى الشام معتلا أن له بها مالا فقال: تخذلنا و تخرج وتدعنا؟ فألح عليه فغضب علي وقال: ائذن له فوالله لا عز من نصر، و لا ذل من خذل، فنزل (ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم حبطت أعمالهم (3).
ومنها: في تفسير الثعلبي في قوله: (إن هذان لساحران (4)) قال عثمان:
إن في المصحف لحنا وستقيمه العرب بألسنتها فقيل: لا تغيره فقال دعوه فإنه لا يحلل حراما ولا يحرم حلالا إن قيل: إنما قصد بنفي التحريم تلك الآية خاصة فظاهر خلوها عن الأمر والنهي وإنما هي إخبار وحكاية قلنا: لو كان كذلك لأضاف اللحن إليها لا إلى القرآن.
إن قيل: لضمائر التي في كلام عثمان عايدة إلى اللحن فإنه أقرب قلنا: قوله:
وستقيمه العرب عائد إلى القرآن إذ اللحن لا يمكن أحد [ إقامته ] وإنما توهم ذلك
____________
(1) النور: 48 - 50.
(2) المائدة: 51.
(3) المائدة: 53.
(4) طه: 63.
الصفحة 38
لجهله باللغة فإنه لغة كنانة وقيل: لغة بني الحارث، فإنهم يثبتون ألف التثنية في النصب والجر فيقولون: من يشتري الخفان ومررت بالزيدان ولبعضهم:
إن أباها وأبا أباها قد بلغا في المجد غايتاها
هذا قوله! مع قولهم: إنه جمع القرآن، فإن اعتقد أن اللحن من الله فهو كفر، وإن اعتقده من غيره فكفر آخر، حيث لم يغيره إلى ما أنزل عليه، ولم يؤد الأمانة فيه، وذكر الحديث عنه ابن قتيبة في كتاب المسلك.
وقد ذكر الغزالي في الإحياء أن النبي صلى الله عليه وآله مات عن عشرين ألف صحابي لم يحفظ القرآن منهم سوى ستة، اختلف منهم في اثنين وفي البخاري قال أنس: جمع القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وآله أربعة أبي، ومعاذ، وزيد، وأبو زيد، ورووا أنه لم يحفظ القرآن أحد من الخلفاء.
فهذه نبذة من مخازي الثلاثة متخرجة عن كتب محبيهم ومقدميهم، تدل بأدنى فكر على عدم استحقاقهم الخلافة فليجل المنصف رويته ويوجه إلى طلب الحق خلويته، ويسعى في فكاك نفسه من رهان رمسه، فيخرج بعظيم مساويهم عن اعتقاد أن عليا مساويهم وسيأتي في آخر باب المجادلة رد الأخبار المزورة في عثمان فلتطلب منه.
لعمري لقد أنذرت إنذار مشفق وجاوزت في الايضاح حد الوصية
فواعجبا ممن يروم لنفسه؟ خلاصا ولم يرغب بها عن جريرة
وغاية مقدوري فعلت وإنما قبولك مما ليس في وسع قدرتي
وما أصدق مقالة ابن نبهان يعرض بأبي بكر وعمر وعثمان:
يا إلهي أشكو إليك رجالا ظلمهم للهدى عريض طويل
رشدهم للأنام غي وللغي رشاد وهديهم تضليل
هجروا رشدهم وقالوا رسول الله بالهجر عنكم مشغول
أجمعوا أمرهم على شبهة الاجماع جهلا وفي النصوص الدليل
جعلوها طريدة للقناص المحتال والكل في الضلال خيول
الصفحة 39
ليس فيهم كفو وفي كل كف منهم لاقتناصها أحبول
تذنيب:
أخبار الطالبيين: لما نزلت يوم (تبيض وجوه وتسود وجوه (1)) قال النبي صلى الله عليه وآله: تحشر أمتي على خمس رايات: راية مع عجل هذه الأمة، و راية مع فرعونها، وراية مع سامريها، وراية ذي الثدية فأسألهم ما فعلتم بالثقلين؟
فيقولون: الأكبر مزقنا والأصغر عادينا فأقول: ردوا ظامئين مسودة وجوهكم ثم ترد راية علي إمام المتقين فأسألهم فيقولون: الأكبر اتبعنا، والأصغر وازرنا حتى أهريقت دماؤنا فأقول: ردوا رواء مبيضة وجوهكم وعن هذا قال السيد الحميري:
والناس يوم البعث راياتهم خمس فمنهم هالك أربع
الأبيات (2).
وروي عن القاسم بن جندب عن ابن عباس وعن الباقر عليهما السلام في قوله تعالى:
(أرنا اللذين أضلانا من الجن والإنس (3)) هم الأول والثاني.
عكرمة عن ابن عباس قال عليه السلام: أول من يدخل النار في مظلمتي عتيق و ابن الخطاب، وقرأ الآية وروي أنها لما نزلت دعاهما النبي وقال: فيكما نزلت.
____________
(1) آل عمران، 106.
(2) هذا من قصيدة للسيد إسماعيل بن محمد الحميري مشهورة أولها:
لام عمر وباللوى مربع طامسة أعلامها بلقع
وبعد هذا البيت:
قائدها العجل وفرعونها وسامري الأمة المفضع
ومخدع من دينه مارق أجدع عبد لكع أوكع
ورأية قائدها وجهه كأنه الشمس إذا تطلع
(3) فصلت: 29.
الصفحة 40
قال أبو حمزة قال الصادق عليه السلام: ما بعث الله نبيا إلا وفي زمانه شيطانان يؤذيانه ويضلان الناس من بعده، وصاحبا محمد حبتر ودلام، ونحوه عن الباقر عليه السلام وتلا (وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا) الآية (1).
فكن من عتيق ومن غندر (2) أبيا بريئا ومن نعثل
كلاب الجحيم خنازيرها أعادي بني أحمد المرسل
أبو الحسن في قوله: (وجمع الشمس والقمر (3)) الشمس الأول، والقمر الثاني، وقال: (والشمس والقمر بحسبان (4)) أي هما يعذبان.
وقال أبو جعفر عليه السلام: كل ما في الرحمن (فبأي آلاء ربكما تكذبان) فهي في أبي فلان وفلان.
قال البرقي:
رضيت لنفسي إماما عليا وأصبحت من آل تيم بريا
تنقصت تيما لبغضي لها وأبغضت من أجل تيم عديا
ولما نزلت (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم (5)) دعا النبي الثلاثة وقال: فيكم نزلت هذه الآية قال ديك الجن:
ما كان تيم لهاشم بأخ ولا عدي لأحمد بأب
لكن حديثي عداوة وقلا تهو كافي غيابة الشعب
____________
(1) الأنعام: 112.
(2) عنتر، خ، حبتر ظ.
(3) القيامة: 9.
(4) الرحمن: 5.
(5) القتال: 22.
الصفحة 41
فصل
في شئ من تظلمات علي عليه السلام
ذكر ابن عبد ربه في كتاب العقد وأبو هلال العسكري في كتاب الأوايل خطب عليه السلام عقيب مبايعة الناس له وذكر فيها تألمه وتظلمه، ولعنه على من تقدمه؟
فمنها: كانت أمور ملتم فيها عن الحق ميلا كثيرا وكنتم فيها غير محمودين.
وفي موضع آخر: سبق الرجلان وقام الثالث [ كالب ] كالغيران همه بطنه، ويله لو قص جناحه وقطع رأسه لكان خيرا له.
وفي موضع آخر: لقد تقمصها ابن أبي قحافة وهو يعلم أن محلي منها محل القطب من الرحا، فقد وضع من قدره بإضافته إلى عضروطه (1) وجعل نفسه كالقطب الذي لا تدور الرحا بدونه.
قالوا: ليس في إضافته انتقاص من قدره لجريان العادة به قلنا: قد كان ألقاب أجمل من هذا كما جرت عادة من يراد تعظيمه.
قالوا: ليس في تقميصها دليل ظلمه قلنا: بلى لورود ذلك في معرض ذمه، و اعتضاده بقرائن أخر من كلامه.
وفي خرائج الراوندي أتى إليه عليه السلام أعرابي يتظلم فقال: أنا أعظم ظلامة منك، ظلمت المدر والوبر، ولم يبق بيت من العرب إلا وقد دخلت مظلمتي عليهم وما زلت مظلوما حتى قعدت مقعدي هذا.
وفي خطبة أخرى لقد تقمصها دوني الأشقيان، ونازعاني فيها فيما ليس لهما بحق، وركباها ضلالة، واعتقداها جهالة، لبئس ما وردا، ولبئس ما لأنفسهما مهدا، يتلاعنان في مقيلهما إذ يتبرأ كل منهما من صاحبه، يقول لقرينه إذا التقيا:
(يا [ ويلتي ] ليتني لم أتخذ فلانا خليلا (2)).
____________
(1) يعني أبا قحافة، فإنه كان عضروطا: خادما على طعام بطنه.
(2) الفرقان: 28.
الصفحة 42
وأسند أبو إسحاق ابن إبراهيم إلى عبد الرحمن بن أبي بكر أنه سمعه عليه السلام يقول: قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وما من الناس أحد أولى بهذا الأمر مني.
وأسند إبراهيم الثقفي إلى حريث أنه سمعه يقول: ما زلت مظلوما منذ قبض رسول الله صلى الله عليه وآله إلى يوم الناس.
وروي من طرق كثيرة أنه قال: أنا أول من يجثو للخصومة يوم القيامة وهذا دليل أنه لم يزل الخلاف، ولم يحصل الرضا الباطني والائتلاف.
إن قيل، هذا أخبار آحاد، قلنا: رواها جم غفير من القبيلين يحصل بهم التواتر المعنوي، ولو سلم كونها آحادا فهي ترفع القطع بالائتلاف.
إن قيل: عدم اشتهار الاختلاف، دليل على عدمه، كعدم شهرة معارضات القرآن، فإنه دليل عدمها قلت: الخوف منع من اشتهار الخلاف، بخلاف المعارضة فافترق الأمران.
ومن خطبة أخرى: ما تنكر منا قريش غير أنا أهل بيت شيد الله فوق بنيانهم بنياننا، وأعلى فوق رؤسهم رؤسنا، واختارنا عليهم فنقموا عليه أن اختارنا اللهم إني أستعديك على قريش، فخذ لي بحقي منها، ولا تدع ظلامتي لها، فإنها صغرت قدري واستحلت المحارم مني، ألم أخلصها من نيران الطغاة، وسيوف البغاة.
ثم قال: سبقني إليها يعني الخلافة التيمي والعدوي اختيالا واغتيالا أين كان سبقهما إلى سقيفة بني ساعدة خوف الفتنة يوم الأنواء إذ تكاثفت الصفوف، و تكاثرت الحتوف، وهلا خشيا على الاسلام إذ شمخ أنفه، وطمح بصره ولم يشفقا على الدين يوم بواط إذا أسود الأفق، وأعوج العنق، ولم يشفقا يوم رضوى إذ السهام تطير، والمنايا تسير، والأسد تزير، وهلا بادرا يوم العشيرة إذا الأسنان تصطك، و الآذان تستك، وهلا بادرا يوم بدر إذا الأرواح في الصعداء ترتقي، والجياد بالصناديد ترتدي، والأرض من دماء الأبطال ترتوي.
ثم عد وقايعه مع النبي صلى الله عليه وآله، وقرعهما بأنهما كانا في النظارة، وعلى هذا قال الناشي:
الصفحة 43
فلم لم يثور ببدر وقد متنت قوى القوم إذ بارزوكا
ولم هربوا إذ شجيت العدا بمهراس أحد ولم نازلوكا
ولم أحجموا يوم سلع وقد ثبت لعمرو ولم أسلموكا
ولم يوم خيبر لم يثبتوا براية أحمد واستركبوكا
ولم يحضروا بحنين وقد صككت بنفسك جيشا صكوكا
فأنت المقدم في كل ذا فلله درك لم أخروكا
وقال محمد الموسوي في جملة أبيات:
لا أنثني خوف قرن عنه يوم وغى بل باسل قاتل في كل أفاك
وقد طلبناك يا تيم هناك وفي بدر واحد وسلع ما وجدناك
ومن نهج البلاغة (1) اللهم إني أستعديك على قريش فإنهم قد قطعوا رحمي وكفروا آبائي، وأجمعوا على منازعتي حقا كنت أولى به من غيري، فجرعت ريقي على الشجى، وصبرت على الأذى، حتى مضى الأول لسبيله، وأدلى بها إلى فلان بعده، فيا عجبا بينما هو يستقيلها في حياته، إذ عقدها لآخر بعد وفاته، فصيرها في حوزة خشناء يغلظ كلمها، ويخشن مسها، ويكثر العثار فيها، والاعتذار منها حتى إذا مضى لسبيله جعلها في جماعة زعم أني أحدهم، فيا لله وللشورى، متى اعترض الريب في مع الأول منهم حتى صرت أقرن إلى هذه النظائر فصغى رجل لضغنه، و مال آخر لصهره، فقام ثالث إلى أن انتكث فتله، وكبت بها بطنته.
فما راعني إلا والناس إلي كعرف الضبع فلما نهضت نكثت طائفة، و مرقت أخرى، أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لولا حضور الحاضر، وقيام الحجة بوجود الناصر، وما أخذ الله على العلماء ألا يغاروا على كظة ظالم، ولا سغب مظلوم، لألقيت حبلها على غاربها، ولسقيت آخرها بكأس أولها، ولألفيتم دنياكم أوهن عندي من عفطة عنز، ونحو ذلك ذكر في خطبته الشقشقية وغيرها (2).
____________
(1) ملتقطات من نهج البلاغة من الخطبة 3 و 117 و 215.
(2) كلامه هذا من الخطبة الشقشقية بعينها.
الصفحة 44
تذنيب:
أسند صاحب مراصد العرفان أن ابن مسعود حلف بحضرة عثمان فقال: و والله ما أنت على الحق، ولا صاحباك، فإن شئت فاضربني وإن شئت فدع، فإني سمعت النبي صلى الله عليه وآله يقول: علي مع الحق والباطل مع غيره، والويل لعيون تظلم عينا، فضربه أربعين درة.
والعيون أبو بكر اسمه عبد اللات، وعمر وعثمان يظلمون عينا يعني بذلك عليا.