فكر يا مفضل في وصول الغذاء إلى البدن و ما فيه من التدبير فإن الطعام يصير إلى المعدة فتطبخه و تبعث بصفوه إلى الكبد في عروق دقاق واشجة بينهما قد جعلت كالمصفى للغذاء لكيلا يصل إلى الكبد منه شيء فينكاها و ذلك أن الكبد رقيقة لا تحتمل العنف ثم إن الكبد تقبله فيستحيل بلطف التدبير دما و ينفذه إلى البدن كله في مجاري مهيئة لذلك بمنزلة المجاري التي تهيأ للماء ليطرد في الأرض كلها و ينفذ ما يخرج منه من الخبث و الفضول إلى مفايض قد أعدت لذلك فما كان منه من جنس المرة الصفراء جرى إلى المرارة و ما كان من جنس السوداء جرى إلى الطحال و ما كان من البلة و الرطوبة جرى إلى المثانة فتأمل حكمة التدبير في تركيب البدن و وضع هذه الأعضاء منه مواضعها و أعداد هذه الأوعية فيه لتحمل تلك الفضول لئلا تنتشر في البدن فتسقمه و تنهكه فتبارك من أحسن التقدير و أحكم التدبير و له الحمد كما هو أهله و مستحقه