هل كلّ حيوان يقبل التذكية ؟
ان الحكم بأن المسوخ والسباع، وأيضاً الحشرات التي لها جلد ([1])، ان الحكم بأن هذه تقبل التذكية أو لا تقبلها ـ يتوقف على معرفة: هل يوجد في الكتاب والسنة عموم أو اطلاق يدل على أن كلّ حيوان يقبل التذكية إلاّ ما خرج بالدليل، أو أنّه لا اثر لهذا العموم، أو الاطلاق؟ فاذا شككنا في قبول حيوان للتذكية الشرعية فعلينا قبل كلّ شيء أن ننظر ونبحث في الكتاب والسنة عن هذا العموم، أو الاطلاق، فان وجدناه حكمنا بقبوله للتذكية استناداً للعموم، ولا يبقى أثر للشك بحكم الشارع في القابلية، كي نرجع إلى أصل عدم صلاحية الحيوان للتذكية، سواء أكان الحيوان من المسوخ، أو السباع، وعليه يكون طاهراً بعد الذبح، لأن صحة التذكية تستدعي طهارة المذكى على كلّ حال، سواء اكان من مأكول اللحم، أو من غيره، أما الاكلّ من لحمه فيجوز إذا لم يدل الدليل من النص أو الاجماع على التحريم، لقاعدة: كلّ شيء لك حلال حتّى تعلم أنّه حرام.. وأشرنا فيما سبق إلى أن السباع والمسوخ والحشرات يحرم أكلها بالاجماع، وتأتي زيادة البيان في فصل الاطعمة.
وإذا لم نجد في الكتاب والسنة دليلاً على أن كلّ حيوان يقبل التذكية، فان أصل عدم قابلية كلّ حيوان للتذكية إلاّ ما خرج بالدليل ـ هو المحكم بالإنفاق. ومجرد الشك في قابلية الحيوان للتذكية كافٍ في اجراء هذا الأصل. وعليه يكون الحيوان المشكوك في قابليته لها نجساً ومحرماً أكله بعد الذبح، لأن ذبحه و موته حتف الأنف سواء، ما دام غير صالح للتذكية.
وبهذا تبين معنا أنّه لا وجه للتساؤل اطلاقاً في أنّه: هل الاصل في كلّ حيوان عدم قبوله للتذكية، أو أن الأصل قبوله لها، لأن هذا الأصل مردد بين أمرين: اما لا يجري اطلاقاً، وذلك اذا افترض وجود عموم أو اطلاق في الكتاب أو السنة يدل على أن كلّ حيوان يقبل التذكية إلاّ ما خرج، واما يجري اطلاقاً وبالاتفاق، مع عدم وجود هذا العموم أو الاطلاق .
فالواجب ـ اذن ـ هو النظر والبحث عن وجود هذا العموم أو الاطلاق في الكتاب أو السنة.. وقد ادعى جماعة من الفقهاء أنّه موجود، واستدلوا عليه بالطلاق الآيات والروايات الواردة في حلية أكلّ ما امسك الكلب، وما ذُكر اسم اللّه عليه، وما يصطاد بالسيف والرمح، وما إلى ذلك ما سبق في فصل الصيد، حيث دلت هذه الآيات والروايات على جواز الاكلّ من كلّ ما امسك الكلب، وما ذكر اسم اللّه عليه، وما يصطاد بالسيف والرمح والسهم من غير تقييد وتفصيل بين حيوان وحيوان، ومنه يستكشف قابلية كلّ حيوان للتذكية .
والحق أنّه لا عموم ولا اطلاق في هذه الآيات والروايات، لأنها لم ترد لبيان صلاحية الحيوان للتذكية، أو عدم صلاحيته لها، وانما وردت لبيان أن التذكية الشرعية في مأكول اللحم تتحقق بامساك الكلب، وبالاصطياد بالسيف، وما إليه، وبما ذكر اسم اللّه عليه.. وبديهة أن أول شرط للتمسك باطلاق اللفظ وعمومه ان يكون المتكلم قاصداً بيان الجهة التي حمل اللفظ عليها وفُسر بها. وبكلمة ان النص قد ورد لبيان حكم التذكية، لا لبيان موضوعها .
وحيث ان الحكم بصحة التذكية بتوقف قبل كلّ شيء على العلم بأن المحل قابل وصالح لها.. والمفروض أنّا نشك بهذه القابلية والصلاحية، وأنّه لا عموم ولا اطلاق يدل على ثبوتها في كلّ حيوان ـ فيكون أصل عدم قبول كلّ حيوان للتذكية، والحال هذي، هو المحكم. وعليه، فاذا ذبح الحيوان المشكوك يكون ميتة نجسة لا يجدي ذبحه شيئاً. قال الشيخ الانصاري في كتابه المعروف بالرسائل باب البراءة ما نصه بالحرف: «ان شُك في حيوان من جهة الشك في قبوله للتذكية فالحكم الحرمة، لأصالة عدم التذكية، لأن من شرائطها قابلية المحل، وهي مشكوكة، فيحكم بعدمها، وان الحيوان ميتة» .
وعلى هذا يكون الاصل في المسوخ والسباع وغيرها من الحيوانات المشكوكة، يكون الاصل عدم قابليتها للتذكية إلاّ ما خرج بدليل شرعي.. أجل، يبقى شيء هام، وهو هل هناك دليل شرعي يدل على أن المسوخ والسباع تقبل التذكية الموجبة للطهارة، كما دل الدليل على حرمة أكلها؟ وهذا ما سنتعرض له في فصل الاطعمة الذي يلي هذا الفصل مباشرة.
وبعد هذا التمهيد نتكلم عن التذكية بالذبح والنحر، والخروج من الماء، وبالقبض، وبالجرح والعقر، وبذكاة الام، وفيما يلي التفصيل، ونبدأ بالذبح.. واركانه ثلاثة: الذابح، وآلة الذبح، وصورته .
___________________________________________________
[1] ذهب جماعة من الفقهاء منهم السيّد الحكيم إلى أن كلّ ما له جلد من السباع والحشرات يقبل التذكية، قال السيّد المذكور في الجزء الثاني من منهاج الصالحين باب الذباحة: «الظاهر وقوع الذكاة عليه إذا كان له جلد يمكن الانتفاع به بلبس أو فرش، ونحوهما، ويطهر لحمه وجلده بها، ولا فرق بين السباع كالاسد والنمر والفهد والثعلب و غيرها، وبين الحشارت التي تسكن الأرض اذا كان لها جلد مثل ابن عرس والجرذ، فيجوز استعمال جلدها اذا ذكيت فيما يعتبر فيه الطهارة، فيتخذ ظرفاً للسمن والماء، ولا ينجس ما يلاقيها برطوبة» .