سبق في فصل شروط العوضين أنّه لا بد من معرفة الثمن والمثمن وان الطريق إلى معرفتهما قد تكون المشاهدة الحالية وقد تكون المشاهدة السابقة وقد يكون الوصف .
وخيار الرؤية يتصل اتصالاً وثيقاً بهذا الشرط لأن محله الشيء الخارجي الذي يشتريه المتعاقد أو بيعه على الوصف دون الرؤية ولدى التسليم والتسلم ينظر ويقارن بين الوصف والموصوف فان حصل التطابق لزم البيع ولا خيار وان كان المعقود عليه دون الوصف ثبت الخيار للمشتري وان زاد على الوصف كان الخيار للبائع كمن باع ماله الغائب على ما وصف له أو باع ماله الحاضر بمال غائب وبهذا يتضح أن خيار الرؤية يشمل البائع والمشتري.
وتسأل: لماذا سمي هذا الخيار بخيار الرؤية مع العلم بأن الرؤية لم تحصل قبل التعاقد كما هو المفروض فكان الاليق أن يسمى خيار تخلف الوصف .
الجواب: لما كان المفروض أن رؤية المبيع بعد التعاقد على غير الوصف هي السبب لهذا الخيار سمي باسمها وجاءت التسمية في محلها .
وخيار الرؤية أكثر اتصالاً من سائر الخيارات بالتجارة بخاصته الواسعة منها حيث يضع التجار الكبار نماذج للاثواب المشدودة في رزماتها وللفاكهة في صناديقها والسكر والحبوب في أكياسها والسمن والزيت وسائر الدهون في ظروفها ثم يقع البيع والشراء قياساً على صفة النماذج المعروضة لأن فتح الجميع ومشاهدة أجزائها بكاملها صعب عسير وربما اضر بصاحب السلعة .
والبيع على هذا الوجه صحيح وللمشتري الفسخ اذا تخلف الوصف عن صفة المثال والانموذج .
يعتبر في هذا الخيار شرطان :
1 ـ أن يكون محل العقد عيناً موجودة في الخارج بالفعل بحيث يمكن رؤيتها والاشارة إليها حين العقد ولكنها غائبة عن محلها كأن يقول البائع للمشتري: بعتك داري الموجودة في بلد كذا والتي صفتها كذا فيكون المبيع هذا الدار بالذات أمّا الصفات فمن توابع المبيع وعوارضه وبتخلفها عنه يوجد سبب الخيار أمّا لو باعه كلياً موصوفاً في الذمة فلا يكون محلاً لهذا الخيار :
أولاً: لتعذر رؤيته والاشارة إليه .
ثانياً: للفرق بين وصف المبيع الموجود في الخارج وبين وصف المبيع الموجود في الذمة فان الوصف الاول من عوارض المبيع لا من مقوماته والوصف الثاني من مقوماته لا من عوراضه. وتظهر نتيجة الفرق بينهما حين الوفاء بالعقد حيث يص البيع مع الخيار في المبيع الموجود خارجاً ويلزم البائع ـ في المبيع بالذمة ـ بابدال العين بما يحقق الوفاء بالعقد .
2 ـ ان يذكر العين المبيعة بلفظ يدل بوضوح وصراحة على جنسها وصفاتها التي تختلف فيها الرغبات بحيث يقوم الوصف مقام الرؤية والمشاهدة وترتفع به الجهالة الموجبة للغرر واذا انتفى الوصف الرافع لهذه الجهالة بطل البيع من أساسه لمكان الغرر كما تقدم في فصل شروط العوضين .
ثم أن المعيار لتطابق الوصف مع المبيع الموجب لسقوط الخيار وعدم هذا التطابق الموجب لثبوت الخيار ان المعيار هو فهم العرف ولا ضابط سواه .
اذا شاهد المشتري عيناً في زمن سابق على العقد أو شاهد البائع العين التي يملكها ثم غاب عنها أمداً فباع المالك أو اشترى المشتري اعتماداً على الرؤية السابقة اذا كان كذلك يبطل البيع والشراء ان اقتضت العادة تغير المبيح في الامد المتخلل بين الرؤية والعقد ولا يصح إلاّ بذكر الصفات من جديد بحيث يكون من صغريات خيار الرؤية وان اقتضت العادة بقاء صح البيع والشراء فإن انكشف البقاء على ما كان وعدم التغير لزم العقد ولا خيار وإلاّ تخير البائع ان زادت الصفات في مالية المبيع وتخير المشتري ان نقصت قال صاحب الحدائق في المجلد الخامس فصل خيار الرؤية :
«لو اشترى برؤية قديمة تخير ايضاً ـ أي كما يتخير عند تخلف الوصف ـ لو ظهر بخلاف ما رآه وكذا من طرف البائع إلاّ أن هذا ليس من افراد هذا الخيار الذي هو محل البحث لأنه مقصور على ما لم ير حيث اشترط فيه الوصف عوضاً عن الرؤية ولا يشتطر وصف ما سبقت رؤيته وانما يباع ويشترى بالرؤية السابقة غاية الأمر أنّه اذا ظهر خلاف ذلك لطول المدة أو عروض عارض أو نحو ذلك تخير بائعاً كان أو مشترياً» .
ذهب المشهور بشهادة الشيخ الانصاري إلى أن الخيار ـ هنا ـ انما هو بين الرد والامساك مجاناً كما هو الشأن في خيار الغبن فلا يحتق للمشتري أن يمسك المبيع مع المطالبة بالارش ـ أي عوض الصفة الفائتة ـ بل امّا أن يرد وامّا أن يمسك بالثمن المسمى وليس للبائع ـ ان زادت الصفة ـ أن يبذل العين مع المطالبة بعوض الصفة الزائدة بل امّا أن يفسخ البيع وامّا أن يسلم المبيع بالثمن المسمى.. ورد الشيخ الانصاري على من قال بالتخيير بين الرد والامساك بالارش رد بقوله: «لا دليل على الارش» .
من الخطأ التدليل على هذا لاخيار بالغرر لأن الغرر ما دخل عقداً إلاّ نقضه من اساسه بيعاً كان أو غير بيع ومن هنا يصح أن نقول: الغرر مبطل للعقد والضرر موجب للخيار مع صحة العقد والادلة على هذا الخيار ثلاثة :
الأول: أن الالزام بالتعاقد مع تخلف الوصف ضرر ولا ضرر ولا ضرار في الاسلام.
وقد يلاحظ بأن الضرر يرتفع بأخذ الارش ولكن الارش لا دليل عليه كما قال الشيخ الانصاري فيتلافى بالفسخ وجواز الرد .
الثاني: أن الصفات التي ابتنى عليها العقد بمثابة الشرط الذي أخذ في ضمن العقد وما من شك أن تخلف الشرط موجب للخيار .
أمّا قول من قال بأن لا عبرة بالشرط اذا لم يذكر في متن العقد فجوابه ان الغاية الأولى من ذكر الشرط في متن العقد هو التعبير عن التراضي وارادة المتعاقدين وبديهة أن التعبير السابق الذي ابتنى عليه العقد تماماً كالتعبير في متن العقد عند أهل العرف دون ادنى تفاوت .
الثالث: أن الإمام الصادق عليهالسلامسئل عن رجل اشترى ضيعة كان يدخلها ويخرج منها ولما نقد المال وصار إلى الضيعة وقلّبها رجع واستقال صاحبه فلم يقله؟ قلا الإمام عليهالسلام: لو أنّه قلّب منها ونظر إلى 99 قطعة ثم بقي منها قطعة لكان له في ذلك
الخيار .
والرواية هذه وان كان موردها المشتري غير انّها على اليقين أن سبب الخيار هو تخلف الوصف عن الموصوف فيعم المشتري والبائع .
يثبت هذا الخيار على الفور عند المشهور أي أنّه مؤقت بزمن الرؤية فاذا انكشف للمتعاقد الخلاف عند الرؤية وتمكن من الفسخ ولم يفسخ بطل خياره تماماً كما هو الشأن في خيار الغبن والتأخير والدليل هو الدليل .
لا يختص هذا الخيار بالبيع بل يثبت في كل عقد يقبل الفسخ والتقايل على شريطة أن يقع على عين خارجية يمكن الاشارة إليها ولكنها غائبة وموصوفة بما يرفع الجهالة والالتباس كما تقدم فلا يثبت خيار الرؤية في الزواج لأنه لا يقبل الفسخ ولا في الصلح على ما في الذمة ويثبت في الاجارة والصلح على عين خارجية .
وخلاصة الدليل على ثبوت هذا الخيار فى غير البيع أن السبب الموجب له في البيع متحقق بذاته في غير البيع وأعني به تخلف الوصف الذي هو بمثابة الشرط في متن العقد .
اذا اشترى على الوصف عدداً معيناً من أكياس الحنطة والسكر أو صناديق الفاكهة وما إلى ذلك ولدى التسليم والتسلّم رأي بعضها على الوصف وبعضها على غيره اذا كان الأمر كذلك تخير بين امضاء البيع في الجميع وبين الفسخ في الجميع وليس له الاقتصار على الامضاء في المطالبق والفسخ في المخالف لأن الصفقة واحدة وتبعيضها ضرر على البائع .
يسقط هذا الخيار بأمور :
1 ـ اذا رأى المشتري العين التي اشتراها أو رأى البائع العين التي باعها كذلك ورضي بالتعاقد وامضائه مع تخلف الوصف عن الموصوف اذا كان كذلك سقط حقه في الخيار وليس له بعد الرضا العدول والفسخ .
2 ـ اذا تصرف بالعين تصرفاً دالاً على الرضا بحيث يعد التصرف امضاء فعلياً في نظر العرف يسقط الخيار دون فرق بين أن يكون التصرف بعد الرؤية أو قبلها كما لو باع الشمتري أو وقف العين التي اشتراها على الوصف قبل أن يرها .
3 ـ يسقط باسقاطه بعد العقد وقبل الرؤية لأن الخيار حق ثابت بالعقد ومن حينه لا بالرؤية ومن حينها ولكل ذي حق أن يسقط حقه أجل ان الرؤية كاشفة عن وجود الخيار وليست سبباً ولا شرطاً لثبوته وسبق البيان في خيار الغبن .
4 ـ هل يسقط هذا الخيار باشتراط سقوطه في متن العقد ؟
قيل: اذا اشترط ذلك فى متن العقد فسد الشرط وافسد العقد واختاره الشيخ الانصاري .
وقيل: بل يصح الشرط والعقد معاً وهو الحق لعموم: «المؤمنون عند شروطهم» اذ لا مانع من هذا الشرط لأن سبب الخيار هو العقد والعقد موجود فلا يكون اسقاطاً لما لم يجب بل لما وجب بوجوب سببه .
أمّا استدلال الشيخ الانصاري على الفساد والافساد بأن تخلف الوصف موجب لثبوت الخيار واشتراط سقوط الخيار معناه عدم ثبوت الخيار وهو عين التنافي والتناقض فيرده أولاً بأنّه لو تم لما صح الاسقاط اطلاقاً حتى بعد الرؤية.. ثانياً أن تخلف الوصف انما يوجب الخيار اذا تجرد العقد عن اشتراط سقوطه أمّا معه فلا يكون موجباً له فأين التنافي والتناقض؟.