انظر الآن إلى ذوات الأربع كيف تراها تتبع أماتها مستقلة بأنفسها لا تحتاج إلى الحمل و التربية كما تحتاج أولاد الإنس فمن أجل أنه ليس عند أماتها ما عند أمهات البشر من الرفق و العلم بالتربية و القوة عليها بالأكف و الأصابع المهيأة لذلك أعطيت النهوض و الاستقلال بأنفسها و كذلك ترى كثيرا من الطير كمثل الدجاج و الدراج و القبج تدرج و تلقط حين تنقاب عنها البيضة فأما ما كان منها ضعيفا لا نهوض فيه كمثل فراخ الحمام و اليمام و الحمر فقد جعل في الأمهات فضل عطف عليها فصارت تمج الطعام في أفواهها بعد ما توعيه حواصلها فلا تزال تغذوها حتى تستقل بأنفسها و لذلك لم ترزق الحمام فراخا كثيرة مثل ما ترزق الدجاج لتقوى الأم على تربية فراخها فلا تفسد و لا تموت فكلا أعطي بقسط من تدبير الحكيم اللطيف الخبير