تأمل مشفر الفيل و ما فيه من لطيف التدبير فإنه يقوم مقام اليد في تناول العلف و الماء و ازدرادهما إلى جوفه و لو لا ذلك لما استطاع أن يتناول شيئا من الأرض لأنه ليست له رقبة يمدها كسائر الأنعام فلما عدم العنق أعين مكان ذلك بالخرطوم الطويل ليسد له فيتناول به حاجته فمن ذا الذي عوضه مكان العضو الذي عدم ما يقوم مقامه إلا الرءوف بخلقه و كيف يكون هذا بالإهمال كما قالت الظلمة فإن قال قائل فما باله لم يخلق ذا عنق كسائر الأنعام قيل إن رأس الفيل و أذنيه أمر عظيم و ثقل ثقيل فلو كان ذلك على عنق عظيم لهدها و أوهنها فجعل رأسه ملصقا بجسمه لكيلا يناله منه ما وصفناه و خلق له مكان العنق هذا المشفر ليتناول به غذاءه فصار مع عدم العنق مستوفيا ما فيه بلوغ حاجته