و فكر يا مفضل بعد هذا في أجساد الأنعام فإنها حين خلقت على أبدان الإنس من اللحم و العظم و العصب أعطيت أيضا السمع و البصر ليبلغ الإنسان حاجته فإنها لو كانت عميا صما لما انتفع بها الإنسان و لا تصرفت في شيء من مآربه ثم منعت الذهن و العقل لتذل للإنسان فلا تمتنع عليه إذا كدها الكد الشديد و حملها الحمل الثقيل فإن قال قائل إنه قد يكون للإنسان عبيد من الإنس يذلون و يذعنون بالكد الشديد و هم مع ذلك غير عديمي العقل و الذهن فيقال في جواب ذلك إن هذا الصنف من الناس قليل فأما أكثر الناس فلا يذعنون بما تذعن به الدواب من الحمل و الطحن و ما أشبه ذلك و لا يغرون بما يحتاج إليه منه ثم لو كان الناس يزاولون مثل هذه الأعمال بأبدانهم لشغلوا بذلك عن سائر الأعمال لأنه كان يحتاج مكان الجمل الواحد و البغل الواحد إلى عدة أناسي فكان هذا العمل يستفرغ الناس حتى لا يكون فيهم عنه فضل لشيء من الصناعات مع ما يلحقه من التعب الفادح في أبدانهم و الضيق و الكد في معاشهم