وأما الأقوال المضارعة لهذه الأفعال في الدلالة: فهي أكثر من أن تحصى على ما شرطناه(3) في الاختصار، وإن كنا سنورد منها ما فيه كفاية، إن شاء الله تعالى:
فمنها: ما سلم لروايته الجميع من قول الرسول صلى الله عليه وآله بغدير خم(4)، بعد أن قرر أمته على المفترض له من الولاء الموجب لإمامته عليهم، والتقدم لسائرهم في الأمر والنهي والتدبير، فلم ينكره أحد منهم،
____________
(3) في أ، ب، ح: على شرطنا.
(4) خم: بئر حفرها مرة بن كعب، ونسب إلى ذلك غدير خم، وهو بين مكة والمدينة. " معجم البلدان 2: 388 ".
الصفحة 33
وأذعنوا بالإقرار له طائعين: " من كنت مولاه فعلي مولاه(1) فأعطاه بذلك حقيقة الولاية، وكشف به عن مماثلته له في فرض الطاعة والأمر لهم، والنهي والتدبير والسياسة(2) والرئاسة، وهذا نص - لا يرتاب بمعناه من فهم اللغة - بالإمامة.
ومنها أيضا: قوله صلى الله عليه وآله بلا اختلاف بين الأمة: " أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي "(3) فحكم له بالفضل على الجماعة، والنصرة والوزارة والخلافة، في حياته وبعد وفاته، والإمامة له، بدلالة أن هذه المنازل كلها كانت لهارون من موسى عليه السلام في حياته، وإيجاب جميعها لأمير المؤمنين عليه السلام إلا ما أخرجه الاستثناء منها ظاهرا، وأوجبه بلفظ يعدله من بعد وفاته، وبتقدير ما كان يجب لهارون من موسى لو بقي بعد أخيه، فلم يستثنه النبي صلى الله عليه وآله، فبقي لأمير المؤمنين عليه السلام عموم ما حكم له من المنازل، وهذا نص على إمامته، لا خفاء به على من تأمله، وعرف وجوه القول فيه، وتبينه.
ومنها: قوله صلى الله عليه وآله على الاتفاق: " اللهم ائتني بأحب خلقك إليك، يأكل معي من هذا الطائر "(4) فجاءه بأمير المؤمنين عليه السلام، فأكل
____________
(1) الكافي 1: 227 / 1، علل الشرائع: 144، أمالي الصدوق: 291، حلية الأولياء 4: 23، مسند أحمد 1: 331، المستدرك للحاكم 3: 134.
(2) (والسياسة) ليس في أ.
(3) علل الشرائع: 222، أمالي الصدوق: 146 / 7، عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 10 / 23، سنن الترمذي 5: 641 / 3731، مسند أحمد 6: 438، مجمع الزوائد 9: 108.
(4) عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 187 / 2، أمالي الصدوق: 521 / 3، الخصال: 555، صحيح الترمذي 5: 636 / 3721، المستدرك 3: 130، مجمع الزوائد 7: 138.
الصفحة 34
معه، وقد ثبت أن أحب الخلق إلى الله تعالى أفضلهم عنده، إذ كانت محبته منبئة عن الثواب دون الهوى وميل الطباع، وإذا صح أنه أفضل خلق الله تعالى ثبت أنه كان الإمام، لفساد تقدم المفضول على الفاضل في النبوة وخلافتها العامة في الأنام.
ومنها: قوله صلى الله عليه وآله يوم خيبر: " لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، كرارا غير فرار، لا يرجع حتى يفتح الله على يديه "(1) فأعطاها من بين أمته جميعا عليا عليه السلام، ثم بين له من الفضيلة بما بان به من الكافة، ولولا ذلك لاقتضى الكلام خروج الجماعة من هذه الصفات على كل حال، وذلك محال، أو كان التخصيص بها ضربا من الهذيان، وذلك أيضا فاسد محال، وإذا وجب أنه أفضل الخلق بما شرحناه، ثبت أنه كان الإمام دون من سواه، على ما رتبناه.
وأمثال ما ذكرناه مما يطول به(2) التقصاص من تفضيله له عليه السلام على كافة أصحابه وأهل بيته، بأفعاله به وظواهر الأقوال فيه ومعانيها المعقولة، لمن فهم الخطاب والشهادة له بالصواب، ومقتضى العصمة من الذنوب والآفات، مما يدل على غناه عن الأمة، ويكشف بذلك عن كونه
____________
(1) أمالي الطوسي 1: 313، إرشاد المفيد: 36، إعلام الورى: 99، مسند أحمد 1: 185، صحيح مسلم 4: 1871 / 32، صحيح الترمذي 5: 639، المناقب لابن المغازلي: 177.
مناقب الخوارزمي: 105، ذخائر العقبى: 72، الرياض النضرة 3: 148 و 151.
(2) في أ: بذكره. والتقصاص: التتبع. أنظر المعجم الوسيط 2: 739.
الصفحة 35
إماما بالتنزيل الذي رسمناه، وقد استقصينا القول في أعيان هذه المسائل على التفصيل والشرح والبيان في غير هذا المكان(1)، فلا حاجة بنا إلى ذكره هاهنا مع الغرض الذي أخبرنا به عنه ووصفناه.
____________
(1) أنظر رسالته " تفضيل أمير المؤمنين على سائر الصحابة " والفصول المختارة من العيون والمحاسن 1: 64.