تأمل نزوله على الأرض و التدبير في ذلك فإنه جعل ينحدر عليها من علو ليغشى ما غلظ و ارتفع منها فيرويه و لو كان إنما يأتيها من بعض نواحيها لما علا المواضع المشرفة منها و يقل ما يزرع في الأرض أ لا ترى أن الذي يزرع سيحا أقل من ذلك فالأمطار هي التي تطبق الأرض و ربما تزرع هذه البراري الواسعة و سفوح الجبال و ذراها فتغل الغلة الكثيرة و بها يسقط عن الناس في كثير من البلدان مئونة سياق الماء من موضع إلى موضع و ما يجري في ذلك بينهم من التشاجر و التظالم حتى يستأثر بالماء ذو العز و القوة و يحرمه الضعفاء ثم إنه حين قدر أن ينحدر على الأرض انحدارا جعل ذلك قطرا شبيها بالرش ليغور في قعر الأرض فيرويها و لو كان يسكبه انسكابا كان ينزل على وجه الأرض فلا يغور فيها ثم كان يحطم الزروع القائمة إذا اندفق عليها فصار ينزل نزولا رقيقا فينبت الحب المزروع و يحيي الأرض و الزرع القائم و في نزوله أيضا مصالح أخرى فإنه يلين الأبدان و يجلو كدر الهواء فيرتفع الوباء الحادث من ذلك و يغسل ما يسقط على الشجر و الزرع من الداء المسمى باليرقان إلى أشباه هذا من المنافع فإن قال قائل أ و ليس قد يكون منه في بعض السنين الضرر العظيم الكثير لشدة ما يقع منه أو برد يكون فيه تحطم الغلات و بخوره يحدثها في الهواء فيولد كثيرا من الأمراض في الأبدان و الآفات في الغلات قيل بلى قد يكون ذلك الفرط لما فيه من صلاح الإنسان و كفه عن ركوب المعاصي و التمادي فيها فيكون المنفعة فيما يصلح له من دينه أرجح مما عسى أن يرزأ في ماله