فكر يا مفضل فيما خلق الله عز و جل عليه هذه الجواهر الأربعة ليتسع ما يحتاج إليه منها فمن ذلك سعة هذه الأرض و امتدادها فلو لا ذلك كيف كانت تتسع لمساكن الناس و مزارعهم و مراعيهم و منابت أخشابهم و أحطابهم و العقاقير العظيمة و المعادن الجسيم غناؤها و لعل من ينكر هذه الفلوات الخاوية و القفار الموحشة فيقول ما المنفعة فيها فهي مأوى هذه الوحوش و محالها و مراعيها ثم فيها بعد تنفس و مضطرب للناس إذا احتاجوا إلى الاستبدال بأوطانهم فكم بيداء و كم فدفد حالت قصورا و جنانا بانتقال الناس إليها و حلولهم فيها و لو لا سعة الأرض و فسحتها لكان الناس كمن هو في حصار ضيق لا يجد مندوحة عن وطنه إذا أحزنه أمر يضطره إلى الانتقال عنه ثم فكر في خلق هذه الأرض على ما هي عليه حين خلقت راتبة راكنة فتكون موطنا مستقرا للأشياء فيتمكن الناس من السعي عليها في مآربهم و الجلوس عليها لراحتهم و النوم لهدوئهم و الإتقان لأعمالهم فإنها لو كانت رجراجة منكفئة لم يكونوا يستطيعون أن يتقنوا البناء و النجارة و الصناعة و ما أشبه ذلك بل كانوا لا يتهنون بالعيش و الأرض ترتج من تحتهم و اعتبر ذلك بما يصيب الناس حين الزلازل على قلة مكثها حتى يصيروا إلى ترك منازلهم و الهرب عنها فإن قال قائل فلم صارت هذه الأرض تزلزل قيل له إن الزلزلة و ما أشبهها موعظة و ترهيب يرهب بها الناس ليرعوا و ينزعوا عن المعاصي و كذلك ما ينزل بهم من البلاء في أبدانهم و أموالهم يجري في التدبير على ما فيه صلاحهم و استقامتهم و يدخر لهم إن صلحوا من الثواب و العوض في الآخرة ما لا يعدله شيء من أمور الدنيا و ربما عجل ذلك في الدنيا إذا كان ذلك في الدنيا صلاحا للعامة و الخاصة ثم إن الأرض في طباعها الذي طبعها الله عليه باردة يابسة و كذلك الحجارة و إنما الفرق بينها و بين الحجارة فضل يبس في الحجارة أ فرأيت لو أن اليبس أفرط على الأرض قليلا حتى تكون حجرا صلدا أ كانت تنبت هذا النبات الذي به حياة الحيوان و كان يمكن بها حرث أو بناء أ فلا ترى كيف نقصت من يبس الحجارة و جعلت على ما هي عليه من اللين و الرخاوة لتتهيأ للاعتماد