فكر في خلق الزرافة و اختلاف أعضائها و شبهها بأعضاء أصناف من الحيوان فرأسها رأس فرس و عنقها عنق جمل و أظلافها أظلاف بقرة و جلدها جلد نمر و زعم ناس من الجهال بالله عز و جل أن نتاجها من فحول شتى قالوا و سبب ذلك أن أصنافا من حيوان البر إذا وردت الماء تنزو على بعض السائمة و ينتج مثل هذا الشخص الذي هو كالملتقط من أصناف شتى و هذا جهل من قائله و قله معرفة بالبارئ جل قدسه و ليس كل صنف من الحيوان يلقح كل صنف فلا الفرس يلقح الجمل و لا الجمل يلقح البقر و إنما يكون التلقيح من بعض الحيوان فيما يشاكله و يقرب من خلقه كما يلقح الفرس الحمار فيخرج بينهما البغل و يلقح الذئب الضبع فيخرج من بينهما السمع على أنه ليس يكون في الذي يخرج من بينهما عضو كل واحد منهما كما في الزرافة عضو من الفرس و عضو من الجمل و أظلاف من البقرة بل يكون كالمتوسط بينهما الممتزج منهما كالذي تراه في البغل فإنك ترى رأسه و أذنيه و كفله و ذنبه و حوافره وسطا بين هذه الأعضاء من الفرس و الحمار و شحيجه كالممتزج من صهيل الفرس و نهيق الحمار فهذا دليل على أنه ليست الزرافة من لقاح أصناف شتى من الحيوان كما زعم الجاهلون بل هي خلق عجيب من خلق الله للدلالة على قدرته التي لا يعجزها شيء و ليعلم أنه خالق أصناف الحيوان كلها يجمع بين ما يشاء من أعضائها في أيها شاء و يفرق ما شاء منها في أيها شاء و يزيد في الخلقة ما شاء و ينقص منها ما شاء دلالة على قدرته على الأشياء و أنه لا يعجزه شيء أراده جل و تعالى فأما طول عنقها و المنفعة لها في ذلك فإن منشأها و مرعاها في غياطل ذوات أشجار شاهقة ذاهبة طولا في الهواء فهي تحتاج إلى طول العنق لتتناول بفيها أطراف تلك الأشجار فتقوت من ثمارها