فكر يا مفضل في النخل فإنه لما صار فيه إناث تحتاج إلى التلقيح جعلت فيه ذكورة للقاح من غير غراس فصار الذكر من النخل بمنزلة الذكر من الحيوان الذي يلقح الإناث لتحمل و هو لا يحمل تأمل خلقة الجذع كيف هو فإنك تراه كالمنسوج نسجا من خيوط ممدودة كالسدى و أخرى معه معترضة كاللحمة كنحو ما ينسج بالأيدي و ذلك ليشتد و يصلب و لا يتقصف من حمل القنوات الثقيلة و هز الرياح العواصف إذا صار نخلة و ليتهيأ للسقوف و الجسور و غير ذلك مما يتخذ منه إذا صار جذعا و كذلك ترى الخشب مثل النسج فإنك ترى بعضه مداخلا بعضه بعضا طولا و عرضا كتداخل أجزاء اللحم و فيه مع ذلك متانة ليصلح لما يتخذ منه من الآلات فإنه لو كان مستحصفا كالحجارة لم يمكن أن يستعمل في السقوف و غير ذلك مما يستعمل فيه الخشبة كالأبواب و الأسرة و التوابيت و ما أشبه ذلك و من جسيم المصالح في الخشب أنه يطفو على الماء فكل الناس يعرف هذا منه و ليس كلهم يعرف جلاله الأمر فيه فلو لا هذه الخلة كيف كانت هذه السفن و الأظراف تحمل أمثال الجبال من الحمولة و أنى كان ينال الناس هذا الرفق و خفة المئونة في حمل التجارات من بلد إلى بلد و كانت تعظم المئونة عليهم في حملها حتى يلقى كثير مما يحتاج إليه في بعض البلدان مفقودا أصلا أو عسر وجوده