اعرف يا مفضل ما للأطفال في البكاء من المنفعة و اعلم أن في أدمغة الأطفال رطوبة إن بقيت فيها أحدثت عليهم أحداثا جليلة و عللا عظيمة من ذهاب البصر و غيره و البكاء يسيل تلك الرطوبة من رءوسهم فيعقبهم ذلك الصحة في أبدانهم و السلامة في أبصارهم أ فليس قد جاز أن يكون الطفل ينتفع بالبكاء و والداه لا يعرفان ذلك فهما دائبان ليسكتانه و يتوخيان في الأمور مرضاته لئلا يبكي و هما لا يعلمان أن البكاء أصلح له و أجمل عاقبة فهكذا يجوز أن يكون في كثير من الأشياء منافع لا يعرفها القائلون بالإهمال و لو عرفوا ذلك لم يقضوا على الشيء أنه لا منفعة فيه من أجل أنهم لا يعرفونه و لا يعلمون السبب فيه فإن كل ما لا يعرفه المنكرون يعلمه العارفون و كثيرا ما يقصر عنه علم المخلوقين محيط به علم الخالق جل قدسه و علت كلمته فأما ما يسيل من أفواه الأطفال من الريق ففي ذلك خروج الرطوبة التي لو بقيت في أبدانهم لأحدثت عليهم الأمور العظيمة كمن تراه قد غلبت عليه الرطوبة فأخرجته إلى حد البله و الجنون و التخليط إلى غير ذلك من الأمراض المتلفة كالفالج و اللقوة و ما أشبههما فجعل الله تلك الرطوبة تسيل من أفواههم في صغرهم لما لهم في ذلك من الصحة في كبرهم فتفضل على خلقه بما جهلوه و نظر لهم بما لم يعرفوه و لو عرفوا نعمه عليهم لشغلهم ذلك من التمادي في معصيته فسبحانه ما أجل نعمته و أسبغها على المستحقين و غيرهم من خلقه تعالى عما يقول المبطلون علوا كبيرا