تأمل الحكمة في خلق الشجر و أصناف النبات فإنها لما كانت تحتاج إلى الغذاء الدائم كحاجة الحيوان و لم يكن لها أفواه كأفواه الحيوان و لا حركة تنبعث بها لتناول الغذاء جعلت أصولها مركوزة في الأرض لتنزع منها الغذاء فتؤديه إلى الأغصان و ما عليها من الورق و الثمر فصارت الأرض كالأم المربية لها و صارت أصولها التي هي كالأفواه ملتقمة للأرض لتنزع منها الغداء كما ترضع أصناف الحيوان أمهاتها أ لم تر إلى عمد الفساطيط و الخيم كيف تمد بالأطناب من كل جانب لتثبت منتصبة فلا تسقط و لا تميل فهكذا تجد النبات كله له عروق منتشرة في الأرض ممتدة إلى كل جانب لتمسكه و تقيمه و لو لا ذلك كيف كان يثبت هذا النخل الطوال و الدوح العظام في الريح العاصف فانظر إلى حكمة الخالق كيف سبقت حكمة الصناعة فصارت الحيلة التي تستعملها الصناع في ثبات الفساطيط و الخيم متقدمة في خلق الشجر لئن خلق الشجر قبل صنعه الفساطيط و الخيم أ لا ترى عمدها و عيدانها من الشجر فالصناعة مأخوذة من الخلقة