فكر يا مفضل في الصحو و المطر كيف يتعاقبان على هذا العالم لما فيه صلاحه و لو دام واحد منهما عليه كان في ذلك فساده أ لا ترى أن الأمطار إذا توالت عفنت البقول و الخضر و استرخت أبدان الحيوان و حصر الهواء فأحدث ضروبا من الأمراض و فسدت الطرق و المسالك و أن الصحو إذا دام جفت الأرض و احترق النبات و غيض ماء العيون و الأودية فأضر ذلك بالناس و غلب اليبس على الهواء فأحدث ضروبا أخرى من الأمراض فإذا تعاقبا على العالم هذا التعاقب اعتدل الهواء و دفع كل واحد منهما عادية الآخر فصلحت الأشياء و استقامت فإن قال قائل و لم لا يكون في شيء من ذلك مضرة البتة قيل له ليمض ذلك الإنسان و يؤلمه بعض الألم فيرعوي عن المعاصي فكما أن الإنسان إذا سقم بدنه احتاج إلى الأدوية المرة البشعة ليقوم طباعه و يصلح ما فسد منه كذلك إذا طغى و اشتد احتاج إلى ما يمضه و يؤلمه ليرعوي و يقصرعن مساويه و يثبته على ما فيه حظه و رشده و لو أن ملكا من الملوك قسم في أهل مملكته قناطيرا من ذهب و فضة أ لم يكن سيعظم عندهم و يذهب له به الصوت فأين هذا من مطره رواء يعم به البلاد و يزيد في الغلات أكثر من قناطير الذهب و الفضة في أقاليم الأرض كلها أ فلا ترى المطرة الواحدة ما أكبر قدرها و أعظم النعمة على الناس فيها و هم عنها ساهون و ربما عاقت عن أحدهم حاجة لا قدر لها فيتذمر و يسخط إيثارا للخسيس قدره على العظيم نفعه جميلا محمودا لعاقبته و قلة معرفته لعظيم الغناء و المنفعة فيها