اعتبر بهذا الحر و البرد كيف يتعاوران العالم و يتصرفان هذا التصرف في الزيادة و النقصان و الاعتدال لإقامة هذه الأزمنة الأربعة من السنة و ما فيهما من المصالح ثم هما بعد دباغ الأبدان التي عليها بقاؤها و فيهما صلاحها فإنه لو لا الحر و البرد و تداولهما الأبدان لفسدت و أخوت و انتكثت فكر في دخول أحدهما على الآخر بهذا التدريج و الترسل فإنك ترى أحدهما ينقص شيئا بعد شيء و الآخر يزيد مثل ذلك حتى ينتهي كل واحد منهما منتهاه في الزيادة و النقصان و لو كان دخول أحدهما على الآخر مفاجأة لأضر ذلك بالأبدان و أسقمها كما أن أحدكم لو خرج من حمام حار إلى موضع البرودة لضره ذلك و أسقم بدنه فلم يجعل الله عز و جل هذا الترسل في الحر و البرد إلا للسلامة من ضرر المفاجأة و لم جرى الأمر على ما فيه السلامة من ضرر المفاجأة لو لا التدبير في ذلك فإن زعم زاعم أن هذا الترسل في دخول الحر و البرد إنما يكون لإبطاء مسير الشمس في ارتفاعها و انحطاطها سئل عن العلة في إبطاء مسير الشمس في ارتفاعها و انحطاطها فإن اعتل في الإبطاء ببعد ما بين المشرقين سئل عن العلة في ذلك فلا تزال هذه المسألة ترقي معه إلى حيث رقى من هذا القول حتى استقر على العمد و التدبير لو لا الحر لما كانت الثمار الجاسية المرة تنضج فتلين و تعذب حتى يتفكه بها رطبة و يابسة و لو لا البرد لما كان الزرع يفرخ هكذا و يريع الريع الكثير الذي يتسع للقوت و ما يرد في الأرض للبذر أ فلا ترى ما في الحر و البرد من عظيم الغناء و المنفعة و كلاهما مع غنائه و المنفعة فيه يؤلم الأبدان و يمضها و في ذلك عبرة لمن فكر و دلالة على أنه من تدبير الحكيم في مصلحة العالم و ما فيه