تأمل يا مفضل خلق الورق فإنك ترى في الورقة شبه العروق مبثوثة فيها أجمع فمنها غلاظ ممتدة في طولها و عرضها و منها دقاق تتخلل تلك الغلاظ منسوجة نسجا دقيقا معجما لو كان مما يصنع بالأيدي كصنعة البشر لما فرغ من ورق شجره واحدة في عام كامل و لاحتيج إلى آلات و حركة و علاج و كلام فصار يأتي منه في أيام قلائل من الربيع ما يملأ الجبال و السهل و بقاع الأرض كلها بلا حركة و لا كلام إلا بالإرادة النافذة في كل شيء و الأمر المطاع و اعرف مع ذلك العلة في تلك العروق الدقاق فإنها جعلت تتخلل الورقة بأسرها لتسقيها و توصل الماء إليها بمنزلة العروق المبثوثة في البدن لتوصل الغذاء إلى كل جزء منه الغلاظ منها معنى آخر فإنها تمسك الورقة بصلابتها و متانتها لئلا تنهتك و تتمزق فترى الورقة شبيهة بورقة معمولة بالصنعة من خرق قد جعلت فيها عيدان ممدودة في طولها و عرضها لتتماسك فلا تضطرب فالصناعة تحكي الخلقة و إن كانت لا تدركها على الحقيقة