الصفحة 171
مسألة أخرى
فإن قالوا: فما عندكم في قوله تعالى: { فأما من أعطى واتقى * وصدق بالحسنى * فسنيسره لليسرى }(1) مع ما جاء في الحديث أنها نزلت في أبي بكر على التخصيص(2)، وهذا ظاهر عند(3) الفقهاء وأهل التفسير؟
الجواب: قيل لهم في ذلك كالذي قبله، وهو من دعاوى العامة بغير بينة ولا حجة تعتمد ولا شبهة، وليس يمكن إضافته إلى صادق عن الله سبحانه، ولا فرق بين من ادعاه لأبي بكر وبين من ادعاه لأبي هريرة، أو المغيرة بن شعبة، أو عمرو بن العاص، أو معاوية بن أبي سفيان، في تعري دعواه عن البرهان، وحصولها في جملة الهذيان، مع أن ظاهر الكلام يقتضي عمومه في كل معط من أهل التقوى والإيمان، وكل
____________
(1) سورة الليل 92: 5 - 7.
(2) الدر المنثور 8: 535، جامع البيان للطبري 30: 142، الكشاف 4: 762، تفسير الثعالبي 4: 420، تفسير الرازي 31: 198.
(3) في أ: مع.
الصفحة 172
من خلا من الكفر والطغيان، ومن حمله على الخصوص فقد صرفه عن الحقيقة إلى المجاز، ولم يقنع منه فيه إلا بالجلي من البرهان.
فصل
على أن أصحاب الحديث من العامة قد رووا ضد ذلك عن عبد الله بن عباس وأنس بن مالك وغيرهما من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله، قد ذكروا أنها نزلت في أبي الدحداح الأنصاري وسمرة بن جندب(1)، وأخبروا عن سبب نزولها فيهما بما يطول شرحه، وأبو الدحداح الأنصاري هو الذي أعطى واتقى، وسمرة بن جندب هو الذي بخل واستغنى، وفي روايتهم لذلك إسقاط لما رواه بعضهم من خلافه في أبي بكر، ولم يسنده إلى صحابي معروف، ولا إمام من أهل العلم موصوف، وهذا بين لمن تدبره.
فصل
مع أنه لو كانت الآية نازلة في أبي بكر على ما ادعاه الخصوم، لوجب ظهورها فيه على حد يدفع(2) الشبهة والشكوك، ويحصل معه اليقين بسبب ذلك، والمعنى الذي لأجله نزل التنزيل وأسباب ذلك
____________
(1) تفسير القمي 2: 425، مجمع البيان 10: 759، أسباب النزول للسيوطي: 195، تفسير البحر المحيط 8: 483.
(2) في أ: يرفع.
الصفحة 173
متوفرة من الرغبة في نشره، والأمان من الضرر في ذكره، ولما لم يكن ظهوره على ما وصفناه دل على بطلانه بما بيناه، والحمد لله.