و اعلم يا مفضل أن رأس معاش الإنسان و حياته الخبز و الماء فانظر كيف دبر الأمر فيهما فإن حاجة الإنسان إلى الماء أشد من حاجته إلى الخبز و ذلك أن صبره على الجوع أكثر من صبره على العطش و الذي يحتاج إليه من الماء أكثر مما يحتاج إليه من الخبز لأنه يحتاج إليه لشربه و وضوئه و غسله و غسل ثيابه و سقي أنعامه و زرعه فجعل الماء مبذولا لا يشترى لتسقط عن الإنسان المئونة في طلبه و تكلفه و جعل الخبز متعذرا لا ينال إلا بالحيلة و الحركة ليكون للإنسان في ذلك شغل يكفه عما يخرجه إليه الفراغ من الأشر و العبث أ لا ترى أن الصبي يدفع إلى المؤدب و هو طفل لم تكمل ذاته للتعليم كل ذلك ليشتغل عن اللعب و العبث الذين ربما جنيا عليه و على أهله المكروه العظيم و هكذا الإنسان لو خلا من الشغل لخرج من الأشر و العبث و البطر إلى ما يعظم ضرره عليه و على من قرب منه و اعتبر ذلك بمن نشأ في الجدة و رفاهية العيش و الترفه و الكفاية و ما يخرجه ذلك إليه