تأمل خلقة القرد و شبهه بالإنسان في كثير من أعضائه أعني الرأس و الوجه و المنكبين و الصدر و كذلك أحشاؤه شبيهة أيضا بأحشاء الإنسان و خص مع ذلك بالذهن و الفطنة التي بها يفهم عن سائسه ما يومئ إليه و يحكى كثيرا مما يرى الإنسان يفعله حتى إنه يقرب من خلق الإنسان و شمائله في التدبير في خلقته على ما هي عليه أن يكون عبرة للإنسان في نفسه فيعلم أنه من طينة البهائم و سنخها إذ كان يقرب من خلقها هذا القرب و أنه لو لا فضيلة فضله بها في الذهن و العقل و النطق كان كبعض البهائم على أن في جسم القرد فضولا أخرى تفرق بينه و بين الإنسان كالخطم و الذنب المسدل و الشعر المجلل للجسم كله و هذا لم يكن مانعا للقرد أن يلحق بالإنسان لو أعطي مثل ذهن الإنسان و عقله و نطقه و الفصل الفاصل بينه و بين الإنسان في الحقيقة هو النقص في العقل و الذهن و النطق