تأمل نبات هذه الحبوب من العدس و الماش و الباقلاء و ما أشبه ذلك فإنها تخرج في أوعية مثل الخرائط لتصونها و تحجبها من الآفات إلى أن تشتد و تستحكم كما قد تكون المشيمة على الجنين لهذا المعنى بعينه و أما البر و ما أشبهه فإنه يخرج مدرجا في قشور صلاب على رءوسها أمثال الأسنة من السنبل ليمنع الطير منه ليتوفر على الزراع فإن قال قائل أ و ليس قد ينال الطير من البر و الحبوب قيل له بلى على هذا قدر الأمر فيها لأن الطير خلق من خلق الله تعالى و قد جعل الله تبارك و تعالى له في ما تخرج الأرض حظا و لكن حصنت الحبوب بهذه الحجب لئلا يتمكن الطير منها كل التمكن فيعبث بها و يفسد الفساد الفاحش فإن الطير لو صادف الحب بارزا ليس عليه شيء يحول دونه لأكب عليه حتى ينسفه أصلا فكان يعرض من ذلك أن يبشم الطير فيموت و يخرج الزارع من زرعه صفرا فجعلت عليه هذه الوقايات لتصونه فينال الطائر منه شيئا يسيرا يتقوت به و يبقى أكثره للإنسان فإنه أولى به إذ كان هو الذي كدح فيه و شقي به و كان الذي يحتاج إليه أكثر مما يحتاج إليه الطير