و مما ينتقده الجاحدون للعمد و التقدير الموت و الفناء فإنهم يذهبون إلى أنه ينبغي أن يكون الناس مخلدين في هذه الدنيا مبرءين من هذه الآفات فينبغي أن يساق هذا الأمر إلى غايته فينظر ما محصوله أ فرأيت لو كان كل من دخل العالم و يدخله يبقون و لا يموت أحد منهم أ لم تكن الأرض تضيق بهم حتى تعوزهم المساكن و المزارع و المعايش فإنهم و الموت يفنيهم أولا فأولا يتنافسون في المساكن و المزارع حتى تنشب بينهم في ذلك الحروب و تسفك فيهم الدماء فكيف كانت تكون حالهم لو كانوا يولدون و لا يموتون و كان يغلب عليهم الحرص و الشره و قساوة القلوب فلو وثقوا بأنهم لا يموتون لما قنع الواحد منهم بشيء يناله و لا أفرج لأحد عن شيء يسأله و لا سلا عن شيء مما يحدث عليه ثم كانوا يملون الحياة و كل شيء من أمور الدنيا كما قد يمل الحياة من طال عمره حتى يتمنى الموت و الراحة من الدنيا فإن قالوا إنه كان ينبغي أنه يرفع عنهم المكاره و الأوصاب حتى لا يتمنوا الموت و لا يشتاقوا إليه فقد وصفنا ما كان يخرجهم إليه من العتو و الأشر الحامل لهم على ما فيه فساد الدنيا و الدين و إن قالوا إنه كان ينبغي أن لا يتوالدوا كيلا تضيق عنهم المساكن و المعايش قيل لهم إذا كان يحرم أكثر هذا الخلق دخول العالم و الاستمتاع بنعم الله تعالى و مواهبه في الدارين جميعا إذا لم يدخل العالم إلا قرن واحد لا يتوالدون و لا يتناسلون فإن قالوا إنه كان ينبغي أن يخلق في ذلك القرن الواحد من الناس مثل ما خلق و يخلق إلى انقضاء العالم يقال لهم رجع الأمر إلى ما ذكرنا من ضيق المساكن و المعايش عنهم ثم لو كانوا لا يتوالدون و لا يتناسلون لذهب موضع الأنس بالقرابات و ذوي الأرحام و الانتصار بهم عند الشدائد و موضع تربية الأولاد و السرور بهم ففي هذا دليل على أن كلما تذهب إليه الأوهام سوى ما جرى به التدبير خطأ و سفه من الرأي و القول