المرأة الموظفة :
ذكر السيّد اليزدي في العروة الوثقى، والسيّد الحكيم في المستمسك أن المرأة إذا أجرت نفسها للخدمة مدّة معينة، ثمّ تزوجت قبل انقضاء المدّة لم تبطل الاجارة، حتّى ولو كانت الخدمة منافية لاستماع الزوجة وحقوقه الزوجية، ولا فرق في ذلك بين أن يكون الزوج عالماً بالايجار حين الزوج أو جاهلاً.. والسبب لذلك أنّه قد وجد حقان: حق الخدمة، وحق الزوج، فإن تمكنت الزوجة من القيام بهما معاً فذاك، وان تزاحم الحقان، بحيث لا يمكن الجمع بينهما قدم الحق الأسبق، وهو هنا الخدمة، لأنه إذا تزاحمت الحقوق الشرعية يكون الترجيح للسابق.. وعليه فليس للزوج أن يعترض أو يفسخ الاجارة، أو يعتبر الزوجة ناشزة.. أجل، إذا أجرت نفسها بعد التزويج ينظر: فإن كان الاجارة تزاحم حق الزوج فلا تصح إلاّ باذنه واجازته، وإذا كانت الاجارة على شيء لا يتنافى مع حق الزوج اطلاقاً، كما لو أجرت نفسها لقراءة القرآن، أو لحياكة ثوب بالسنارة أو الغزل باليد ـ مثلاً ـ تصح الاجارة، حتّى ولو لم يأذن الزوج .
هذا ما وجدته من أقوال الفقهاء فيما يعود إلى ايجار المرأة نفسها للخدمة، ولم ارَ أحداً من الفقهاء تعرض لتواظيفها في الوظائف الحكومية، والشركات التي انتشرت، وكثرت في هذا العصر.. ولم يتعرض الفقهاء لها، لأن توظيف المرأة لم يكن معروفاً في عهدهم.
والذي نراه أن من تزويج امرأة موظفة، وكان على علم بذلك حين الزواج فليس له أن يطالبها بترك الوظيفة، حتّى ولو كانت مزاحمة لحقه، واذا طالبها بذلك فلا تجب اجابته، ولا تسقط نفقتها عنه، لأنه أقدم مع العلم، وهذا الاقدام شرط ضمني أو في حكمه على أن تبقى في وظيفتها، بخاصة أن أكثر شباب اليوم يتزوجون الموظفات طمعاً في رواتبهن، فإذا حصل بينهما شيء من النزاع طلبها بترك الوظيفة بقصد النكاية والتنكيل .
وان تزوجها جاهلاً بأنّها موظفة ينظر: فإن كان قد اشترط في ضمن العقد أن تكون غير موظفة أمرها بترك الوظيفة، فإن امتنعت كان له الحق في فسخ الزواج، لتخلف الشرط. وان لم يشترط، وكانت الوظيفة مزاحمة لحقه، وأمرها بالترك فعليها الطاعة والامتثال، وان أبت فهي ناشز، تسقط نفقتها، وكفى. وليس له أن يفسخ، لأن للزواج أحكاماً وخصائص تخالف غيره من العقود، بخاصة فيما يعود إلى الفسخ والاقالة .
وتسأل: لماذا اعتبرت الموظفة ناشزاً إذا أمرها الزوج بترك الوظيفة، مع جهله بأنّها كانت موظفة حين العقد، ولم تعتبر المرأة التي أجرت نفسها قبل الزواج للخدمة ناشزاً اذا أمرها الزوج بترك الخدمة ؟
الجواب: ان المرأة التي أجرت نفسها للخدمة قبل الزواج ملزمة شرعاً بالتأدية واتمام الخدمة على وجهها بموجب عقد الايجار، ولا يجوز لها العدول إلاّ برضا المستأجر ـ بخلاف الموظفة، فانّها غير ملزمة بمتابعة الوظيفة.. بل يجوز لها أن تتركها شرعاً متى شاءت، فقياس الموظفة على من أجرت نفسها للخدمة قياس مع وجود الفارق .