فكر يا مفضل في خلقة عجيبة جعلت في البهائم فإنهم يوارون أنفسهم إذا ماتوا كما يواري الناس موتاهم و إلا فأين جيف هذه الوحوش و السباع و غيرها لا يرى منها شيء و ليست قليلة فتخفى لقلتها بل لو قال قائل أنها أكثر من الناس لصدق فاعتبر في ذلك بما تراه في الصحاري و الجبال من أسراب الظباء و المها و الحمير الوحش و الوعول و الأيائل و غير ذلك من الوحوش و أصناف السباع من الأسد و الضباع و الذئاب و النمور و غيرها و ضروب الهوام و الحشرات و دواب الأرض و كذلك أسراب الطير من الغربان و القطاة و الإوز و الكراكي و الحمام و سباع الطير جميعا و كلها لا يرى منها إذا ماتت إلا الواحد بعد الواحد يصيده قانص أو يفترسه سبع فإذا أحسوا بالموت كمنوا في مواضع خفية فيموتون فيها و لو لا ذلك لامتلأت الصحاري منها حتى تفسد رائحة الهواء و تحدث الأمراض و الوباء فانظر إلى هذا بالذي يخلص إليه الناس و عملوه بالتمثيل الأول الذي مثل لهم كيف جعل طبعا و أذكارا في البهائم و غيرها ليسلم الناس من معرة ما يحدث عليهم من الأمراض و الفساد