ذكر الشهيد الأول في اللمعة الدمشقية مع الخيارات خيار الشرط وخيار الاشتراط واراد بالاول أن يكون الخيار بعينه هو الشرط كما لو قال: اشتريت أو بعت على أن يكون لي الخيار في فسخ البيع وامضائه مدة كذا واراد بالثاني أي خيار الاشتراط أن يشترط المشتري أو البائع أمراً معيناً غير الخيار ولكن تخلفه يؤدي إلى ثبوت الخيار كما لو اشترط البائع على المشتري أن يفعل كذا أو اشترط المشتري على البائع أن يكون المبيع متصفاً بكذا فاذا تخلف ثبت للمشروط له حق الخيار في فسخ العقد .
أما الشيخ الانصاري وغيره كثير من الفقهاء فقد تكلموا في باب الخيارات عن الاول فقط أي خيار الشرط ثم عقدوا فصلاً ومستقلاً للكلام عن الشروط التي ابتنى عليها العقد بوجه عام يشمل خيار الاشتراط الذي اراده الشهيد. ومن الفقهاء من تكلم عن خيار الاشتراط ضمن خيار الشرط حيث اراد بالشرط الشيء الذي اشترط في العقد خياراً كان أو غيره . وقد اتبعنا نحن طريقة الشيخ الانصاري لأن أكثر ما في كتابنا هذا أو الكثير منه تلخيص وعرض لكتابه المعروف بالمكاسب أجل ان الشيخ ذكر هذا الفصل بعد
خيار العيب الذي ختم الكلام به عن الخيارات وذكرناه نحن بعد خيارات الشرط مباشرة لمكان المناسبة .
تنقسم الشروط بالنظر إلى الصراحة وعدمها إلى شروط ضمنية يقتضيها العقد مثل التسليم وتعجيل الثمن وسلامة المبيع من العيب ورد العوض عند فساد العقد وخيار المجلس والحيوان مع ملاحظة الدليل الشرعي عليهما.. وإلى شروط صريحة وهي التي ذكرت صراحة في متن العقد أو قبله مع ابتنائه عليها. ويعرف الشرط الصريح من هذا الفصل والذي قبله. أمّا الشرط الضمني فيعرف في الكثير من فصول هذا الكتاب بخاصة الخيارات وبصورة أخص خيار الغبن والعيب .
وأيضاً تنقسم الشروط بالنظر إلى الصحة والفساد إلى شروط صحيحة وفاسدة ولكل منها احكامه الخاصة التي نتعرض لها في هذا الفصل .
ذكر الشيخ الانصاري ثمانية شروط لصحة الشرط ولكنها في الحقيقة ترجع إلى سبعة وهي على وجه العموم والاجمال :
1 ـ أن يكون الشرط مقدوراً .
2 ـ أن يكون سائغاً شرعاً .
3 ـ أن يكون معقولاً .
4 ـ أن لا يتنافى مع مقتضى العقد .
5 ـ أن لا يكون مجهولاً .
6 ـ أن لا يكون محالاً أو مستلزماً للمحال .
7 ـ أن يذكر في متن العقد كما قيل والبيان على وجه فيما يلي:
1 ـ كل شرط تعلق بصفة يمكن أن يكون المعقود عليه متصفاً بها بالفعل فهو شرط صحيح فان وجد الوصف لزم العقد وان تخلف ثبت الخيار بين الرد والامساك مجاناً ومثال ذلك أن يشتري فرساً بشرط أن يكون اصيلاً والثوب صوفاً والدابة حاملاً .
وتقول: ان هذا الوصف غير مقدور للمتعاقد فكيف يصح جعله شرطاً مع العلم بأن الشرط يجب أن يكون مقدوراً؟.
ونجيب بأن هذا الوصف ليس فعلاً من أفعال المتعاقد وانما هو وصف للمعقود عليه وما من شك أن المتعاقد يملك العين التي وقعت محلاً للعقد فيملك أيضاً أوصافها بالتبع تماماً كما يملك منافعها وبكلمة ان المتعاقد قد تعهد بتسليم العين الموصوفة بكذا ولم يتعهد بخلق الصفة وايجادها في العين والفرق بين التعهدين واضح .
وكل شرط تعلق بفعلٍ غير مقدور فهو باطل لأن الوفاء بالمحال محال ومثال ذلك أن يشتري دابة ويشترط أن تحمل في المستقبل أو بستاناً على أن يحمل عشرة أطنان في العام المقبل أو زرعاً بشرط أن يسلم من الامراض والعاهات قال صاحب الجواهر: «لا يجوز اشتراط ما لا يدخل في المقدور كبيع الزرع على أن يجعله اللّه سنبلاً». وقال الشيخ النائيني في تقريرات الخوانساري: «لا بد أن يكون الوصف حالياً بحيث يقدر المتعاقد على تسليمه تبعاً للعين فان لم يكن حالياً مثل الاوصاف التي يمكن أن تتحقق وان لا تتحقق ككون الزرع سنبلاً فلا يجوز اشتراطه» .
2 ـ أن لا يكون للشرط غرض يعتد به العقلاء فلو كان عبثاً كما اذا اشترط أن يأخذ من ماء البحر ثم يرده إليه يكون الشرط باطلاً ولكنه لا يوجب بطلان العقد .
3 ـ ان لا يكون الشرط مخالفاً لكتاب اللّه وسنة نبيه فاذا باع الخشب بشرط أن يجعله صنماً والعنب على أن يجعله خمراً كان الشرط فاسداً ويدل عليه قول علي أمير المؤمنين عليه السلام : من شرط لامرأته شرطاً فليف به ان المسلمين عند شروطهم إلاّ شرطاً حلل حراماً أو حرم حلالاً .
وقال الإمام الصادق عليه السلام : من اشترط شرطاً سوى كتاب اللّه فلا يجوز له ولا عليه .
وقال الإمام الباقر أبو الإمام جعفر الصادق عليهماالسلام عن رجل تزوج امرأة واشترطت عليه أن في يدها الجماع والطلاق؟. قال: خالفت السنة ووليت حقاً ليست له أهلاً ثم قضى الإمام أن عليه الصداق وفي يده الجماع والطلاق ([1]) . وسئل عن رجل اشترط لامرأته أن لا يتزوج عليها؟. قال: إن شاء تزوج وتسرى . بقي أن نعرف ما هو المعيار الجلي للحلال والحرام حتى نميز به الشرط المخالف لهما عن غيره.. وقد أطال الفقهاء الكلام في ذلك بخاصة الشيخ الانصاري فانه ذكر أوجهاً كثيرة ثم تنظر فيها على عادته. والحق أن كل ما يحرم على الانسان أن يفعله فلا يجوز له اشتراطه كالزنا والسرقة وتوريث الأجنبي وحرمان الوارث وكل ما يجب فعله فلا يجوز اشتراط تركه كالصوم والصلاة وبر الوالدين وكل ما يباح فعله وتركه في أصل الشرع من غير توسط العقد أو أي شيء آخر يجوز أن يشترط فعله وتركه إلاّ أن يثبت العكس فان للانسان أن يتزوج وان يترك الزواج وان يطلق وان يترك الطلاق ولكن لما دل الدليل الشرعي التعبدي على أن اشتراط ترك الزواج أو الطلاق لا يجب الوفاء به قلنا ببطلانه ولولا هذا الدليل لقلنا بصحته .
هذا هو المعيار الصحيح الذي نرجع إليه عند الشك والتردد. وتجدر الاشارة إلى أن فساد هذا الشرط لا يستدعي فساد العقد إلاّ إذا رجع إلى أحد العوضين كبيع الخشب بشرط طعله صنماً والعنب خمراً أمّا اذا لم يرجع إلى أحدهما فيفسد الشرط دون العقد كما لو قال: بعتك الكتاب على أن تشرب الخمر .
__________________________________
[1] اذا اشترطت المرأة أن لا يستمتع بها الزوج اطلاقاً وبشتى انواع الاستمتاع يبطل الشرط بالتفاق أمّا اذا اشترطت عليه أن يترك نوعاً من الاستمتاع كالجماع فقط فقد ذهب المشهور إلى الجواز لأن الإمام الصادق عليه السلام سئل عن رجل سأل امرأة أن تزوجه نفسها فقالت: ازوجك نفسي على أن تلمس مني ما شئت من نظر والتماس وتنال مني ما ينال الرجل من أهله إلاّ أنك لا تدخل فرجك في فرجي فاني أخاف الفضيحة؟ فقال الإمام عليه السلام ليس له منها إلاّ ما اشترطت .
4 ـ كل أثر يترتب على العقد من حيث هو لا يجوز اشتراط عدمه في العقد كما لو باع بشرط أن لا يتصرف بالمبيع وهذا معنى قول الفقهاء: يعتبر في الشرط أن لا يكون منافياً لمقتضى العقد .
واستدل الشيخ الانصاري على فساد هذا الشرط بدليلين: الأول لزوم التناقض لأن العقد يثبت الاثر والشرط ينفيه وهذا هو التناقض بالذات ومعه يستحيل الوفاء بالعقد وكل عقد يستحيل الوفاء به فهو باطل.. الدليل الثاني ان الكتاب والسنة قد اثبتا أثر العقد فاشتراط عدمه مخالف لهما وهذا الدليل عن الأول ولكن بتعبير آخر .
ومهما يكن فان هذا الشرط من صغريات الكلية البديهية وهي كل شرط يجب الوفاء به إلاّ إذا علم فساده وعدم جوازه بالعقل أو النقل. أما المعيار لدلالة العقل على الفساد فهو أن يتنافى الشرط مع طبيعة العقد أو يستلزم المحال كما تأتي الاشارة قريباً. وأمّا معيار دلالة الشرع فتابع لثبوتها بالمقاييس المقررة .
وقد اختلف الفقهاء في بعض الشروط وانها مخالفة للعقل أو النقل أو غير مخالفة.
منها: اذا باع شيئاً بشرط أن لا يبيعه ولا يهبه فذهب المشهور بشهادة الشيخ الانصاري إلى عدم الجواز لمنافاة الشرط لمتقضي العقد ([2]) .
منها: اشتراط ضمان العارية مع عدم التفريط وذهب المشهور إلى الصحة لقول الإمام الصادق عليه السلام : لا تضمن العارية إلاّ أن يكون قد اشترط فيها ضمان.
ومنها: اشتراط ضمان العين المستأجرة مع عدم التفريط وقد ذهب المشهور إلى عدم صحة الشرط بزعم أنّه منافٍ لمقتضى العقد والحق عدم الفرق بين المستعير والمسأجر فان كلا منهما أمين على ما فيه يده فان جاز تضمين احدهما بالشرط جاز تضمين الآخر والعكس بالعكس. أمّا ما ذكره الشيخ النائيني من الفرق بينهما بأن يد المستأجر على العين يد استحقاق ويد الاستحقاق تقتضي عدم الضمان فتضمينها ولو مع الشرط خلاف الاصل أمّا يد المستعير فانها يد اباحة وتحليل ولا تقتضي عدم الضمان فتضمينها لا يخالف الاصل.. أمّا هذا الفرق فمجرد استحسان ومن تأمل لا يجد فرقاً بين المستعير والمستأجر ولا مانعاً من اشتراط الضمان بينهما فيشملهما عموم «المؤمنون عند شروطهم» وقد تأكد هذا العموم بديل خاص في المستعير فان ثبت النهي عن اشتراط ضمان المستأجر فهو الدليل على عدم الجواز وإلاّ صح الشرط ووجب الوفاء به .
ومنها: ان يشترط الزوج لزوجته أن لا يخرجها من بلدها وذهب المشهور إلى صحة الشرط وقال البعض: لا يصح لأنه ينافي العقد الذي يقتضي أن يكون الرجل مسلطاً على المرأة استمتاعاً واسكاناً .
وقال السيد اليزدي يرد هذا الفقيه: ان هذا التعليل عليل لأن الشرط المذكور لا يتنافى مع بقاء الرجل قواماً على المرأة هذا إلى ثبوت النص الخاص على الجواز.
وأي شرط ثبت أنّه منافٍ لمقتضى العقد فهو فاسد ومفسد بالاتفاق .
__________________________________________
[2] سئل الإمام عليه السلام عن رجل يشتري الجارية ويشترط لأهلها أن لا يبيع ولا يهب ولا يورث؟.
قال: يفي لهم إلاّ الميراث. وهذه الرواية من الشاذ المتروك فقد نقل الشيخ الانصاري عن صاحب كاشف الرموز أنّه لم يجد عاملاً بها .
5 ـ أن لا يكون الشرط مجهولاً جهالة توجب الغرر كاشتراط تأجيل الثمن أو تسليم المثمن امداً غير معلوم وقد تقدم الكلام في ذلك في فصل شروط العوضين فقرة «العلم بالعوضين» .
وكل شرط مجهول فهو فاسد ولكن لا يكون مفسداً للعقد إلاّ إذا رجعت الجهالة إلى أحد العوضين .
6 ـ ان لا يكون الشرط مستلزماً للمحال ومثلوا له بأن يبيع زيد الكتاب من عمرو بشرط أن يبيعه عمرو من زيد أمّا وجه المحال فواضح لأن هذا معناه أن زيداً لا يملّك الكتاب لعمرو حتى يملّك عمرو الكتاب لزيد وعمرو لا يملكه لزيد حتى يملكه اياه زيد وبتعبير أخصر وأوضح أن مؤدى هذا الشرط تماماً كقول القائل: لا أعطيك هذا حتى أنت تعطيني اياه..
ويجوز أن يشترط البيع أو الهبة لشخص آخر لأنه لا يستلزم أي محذور.
وفساد هذا الشرط أي المحال موجب لفساد العقد وهدمه من الاساس .
7 ـ اتفق الفقهاء بشهادة صاحب الرياض والشيخ النائيني على أن أي شرط لم يكن التزاماً في ضمن التزام ولم يتعقبه التزام وانما يشترطه الإنسان على نفسه ابتداء دون أن يكون هناك طرف مقابل اتّفقوا على أن مثل هذا الشرط لا يجب الوفاء به إلاّ مع العهد والنذر واليمين ([3]) وأيضاً اتفقوا على أن الشرط المذكور صراحة في متن العقد يجب الوفاء به تماماً كما يجب الوفاء بالعقد واختلفوا في الشرط الذي يذكر قبل العقد ويتواطأ عليه المتعاقدان دون التصريح به ثانية في متن العقد وقد ذهب المشهور بشهادة الشيخ الانصاري إلى عدم وجوب الوفاء به .
والحق وفاقاً لجماعة منهم صاحب الجواهر والسيد اليزدي أن كل شرط أنيط به العقد يجب الوفاء به وان تخلفه يوجب الخيار سواء أكان مقترنا بالعقد أو ذكر أولاً ثم بني عليه العقد لأن هذا العقد وان جاء لفظه مطلقاً دون شرط إلاّ أنّه ينصرف بشهادة الحال إلى ما تبانى عليه المتعاقدان ولأن العرف لا يفرق بين الشرط المتقدم ومقارن ما دام العقد منوطاً به ولأن التراضي مقيد بالشرط فان أوجبنا العقد دون الشرط فقد اوجبنا التجارة من غير تراض وأكل المال بالباطل. قال صاحب الجواهر في كتاب المتاجر عند كلامه عن الشرط الفاسد: «لا أثر للشرط المذكور بعد العقد ولا الذي قبله اذا لم يكن بناء العقد عليه وإلاّ فان الصحة فيه قوية جداً» .
__________________________________
[3] العهد أن يقول الانسان: عهد علي اللّه أن أفعل كذا والنذر أن يقول: نذر علي اللّه أن أفعل كذا واليمين هو القسم باللّه جل وعز فالتعهد في هذه العناوين وقع للّه ومع اللّه سبحانه فلا يكون من نوع الالتزام الابتدائي ويأتي الكلام عن كل واحد في بابه ان شاء اللّه .
اذا تمت هذه الشروط صح الشرط ووجب الوفاء به وحرم على من التزم به واشترطه على نفسه أن يخالف وان خالف وامتنع عن الوفاء من غير عذر فان للحاكم أن يجبره عليه لأنه ولي الممتنع تماماً كما يلزمه بالعقد لأن الشرط كالجزء من أحد العوضين على حد تعبير الفقهاء.. واذا تخلف الشرط لعذر أو غير عذر كان للطرف الآخر وهو المشروط له أن يختار فسخ العقد أو امضاءه مجاناً ولا يحق له الامضاء مع المطالبة بالارش لأن الارش على خلاف الاصل ولا يجوز القول به في مورد إلاّ بدليل خاص ولا دليل على الارش الاّ في خيار العيب ويأتي البيان ان شاء اللّه تعالى .
ويثبت خيار الشرط في جميع العقود لا في عقد البيع فقط سواء أكان الشرط من الأفعال أو من صفات المعقود عليه لأن الفائدة من ذكره ثبوت الخيار عند تخلفه وإلاّ كان ذكره لغواً.. أجل للزوج خصائص وممزات يختلف بها عن سائل العقود منها أن الشرط اذا كان من نوع الافعال فتخلفه لا يوجب الخيار في الزواج ويوجبه في سائر العقود واذا كان الشرط من صفات المعقود عليه فتخلفه يستدعي الخيار في الزواج وغيره فإذا اشترطت الزوجة على الزوج أن يبني لها قصراً أو يسكنها في المدن لا في الارياف ولم يفعل فليس لها خيار الفسخ وان اشترطت أن يكون تاجراً لا مزارعاً أو من قبيلة معينة ثم تبين العكس فلها خيار الفسخ.. فقد سئل الإمام عليه السلام عن رجل تزوج امرأة وقال: أنا من بني فلان ولا يكون كذلك؟. قال الإمام عليه السلام : يفسخ النكاح.. وكذا اذا اشترط هو أن تلبس نوعاً خاصاً من الثياب ولم تفعل فلا خيار له في الفسخ أمّا إذا اشترط أن تكون بكراً فله الخيار ان تبين العكس .
قال صاحب الجواهر في باب الزواج آخر فصل التدليس: «يمكن دعوى الاجماع هنا على أن شرطية الصفات توجب الخيار اذا بان الخلاف حتى مع اشتراط الناقص فبان الكمال ـ كما لو اشترط ان تكون ثيباً فبانت بكراً ـ لاختلاف الاغراض ولانحصار فائدة الشرط بذلك نعم لو كان الشرط من الأفعال أمكن القول بعدم الخيار للفرق بين النكاح والبيع». ومثله تماماً في حاشية السيد كاظم اليزدي على مكاسب الشيخ الانصاري: ص 316 طبعة 1324 هـ.
وتجدر الإشارة إلى أن الخيار المتولد من تخلف الشرط يقبل الاسقاط كغيره من الخيارات لأنه حق ولكن ذي حق أن يتنازل عنه كما أن هذا الخيار مؤقت بزمن يتمكن فيه من الفسخ فاذا تخلف الشرط وكان عالماً بأن له الخيار وتمكن من الفسخ ولم يبادر إليه بطل الخيار لأنه شرّع لرفع الضرر ويرتفع الضرر بالفور وسرعة المبادرة فيقتصر عليها والتفصيل في فقرة «الخيار مضيق لا موسع». من فصل خيار العيب .
أذا لم تتوافر الشروط المتقدمة لصحة الشرط يكون فاسداً لا يجب الوفاء به بالاتفاق ولكن هل يفسد العقد لفساد الشرط؟. وبكلمة: هل الشرط الفاسد يكون مفسداً للعقد أيضاً أو ان فساده لا يستدعي فساد العقد؟.
قال جماعة كثير من كبار الفقهاء المتقدمين والمتأخرين: ان فساد الشرط يوجب فساد العقد كقاعدة كلية لا نخرج عنها إلاّ بدليل تعبدي خاص ([4]) . والحق بعكس ما قالوه تماماً وان الشرط الفاسد من حيث هو لا يستدعي فساد العقد وان الحكم بفساد العقد مع فساد الشرط لا يكون إلاّ بدليل خاص إذ لا تلازم عقلاً ولا عرفاً ولا شرعاً بين الفسادين بما هما بل لقد ثبت في الشريعة في العديد من الموارد أن فسادين بما هما بل لقد ثبت في الشريعة في العديد من الموارد أن فساد الشرط لا يستدعي فساد العقد ومن ذلك الروايات الواردة في باب الزواج وقد ذكرنا بعضها في فقرة «غير مخالف للكتاب» من هذا الفصل. ومنها من جاء فى غير الزواج أيضاً فقد روى الحلبي عن الإمام عليه السلام أن عائشة اشترت بريدة وهى مملوكة فأعتقتها وكان مواليها الذين باعوها اشترطوا على عائشة أن لهم الولاء ولكن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم قضى بأن الولاء لم أعتق أي لعائشة ومعنى هذا أن البيع صحيح والشرط فاسد. وقد اعترف الشيخ الانصاري بصحة هذه الرواية سنداً وظهوراً في عدم الافساد متناً وقال مانصه بالحرف الواحد: «الانصاف ان الرواية في غاية الظهور». ولكنه مع ذلك قال: «الانصاف ان المسألة في غاية الاشكال... ووجه الاشكال ـ على ما يظهر من عبارته ـ هل قول جماعة من الكبار بأن الفساد مفسد أيضاً .
أمّا نحن فننكر ذلك كقاعدة عامة ونقول بأن الفساد قد يفسد وقد لا يفسد.. انّه يفسد إذا كان منافياً لمقتضى العقد أو مستلزماً للمحال أو لجهالة أحد العوضين وقد لا يفسد اذا لم يوجب شيئاً من ذلك ونعرض التفصيل كما يلي :
1 ـ يكون الشرط فاسداً ومفسداً اذا كان منافياً لمقتضى العقد كاشتراط عدم التملك في عقد البيع أو عدم التصرف اطلاقاً في البيع أو عدم الاستمتاع بالزوجة بشتى ألوان الاستمتاع .
2 ـ أيضاً يكون فاسداً ومفسداً إذا كان مستلزماً للمحال كاشتراط بيع المبيع من البائع وبيّنا وجه المحال وسببه في فقرة «غير محال» من هذا الفصل .
3 ـ أيضاً يكون مفسداً اذا كان الشرط مجهولاً على أن تستدعي جهالة الشرط الجهل بأحد العوضين كما لو قال: اشتريت منك الفرس بشرط أن يكون له العديد من الصفات الحسنة. ولم يبين ما أراد بالصفات الحسنة أمّا اذا كانت جهالة الشرط لا تستدعي الجهل بأحد العوضين فيفسد الشرط دون العقد كما لو قال: اشتريت هذا الفرس على أن تفعل شيئاً فالفرس معلوم بالعيان والعقد عليه لا يوجب غرراً فيقع صحيحاً أمّا جهالة الشرط فتفسده وحده ما دامت لم تسر إلى المعقود عليه .
4 ـ أمّا إذا كان الشرط مخالفاً لكتاب اللّه وسنة نبيه فينظر: فان تعلقت المخالفة في المعقود عليه نفسه كبيع الخشب بشرط جعله صنماً والعنب خمراً فسد العقد بالاتفاق وفيه روايات عن أهل البيت عليهمالسلاموان اقتصرت المخالفة على الشرط كبعتك هذا بشرط أن تشرب الخمر أو تترك الصلاة فسد الشرط فقط دون العقد .
5 ـ واذا كان الشرط غير مقدور ينظر: فان رجع العجز إلى المعقود عليه نفسه كبيع الزرع بشرط أن يجعله سنبلاً والدابة بشرط أن يجعلها تحمل في المستقبل فسد الشرط والعقد.. أمّا اذا تعلق العجز بالشرط وحده كما لو باعه الدار بشرط أن يخيط له الثوب بساعة أو يجعله من الأعلام المبرزين فسد الشرط دون العقد .
6 ـ أن لا يكون للشرط أية منفعة لأحد ولا غرض مقصود للعقلاء كالبيع بشرط أن يأخذ من ماء البحر ثم يرده إليه فاذا اشترط هذا وما إليه من اللغو والعبث سقط الشرط وبقي العقد على الصحة بالاتفاق .
وتقدم هذا التفصيل استطراداً في تعداد الشروط لصحة الشرط وجمعنا الشتات في هذه الفقرة زيادة في التوضيح لأن الكثير من متفقهي العصر يذهلون عن هذا التفصيل الذي تحتمه الاصول والقواعد فيستخرجون القاعدة العامة من مورد أو موردين دون أن يستقرأوا ويتتبعوا جميع الموارد فترى أحدهم إذا وقف على شرط يتنافى مع مقتضى العقد قال: ان فساد الشرط يوجب فساد العقد اطلاقاً ويعارضه آخر قائلاً: بل ان فساده لا يقتضي الفساد اطلاقاً يعارض لا لشيء إلاّ لأنه اطلع على شرط لا يقتضي ذلك .
لذا نكرر للمرة الثالثة أن الشرط المنافي لمقتضي العقد والمستلزم للمحال فاسد ومفسد وان الشرط الذي لا فائدة منه فاسد غير مفسد وان الجهالة والعجز والمخالفة للمبادىء الشرعية ان رجع شيء منها إلى المعقود عليه بالذات فسد الشرط وافسد العقد وان اقتصرت الجهالة والعجز والمخالفة على الشرط فقط سقط الشرط دون العقد وما عدا ذلك من الشروط التي توافرت فيها جميع عناصر الصحة فهي غير فاسدة ولا مفسدة فان تحقق الشرط لزم العقد وان تخلف ثبت الخيار بين الفسخ والامضاء مجاناً .
______________________________________
[4] يظهر من أقوال الشيخ الانصاري أن الفقهاء اتفقوا قولاً واحداً على أن الشرط الذي يكون منافياً لمقتضى العقد والمستلزم للمحال وللجهل بأحد العوضين أو كان من قبيل بيع الخشب بشرط أن يجعله صنماً كل هذه الشروط يفسد معها العقد وانما اختلف الفقهاء فيما عدا ذلك من الشروط .
تبين مما قدمنا أن الشرط الصحيح يجب الوفاء به وان تخلفه موجب للخيار وان الشرط الفاسد لا يجب الوفاء به. وبقي شيء وهو أن الشرط الفاسد الذي لا يوجب فساد العقد: هل يوجب الخيار كما يوجبه تخلف الشرط الصحيح أو أن تخلف الشرط الفاسد لا يوجب شيئاً على الاطلاق بل وجوده وعدمه سواء؟. وليس للحواب عن هذا التساؤل عين ولا أثر في أقوال الفقهاء قبل الانصاري ولا في كلمات أهل البيت عليهم السلام كما قال الخوانساري في تقريرات الشيخ النائيني أمّا الشيخ الانصاري فقال: «الاقوى في المقام عدم الخيار» .
والذي تفرضه الاصول والقواعد أن تخلف الشرط الفاسد مع صحة العقد يوجب الخيار تماماً كتخلف الشرط الصحيح سواء أكان المشروط له عالماً بفساد الشرط قبل أن يقدم على العقد أو جاهلاً وذلك ان خيار تخلف الشرط ثابت كقاعدة عامة تشمل جميع افراد التخلف وموارده بصرف النظر عن الصحة والفساد بحيث لا نحتاج إلى الدليل التعبدي الخاص اذا اردنا ان نثبت الخيار لفرد من افراد التخلف وإلاّ احتجنا إلى الدليل لكل فرد وكل مورد تخلف فيه الشرط الصحيح والمفروض غير ذلك. هذا إلى أن القول بعدم الخيار في صورة فساد الشرط مع صحة العقد يستدعي القول بصحة العقد من غير رضا لأن الرضا بالعقد قد انيط بالشرط وان كان فاسداً فان انتفى الشرط انتفى الرضا بالعقد ولا سبيل لدفع هذا المحذور إلاّ الخيار فبه وحده يستدرك فوات الشرط صحيحاً كان أو فاسداً .
اتفق الفقهاء على أن الشرط الفاسد مهما كان نوعه لا يفسد عقد الزواج الدائم وان افسد غيره من العقود إلاّ شرطاً واحداً فقط وهو ما كان مناقضاً لمقتضى العقد كاشتراط أن لا يستمتع الزوج بالزوجة اطلاقاً أو شرط الخيار في الفسخ لأن عقد الزواج يأبى شرط الخيار بطبيعته واستدلوا على ذلك :
أولاً: ان عقد الزواج الدائم ليس من عقود المعاوضات حتى يبطل بفوات شيء من العوض بل هو اسمى من ذلك ولذا قيل: ان فيه شائبة العبادة .
ثانياً:الروايات الكثيرة من أهل البيت الدالة على أن كثيراً من الشروط الفاسدة لا توجب فساد العقد منها اشتراط عدم الطلاق وعدم الزواج على الزوجة وتقدمت الاشارة إلى ذلك .
ومنها أن الإمام الباقر أنا الإمام جعفر الصادق عليهماالسلام سئل عن رجل تزوج امرأة إلى أجل مسمى فان جاء بصداقها في الاجل فهي امرأته وان لم يأت بصداقها فليس له عليها سبيل؟ فقال: ان في يده بضع امرأته وحبط الشرط .
ومنها أن الإمام الصادق عليه السلام سئل عن امرأة تهب نفسها للرجل ينكحها بغير مهر؟ فقال: انما هذا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أما لغيره فلا .
مسائل :
1 ـ اذا وقع البيع بين اثنين واشترطا شرطاً مفسداً للعقد وقبض المشتري المثمن والبائع الثمن فعلى كل منهما ضمان ما في يده لأن ما يضمن بضحيحه يضمن بفساده .
2 ـ اذا اختلف المتعاقدان في أصل الشرط ووقوعه فقال أحدهما: جرى العقد مع الشرط وقال الآخر بل مجرداً عن كل شرط فالقول قول المنكر بيمينه سواء أكان الشرط المتخلف فيه من نوع الصحيح أو الفاسد لأن الاصل عدم الشرط .
3 ـ قال السيد كاظم اليزدي في حاشية المكاسب: ربما يتوهم أن الشرط الفاسد في العقود الاذنية كالوكالة والمضاربة والاعارة ونحوها يوجب فساد العقد حتى ولو لم يكن نقل ذلك في غيرها من العقود اللازمة ووجه التوهم ان الاذن منوط بالشرط الفاسد فاذا انتفى الشرط انتفى معه الاذن. وبديهة أن قوام هذه العقود بالاذن كما هو المفروض.
ودفع هذا لاتوهم بما يتلخص أنّه لا بد من النظر في الشرط فان رجع إلى المعقود عليه فسد العقد من غير ريب ومثاله أن يقول: وكلتك في أن تؤجر داري لبيع الخمر واعيرك انائي على أن تشرب فيه الخمر أمّا اذا لم يرجع إلى المعقود عليه كما لو قال: وكلتك في ايجار الدار على ان تشرب الخمر فسد الشرط دون العقد .