كان السيد جواد العاملي الفقيه المعروف – صاحب كتاب"مفتاح الكرامة" يتناول طعام العشاء، فسمع الباب يطرق، وعندما عرف أن الطارق هو خادم استاذه السيد مهدي بحر العلوم أسرع نحو الباب.. قال الخادم: السيد الاستاذ يطلب مجيئك الآن، وضع الطعام أمامه ولكنه لن يبدأ قبل أن تذهب إليه.
ودون أن يكمل السيد جواد تناول عشائه، أسرع إلى بيت السيد بحر العلوم، وبمجرد أن وقعت عين الاستاذ عليه قال له بغضب وحدة لا عهد له بهما من قبل:
- سيد جواد أما تخاف الله؟!.. أما تستحي من الله؟!..
واستبدت الحيرة بالسيد جواد.. ماذا جرى وما الأمر لم يعاتبه السيد طيلة حياته بمثل ذلك العتاب، وحاول جاهداً أن يهتدي إلى السبب فلم يفلح، ولم ير بداً من السؤال.
- هل يمكن أن يتفضل السيد الاستاذ بذكر التقصير الذي حصل مني؟..
- منذ سبعة أيام بلياليها وجارك (الشيخ محمد نجم العاملي) لا سبيل له إلى القمح والأرز، وهو في هذه المرة يستدين التمر الزهدي من البقال المجاور، ويقتات به مع عياله، واليوم ذهب ليستدين التمر وقبل أن يطلب ذلك قال له البقال: أصبح دينك كبيراً، فخجل بعد ذلك أن يطلب شيئاً ورجع إلى البيت صفر اليدين، وبقي هو وعائلته بدون طعام.
- أقسم بالله أني لم أعلم بذلك أبداً، ولو أني علمت لقمت بما يجب.
- كل إنكاري عليك لأنك لا علم لك بأحوال جارك، لماذا يمضون سبعة أيام بلياليها هكذا، وأنت لا تعلم، ولو أنك كنت تعلم ولم تفعل شيئاً لقلت لك: يا يهودي أو يا نصراني.
- وماذا تأمر الآن؟..
- يأخذ خادمي هذه الصينية من الطعام إلى باب ذلك الرجل، وعند الباب تأخذ الصينية أنت وتطرق الباب، وتطلب منه أن تتناولا طعام العشاء معاً وخذ هذا المال وضعه تحت سجادته أو حصيره، وتعتذر منه على تقصيرك في حقه مع أنه جارك، واترك الصينية هناك وتعال، ولن أتعشى حتى تأتي وتخبرني بما جرى.
وحمل الخادم الصينية الكبيرة، وعليها أنواع الطعام اللذيذ، ومضى مع السيد جواد، وعند الباب تناول السيد جواد الصينية ورجع الخادم.
ودخل السيد جواد، وبعد أن سمع صاحب البيت اعتذاره ورجاءه تناول الطعام، أكل لقمات فعرف أنه (لم يحضر في منزل السيد جواد العاملي) فما كان منه إلا أن قال: هذا الطعام ليس طبخاً عربياً وعليه فليس من بيتك، وإذا لم تقل من أين فلن آكل أبداً.
وعبثاً حاول السيد جواد أن يثنيه، ولم ير في النهاية بداً من إخباره بكل ما كان، ووافق الشيخ على تناول الطعام قائلاً:
عجيب أمر هذا السيد فوالله لم يطلع على سري أحد، فمن أين عرف!..
ينقل المرحوم النوري – صاحب المستدرك – في كتابه "الكلمة الطيبة" هذه القصة عن المولى زين العابدين السلماسي الذي كان من خواص السيد بحر العلوم، ويذكر اسم الشيخ محمد نجم العاملي، وأن المبلغ الذي قدم إليه كان ستين شوشاً، وهو الوحدة النقدية المتداولة آنذاك.