معنى خيار الشرط أن يشترط أحد المتعاقدين أو كلاهما الخيار في فسخ العقد أو امضائه أمداً معيناً وبتعبير الشيخ الانصاري أن يثبت الخيار بسبب اشتراطه في العقد ومن هنا كان التعبير بشرط الخيار اولى من التعبير بخيار الشرط .
ومبدأ هذا الخيار من حين العقد لا حين افتراق المتبايعين ويجوز تأخيره عن العقد ولو بأيام. فلو قال أحدهما لصاحبه بعد البيع ولزومه: جعلتك بالخيار مدة كذا وقال صاحبه: قبلت أو ما في معنى ذلك يصح ويصير العقد جائزاً بعد أن كان لازماً أجل لا بد من تحديد مدة الخيار تحديداً يرفع الغرر ويبعد الاشتباه المفضي إلى التنازع والتشاجر .
واطلق الفقهاء القول بأنه لا تحديد لمدة الخيار قلة ولا كثرة فيجوز جعلها سنة وساعة والمهم هو الضبط والتعيين فلو جعلها مدة العمر أو إلى قدوم المسافر فلا يصح ويبطل البيع من الاساس .
وهذا بالقياس إلى القلة صحيح أمّا بالقياس إلى الكثرة فينبغي تحديدها بما تتحمله طبيعة المبيعات ولا يعد في نظر العرف لغواً وعبثاً فالمدة التي ينبغي أن تحدد في شراء الفاكهة والبيض والخضار غير المدة التي تحدد في شراء الارض والدار بالبداهة.
الدليل :
وأصل هذا الخيار اجماع الفقهاء والنص قال الشيخ الانصاري: «لا خلاف في صحة هذا الشرط ولا في أنّه لا يتقدر بحد عندنا ونقل الاجماع عليه مستفيض». وقال صاحب الجواهر: «خيار الشرط ثابت بالضرورة بين علماء المذهب وبالكتاب والسنة عموماً وخصوصاً» .
ومن النصوص العامة الشاملة لجميع موارد الشرط قول الإمام الصادق عليهالسلام: «من اشترط شرطاً مخالفاً لكتاب اللّه عزّ وجل فلا يجوز على الذي اشترط عليه والمسلمون عند شروطهم فيما وافق كتاب اللّه» .
وموارده موافقة كتاب اللّه عدم مخالفته سواء أوافق أو لم يخالف والقرينة على ارادة هذا المعنى قوله عليهالسلامفي صدر الرواية: «من اشترط شرطاً مخالفاً فلا يجوز». وهذا معناه ان من اشترط شرطاً غير مخالف يجوز .
وقال: المؤمنون عند شروطهم إلاّ شرطاً حرم حلالاً أو حلل حراماً .
أمّا النصوص الخاصة فكثيرة منها أن سائلاً سأل الإمام الصادق عليهالسلامعن رجل احتاج إلى بيع داره فمشى إلى أخيه وقال له: ابيعك داري هذه على أن تشترط لي اذا جئتك بثمنها إلى سنة تردها عليّ؟. قال الإمام عليهالسلام: لا بأس بهذا ان جاء بثمنها ردها عليه. قال السائل: فان كان فيها غلة كثيرة فلمن تكون الغلة؟ قال: للمشتري ألا ترى لو احترقت كانت من ماله؟.
وبالتالي فان من تتبع مصادر الشريعة يؤمن ايماناً لا يشوبه ريب بأن كل ما يوافق اهداف الانسان واغراضه ولا يتعارض مع مبادىء الشريعة ومقاصدها فهو جائز عقاً كان أو شرطاً أو غيرهما. وهذي قاعدة شرعية عامة تصلح معياراً كلياً لمعرفة الاحكام الشرعية وحل المعضلات في ضوئها .
صاحب الخيار هو من اشترط هذا الخيار بائعاً كان أو مشترياً أو اجنبياً عن العقد لأن المؤمنون عند شروطهم تعم الجميع. وخير ما قرأته في هذا الباب من أقوال العلماء ما جاء فى كتاب مفتاح الكرامة: «ان الخيار شرّع للارفاق بالطرفين فكل ما تراضيا به جاز» .
واذا جعل الخيار لاثنين اجنبيين فاجاز أحدهما وفسخ الآخر الشيخ الأنصاري وصاحب الجواهر وصاحب مفتاح الكرامة: يقدم الفاسخ لأن لمجيز أي مجيز كان بعد أن اختار اللزوم فقد اسقط حقه في الخيار حتى كأن العقد وقع مجرداً عن الشرط فيبقى حق الطرف الآخر وقد فسخ فيؤخذ بقوله لأنه بلا معارض في الحقيقة وهذا ما اراده صاحب الجواهر بقوله: «لعدم معارضة اختيار احدهما اللزوم» .
واولى من هذا التكليف أن نقول: حيث أراد أحدهما الامضاء واراد الآخر الفسخ فقد تعذر العمل بالارادتين معاً وبديهة أنّه اذا استحال تنفيذ العقد والعمل بموجبه ينفسخ حتماً وعلى هذا يكون انحلال العقد من باب الإنفساخ لا من باب الفسخ.
ومهما يكن فعلى الأجنبي الذي جعل الامضاء والفسخ بيده أن يراعي مصلحة من انتخبه لذلك فان تبين عدم المصلحة فيما اختار كان لغواً لا تأثير له قال الشيخ الأنصاري: «ذكر غير واحد أن الأجنبي يراعي مصلحة الجاعل». وقال صاحب الجواهر: «الظاهر وجوب اعتماد المصلحة لأنه أمين» .
اتفقوا على أن البائع اذا اشترط لنفسه ارتجاع الثمن في مدة معينة وقبل المشتري صح البيع والشرط ويسمى هذا النوع عند الفقهاء ببيع الخيار تارة وبيع الشرط أخرى.
والأصل في جوازه وصحته الاجماع والنص ومنه عموم «المؤمنون عند شروطهم» والرواية المتقدمة في فقرة «الدليل» التي تضمنت السؤال عمن باع داره واشتراط ارتجاعها إن رد الثمن إلى سنة وفي رواية أخرى أن رجلاً سأل الإمام الصادق عليهالسلامعن ذلك؟ فقال: أرى أن المبيع لك ان لم يرد المال وان جاء به للوقت فرد عليه .
واذا رد الثمن في المدة المعينة فهل ينفسخ البيع تلقائياً أو أن رد الثمن بمجرده لا يوجب انفساخ العقد بل لا بد أن يتعقبه الفسخ من البائع بحيث اذا لم يفسخ بعد رد الثمن يكون البيع لازماً بانقضاء المدة ويكون الثمن امانة في يد المشتري؟.
ذهب المشهور إلى الثاني وأنّه لا بد من الفسخ مع رد الثمن ولا تأثير لأحدهما دون الآخر لأن المبيع انتقل إلى المشتري بسبب شرعي وهو البيع فلا ينتقل عنه إلاّ بسبب شرعي وهو هنا الفسخ والرد من حيث هو ليس بفسخ بل مقدمة للفسخ .
والحق أن ارجاع الثمن بقصد الفسخ انشاء فعلي للفسخ وإلاّ فبأي شيء نفسر رد الثمن ضمن المدة؟ وأي فقيه اذا قال له: ان زيداً باع داره من عمرو وقال له عند البيع: اذا أرجعت المال كاملاً إلى سنة كان هذا فسخاً مني للبيع حتى ولو لم اتلفظ بالفسخ أي فقيه يزعم بأن هذا ليس بفسخ ولا معنى لشرط الخيار الذي نتحدث عنه إلاّ ذلك .
هل يصح شرط الخيار في غير البيع من العقود والايقاعات ؟
الجواب :
أمّا الايقاعات كالطلاق والعتق والابراء فقد اجمعوا ـ إلاّ من شذ ـ على عدم صحة الشرط فيها والشيخ الانصاري يتفق في النتيجة مع الفقهاء ويقول بعدم صحة الشرط في الايقاعات ولكنه يخالفهم في المقدمات والطريق المؤدية إلى هذه النتيجة. ويتلخص دليل الفقهاء بأن الشرط لا بد له من اثنين: أحدهما من له الشرط والثاني من على الشرط أما الايقاعات فلا يحتاج إلى طرفين بل يتم بشخص واحد فقط فالايقاعات ـ اذن ـ بطبعها لا تقبل الشرط .
ويتلخص دليل الشيخ الانصاري بأن الشرط والفسخ ممكنان بذاتهما الايقاعات تماماً كما هو الشأن في العقود فان للانسان ان يقطع العهود على نفسه وان يفسخ ما كان صدر منه عقداً كان أو ايقاعاً ولكن العبرة بالدليل الشرعي على جواز ذلك.. ومعلوم أن حق الخيار في الفسخ على خلاف الأصل في العقود والايقاعات ولا يثبت إلاّ بدليل وقد ثبت في الشريعة جواز الفسخ في العقد كالإقالة وخيار المجلس والحيوان ولم يثبت في الايقاع وعليه يكون القول بجواز الفسخ قولاً بلا دليل وهذه عبارة الانصاري «ان مشروعية الفسخ لا بد لها من دليل وقد وجد في العقود من جهة مشروعية الاقالة وثبوت خيار المجلس والحيوان وغيرهما بخلاف الايقاعات فانه لم يعهد من الشرع تجويز نقض اثرها بعد وقوعها حتى يصح اشتراط ذلك فيها» .
ثم قسم الانصاري العقود من حيث قبولها للخيار وعدم قبولها له عند الفقهاء إلى ثلاثة أقسام :
الأوّل:لا يقبل الخيار بالاتفاق وهو عقد الزواج فانه لا ينتهي إلاّ بالموت أو الطلاق ولا ينحل إلاّ بالفسخ بسبب العيوب المنصوص عليها شرعاً .
الثاني:يقبل الخيار بالاتفاق كالاجارة والمزارعة والمساقاة والكفالة والبيع ما عدا الصرف فان فيه خلافاً .
الثالث:اختلف فيه الفقهاء ومنه الوقف فقد ذهب المشهور إلى عدم قبول الخيار وقال أكثر من واحد من المحققين: انه يقبله ويأتي الدليل في باب الوقف وتكلمنا عنه مفصلاً في كتبا «الأحوال الشخصية على المذاهب الخمسة». ومما اختلف فيه الصلح قال أكثر الفقهاء: انه يقبل الخيار وقال بعضهم: لا يقبله فيما يفيد الابراء ومنه ضمان الدين الثابت في ذمة المدين للدائن ومنه بيع الصرف فان كثيراً من الفقهاء قالوا: انّه لا يقبل الخيار حيث يشترط فيه القبض ولا يجتمع شرط القبض مع شرط الخيار لأنه
بالقبض وافتراق المتبايعين تنقطع الصلة والعلاقة بينهما كلية والخيار معناه بقاء الصلة.. وهو التناقض بعينه .
ثم أعطى الانصاري معياراً كلياً لما يقبل الخيار من العقود وما لا يقبلها فقال: ان كل عقد يقبل التقايل فهو يقبل الخيار وكل عقد لا يقبل التقايل فهو لا يقبل الخيار .
هذا ملخص الكلام عن العقود اللازمة وحكمها مع شرط الخيار أمّا العقود الجائزة فقد سبقت الاشارة إلى أنّه لا معنى للخيار فيها ما دام الخيار قائماً دون شرط فان عقد الوكالة والعارية والوديعة يفسخ وينحل بارادة أحد الطرفين منفرداً دون حاجة إلى اتفاقٍ حين العقد أو بعده أجل ربما صح شرط الخيار في العقد الذي هو جائز من طرف ولازم من طرف فيشترط الخيار لنفسه من كان العقد لازماً بالقياس إليه كعقد الرهن فانه جائز بالنظر اهلى المرتهن لازم بالنظر إلى الراهن فإن اشترط هذا الخيار لنفسه يصير العقد جائزاً من الطرفين .
مسائل :
1 ـ إذا انقضت المدة المعينة للخيار ولم يرد البائع الثمن يبطل الخيار ويصير المبيع ملكاً للمشتري .
2 ـ ليس للمشتري اتلاف المبيع ولا أن يتصرف فيه تصرفاً يمنع من استرجاعه إلى البائع بل يجب عليه الاحتفاظ به والابقاء ليفي بالتزامه من ارجاع المبيع للبائع عند رد الثمن .
3 ـ اذا هلك المبيع في يد المشتري مدة الخيار يذهب من مال البائع لأن التلف بعد القبض في مدة الخيار يكون من مال من لا خيار له.. ولا يسقط الخيار بتلف العين المبيعة فاذا رد البائع الثمن والحال هذه فعلى المشتري أن يرد بدل العين الهالكة من المثل أو القيمة .
4 ـ اذا رد البائع بعض الثمن فلا يحق له الفسخ واذا كان قد اشترط أن يفسخ في كل جزء من العين برد ما يقابلها من الثمن جاز كما يجوز أن يشترط الفسخ في جميع العين برد مقدار معين من الثمن وما تبقى منه يكون ديناً في ذمة البائع بعد الفسخ والدلى على ذلك: «المؤمنون عند شروطهم».
5 ـ اذا جعل المشتري لنفسه الخيار مشترطاً رد الثمن إليه اذا رد المثمن في مدة معينة جاز تماماً كما يجوز ذلك للبائع لاتحاد المدارك والمسوغ وهو عموم: «المؤمنون عند شروطهم» .
واذا هلك المبيع في يد المشتري اثناء المدة ذهب من مال البائع لقاعدة «التلف مدة الخيار من مال من لا خيار له».. قال صاحب مفتاح الكرامة «ان كان الخيار للبائع فالتلف من المشتري وان كان للمشتري فالتلف من البائع ولا أجد في ذلك خلافاً بل اطلاق اجماع». وسئل الإمام الصادق عليهالسلامعن الرجل يشتري الدابة ويشترط إلى يوم أو يومين فتموت الدابة على من ذمان ذلك ؟قال: «على البائع». مع العلم بأن البائع في هذه الحال لا خيار له .
واذا كان للعين المبيعة بهذا الخيار نماء فهل يكون النماء للمشتري لأ العين انتقلت الى ملكه بالشراء أو هو للبائع بالنظر إلى أن العين لو تلفت تذهب من ماله ؟
والجواب :
إذا استوفى المشتري النماء ثم فسخ رد العين دون بدل النماء ولا منافاة بين أن يكون النماء لشخص وضمان العين على غيره كما هو الشأن في المغصوب فان نماءه لمالكه وضمانه على غاصبه ([1]) وباقي التفصيل في احكام الخيارات فقرة «المبيع يملك بالعقد» والتي بعدها .
6 ـ يصح أن يكون الخيار لكل من البائع والمشتري في عقد واحد كان يشترط البائع ارتجاح المثمن له اذا رد الثمن في مدة الخيار وفي الوقت نفسه يشترط المشتري ارتجاع الثمن اذا رد المثمن في المدة المعينة. واذا هلك الثمن أو المثمن أو كلاهما مع هذا الشرط يكون هلاك المثمن من مال المشتري لأنه انتقل إليه بالبيع وهلاك الثمن من مال البائع لسبب نفسه ويأتي التحقيق في فصل احكام الخيارات إن شاء اللّه .
7 ـ يسقط هذا الخيار اذا تنازل عنه من هو له بائعاً كان أو مشترياً لأنه حق يسقط بالاسقاط .
8 ـ تصرف البائع بالثمن لا يسقط خياره في رد الثمن كما أن تصرف المشتري بالمثمن تصرفاً غير متلف ولا ناقل لا يسقط خياره في رد الثمن لأن هذا الخيار شرّع لانتفاع البائع بالثمن والمشتري بالمثمن فلو سقط الخيار بالتصرف سقطت الفائدة من وضعه» كما قال صاحب الجواهر وهذا واشح بالبداهة وانما ذكرناه تبعاً للشيخ الانصاري وغيره من الفقهاء .
__________________________________________
[1] الغرض من التمثيل بالغاصب هو مجرد الاشارة إلى عدم التلازم بين ملك نماء العين وضمانها من حيث الفكرة والمبدأ مع العلم بأن الغاصب اجنبي عما نحن فيه لأنه يضمن بسبب اليد لا بسبب العقد .