فكر يا مفضل فيمن عدم البصر من الناس و ما يناله من الخلل في أموره فإنه لا يعرف موضع قدميه و لا يبصر ما بين يديه فلا يفرق بين الألوان و بين المنظر الحسن و القبيح و لا يرى حفرة إن هجم عليها و لا عدوا إن أهوى إليه بسيف و لا يكون له سبيل إلى أن يعمل شيئا من هذه الصناعات مثل الكتابة و التجارة و الصياغة حتى أنه لو لا نفاذ ذهنه لكان بمنزلة الحجر الملقى و كذلك من عدم السمع يختل في أمور كثيرة فإنه يفقد روح المخاطبة و المحاورة و يعدم لذة الأصوات و اللحون المشجية و المطربة و تعظم المئونة على الناس في محاورته حتى يتبرموا به و لا يسمع شيئا من أخبار الناس و أحاديثهم حتى يكون كالغائب و هو شاهد أو كالميت و هو حي فأما من عدم العقل فإنه يلحق بمنزلة البهائم بل يجهل كثيرا مما تهتدي إليه البهائم أ فلا ترى كيف صارت الجوارح و العقل و سائر الخلال التي بها صلاح الإنسان و التي لو فقد منها شيئا لعظم ما يناله في ذلك من الخلل يوافي خلقه على التمام حتى لا يفقد شيئا منها فلم كان كذلك إلا أنه خلق بعلم و تقدير قال المفضل فقلت فلم صار بعض الناس يفقد شيئا من هذه الجوارح فيناله من ذلك مثل ما وصفته يا مولاي قال ع ذلك للتأديب و الموعظة لمن يحل ذلك به و لغيره بسببه كما يؤدب الملوك الناس للتنكيل و الموعظة فلا ينكر ذلك عليهم بل يحمد من رأيهم و يتصوب من تدبيرهم ثم إن للذين تنزل بهم هذه البلايا من الثواب بعد الموت إن شكروا و أنابوا ما يستصغرون معه ما ينالهم منها حتى أنهم لو خيروا بعد الموت لاختاروا أن يردوا إلى البلايا ليزدادوا من الثواب