فكر يا مفضل في الفطن التي جعلت في البهائم لمصلحتها بالطبع و الخلقة لطفا من الله عز و جل لهم لئلا يخلو من نعمه جل و عز أحد من خلقه لا بعقل و روية فإن الأيل يأكل الحيات فيعطش عطشا شديدا فيمتنع من شرب الماء خوفا من أن يدب السم في جسمه فيقتله و يقف على الغدير و هو مجهود عطشا فيعج عجيجا عاليا و لا يشرب منه و لو شرب لمات من ساعته فانظر إلى ما جعل من طباع هذه البهيمة من تحمل الظمأ الغالب الشديد خوفا من المضرة في الشرب و ذلك مما لا يكاد الإنسان العاقل المميز يضبطه من نفسه و الثعلب إذا أعوزه الطعم تماوت و نفخ بطنه حتى يحسبه الطير ميتا فإذا وقعت عليه لتنهشه وثب عليها فأخذها فمن أعان الثعلب العديم النطق و الروية بهذه الحيلة إلا من توكل بتوجيه الرزق له من هذا و شبهه فإنه لما كان الثعلب يضعف عن كثير مما تقوى عليه السباع من مساورة الصيد أعين بالدهاء و الفطنة و الاحتيال لمعاشه و الدلفين يلتمس صيد الطير فيكون حيلته في ذلك أن يأخذ السمك فيقتله و يسرحه حتى يطفو على الماء ثم يكمن تحته و يثور الماء الذي عليه حتى لا يتبين شخصه فإذا وقع الطير على السمك الطافي وثب إليها فاصطادها فانظر إلى هذه الحيلة كيف جعلت طبعا في هذه البهيمة لبعض المصلحة