قد أنبأتك بما في الأعضاء من الغناء في صنعة الكلام و إقامة الحروف و فيها مع الذي ذكرت لك مآرب أخرى فالحنجرة ليسلك فيها هذا النسيم إلى الرئة فتروح على الفؤاد بالنفس الدائم المتتابع الذي لو حبس شيئا يسيرا لهلك الإنسان و باللسان تذاق الطعوم فيميز بينها و يعرف كل واحد منها حلوها من مرها و حامضها من مرها و مالحها من عذبها و طيبها من خبيثها و فيه مع ذلك معونة على إساغة الطعام و الشراب و الأسنان لمضغ الطعام حتى يلين و تسهل إساغته و هي مع ذلك كالسند للشفتين تمسكهما و تدعمهما من داخل الفم و اعتبر ذلك فإنك ترى من سقطت أسنانه مسترخي الشفة و مضطربها و بالشفتين يترشف الشراب حتى يكون الذي يصل إلى الجوف منه بقصد و قدر لا يثج ثجا فيغص به الشارب أو ينكي في الجوف ثم همى بعد ذلك كالباب المطبق على الفم يفتحها الإنسان إذا شاء و يطبقها إذا شاء و فيما وصفنا من هذا بيان أن كل واحد من هذه الأعضاء يتصرف و ينقسم إلى وجوه من المنافع كما تتصرف الأداة الواحدة في أعمال شتى و ذلك كالفأس تستعمل في النجارة و الحفر و غيرهما من الأعمال