اعتاد الفقهاء ان يذكروا في آخر البيع فصلاً بعنوان «ما يندرح في المبيع» تعرضوا فيه لدلالة لفظ الاشياء التي كانت ـ في الغالب ـ تباع وتشترى في زمانهم أكثر من غيرها من الثوابت كالدار والارض والبستان وما إليه وحددوا الضابط الذي يجب الرجوع إليه عند الشك في قصد المتعاقدين وما يندرج في لفظ المبيع وما يخرج منه.. وهذا البحث من البحوث الهامة لأنه يتعلق بتفسير العقد والارادة المشتركة بين المتعاقدين لذا آثرنا ان يكون العنوان «ضابط التعبير عن القصد» لا ما يندرج أو يدخل في المبيع كما فعل الفقهاء وأيضاً آثرنا ذكر هذا الفصل هنا لا في آخر البيع كما فعلوا لأنه انسب فيه الترتيب والتبويب.. هذا إلى أن وضعه في آخر البيع أوقع الكثير في الاشتباه وظنوا أن المسألة مجرد تفسير للفظ الأرض والبستان حتى كأن الفاظ العقد منفصل بعضها عن بعض لا اتصال بينها ولا تكامل .
ومهما يكن فان الفقهاء قالوا في علم الأصول: ان كل لفظ جاء في كلام الشارع يحمل على ما علم ارادته منه سواء أكان المعنى شرعياً أو عرفياً حقيقياً أو مجازياً وان لم يعلم ما اراد فيحمل اللفظ على الحقيقة الشرعية أن كانت وإلاّ فعلى ما هو المعروف في زمانه وان جهل فعلى المعنى المرتكز في اذهان أهل هذا الزمان فان لم يكن فعلى المعنى اللغوي فان تعدد ولم يترجح معنى على معنى كان اللفظ مجملاً وبالتالي تكون الواقعة في حكم ما لا نص عليه من الشارع .
وطبق بعض الفقهاء هذا الضابط على الفاظ المتعاقدين وقال: يحمل لفظهما على المعنى الشرعي ثم العرفي ثم اللغوي.. وهذا اشتباه بين الفاظ الشارع والفاظ غيره وبعيد عما نحن فيه كل البعد ولذا علق عليه صاحب الجواهر بقوله: «وهذا من غرائب الكلام لأن العقد يتبع القصد فان علم قصد المتعاقدين عمل به وإلاّ حمل اللفظ على ما يفهمه العرف العام حتى ولو خالف الحقيقة الشرعية.. نعم قد يقال بتقديم المعنى الشرعي على العرفي في دخول ثمرة النخل قبل التأبير ([1]) في ملك المشتري ولكن هذا غير محل البحث». لأن البحث فيما يندرج في المبيع من حيث هو بصرف النظر عما ورد من النص في واقعة خاصة لا يعتدي إلى غيرها .
وخير ما قرأته في هذه المسألة ما قاله صاحب مفتاح الكرامة في مجلد المتاجر ص 669 وهذا نصه :
«وتنقيح المسألة ان يقال: ان المدار انما هو على عرف الظاهر المتبايعين لأنّ البائع ما باع إلاّ ما هو مقصود له والمشتري كذلك وليس المقصود باطلاقهما اللفظ إلاّ ما استقر عليه عرفهما واستمر عليه اصطلاحهما.. فلو صرف ذلك إلى عرف الشارع أو العرف العام أو اللغة على تقدير أن شيئاً من ذلك مخالف لعرفهما لكان البيع باطلاً للجهل بالمبيع حال العقد نعم اذا عرفا اصطلاح الشارع مثلاً واوقعا العقد عليه كان هو المرجع لا لأنه متقدم على اصطلاح المتعاقدين بل لأنه مراد لهما تماماً كما لو اوقعا العقد على اصطلاح قوم آخرين وكذلك إذا أوقعاه على اصطلاح العرف اذا كان مخالفاً لعرف بلدهما وكذلك الحال في اللغة» .
«فالضابط الذي لا غبار عليه هو الرجوع إلى عرف المتبايعين ان علم وإلاّ فالى العرف العام وإلاّ فالى اللغة». ونذكر فيما يلي طرفاً من الفاظ المبيع التي تعرض لها الفقهاء كأمثلة على هذا الضابط .
___________________________________________
[1] حتى في التابير لا يتقدم المعنى الشرعي على العرفي كما اوضحناه في آخر هذا الفصل .
اذا كان في الارض بناء أو شجر أو زرع وباع الارض مالكها بحيث كان المعقود عليه لفظ الأرض المعلومة بين الطرفين ولم يذكرا شيئاً مما فيها فهل يدخل في المبيع البناء والشجر والزرع؟. وعلى افتراض عدم الدخول فهل للمشتري الخيار بين الفسخ أو الامضاء مجاناً؟.
قال الفقهاء: لا يدخل شيء من ذلك في لفظ الارض إلاّ مع القرينة الصريحة كما لو قال: بعتك هذه الارض بما فيها أو بما دار عليه حائطها ان كان لها حائط.. أجل تدخل فيها الصخور الثابتة والاحجار المخلوقة بطبيعتها .
ولا خيار للمشتري مع العلم ويثبت له الخيار بين الفسخ أو الامضاء مجاناً ان كان جاهلاً بوجود شيء من ذلك.. ويبقى الزرع للبائع إلى أوانه والشجرة حتى نهايتها أو قلعها ولا يستحق المشتري أجرة على ذلك لأن الابقاء من مقتضيات العقد وقال صاحب الجواهر: «وليس لصاحب الشجرة غرس غيرها مكانها اذا سقطت». واذا تجدد لها فهي لصاحب الشجرة لأنها نماء ملكه.. أجل لا يجب على مشتري الارض بقاؤها في ملكه بل يجوز له قلعها لأن العقد قتضى بقاء الشجرة الأم فقط .
يدخل في لفظ الدار البناء الاعلى والاسفل وما قام عليه من الارض مع العرصة والبئر والطريق والسلم والرفوف والابواب والمفاتيح وكل مثبت فيها .
يدخل في لفظ البستان الشجر والارض والجدار المحيط به والماء والطريق وكل ما يتصل بالبستان ولا يتم الانتفاع إلاّ به واختلف الفقهاء في البناء المعد للسكن الموجود في البستان فمن قائل بالدخول وآخر بالعدم.. والحق الرجوع فيه إلى العادة التي تختلف بحسب البلدان فان لم تكن فلا يدخل لأن البستان غير الدور والبيوت .
واذا كانت الثمرة موجودة على الشجر حين البيع فهي للبائع إلاّ مع الشرط وان تجددت بعد العقد فهي للمشتري اطلاقاً إلاّ في النخل حيث قال الفقهاء: من باع نخلاً قد ابره ([1]) فثمره للبائع وان لم يوجد حين البيع إلاّ مع الشرط وان باعه قبل التأبير فللمشتري لقول الإمام الصادق عليهالسلام: قضى رسول اللّه صلى الله عليه وآله و سلمان ثمرة النخل للذي أبرها إلاّ أن يشترط المبتاع .
ولو انتقل النخل بغير البيع كالهبة كانت الثمرة لمن انتقلت إليه العين حتى بعد التأبير اقتصاراً لما خالف الأصل على موضع النص. قال صاحب الجواهر: «لا أجد فيه خلافاً» .
والحق ان العادة وحدها هي المحكّمة في كل ذلك حتى في دخول الدار في البستان وحتى تأبير النخل المنصوص عيليه لأن النص هنا يحمل على أن العادة كانت قامة على ذلك في عهد الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله و سلم.. وليس هذا اجتهاداً منا في قبال النص بل هو اجتهاد في استخراج المعنى من النص تماماً كالاجتهاد في المراد من يد اللّه قوة اللّه سبحانه لا هذه اليد المادية المحسوسة .
___________________________________________
[1] تأبير النخل تلقيحه بما هو معروف عند أهله ولا يحمل النخل إلاّ بعد التلقيح .