فكر الآن في تنقل الشمس في البروج الاثني عشر لإقامة دور السنة و ما في ذلك من التدبير فهو الدور الذي تصح به الأزمنة الأربعة من السنة الشتاء و الربيع و الصيف و الخريف تستوفيها على التمام و في هذا المقدار من دوران الشمس تدرك الغلات و الثمار و تنتهي إلى غاياتهم ثم تعود فيستأنف النشو و النمو أ لا ترى أن السنة مقدار مسير الشمس من الحمل إلى الحمل فبالسنة و أخواتها يكال الزمان من لدن خلق الله تعالى العالم إلى كل وقت و عصر من غابر الأيام و بها يحسب الناس الأعمار و الأوقات الموقتة للديون و الإجارات و المعاملات و غير ذلك من أمورهم و بمسير الشمس تكمل السنة و يقوم حساب الزمان على الصحة انظر إلى شروقها على العالم كيف دبر أن يكون فإنها لو كانت تبزغ في موضع من السماء فتقف لا تعدوه لما وصل شعاعها و منفعتها إلى كثير من الجهات لأن الجبال و الجدران كانت تحجبها عنها فجعلت تطلع أول النهار من المشرق فتشرق على ما قابلها من وجه المغرب ثم لا تزال تدور و تغشى جهة بعد جهة حتى تنتهي إلى المغرب فتشرق على ما استتر عنها في أول النهار فلا يبقى موضع من المواضع إلا أخذ بقسطه من المنفعة منها و الأرب التي قدرت له و لو تخلفت مقدار عام أو بعض عام كيف كان يكون حالهم بل كيف كان يكون لهم مع ذلك بقاء أ فلا ترى كيف كان يكون للناس هذه الأمور الجليلة التي لم يكن عندهم فيها حيلة فصارت تجري على مجاريها لا تفتل و لا تتخلف عن مواقيتها لصلاح العالم و ما فيه بقاؤه