الأشربه المحرمة :
سبق في فقرة «الحرام عن غير الحيوان» في هذا الفصل خمسة أنواع من الأطعمة المحرمة، وخمسة من الأشربة، وتكلمنا عن كلّ نوع من الأطعمة في فقرة مستقلة، ونتكلم الآن عن الاشربة بأنواعها الخمسة في هذه الفقرة :
1 ـ الخمر، والمراد به كلّ مسكر، سواء أصدق عليه اسم الخمر، أو غيراسم الخمر، حتّى ولو كان الاسم غريباً عن اللغة العربية، قال الإمام الصادق عليهالسلام: لم يحرم اللّه الخمر لاسمها، ولكن حرمها لعاقبتها، فما كان عاقبته عاقبة الخمر فهو حرام.. وأيضاً قيل له.. لمَ حرم اللّه الخمر؟ فقال: حرم اللّه الخمر، لفعلها وفسادها، لأن مُدمن الخمر تورثه الارتعاش، وتذهب بنوره، وتهدم مروءته، وتحمله أن يجسر على ارتكاب المحارم، وسفك الدماء، وارتكاب الزنا، ولا يؤمن اذا سكر أن يثب على حرمه، وهو لا يعقل ذلك، ولا تزيد شاربها إلاّ كلّ شر.
وقد ثبت تحريم الخمر وانها من الكبائر، تماماً كالزنا والسرقة، ثبت ذلك بضرورة الدين، ومنكرها غير مسلم، وشاربها عن تهاون، مع العلم بتحريمها فاسق يحد بثمانين جلده رحلاً كان، أو امرأة .
وقال جاهل محتجاً لجهله، أو مستهتراً بدينه: ان القرآن لم يحرم الخمر.
ونجيب أولاً: لقد نهى الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم عن الخمر، ولا فرق بين نهي اللّه، ونهي نبيه بعد قوله تعالى :وَمَآآتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُواْ([1]) . و من أقوال الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم في الخمر أنّه لعن عشرة من أجلها: غارسها وحارسها وعاصرها وشاربها وساقيها وحاملها والمحمولة إليه وبائعها ومشتريها وآكلّ ثمنها .
ثانياً: أن اللّه سبحانه وصفها تارة بالاثم، وتارة بأنّها رجس من عمل الشيطان، ويكفي في تحريمها أنّها اثم، ومن عمل الشيطان، قال تعالى:يَسْألُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُل فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ([2]). وقال: إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْميسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالأَزلاَمُ رِجسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيطَانِ([3]). ([4]) وقال: إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيطَانُ أَن يوقِع بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالبَغْضَاءَ في الخَمْرِ وَالْمَيسِرِ([5]) .
ومن لا يزدجر بهذه النذر البوالغ فلا زاجر له، ولا رادع.. وسئل الإمام الرضا عليهالسلام عن تحريم الخمر في كتاب اللّه فقرأ قوله تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ([6]). ثمّ قرأ قوله سبحانه :يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ .
واذا عطفنا احدى الآيتين على الأخرى يكون المعنى ان الخمر اثم، وكل اثم حرام، فالخمر ـ اذن ـ حرام.. هذا، إلى أن أحاديث الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم هي بيان وتفسير لآي الذكر الحكيم: وأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ([7]) .
واجمعوا بشهادة صاحب الجواهر أن ما يسكر كثيره فقليله حرام، حتّى ولو لم يسكر. قال الإمام الصادق عليهالسلام: ما اسكر كثيره فقليله حرام.. وقيل له: ما تقول في قدح من السكر يغلب عليه الماء، حتّى تذهب عاديته ـ أي ضرره ـ ويذهب سكره؟ فقال الإمام: لا، واللّه، ولا قطرة تقطر منه في حب إلاّ أهريق ذلك الحب.. وقال: اذا شُرب خمر أو مسكر على مائدة حرمت المائدة.. وقال: لا تجالسوا شرّاب الخمر، فإن اللعنة اذا نزلت عمت من في المجلس.. ومن هنا أفتى الفقهاء بتحريم الأكلّ على مائدة يشرب الخمر عليها .
2 ـ الدم، قل، أو كثير، إذا كان من حيوان لا يؤكلّ لحمه سواء أكانت له نفس سائلة، كالأرنب، وابن آوى، أو لم تكن، كالضفدع والوزع، أما الدم من حيوان مأكول فيحرم بالاجماع اذا كانت له نفس سائلة، كالبقر والغنم إلاّ ما تخلف في الذبيحة. أما دم الحيوان المأكول الذي لا نفس سائلة له، كالسمك فقد اختلف الفقهاء في حكمه، فمن قائل بالتحريم، وآخر بالتحليل، وثالث بالتفصيل بين أكله مستقلاً فيحرم، ومع السمك فيحل، والأولى الترك اطلاقاً .
3 ـ كلّ مائع يتنجس بمماسته للنجاسة يحرم شربه.. أجل، لو جمد، كالدبس والسمن أيام الشتاء تُلقى النجاسة، وما لاقته، ويحل الباقي، قال الإمام الباقر أبو الإمام جعفر الصادق عليهماالسلام: إذا وقعت الفأرة في السمن فماتت، فان كان جامداً فألقها وما يليها، وكلّ ما بقي، وان كان ذائباً فلا تأكله .
وأجمعوا بشهادة صاحب الجواهر على أنّه يجوز بيع الادهان المتنجسة، ويحل ثمنها، على شريطة اعلام المشتري بذلك، فقد سئل الإمام صادق عليهالسلام عن سمن أو زيت أو عسل مات فيه جرذ، فقال: أما السمن والعسل فيؤخذ الجرذ وما حوله، وأما الزيت فيستصبح به.. أو يبيعه ويبينه لمن اشتراه، ليستصبح به.
قال صاحب الجواهر، وصاحب المسالك: يجب اعلام المشتري، حتّى ولو كان ممن يستحل المتنجس.. وهو حق، لتحريم الغش، واطلاق النص .
4 ـ الاعيان النجسة، ومثّل لها الفقهاء ببول ما لا يؤكلّ لحمه.. ونحن لا نشك في تحريم جميع الابوال من جميع الحيوانات المأكولة، وغير المأكولة، لاستخباثها بالفطرة.. وكنا في غنى عن هذه الاشارة لو لم يتعرض الفقهاء لها بالتفصيل والتطويل.
5 ـ اللبن يتبع الحيوان، فاذا حرم أكل لحمه حرم شرب لبنه، كالذئبة واللبوة والدبة، وإذا حل أكلّ لحمه على كراهة فلبنه كذلك، كلبن الخيل والحمير. قال صاحب الجواهر: بلا خلاف أجد فيه .
______________________________________
[1] الحشر: 7 .
[2] البقرة: 210 .
[3] المائدة: 91 .
[4] الميسر القمار، والانصاب والازلام، القداح، وهي سهام كانوا يجيلونها للقمار .
[5] المائدة: 94 .
[6] الاعراف: 32 .
[7] النحل: 44 .