[ فصل في شرائط لباس المصلي وهي أمور: (الاول): الطهارة في جميع لباسه، عدا ما لا تتم فيه الصلاة منفردا، بل وكذا في محموله على ما عرفت تفصيله في باب الطهارة (1). (الثاني): الاباحة، وهي أيضا شرط (1) في جميع لباسه من غير فرق بين الساتر وغيره. ] الفرد المردد بين معلوم البقاء ومعلوم الانتفاء. نعم قد يقال إن مقتضى إطلاق قول الكاظم (عليه السلام) في صحيح إبن جعفر (عليه السلام): " وإن لم يصب شيئا يستر به عورته.. " كون الطين ساترا صلاتيا. لانه مما يستر به العورة، فيكون موضوعا لاتمام الركوع والسجود، ولا مجال للرجوع إلى أصالة عدم ساتريته شرعا. أللهم إلا أن يدعى إنصرافه إلى مثل الحشيش، ولو بقرينة غلبة وجود الطين لمن غرق متاعه، لكنها غير ظاهرة، فدعوى ساترية الطين في حال الاضطرار غير بعيدة. لكن في ثبوت ذلك في الوحل والماء الكدر تأملا، لانصراف الصحيح عنهما جدا. والله سبحانه أعلم. فصل في شرائط لباس المصلي (1) وعرفت أيضا الاستدلال له. فراجع. (2) إجماعا في الجملة، كما عن الناصريات والغنية ونهاية الاحكام
===============
( 279 )
والتذكرة والذكرى وكشف الالتباس وغيرها. وأستدل له (تارة): بعدم الدليل على الصحة بدونها كما عن السيد (ره) (وأخرى): بأن التصرف في الثوب المغصوب قبيح، ولا تصح نية القربة فيما هو قبيح كما عن الخلاف (وثالثة): بأنه مأمور بإبانة المغصوب ورده إلى مالكه فإذا أفتقر إلى فعل كثير كان مضادا للصلاة، والامر بالشئ يقتضي النهي عن ضده، والنهي يقتضي الفساد كما حكاه في المدارك عنهم (ورابعة): برواية إسماعيل بن جابر الجعفي عن أبي عبد الله (عليه السلام): " لو أن الناس أخذوا ما أمرهم الله به فأنفقوه فيما نهاهم عنه ما قبله منهم، ولو أخذوا ما نهاهم الله تعالى عنه فأنفقوه فيما أمرهم الله تعالى به ما قبله منهم " (* 1) وبما عن تحف العقول المحكى عن بعض نسخ النهج عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصيته لكميل: " يا كميل أنظر فيم تصلي وعلى م تصلي، إن لم يكن من وجهه وحله فلا قبول " (* 2). (وخامسة): بأن النهي عن المغصوب نهي عن وجوه الانتفاع به، والحركات فيه إنتفاع فتكون محرمة منهيا عنها ومن الحركات القيام والقعود والركوع والسجود، وهي أجزاء الصلاة، فتكون منهيا عنها، فتفسد. كذا ذكر في المعتبر. وهذه الوجوه لا تخلو بظاهرها من الاشكال، إذ يكفي في الحكم بالصحة الظاهرية أصالة البراءة عن الشرطية. ونية القربة المعتبرة في الصلاة إنما هي في أفعال الصلاة لا في التصرف في الثوب. والتستر بالثوب وإن كان تصرفا فيه، إلا أنه ليس من أفعال الصلاة، بل من شرائطها، ولذا لاإشكال ظاهر في صحة الصلاة مع الغفلة عن التستر أصلا، والقصد شرط
===============
( 280 )
في صحة العبادة. وقد تحقق في محله أن الامر بالشئ لا يتقضي النهي عن ضده. مع أن النهي على تقديره غيري، وفي إقتضاء النهي الغيري للفساد إشكال معروف. مع أن الرد قد لا يجب، لتعذره (فتأمل). أو يجب ولا يكون ضدا منافيا للصلاة، لحضور المالك أو الواسطة في الايصال إليه مع أنه لا يختص هذا الحكم بالساتر ولا بالملبوس، بل كل مغصوب يمكن رده إلى مالكه لا تجوز الصلاة به مع الابتلاء به. والانفاق في رواية إسماعيل ظاهر في غير ما نحن فيه. مع أنها لا تدل على أكثر من كون الاباحة شرطا في القبول. وكذا رواية تحف العقول. مع أنها ضعيفة غير مجبورة بالعمل. ومجرد موافقة المشهور غير جابرة. وكون القيام والقعود والركوع والسجود من قبيل الحركات لا يخلو عن تأمل أو منع، فإن المفهوم منها عرفا أنها من قبيل الهيئة القائمة بالجسم، فتكون من مقولة الوضع، لا من قبيل الحركة لتكون من مقولة الفعل. نعم الحركة من قبيل المقدمة لوجودها، وحرمة المقدمة لا توجب النهي عن ذيها ولافساده، وما ذكرنا هو المطابق للمرتكز العقلائي، فإن التذلل والخضوع وإستشعار مشاعر العبودية إنما يكون بالهيئة الخاصة التي يكون عليها العبد في مقام عبادة مولاه، لا بالحركة المحصلة لها، كما لا يخفى. فإن قلت: الظاهر من أدلة وجوب الركوع والسجود ونحوهما كون الحدوث بخصوصه واجبا لا ما يعم الحدوث والبقاء، ومن المعلوم أن الحدوث لا يكون دفعيا بل تدريجي، فلو هوى من القيام إلى الركوع لا بقصد الصلاة لم يجزئ، وإذا كان الهوي صلاة جاء ما سبق من أمتناع كونه محرما مبعدا. قلت: لو سلم ذلك فإنما يقتضي كون أول مراتب الانحناء جزءا
===============
( 281 )
صلاتيا، وكذا ما هو أقوى منه من مراتب الانحناء إلى المرتبة الخاصة التي هي حد الركوع الواجب، ولا يقتضي كون الحركة المحصلة لجميع المراتب المذكورة صلاة ليجئ الاشكال، فالانحاء من أوله المتصل بالانتصاب إلى آخره المنتهي إلى حد الركوع أجزاء صلاتية، إلا أنه ليس عين الحركة المحصلة له في الخارج بل غيرها، فلا مانع من التعبد به، والتقرب بفعله مع العصيان بالحركة والبعد بها. ثم إنه لو تنزلنا عن ذلك وقلنا: إن الواجب الصلاتي نفس الحركة من أول الانحاء عن القيام إلى أن ينتهي إلى حد الركوع، وهكذا في غير الركوع، فلا وجه للالتزام بأن المقام من صغريات مسألة الاجتماع، ضرورة أن الحركة الصلاتية الواجبة قائمة بالبدن، والحركة الغصبية المحرمة قائمة بالمغصوب، فتكون إحداهما غير الاخرى في الخارج، ضرورة أن تباين المغصوب وبدن المكلف يستلزم تباين الحركة القائمة بأحدهما والحركة القائمة بالآخر، فيمتنع أن تكون الحركة الصلاتية عين التصرف في المغصوب في الخارج كي يكون المقام من صغريات مسألة الاجتماع. نعم حركة البدن الصلاتية علة لحركة المغصوب والتصرف فيه، نظير حركة اليد التي هي علة لحركة المفتاح. فإذا قلنا بأن علة الحرام حرام، تكون الحركة الصلاتية محرمة بالتحريم الغيري. لكن في كون مخالفة التكليف الغيري موجبة للبعد والعقاب إشكال، بل هو الذي منعه جماعة من المحققين، وإن كان التحقيق أنه يوجب العقاب، لانه تمرد على المولى، نظير التجرؤ الذي ذكرنا أنه يوجب العقاب أيضا، بل لعله أولى منه. وعليه: فهذا هو العمدة في البناء على بطلان الصلاة في المغصوب. لكن عرفت أنه لا ينتهي النوبة إليه، إذ لا ملزم به. وكأنه لذلك
===============
( 282 )
قال في المعتبر: " والاقرب إن كان ستر به العورة أو سجد عليه أو قام فوقه كانت الصلاة باطلة، لان جزء الصلاة يكون منهيا عنه وتبطل الصلاة بفواته. أما إذا لم يكن كذلك لم تبطل وكان كلبس خاتم مغصوب ". وفي المدارك: أنه المعتمد. وعن الذكرى وجامع المقاصد وإرشاد الجعفرية والمقاصد العلية والروض وكشف اللثام: أنه قوي. وظاهر عبارة المحقق بناؤه على الجزئية في الموارد الثلاثة المذكورة. ولاجل ذلك تفسد الصلاة إذا كانت محرمة. وهو في الثاني في محله، وفي الاول والاخير لا يخلو من إشكال، فإن مجرد وجوب التستر في الصلاة في الجملة لا يقتضي جزئيته، بل ظاهر بعض المفروغية عن عدم إعتبار النية فيه، ومقتضاه عدم جزئيته كما سبق، وإذا كان التستر شرطا لم يكن تحريمه مانعا من التقرب بالصلاة كسائر شرائط العبادة، إذ التعبد اللازم فيها إنما يكون في أجزائها الداخلة فيها لا الشرائط الخارجة عنها. بل لو شك في كونه جزءا يجب التقرب به أو شرطا لا يجب التقرب به، فالاصل البراءة من وجوب التقرب، بناء على ما هو التحقيق من أصالة التوصل في الواجبات الشرعية. وكذا الكلام في الاخير، فإن الظاهر أن وجوب القيام على شئ وإن كان مما لا إشكال فيه، إلا أن في أعتبار هذه الخصوصية على وجه الجزئية منعا ظاهرا. ثم إنه قد يدعى فساد الصلاة في الساتر المغصوب من جهة إنصراف أدلة وجوب الساتر إلى المباح. أو عدم أطلاقها الموجب للرجوع إلى أصالة الاحتياط. أو لان فعلية الحرمة تمنع من الامر بالصلاة المقيدة به، فلا أمر بالصلاة المقيدة بالمغصوب، بل الامر يختص بالصلاة بالفرد المقيد بالمباح.
===============
( 283 )
[ وكذا في محموله (1)، فلو صلى في المغصوب ولو كان خيطا منه (2) عالما بالحرمة عامدا بطلت وإن كان جاهلا بكونه مفسدا (3)، بل الاحوط البطلان مع الجهل بالحرمة أيضا، وإن كان الحكم بالصحة لا يخلو عن قوة (4). ] وفيه: أن دعوى الانصراف ممنوعة كدعوى الاجمال، ولو سلمت فأصالة البراءة من أشتراط الساتر بالاباحة جارية كسائر موارد الشك في الشرطية. وإنتفاء الامر الفعلي بالمقيد بالمغصوب لا يقدح في إمكان التقرب لجواز التقرب بالملاك، فيسقط الامر بالمقيد بالمباح قهرا، لحصول الغرض. فالبناء على عدم الفرق بين الساتر وغيره في الحكم بالصحة في محله، لولا ظهور الاجماع على البطلان، فيه، وإن كان في الاعتماد على مثل هذا الاجماع تأمل للعلم بالمستند الذي قد عرفت حاله. (1) قد ألحق جماعة من المتأخرين أولهم العلامة كما يظهر من الجواهر المحمول بالملبوس في البطلان، وأستدلوا له بما تقدم في الملبوس مما عرفت إشكاله. (2) كما نص عليه بعض لاطلاق دليل حرمة التصرف في المغصوب. (3) لان الجهل بالمفسدية لا يرفع المبعدية الحاصلة من العلم بالغصب والحرمة. (4) كما هو ظاهر جامع المقاصد وإرشاد الجعفرية والروض والمقاصد العلية ومجمع البرهان والمدارك على ما حكي، لامتناع تكليف الغافل. وفي القواعد، وعن المنتهى والتحرير: البطلان مع جهل الحكم، لان التكليف لا يتوقف على العلم، وإلا لزم الدور المحال. ومقتضى إطلاقهم الصحة والبطلان عدم الفرق بين القاصر المقصر. والتحقيق: أن الالتفات والغفلة والعلم والجهل مما لا دخل لها في
===============
( 284 )
[ وأما مع النسيان أو الجهل بالغصبية فصحيحة (1). ] التكليف، لتأخرها عنه رتبة، بل التكليف مشترك بين الملتفت والغافل والعالم والجاهل، فإنه يغفل عنه مرة ويلتفت إليه أخرى، ويعلم به تارة ويجهل أخرى. وإنما العناوين المذكورة دخلية في تنجز التكليف وعدمه، وإستحقاق العقاب على مخالفته وعدمه، ولكن لما كان الوجه في بطلان العبادة المحرمة هو المبعدية المنافية للمقربية أختص الحكم بصحة صلاة الجاهل بالقاصر، لعدم مبعدية فعله، والحكم بالبطلان بالمقصر، لمبعدية فعله، ولا وجه للاطلاق صحة وفسادا. ودعوى أن عقاب الجاهل إنما هو على ترك التعلم لا على نفس الفعل، إذ ليس فعله مبعدا. قد تحقق في محله بطلانها وإن كان هو مذهب بعض من نسب إليه القول بالصحة مطلقا. ومثلها دعوى عدم أعتبار صلاحية الفعل للمقربية في صحة العبادة، وأن المعتبر صدوره عن داعي القربة، وهو حاصل في الجاهل ولو كان مقصرا، إذ هي مخالفة لبناء العقلاء في العبادية، وأنه لا بد أن تكون العبادة واقعة على وجه غير مبعد. فلاحظ. (1) أما ناسي الغصب. فمقتضى حكم العقل إلحاقه بجاهل الحكم، فتصح صلاته مع القصور وتفسد مع التقصير. لكن مقتضى إطلاق حديث الرفع (* 1) الصحة مطلقا. وتقييد الحديث بالقاصر بالنسبة إلى الجهل لقيام الادلة القطعية على عدم معذورية الجاهل المقصر، لا يقتضي تقييده بالنسبة إلى الناسي، لانه قياس محرم. فالبناء على الصحة مطلقا ولو كان مقصرا عملا بالحديث الشريف في محله، خلافا لاطلاق جماعة كالعلامة في جملة من كتبه، وولده
===============
( 285 )
والشهيد الثاني في الروض، وغيرهم على ما حكي عنهم من الحكم بالبطلان مطلقا، لان هذا الستر كالعرى، وكالتستر بالظلمة وباليد. ولانه مفرط بالنسيان، لانه قادر على التكرار الموجب للتذكار. ولانه لما علم كان حكمه المنع والاصل بقاؤه، ولم يعلم زواله بالنسيان. وفيه: المنع من الاول، لانه خلاف إطلاق الدليل، ومجرد الحرمة الواقعية لا يقتضي تقييده. والتفريط بالنسيان مع أنه ممنوع في بعض الاحوال لا يقدح في حصول العذر به بعد دلالة حديث الرفع عليه، كما في جهل الموضوع. والاستصحاب لا مجال له، للعذر بملاحظة حكم العقل، وحديث الرفع، وإن علم بعدم العذر حال العلم قبل النسيان. مع أن أستصحاب حكم العقل قد تحقق في محله بطلانه. وعن الدروس وظاهر الذكرى وغيرهما: الاعادة في الوقت، لعدم الاتيان بالمأمور به على وجهه، لا في خارجه، لان القضاء محتاج إلى أمر جديد، وهو غير ثابت. وفيه: أنه لا نقص في المأتي به لا في موضوع الامر، لعدم أعتبار الاباحة شرطا في الصلاة، ولا في نية القربة، لحصول التقرب به بلا مانع، وعلى تقديره يكفي في وجوب القضاء إطلاق ما دل على وجوب قضاء الفائت. ومما ذكرنا تعرف ما في كلمات الجماعة من الاضطراب، ولا سيما ما يظهر منهم من أن المقصود من تطبيق حديث الرفع رفع شرطية الاباحة فإن المقصود منه رفع الحرمة، ليصح وقوع الفعل عبادة، ولو كان المقصود ما ذكروه لكان التمسك بحديث: " لا تعاد الصلاة " (* 1) متعينا فراجع وتأمل.
===============
( 286 )
[ والظاهر عدم الفرق بين كون المصلي الناسي هو الغاصب أو غيره (1)، لكن الاحوط الاعادة بالنسبة إلى الغاصب (2) خصوصا إذا كان بحيث لا يبالي على فرض تذكره أيضا (3). (مسألة 1): لا فرق في الغصب بين أن يكون من جهة كون عينه للغير أو كون منفعته له (4)، بل وكذا لو تعلق به حق الغير (5) بأن يكون مرهونا. ] ومما ذكرنا تعرف حكم نسيان الحرمة فإنه يجري ما سبق بعينه فيه. وأما الجاهل بالغصب: فالظاهر أنه لا إشكال في صحة صلاته مطلقا. (1) لاشتراك المناط المصحح في القسمين معا. (2) خروجا عن شبهة الخلاف المتقدم، فإن مورده خصوص الغاصب على ما يظهر من الجواهر، وإن كان ما ذكر من وجه البطلان مشتركا بينه وبين غيره كما لا يخفى. (3) إذ يشكل الحال في كونه معذورا بالمخالفة، لعدم جريان حديث الرفع في حقه، لاختصاصه بما إذا كانت المخالفة ناشئة من النسيان، والمفروض خلافه، وأنه مقدم عليها على كل حال. وكذا الحال في حكم العقل بل حكمه بعدم معذورية المقصر كما هو الغالب قطعي. (4) لاطلاق دليل حرمة التصرف في مال الغير، وكون المناط الحرمة الموجودة في الجميع. (5) يعني: إذا كان ذلك الحق يستتبع حرمة التصرف ولو كان بالمقدار الذي يحصل بالصلاة فيه، مثل حق الرهانة، لا ما لا يقتضي الحرمة لعدم منافاة التصرف للحق، كما لو شرط عليه أن يبيعه الثوب يوم الجمعة، فإن الشرط أستتبع حقا للشارط في الثوب، فملك عليه أن الثوب يوم الجمعة، فإن الشرط أستتبع حقا للشارط في الثوب، فملك عليه أن يبيعه، لكن
===============
( 287 )
[ (مسألة 2): إذا صبغ ثوب بصبغ مغصوب، فالظاهر أنه لا يجري عليه حكم المغصوب (1)، لان الصبغ يعد تالفا، فلا يكون اللون لمالكه، لكن لا يخلو عن إشكال أيضا. ] الصلاة فيه يوم الخميس لما لم تكن منافية للحق المذكور لم تكن محرمة، بل لعل الصلاة فيه يوم الجمعة كذلك، لعدم كونها تصرفا في الحق، وإن كان ترك البيع حينئذ حراما. فلا بد من التأمل في مقتضى الحق، وأن التصرف في الثوب بالصلاة فيه تصرف في الحق الثابت فيه أم لا؟ (1) من الظاهر وضوح كون المرتكز العرفي العقلائي أن تولد شئ من شئ يوجب إلحاقه به في الاضافة إلى مالكه، فثمرة الشجرة لمالكها وولد الحيوان لمالكه، والحصيد لمالك البذر، ولا فرق في ذلك بين العين والاثر، عينا خارجيا كان مثل اللون كالبياض والسواد أو واقعيا خارجيا مثل طحن الحنطة، وغزل الصوف، ونسج الغزل، وصياغة النقرة، ونحو ذلك. ومقتضى ذلك أن يكون اللون الحاصل في الثوب ملكا لمالك الصبغ، والهيئة الحاصلة للحنطة بالطحن، وللصوف بالغزل، وللثوب بالنسج، وللنقرة بالصياغة، ملكا للطاحن والغازل والناسج والصائغ. لكن يمنع من العمل بالارتكاز المذكور ظهور الاتفاق على عدم الاستحقاق مع عدم زيادة قيمة العين، كما يظهر من ملاحظة كلماتهم في كتابي الغصب والفلس، فقد ذكروا: أن الغاصب إذا أحدث في العين صفة محضة كانت كالصياغة أو عينية كاللون فليس له مطالبة المالك بشئ. وكذا المفلس إذا إشترى عينا فأحدث فيها صفة محضة أو عينية ثم فلس، جاز للبائع أخذها، وليس للغرماء فيها شئ. بل عدم الاستحقاق بمجرد إحداث صفة لا تزيد مالية العين ينبغي أن يعد من
===============
( 288 )
الضروريات، وليس فرض عدم زيادة المالية خارجا عن محل الكلام. لان صحة الاضافة لا تتوقف على المالية، فإن حبة الحنطة مملوكة لمالك البذر وإن لم تكن ذات مالية، فالاتفاق على عدم صحة الاضافة عند عدم زيادة مالية المحل بالصفة مانع عن العمل بالارتكاز المذكور. بل الذي يظهر من الجواهر الانفاق على عدم أستحقاق الغاصب شيئا وإن زادت المالية، من دون فرق بين الصفة المحضة كالصياغة والعينية كاللون ويختص أستحقاقه بصورة كون الزيادة عينا محضة، كالزرع والشجر والصبغ الذي يكون عينا لا مجرد تمويه ونحو ذلك. بل قيل بعدم أستحقاق المفلس في مثل الصفة المحضة مثل النسج والغزل وإن زادت المالية. وقد أختاره في الجواهر حاكيا له عن العلامة في القواعد خلافا لما في الشرائع والتذكرة من الاستحقاق، معللا له في الثاني بأنها زيادة حصلت بفعل متقوم محترم، فوجب أن لا يضيع عليه. ولعل هذا الخلاف جار في اللون أيضا، وإطلاقهم أستحقاق المفلس للزيادة في الصبغ الموجب لزيادة المالية لا يبعد أن يكون المراد من الصبغ فيه الصبغ الذي هو من قبيل العين لا مثل اللون. فلاحظ كلماتهم. مع أنه لو بني على ملك هذه الصفات لاشكل التخلص عنه إلا بالمصالحة عليه، إذ البناء على الشركة في العين غير ظاهر الوجه. إذ لا دليل على مثل هذه الشركة. ومثلها الشركة في القيمة، لان القيمة مجعولة في مقابل العين لا في مقابل الذات والصفة معا كما في بيع الصفقة. وأشكل منه الشركة في المالية، إذ مالية الشئ من الاعتبارات القائمة بالعين المنتزعة من حدوث الرغبة الموجبة لبذل المال بإزاء العين، فليست مملوكة لمالك العين فضلا عن صلاحيتها لوقوع الاشتراك فيها، والاشتراك إنما يكون في
===============
( 289 )
[ نعم لو كان الصبغ أيضا مباحا لكن أجبر شخصا على عمله ] المال لا في المالية. مع أن تعليل الاستحقاق الذي ذكره في التذكرة إنما يقتضي ضمان العمل لاإستحقاق ما يتولد منه، كما يشير إليه أيضا بناؤهم على الفرق بين الغاصب والمفلس، لبنائهم على أحترام عمل الثاني دون الاول فلو بني على أستحقاق العامل شيئا فالبناء على كون المضمون هو العمل أولى من البناء على أستحقاق نفس الصفة. مع أن في البناء على إستحقاق العامل لقاعدة الاحترام إشكالا، لظهور أدلة إحترامه في حرمة إغتصابه، لا وجوب تدارك ماليته في ظرف تلفه. ولو سلم فقد تختلف قيمة العمل مع المقدار الزائد من المالية الذي ذكر أنه راجع إلى العامل، فإذا كان أقل لم تقتضي القاعدة ضمان الزائد، وإذا كان أكثر كان مقتضاها ضمان الزيادة. فتأمل. ولازم ما ذكرنا أنه لو أجبر غاصب العين صائغا على صياغتها جاز للمالك التصرف فيها، لان عمل الصائغ متدارك بضمان الغاصب. كما أن الغاصب لو صبغ العين بصبغ مغصوب جاز للمالك التصرف فيها، لضمان الغاصب لقيمة الصبغ، ولو صبغ الثوب مالكه بصبغ مغصوب جاز أيضا له التصرف فيه لضمانه للصبغ التالف بالصباغة. وبالجملة: قاعدة إحترام مال المسلم وعمله لو إقتضت الضمان في المقام فإنما تقتضي ضمانهما لا غير، كان هناك ضامن لهما غير المالك كما إذا أغتصب غاصب الثوب صبغا فصبغه به أو أجبر شخصا على خياطته فليس على المالك ضمان أصلا، وجاز له التصرف فيه أو كان الضمان على المالك، كما لو أجبر المالك شخصا على خياطة ثوبه أو غصب صبغا فصبغ به ثوبه كان هو ضامنا لقيمة الخياطة والصبغ، ولا مانع من تصرفه في الثوب أيضا وكذا الحال في الجبر على مثل الصياغة.
===============
( 290 )
[ ولم يعطي أجرته لا إشكال فيه. بل وكذا لو أجبر على خياطة ثوب أو أستأجر ولم يعط أجرته إذا كان الخيط له أيضا، وأما إذا كان للغير فمشكل، وإن كان يمكن أن يقال. أنه يعد تالفا فيستحق مالكه قيمته (1)، خصوصا إذا لم يمكن رده بفتقه. لكن الاحوط ترك الصلاة فيه قبل إرضاء مالك الخيط، خصوصا إذا أمكن. ] (1) يعني: وإن أستحق القيمة كان الخيط ملكا للضامن، كما إستجوده في الجواهر في هذه المسألة من كتاب الغصب، وحكاه عن مجمع البرهان معللا له بأتقضاء ملك المالك القيمة خروج المغصوب عن ملكه، لكونها عوضا شرعيا عنه، وحكي ذلك عن ظاهر الدروس فيما لو غصب ساجة فأدخلها في بنائه أو لوحا فأثبته في سفينة بنحو لا ينتفع بأخراجهما، وكذا عن صريح المبسوط، بل عن المسالك نسبته إلى ظاهرهم وأن العين تنزل منزلة المعدومة. لكن عن المسالك: " ولو قيل بوجوب إعطائها كان حسنا وإن جمع بين القيمة والعين ". قال في الجواهر: " لكنه مناف لقاعدة: " لا ضرر ولا ضرار "، ومناف أيضا لملك القيمة التي هي عوض شرعي يقتضي ملك معوضه للدافع، أللهم إلا أن يقال: أنها عوض ماليته وإن بقي مملوكا، لكنه كما ترى ". وقال في مسألة الخيط المغصوب: " وقد تقدم سابقا في وطئ حيوان الغير الموجب لدفع القيمة ما يؤكد ذلك في الجملة، بل قد تقدم أيضا أن من كان في يده المغصوب لو رجع المالك عليه وغرمه كان له الرجوع على من أستقر التلف في يده على وجه يملك ما كان في ذمته للمالك عوض ما أداه، بل ستسمع ملك الغاصب المغصوب إذا أدى قيمته للحيلولة وإن
===============
( 291 )
كان متزلزلا، بل كأن ذلك مفروغ عنه عند التأمل في كلماتهم في مقامات متعددة ظاهرة أو صريحة في أن المؤدى عن المضمون عوض شرعي عنه على وجه يقتضي الملك للطرفين من غير فرق بين الموجود من العين مما لا قيمة له وبينها إذا كانت كذلك لو إنتزعت، كما في الفرض الذي يتعذر فيه الرد لنفس العين المغصوبة، بل لعل قول المصنف (ره) وغيره: " وكذا لو خاط بها جرح حيوان له حرمة لم تنتزع إلا مع الامن عليه تلفا وشينا إلا ضمنها " مؤيد لذلك، ضرورة إقتضائه جواز التصرف للآدمي بما خيط به جرحه، وليس ذلك إلا للخروج عن ملكه بضمان القيمة له بتعذر الرد لاحترام الحيوان ". وحكي في المقام عن جامع المقاصد والمسالك عدم الخروج عن ملك المالك بضمان القيمة. وربما ينافيه ما ذكراه في مسألة ضمان الحيلولة. قال أولهما: " إعلم أن هنا إشكالا فإنه كيف تجب القيمة ويملكها بالاخذ ويبقى العبد على ملكه؟ وجعلها في مقابل الحيلولة لا يكاد يتضح معناه ". وقال ثانيهما بعد أن ذكر بقاء العين المغصوبة على ملك المالك وأن ملك القيمة للحيلولة -: " ولا يخلو من إشكال من حيث إجتماع العوض والمعوض على ملك المالك من غير دليل واضح ". بل ربما ينافي ما تقدم من الجواهر في مسألتي وضع الساجة المغصوبة في البناء والخيط المغصوب ما ذكره في مسألة ضمان الحيلولة حيث قال بعد حكاية الاشكال المتقدم عن جامع المقاصد والمسالك -: " لكنه مخالف لما عرفته من الاتفاق المؤيد بمعلومية عدم إعتبار توقف ملكية المالك القيمة على الغاصب على خروج المغصوب عن قابلية التملك.. إلى أن قال: فالقيمة المدفوعة حينئذ مملوكة والعين باقية على الملك، للاصل، ولانها مغصوبة وكل مغصوب مردود، وأخذ
===============
( 292 )
القيمة غرامة للدليل الشرعي لا ينافي ذلك.. إلى أن قال في الاستدلال على ذلك: مضافا إلى أصالة بقائه على ملكه، وإلى ما عرفته من الاتفاق عليه، ولذا لم يذكروا خلافا بل ولا إشكال في ملك نمائه المنفصل له. ودعوى أنه من الجمع بين العوض والمعوض عنه الممنوع عنه شرعا واضحة الفساد ". وكيف كان فمقتضى الاصل بقاء الخيط على ملك مالكه، والقاطع لهذا الاصل إن كان أدلة نفي الضرر ففيه: أنها لا تقتضي الخروج عن الملك أو جواز التصرف فيه بغير إذن المالك. وإن كان أدلة الضمان بالقيمة من جهة ظهورها في أنها عوض عن العين شرعا ففيه: أن الملحوظ في الضمان عوضية القيمة عن العين من حيث المالية، فهي جبر للخسارة المالية الواردة على المالك، لا عوض عن العين في إضافة الملكية ليقتضي خروج العين عن ملك المالك، ولا معاوضة من الطرفين فيها ليقتضي دخول كل من الطرفين في ملك مالك الآخر، إذ العين قد تخرج عن صلاحية التملك بالتلف والاستهلالك. وإن كان الاجماع ففيه: أنه لا مجال لدعواه مع مخالفة الاساطين. لكن الانصاف أن دعوى كون المرتكز العرفي في باب الضمان ذلك قريبة جدا. وما ذكر في كلام الجماعة ومنهم شيخنا الاعظم من أن وجوب البدل من باب الغرامة يقصد به تدارك التالف لا ينافي ذلك، لان تدارك التالف كما يكون بنحو المعاوضة يكون بنحو العوضية، ولا يتعين أن يكون على النحو الثاني. فإن قلت: العين التالفة لا تقبل الملك ولا غيره من العناوين التي يقصد قيام البدل مقامها فيه، فكيف يمكن أعتبار البدلية فيها؟ وكيف
===============
( 293 )
[ رده بالفتق صحيحا. بل لا يترك في هذه الصورة (1). (مسألة 3): إذا غسل الثوب الوسخ أو النجس بماء مغصوب فلا إشكال في جواز الصلاة فيه بعد الجفاف، غاية الامر أن ذمته تشتغل بعوض الماء. وأما مع رطوبته فالظاهر أنه كذلك (2) أيضا، وإن كان الاولى تركها حتى يجف. (مسألة 4): إذا أذن المالك للغاصب أو لغيره في الصلاة فيه مع بقاء الغصبية صحت (3)، خصوصا بالنسبة إلى غير الغاصب (4). وإن أطلق الاذن ففي جوازه بالنسبة ] تمكن دعوى كون ذلك مقتضى الارتكاز العرفي؟ قلت: المدعى هو المعاوضة من الطرفين عن نحو الاقتضاء لا على نحو الفعليه، نظير شراء من ينعتق على المشتري، فإنه لا يستوجب معاوضة فعلية من الطرفين. مع أن البيع من أظهر المعاوضات كما ذكرنا ذلك في حاشيتنا على مكاسب شيخنا الاعظم (ره) في مبحث بدل الحيلوله. فراجع (1) بل الظاهر أنه لا خلاف بيننا في وجوب الرد حينئذ. وإن تعسر ولا يلزم المالك بالقيمة. نعم عن أبي حنيفة والشيباني القول بملك الغاصب للعين فلا يجب عليه ردها، ولكن يلزمه قيمتها، وفي الجواهر: " لا ريب في مخالفة ذلك قواعد الاسلام ". (2) إذا كانت الرطوبة معدودة عرفا من قبيل العين فالكلام فيها هو الكلام في الخيط، وإن كانت من قبيل العرض واللون فالكلام فيها هو الكلام في الصبغ. فتأمل جيدا. (3) بلا إشكال، لارتفاع الحرمة الموجبة للبعد. (4) هذه الخصوصية غير ظاهرة.
===============
( 294 )
[ إلى الغاصب إشكال، لانصراف الاذن إلى غيره (1). نعم مع الظهور في العموم لاإشكال. (مسألة 5): المحمول المغصوب إذا تحرك بحركات (2) الصلاة يوجب البطلان وإن كان شيئا يسيرا. (مسألة 6): إذا إضطر إلى لبس المغصوب لحفظ نفسه أو لحفظ المغصوب عن التلف صحت صلاته فيه (3). (مسألة 7): إذا جهل أو نسي الغصبية وعلم أو تذكر في أثناء الصلاة، فإن أمكن نزعه فورا (4) وكان له ] (1) في دعوى الانصراف كلية منع، بل يختلف الحال بإختلاف المقامات من حيث إقترانها بما يوجب صرف الاذن إلى غير الغاصب، بل قد يكون فيها ما يوجب إنصراف الاذن عن خصمه أو عدوه أو غيرهما. (2) لا يبعد عدم الفرق بين السكون والحركة، فإذا حمله في حال القيام وألقاه قبل الركوع بطلت صلاته أيضا، لان كونه في النقطة الخاصة من الفضاء في حال القيام مستندا أيضا إلى قيام المصلي، فيكون منهيا عنه ولا يصح قياسه بما لو وضعه في الصندوق، فإن الكون في الصندوق في الآن الثاني مستند إلى إستعداد ذات المغصوب لا إلى المكلف، فلا يكون متصرفا إلا بالوضع والاخذ لا غير، وليس كذلك في المقام. (3) لارتفاع الحرمة. (4) بناء على أن القادح خصوص حركة المغصوب بحركة المصلي لا يعتبر نزعه فورا في صحة الصلاة، فلو بقي عليه ولم يتحرك بحركته كما لو إلتفت إليه في حال القيام ثم نزعه قبل أن يهوي إلى الركوع لم يكن
===============
( 295 )
[ ساتر غيره صحت الصلاة، وإلا ففى سعة الوقت ولو بإدراك ركعة يقطع الصلاة (1)، وإلا فيشتغل بها في حال النزع. (مسألة 8): إذا أستقرض ثوبا وكان من نيته عدم أداء عوضه أو كان من نيته الاداء من الحرام، فعن بعض العلماء: أنه يكون من المغصوب (2)، بل عن بعضهم: أنه لو لم ينو الاداء أصلا لا من الحلال ولا من الحرام أيضا كذلك. ولا يبعد ما ذكراه. ولا يختص بالقرض ولا بالثوب بل لو أشترى أو إستأجر أو نحو ذلك وكان من نيته عدم أداء العوض أيضا كذلك. ] وجه لبطلان صلاته، لانه يكون كالمحمول الذي لا يتحرك بحركة المصلي. (1) لبطلان الصلاة بإمتناع إتمامها صحيحة. (2) كأنه لما في خبر أبي خديجة عن أبي عبد الله (عليه السلام): " أيما رجل أتى رجلا فأستقرض منه مالا وفي نيته أن لا يؤديه فذلك اللص العادي " (* 1) وفي مرسل إبن فضال عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " من أستدان دينا فلم ينو قضاءه كان بمنزلة السارق " (* 2)، وظاهرهما بطلان القرض. قال في الجواهر في المسألة الثالثة من أحكام القرض " قد يستفاد من نصوص السرقة أن عدم نية القضاء حال القرض مفسدة لعقده فيرحم على المقترض التصرف بالمال حينئذ.. (إلى أن قال): لكن لم أجده محررا في كلامهم، بل ربما كان ما ينافيه، كعدم ذكرهم له في الشرائط، وجعلهم وجوب العزم هنا كالواجب الموسع، وغير ذلك،
===============
( 296 )
[ (مسألة 9): إذا إشترى ثوبا بعين مال تعلق به الخمس أو الزكاة مع عدم أدائها من مال آخر حكمه حكم المغصوب (1). (الثالث): أن لا يكون من أجزاء الميتة (2)، سواء كان حيوانه محلل اللحم أو محرمه، ] وعليه فينبغي الاقتصار فيه على خصوص القرض، أما الابتياع مع عدم نية الوفاء فلا يقتضي فساد البيع ". أقول: قد تقدم في غسل الجنابة أن نية الاداء من قبيل نية الوفاء بالعقد ليست من مقومات العقد بحيث ينتفي بإنتفائها، فإعتبارها في صحته موقوف على دليل، والاخبار المذكورة لا تخلو من إشكال في السند، ولا يظهر لها جابر، بل قد يظهر من عدم تعرض الفقهاء (رض) لذلك في شروط القرض إعراضهم عنها فيكون موهنا لها، كما أشار إليه في الجواهر، فالاعتماد عليها في القرض لا يخلو من إشكال فضلا عن التعدي منه إلى غيره من أنواع المعاملات. نعم نية الوفاء في القرض واجبة عندهم كما صرح به جماعة، وفي الجواهر: " إجماعا محكيا إن لم يكن محصلا ". وأستدل عليه في الجواهر بالنصوص الدالة على أن من أستدان دينا فلم ينو قضاءه فهو سارق. ولم أعثر على هذا المضمون إلا في المرسل المتقدم الذي عرفت الاشكال في سنده، فلا يبعد كون نية الوفاء كنية أداء سائر الواجبات من الواجبات الاخلاقية. فتأمل. (1) يأتي التعرض لذلك في المسألة الثالثة عشرة من مبحث مكان المصلي. والله سبحانه أعلم. (2) بلا خلاف فيه ظاهر، بل ولا إشكال، فقد حكي الاجماع عن الخلاف، والغنية، والمعتبر، والمنتهى، والتذكرة، والذكرى، وكشف
===============
( 297 )
الالتباس، وجامع المقاصد، والروض، ومجمع البرهان، والمدارك، والمفاتيح وغيرها على عدم جواز الصلاة في جلدها، والظاهر بل المعلوم منهم عدم الفرق بينه وبين غيره من أجزاء الميتة. وما عن الذكرى من أستثناء من شذ منا لم يعلم المراد منه، بل عن المجمع: الاجماع على المنع حتى ممن قال بالطهارة. وهو الذي تشهد به النصوص المدعى تواترها، كصحيح محمد إبن مسلم قال: " سألته عن الجلد الميت أيلبس في الصلاة إذا دبغ؟ قال (عليه السلام): لا ولو دبغ سبعين مرة " (* 1)، وفي صحيح إبن أبي عمير عن غير واحد عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الميتة: " لا تصل في شئ منه ولا شسع " (* 2)، وظاهرهما كغيرهما كون الميتة مانعا من صحة الصلاة، كما أن ظاهر ما في موثق إبن بكير عن أبي عبد الله (عليه السلام) الوارد في عدم جواز الصلاة فيما لا يؤكل لحمه من قوله (عليه السلام): " إذا علمت أنه ذكي وقد ذكاه الذبح " (* 3)، ورواية علي بن حمزة عن أبي عبد الله وأبي الحسن (عليه السلام): " عن لباس الفراء والصلاة فيها. قال (عليه السلام): لا تصل فيها إلا ما كان منه ذكيا. قال: قلت: أو ليس الذكي ما ذكي بالحديد؟ قال (عليه السلام): بلى إذا كان مما يؤكل لحمه " (* 4) إشتراط التذكية وحيث أن الظاهر من النصوص الواردة في أستعمال الجلود وفي بعض شرائط التذكية كون التقابل بين الميتة والمذكى تقابل العدم والملكة، فما دل على بطلان الصلاة في الميتة يراد منه البطلان لفقد الشرط. نعم لو كان التقابل بينهما تقابل الضدين أشكل الامر في المراد من
===============
( 298 )
[ بل لا فرق بين أن يكون مما ميتته نجسة أولا (1)، كميتة السمك ] مجموع النصوص، وهل هو كون التذكية شرطا حينئذ؟ ويكون النهي عن الصلاة في الميتة عرضيا، فيتصرف في ظاهر الطائفة الاولى، أو أن الموت مانع؟ ويكون الامر بالصلاة في المذكى عرضيا، فيتصرف في الثانية أو تكون التذكية شرطا والموت مانعا؟ فيؤخذ بظاهر كل من الطائفتين. فعلى الثاني: يكون مقتضى الاصل الصحة، لاصالة عدم الموت. وعلى الاول: يكون مقتضى الاصل الفساد، لاصالة عدم التذكيه. وكذا على الاخير، ولا يعارضها أصالة عدم الموت، لعدم التنافي بينهما، إذ لا علم إجمالي منجز بكذب يعارضها أصالة عدم الموت، لعدم التنافي بينهما، إذ لا علم إجمالي منجز بكذب إحداهما كي ينافيانه معا فيسقطان بالمعارضة، ولو سلم التساقط. فلا أصل يحرز التذكية التي هي الشرط الذي لابد من إحرازه. ويشهد بجريان أصالة الصحة موثق سماعة: " عن تقليد السيف في الصلاة وفيه الفراء والكيمخت؟ فقال (عليه السلام): لا بأس ما لم تعلم أنه ميتة " (* 1). ونحوه غيره. ويشهد لاصالة الفساد ما تقدم من رواية إبن بكير. لكن لما عرفت من أن التقابل تقابل العدم والملكة فلا بد من حمل الموثق ونحوه على صورة وجود أمارة على التذكية من سوق وغيره، كما يشير إليه بعض النصوص الآتية. (1) كما عن البهائي ووالده، لاطلاق النصوص. وطهارة ميتة ما لا نفس له سائلة لا تمنع من العمل بها، لان ظاهر النصوص إعتبار التذكية من حيث هي لا من حيث النجاسة، ولذا قال بإعتبارها من قال بطهارة الجلد بالدبغ. كما أن ما في بعض النصوص من ذكر الدبغ الذي يعتاد في خصوص ذي النفس لا يوجب إنصراف غيره إلى ذي النفس، وما في
===============
( 299 )
مكاتبة علي بن مهزيار إلى أبي محمد (عليه السلام): من جواز الصلاة في القرمز (* 1) وهو صبغ أرمني من عصارة دود يكون في آجامهم ليس مما نحن فيه لجواز كون الصبغ من قبيل اللون لا العين، وإلا فهو مما لا يؤكل لحمه. والسيرة على جواز الصلاة في القمل والبق والبرغوث تختص بموردها. وما عن المعتبر من دعوى الاجماع على الجواز غير ثابت النسبة، بل قيل: إنه توهم، ولو سلم فالاعتماد عليه مع إطلاق الفتوى بالمنع، وعدم تعرض الاساطين لاستثناء غير ذي النفس غير ممكن. نعم الاشكال كله في ثبوت هذا الاطلاق الشامل لغير ذي النفس، فإن أكثر النصوص وارد في مقام الحكم الظاهري في الشبهة الموضوعية من دون نظر فيه إلى موضوع الحكم الواقعي، والوارد منها لبيان الحكم الواقعي لم نعثر على شئ منه إلا على ما سبق من صحيحي إبن مسلم وإبن أبي عمير ورواية إبن أبي حمزة، وإطلاقها غير ظاهر، إذ الصحيح الاول إنما ورد للسؤال عن حال الدبغ. وأنه يرفع حكم الميتة أم لا؟، والثاني وارد في مقام تعميم الحكم لاجزاء الميتة. نعم ظاهر الرواية أن كلامه (عليه السلام) السابق على القول كان في أمور تتعلق بالميتة، ولا يدري أن الميتة أي ميتة هي؟ فلعله كان في حمار ميت أو نحوه كما يشهد له الضمير المذكر. ورواية إبن أبي حمزة مشتملة على التذكية بالحديد المختص به أيضا. وعلى خبر أبي تمامة قال: " قلت لابي جعفر الثاني (عليه السلام): إن بلادنا بلاد باردة فما تقول في لبس هذا الوبر؟ قال (عليه السلام): البس منها ما أكل وضمن " (* 2)، إلا أنه لو فرض كون المراد السؤال عن اللبس في الصلاة، وأن المراد من الضمان ضمان
===============
( 300 )
[ ونحوه مما ليس له نفس سائلة على الاحوط. وكذا لا فرق بين أن يكون مدبوغا أو لا (1). والمأخوذ من يد المسلم وما عليه أثر إستعماله بحكم المذكى (2)، ] التذكية، فموضوع السؤال فيه هذا الوبر، والمراد منه غير ظاهر. ولم أعثر على غيرها مما هو مظنة الاطلاق. وعليه فالتخصيص بذي النفس هو الموافق لاصالة البراءة عن شرطية التذكية في غيره. (1) بلا خلاف ظاهر، للصحيح السابق وغيره. (2) قد أشرنا سابقا، وفي كتاب الطهارة إلى أن النصوص قد إختلفت في حلية لبس الجلد في الصلاة مع الشك في كونه من مذكى أو ميتة، فبعضها: يظهر منه الجواز، كموثق سماعة: " عن تقليد السيف في الصلاة وفيه الفرا والكيمخت. فقال (عليه السلام): لا بأس ما لم تعلم أنه ميتة " (* 1) ومصحح علي بن أبي حمزة: " إن رجلا سأل أبا عبد الله (عليه السلام) وأنا عنده عن الرجل يتقلد السيف ويصلي فيه. قال (عليه السلام): نعم. فقال الرجل: إن فيه الكيمخت. قال (عليه السلام): وما الكيمخت؟ قال: جلود دواب منه ما يكون ذكيا ومنه ما يكون ميتة. فقال (عليه السلام): ما علمت أنه ميتة فلا تصل فيه " (* 2)، ورواية جعفر بن محمد بن يونس: " إن أباه كتب إلى أبي الحسن (عليه السلام) يسأله عن الفرو والخف ألبسه وأصلي فيه ولا أعلم أنه ذكي؟ فكتب: لا بأس به " (* 3). وبعضها: يظهر منه المنع كموثق إبن بكير السابق. والجمع العرفي بينها يتعين بحمل الاول على ما إذا
===============
( 301 )
كان أمارة على التذكية أو أصل يحرزها. والثانية على ما عدا ذلك، بشهادة النصوص الواردة في جواز الصلاة في الجلد إذا أشتري من سوق المسلمين كصحيح الحلبي: " عن الخفاف التي تباع في السوق. فقال (عليه السلام): أشتر وصل فيها حتى تعلم أنه ميتة بعينه " (* 1)، وصحيح البزنطي: " عن الرجل يأتي السوق فيشتري جبة فراء لا يدري أذكية هي أم غير ذكية، أيصلي فيها؟ قال (عليه السلام): نعم ليس عليكم المسألة، إن أبا جعفر (عليه السلام) كان يقول: إن الخوارج ضيقوا على أنفسهم بجهالتهم، إن الدين أوسع من ذلك " (* 2)، ونحوه صحيح إبن جعفر (عليه السلام) (* 3)، ومصحح إسحاق: " لا بأس في الصلاة في الفراء اليماني وفيما صنع في أرض الاسلام. قلت: فإن كان فيها غير أهل الاسلام؟ قال (عليه السلام): إذا كان الغالب عليها المسلمين فلا بأس " (* 4)، وصحيح البزنطي الآخر: " عن الخفاف يأتي إلى السوق فيشتري الخف لا يدري أذكي هو أم لا، ما تقول في الصلاة فيه؟ وهو لا يدري أيصلي فيه؟ قال (عليه السلام): نعم أنا أشتري الخف من السوق ويصنع لي وأصلي فيه وليس عليكم المسألة " (* 5)، وخبر إسماعيل بن عيسى: " عن الجلود الفراء يشتريها الرجل في سوق من أسواق الجبل أيسأل عن ذكاته إذا كان البائع مسلما غير عارف؟ قال (عليه السلام): عليكم أنتم أن تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك، وإذا رأيتم يصلون فيه فلا تسألوا
===============
( 302 )
عنه " (* 1)، وخبر الحسن بن الجهم: " أعترض السوق فأشتري خفا لا أدري أذكي هو أم لا؟ قال (عليه السلام): صل فيه. قلت: فالنعل؟ قال (عليه السلام): مثل ذلك. قلت: إني أضيق من هذا. قال (عليه السلام): أترغب عنا، كان أبو الحسن (عليه السلام) يفعله " (* 2).. إلى غير ذلك. والمتحصل من مجموع النصوص المذكورة: هو أن تصرف المسلم تصرفا يتوقف شرعا على التذكية كالصلاة والبيع بناء على عدم جواز بيع الميتة أو بحسب الدواعى النوعية - كاللبس ونحوه بناء على جواز الانتفاع بالميتة - يكفي في الحكم بالتذكية وترتيب آثارها وإن لم تعلم، ويشهد للاول: قوله (عليه السلام) في رواية إسماعيل: " إذا رأيتم يصلون فيه فلا تسألوا عنه "، وغيره من النصوص الدالة على الاكتفاء بمجرد الشراء من المسلمين. ويشهد للثاني: ما دل على الاكتفاء بصنع المسلم كما في صحيح البزنطي ورواية إسحاق. أما مجرد كونه تحت يد المسلم، أو إستعماله له في شئ ما ولو لم يكن مقتضى الدواعي النوعية طهارته مثل أن يتخذ ظرفا للنجاسة أو فراشا لموضعها كالكنيف أو كونه في يد المسلم مع العلم بأنه يقصد إلقاءه في المزبلة، أو يشك في ذلك، فلا دليل على الحكم معه، وليس في النصوص إطلاق يشمل ذلك. وقوله (عليه السلام) في رواية إسحاق: " وفيما صنع في.. " مورده خصوص الفراء ونحوه مما يصلى فيه. فإطلاق ما في المتن من الاكتفاء بكونه في يد المسلم أو كونه عليه أثر إستعماله محل إشكال. وأشكل منه ما في كلام بعض من الاكتفاء بمجرد الاخذ من سوق المسلمين ولو أخذ من يد الكافر، في قبال الاخذ من يد المسلم، إذ السوق
===============
( 303 )
الموجود في النصوص إن بني على الجمود على ما تحت لفظه كان اللازم إطلاق السوق وإن كان سوقا للكافرين، وإن بني على إنصرافه إلى سوق المسلمين فالظاهر منه خصوص ما لو كان البائع مسلما، كما يشهد به قوله (عليه السلام) " إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك.. "، بل الظاهر أن الداعي لذكره كونه الموضع المعتاد لوقوع المعاملة فيه، لا لخصوصية فيه في قبال الدار، والصحراء، ونحوها، فالمراد من الشراء من السوق الشراء من المسلم الذي هو أحد التصرفات الدالة على التذكية، ولا خصوصية له، فهو راجع إلى الاستعمال المناسب للتذكية. ثم إن مقتضى رواية محمد بن الحسين الاشعري: " كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني (عليه السلام) ما تقول في الفرو يشترى من السوق؟ فقال (عليه السلام): إذا كان مضمونا فلا بأس " (* 1) إعتبار إخبار البائع بالتذكية في الحكم بها، لكنه يتعين حملها على الاستحباب بقرينة ما دل على عدم وجوب السؤال من النصوص المتقدمة. ثم إنه حكي عن بعض جواز الحكم بالتذكية بمجرد الشك فيها، إعمتادا على قوله (عليه السلام): " كل شئ فيه حلال وحرام فهو لك حلال أبدا حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه " (* 2) وفيه: أنه لو سلم كون ظاهر الحديث جعل الحل المقابل للحرمة ولو كان من جهة أنه مفاد أصل موضوعي يقتضيه من إستصحاب أو تصرف المسلم كما يساعده الامثلة لوجب الخروج عن عمومه بما دل على الحكم بالميتة حتى تعلم التذكية، فإنه أخص منه، ولو بني على معارضته بما دل على الحكم بالتذكية إلا أن يعلم
===============
( 304 )
[ بل وكذا المطروح في أرضهم وسوقهم (1)، وكان عليه أثر الاستعمال، وإن كان الاحوط إجتنابه، كما أن الاحوط إجتناب ما في يد المسلم المستحل للميتة بالدبغ (2) ] أنه ميتة فقد عرفت أن الجمع العرفي ما ذكرنا. (1) قد يستدل له برواية السكوني: " إن أمير المؤمنين (عليه السلام) سئل عن سفره وجدت في الطريق مطروحة كثير لحمها وخبزها وجبنها وبيضها، وفيها سكين. فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): يقوم ما فيها ثم يؤكل لانه يفسد وليس له بقاء، فإذا جاء طالبها غرموا له الثمن. قيل له: يا أمير المؤمنين لا يدرى سفرة مسلم أو سفرة مجوسي؟ فقال (عليه السلام) هو في سعة حتى يعلموا " (* 1). لكن لا يبعد كون الرواية في مقام أصالة الطهارة، للشك في نجاسة ما في السفرة من جهة ملاقاة المجوسي، وليس مما نحن فيه. فالاولى الاستدلال له بمصحح إسحاق المتضمن جواز الصلاة في أرض يكون الغالب عليها المسلمين. كما منه أيضا يعلم وجه الحكم بالتذكية إذا أخذا الجلد من مجهول الحال في بلاد يكون الغالب عليها المسلمين. (2) فعن العلامة (ره): التوقف في طهارة ما في يد مستحل الميتة بالدبغ، بل عنه وعن المحقق الثاني: الجزم بالنجاسة. وربما يستفاد من خبر أبي بصير، قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الصلاة في الفراء. فقال (عليه السلام): كان علي بن الحسين (عليه السلام) رجلا صردا لا تدفؤه فراء الحجاز لان دباغها بالقرظ، فكان يبعث إلى العراق فيؤتى مما قبلكم بالفرو فيلبسه فإذا حضرت الصلاة ألقاه وألقى القميص الذي يليه، فكان يسأل عن ذلك فقال (عليه السلام): إن أهل العراق يستحلون لباس الجلود الميتة ويزعمون أن
===============
( 305 )
[ ويستثنى من الميتة صوفها وشعرها ووبرها وغير ذلك مما مر في بحث النجاسات (1). (مسألة 10): اللحم أو الشحم أو الجلد المأخوذ من يد الكافر (2)، ] دباغه ذكاته " (* 1). وفيه مع أنه غير صريح في اللزوم، وأن الشراء إنما يصح مع الحكم بالتذكية ولو ظاهرا، وكذا اللبس بناء على عدم جواز الانتفاع بالميتة أنه لا يقوى على تقييد تلك النصوص بالحمل على غير المستحل، ولا سيما مع ندرة العلم بمذهبه، وكيف يصح حمل: " ما صنع في أرض الاسلام " (* 2) على أرض يكون أهلها لا يستحلون الميتة بالدبغ؟ وكذا خبر إبن الجهم (* 3)، فإن الظاهر أن الضيق الذي حكاه السائل بقوله: " قلت: إني أضيق من هذا " إنما هو من مثل هذه الجهة. فلاحظ. مع أن الخبر ضعيف لا يصلح للاعتماد عليه. (1) مر هناك الكلام فيه. (2) لا ينبغي التأمل في وجوب الحكم بعدم تذكية ما في يد الكافر، لعدم الدليل على الحكم بها، إذ لو سلم شمول أخبار السوق للكافر فما في رواية إسماعيل بن عيسى من قوله (عليه السلام): " عليكم أنتم أن تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك " (* 4) وقريب منه خبر إسحاق المتقدم
===============
( 306 )
[ أو المطروح في بلاد الكفار، أو المأخوذ من يد مجهول الحال في غير سوق المسلمين (1)، أو المطروح في أرض المسلمين إذا لم يكن على أثر الاستعمال (2) محكوم بعدم التذكية، ولا يجوز الصلاة فيه، بل وكذا المأخوذ من يد المسلم إذا علم أنه أخذه من يد الكافر مع عدم مبالاته بكونه من ميتة أو مذكى (3) ] مقيد له. بل أستظهر في الجواهر منهما كون يد الكافر أمارة على عدم التذكية، وجعل الحكم بطهارة ما في يد المسلم المسبوقة بيد الكافرين من باب تقديم إحدى الامارتين على الاخرى، لاقوائيتها أو أقوائية دليلها. وإن كان ما ذكره في غاية الاشكال، إذ مجرد الحكم بعدم تذكية ما في يده لا يدل على كونه لطريقية يده، بل يجوز أن يكون لاصالة عدم التذكية بل ظاهر الامر بالسؤال هو عدم كونها أمارة على شئ، لان السؤال يناسب الجهل. وعدم الامارة. فلاحظ. ومما ذكرنا يظهر أن ما يشترى من الكافر مع العلم بسبق تصرف المسلم فيه محكوم بالتذكية، وكذا المطروح في بلاد الكفار، والمأخوذ من يد مجهول الحال إذ لم تكن غلبة تلحقه بالمسلمين فإنه مع العلم بسبق تصرف المسلم فيه أيضا محكوم بالتذكية. (1) أما لو كان المجهول في سوق المسلمين حكم عليه بالاسلام ظاهرا فيحكم بتذكية الجلد المأخوذ منه، ومستنده رواية إسحاق. لكن المستفاد منها كون المعيار أرض المسلمين ولو كان السوق الخاص لغيرهم، فمجهول الاسلام إذا وجد في سوق اليهود في بغداد مثلا التي يغلب عليها الاسلام فهو محكوم بالاسلام ولو كان الغالب في السوق غيره. فتأمل. (2) لما عرفت من إختصاص دليل الحكم بالتذكية بما كان عليه أثر أستعمالهم، فيرجع في غيره إلى أصالة عدم التذكية. (3) كأنه لانصراف النصوص المتقدمة عن الفرض، أو لان عمومها
===============
( 307 )
[ (مسألة 11): إستصحاب جزء من أجزاء الميتة في الصلاة موجب لبطلانها (1) وإن لم يكن ملبوسا. ] له بترك الاستفصال، ومن الجائز أن تكون أسواق المسلمين في عصر صدور هذه النصوص تباع فيها الجلود غير المأخوذ من أيدي الكفارين، وحينئذ لا يحسن الاستفصال، لظهور الحال، فلا مجال للعموم. وفيه: أن الانصراف ممنوع. وأحتمال ظهور ذلك بنحو يكون قرينة بحيث لا يحسن الاستفصال غير كاف في رفع اليد عن العموم الناشئ من تركه، نظير إحتمال وجود القرينة الصارفة عن الحقيقة، فإنه لا يوجب رفع اليد عن أصالة الحقيقة. مع أن هذا الاحتمال ساقط، بل غير حاصل لكثرة وجود الكفار في بلاد الاسلام من اليهود والنصارى وغيرهم، ولا سيما مع البناء على كفر الخوارج والنواصب والغلاة، وتداول ذبحهم للحيوانات، وأكلهم لها، وبيع جلودها. فاحتمال عدم إتفاق العلم بسبق يد الكافر على يد المسلم ساقط جدا. مضافا الى أن عموم بعض النصوص ليس بترك الاستفصال، بل بالاطلاق مثل: " ما صنع في أرض الاسلام " ولا سيما مع فرض السائل وجود الكفار فيها، ولا ريب في أن ما صنع في أرض الاسلام يشمل ما لو أخذ من الكفار وغيره. وكذا مبالاة المسلم المأخوذ منه وعدمها، ولا يكاد يظهر الفرق بين غير المبالي وبين المستحل للميتة بالدبغ في الدخول تحت إطلاق الادلة. (وبالجملة): البناء على التذكية فيما هو محل تصرف المسلم نظير البناء على صحة عمل المسلم، لا يفرق فيه بين حصول الظن بالصحة، وحصول الظن بالفساد، وبين عدم حصول الظن بشئ، فالبناء على عموم الحكم لازم. وقد تقدم في مبحث نجاسة الميتة التعرض لجملة من هذه الاحكام. فراجع. (1) تقدم الكلام في المحمول النجس في أحكام النجاسات، كما تقدم
===============
( 308 )
[ (مسألة 12): إذا صلى في الميتة جهلا لم يجب الاعادة نعم مع الالتفات والشك لا تجوز ولا تجزئ. وأما إذا صلى فيها نسيانا فإن كانت ميتة ذي النفس أعاد في الوقت وخارجه وإن كان من ميتة ما لا نفس له فلا تجب الاعادة. (مسألة 13): المشكوك في كونه من جلد الحيوان أو من غيره لا مانع من الصلاة فيه (1). (الرابع): أن لا يكون من أجزاء ما لا يؤكل لحمه (2) ] الكلام أيضا في المسألة الآتية. فراجع. (1) لاصالة البراءة عن إشتراط تذكيته، أو عن مانعيته. (2) بلا خلاف فيه ولا إشكال، وقد إستفاض فيه نقل الاجماع. ويدل عليه موثق عبد الله بن بكير: " سأل زرارة أبا عبد الله (عليه السلام) عن الصلاة في الثعالب والفنك والسنجاب وغيره من الوبر، فأخرج كتابا زعم أنه إملاء رسول الله (صلى الله عليه وآله): وإن الصلاة في وبر كل شئ حرام أكله فالصلاة في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه وكل شئ منه فاسد لا تقبل تلك الصلاه حتى يصلي في غيره مما أحل الله تعالى أكله. ثم قال: يا زرارة هذا عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأحفظ ذلك يا زرارة، فإن كان مما يؤكل لحمه فالصلاة في وبره وبوله وشعره وروثه وألبانه وكل شئ منه جائز إذا علمت أنه ذكي قد ذكاه الذبح، وإن كان غير ذلك مما نهيت عن أكله وحرم عليك أكله فالصلاة في كل شئ منه فاسد ذكاه الذبح أو لم يذكه " (* 1) وقريب منه غيره. وفي المدارك قال: " والروايات لا تخلو من ضعف في سند أو قصور
===============
( 309 )
[ وإن كان مذكى أو حيا، جلدا كان أو غيره (1)، فلا يجوز الصلاة في جلد غير المأكول، ولا شعره وصوفه وريشه ووبره ولا في شئ من فضلاته، سواء كان ملبوسا أو مخلوطا به أو محمولا، حتى شعرة واقعة على لباسه (2)، بل حتى عرقه ] في دلالة، والمسألة محل إشكال ". وفيه: أن الموثق حجة في نفسه، ولا سيما مثل الموثق المذكور المشتمل سنده على عظيمين من أصحاب الاجماع ومن أعيان أصحاب الحديث، ولا سيما مع إعتضاده بغيره مما ورد في مطلق غير المأكول (* 1)، أو في قسم منه كالسباع (* 2)، ودعوى الاجماع عن جماعة على الحكم المذكور على ما ذكره، فلا ينبغي التأمل في المسألة. (1) إجماعا في الجملة كما عن غير واحد. ويشهد له الموثق السابق. (2) كما نسب إلى الاكثر، والمشهور. وظاهر الفقهاء، وإطلاق كلامهم. ويقتضيه الموثق المتقدم. ودعوى أن صدق الصلاة فيه يتوقف على تحقق إشتماله على المصلي ولو على بعضه مثل الخاتم والقلادة فلا صدق مع عدم الاشتمال، وإن كانت صحيحة في نفسها كما أشرنا إلى ذلك في أحكام النجاسة من كتاب الطهارة لكنها مندفعة في المقام بذكر البول والروث اللذين لا يتصور فيهما الاشتمال. فيراد من الصلاة فيه الملابسة التي تشمل الظرفية والمعية، والتفكيك بين البول والروث وبين الصوف والشعر خلاف الظاهر. مضافا إلى خبر إبراهيم بن محمد الهمداني كتبت إليه: " يسقط على ثوبي الوبر والشعر مما لا يؤكل لحمه من غير تقية ولا ضرورة. فكتب (عليه السلام): لا تجوز الصلاة فيه " (* 3)، وليس
===============
( 310 )
في سنده من يتوقف منه عدا عمر بن علي بن عمر، وفي رواية محمد بن أحمد بن يحيى عنه مع عدم إستثناء القميين روايته من كتاب نوادر الحكمة نوع شهادة على وثاقته. نعم يعارض ذلك صحيح محمد بن عبد الجبار: " كتبت إلى أبي شهادة على وثاقته. نعم يعارض ذلك صحيح محمد بن عبد الجبار: " كتبت إلي أبي محمد (عليه السلام) أسأله هل يصلي في قلنسوة عليها وبر ما لا يؤكل لحمه أو تكة حرير محض أو تكة من وبر الارانب؟ فكتب (عليه السلام): لا تحل الصلاة في الحرير المحض، وإن كان الوبر ذكيا حلت الصلاة فيه إن شاء الله " (* 1). لكن في تقييد الوبر بالذكي إشكالا، فإنه إن أريد منه ذكي الجلد فلا إشكال في عدم إعتبار ذكاة الجلد في حل الوبر، وإن أريد منه الطاهر فلا إشكال في جواز الصلاة في النجس الذي لا تتم فيه الصلاة، وإن أريد ما كان من محلل الاكل كما يحتمله ما في رواية علي بن أبي حمزة قلت: " أو ليس الذكي مما ذكي بالحديد؟ فقال (عليه السلام): بلى إذا كان مما يؤكل لحمه " (* 2) فهو يتوقف على كون الارانب قسمين محلل الاكل ومحرمه، وليس كذلك، وحمل التقييد على كونه تقييدا لمطلق الوبر، لا لمورد السؤال خلاف الظاهر. وحيث يدور الامر بين هذه الاحتمالات التي لا يخلو كل واحد منها من إشكال، فلا يبعد الحمل على الاخير جمعا بين الصحيح وموثق إبن بكير المتقدم. (وبالجملة): رفع اليد عن الموثق بمثل هذا الصحيح لا يخلو من إشكال. فلا يبعد إذا وجوب العمل عليه. نعم يقع الاشكال في دلالة الموثق على المنع عن مثل الشعرات والمحمول فإن الظاهر كما عرفت في مبحث النجاسات من قوله: " لا تصل في
===============
( 311 )
[ وريقه وإن كان طاهرا ما دام رطبا، بل ويابسا إذا كان له عين. ولا فرق في الحيوان بين كونه ذا نفس أولا (1)، كالسمك الحرام أكله. ] كذا " المنع عن خصوص ما لو كان مدخول (في) ظرفا للمصلي، ولو لاشتماله على بعضه كالقلنسوة والخاتم والجورب، وتعميمه لغيره مثل الشعرات الواقعة على الثوب فضلا عن مثل قبضة السكين وقاب الساعة وأمثالها من المحمولات المحضة يحتاج إلى قرينة، وذكر البول والروث لا يصلح قرينة على إرادة المصاحبة من (في)، لامكان فرض الاشتمال فيهما على المصلي ولو بلحاظ بعضه، أو بلحاظ محلهما من الثوب المشتمل عليه إذا كان ملوثا بهما، فإن المشتمل على المشتمل مشتمل، ولا ملجئ إلى حمل (في) على معنى المصاحبة. مع أن الحمل على ذلك يستلزم المنع عن الصلاة في محل أجزاء ما لا يؤكل لحمه مثل المخازن والسفن الحاملة له وفي المكان المفروش بها، لصدق المصاحبة قطعا بذلك ونحوه. أللهم إلا أن يراد مصاحبة خاصة، نظير ما في بعض روايات ما لا تتم به الصلاة من قوله (عليه السلام): " كل ما كان على الانسان أو معه مما لا تجوز فيه الصلاة.. " (* 1). لكن يبقى الاشكال من جهة عدم الملزم به، فالبناء على المنع في مطلق المحمول لا يخلو من إشكال، والاصل يقتضي البراءة. (1) كما هو ظاهر الفتوى. وأستدل له بإطلاق النصوص. وفيه: أن الاطلاق الذي يصح الاعتماد عليه غير متحصل، إذ العمدة في النصوص الموثق، وما في ذيله من قوله (عليه السلام): " ذكاه الذبح أو لم يذكه " يصلح قرينة على إختصاصه لما له نفس، لاختصاصه بتذكية الذبح. وإحتمال كون
===============
( 312 )
[ (مسألة 14): لا بأس بالشمع، والعسل، والحرير الممتزج، ودم البق والقمل والبرغوث، ونحوها من فضلات أمثال هذه الحيوانات مما لا لحم لها (1). ] المراد التعميم لغير ذي النفس يعني: سواء كانت تذكيته بالذبح أم بغيره مندفع بأن الظاهر من مقابلة هذه الفقرة بما قبلها من قوله (عليه السلام): " إذا علمت أنه ذكي قد ذكاه الذبح ". أن يكون المراد: ذبح أم لم يذبح، فظهور إختصاص هذه الفقرة بما يكون ذكاته بالذبح لا ينبغي أن ينكر، فلا يصلح ما قبلها لاثبات عموم الحكم. ومثله رواية علي بن أبي حمزة وأما رواية إبراهيم الواردة في الشعر فلا إطلاق فيها، لورودها في حكم الشعر مفروغا عن حكم ذي الشعر. وبقية النصوص لا يخلو من ضعف في سند أو قصور في دلالة. فالبناء على التعميم في غاية الاشكال. (1) فإن الموثق الذي هو عمدة النصوص لا إطلاق له يشمله لقوله عليه السلام فيه: " فإن كان مما يؤكل لحمه " فأنه يصلح قرينة على أختصاص قوله (عليه السلام): " حرام أكله " وقوله (عليه السلام): " ما قد نهيت عن أكله " بما كان له لحم. هذا مضافا إلى ما عرفت من عدم الاطلاق فيه بنحو يشمل ما لا نفس له فضلا عما لا لحم له. وبقية النصوص مختص بذي اللحم لا غير. مضافا إلى الاجماع المحمقق في الحرير الممتزج ودم البق والبراغيث والقمل، وإلى صحيح الحلبي: " عن دم البراغيث يكون في الثوب هل يمنعه ذلك من الصلاة فيه؟ قال (عليه السلام): لا وإن كثر ". (* 1)، وصحيح إبن مهزيار: " عن الصلاة في القرمز وأن أصحابنا يتوقفون فيه. فكتب عليه السلام: لا بأس به " (* 2)، وعن نوادر الراوندي: " عن الصلاة
===============
( 313 )
[ وكذا الصدف، لعدم معلومية كونه جزءا من الحيوان (1)، وعلى تقديره لم يعلم كونه ذا لحم (2). وأما اللؤلؤ فلا إشكال فيه (3) أصلا، لعدم كونه جزءا من الحيوان. (مسألة 15): لا بأس بفضلات الانسان (4) ولو لغيره، كعرقه، ووسخه، وشعره، وريقه، ولبنه، فعلى هذا لا مانع في الشعر الموصول بالشعر، سواء كان من الرجل أو المرأة. نعم لو أتخذ لباسا من شعر الانسان فيه إشكال، سواء كان ساترا أو غيره، بل المنع قوي، خصوصا الساتر. ] في الثوب الذي فيه أبوال الخنافس ودماء البراغيث. فقال (عليه السلام): لا بأس " (* 1). (1) وما في صحيح علي بن جعفر (عليه السلام) عن أخيه أبي الحسن الاول عليه السلام قال: " وسألته عن اللحم الذي يكون في أصداف البحر والفرات أيؤكل؟ قال (عليه السلام): ذلك لحم الضفادع لا يحل أكله " (* 2) لا يدل على أنه جزء من الحيوان فيه لا يستلزم جزئيته له كما هو ظاهر. (2) بل ظاهر الصحيح السابق أنه ذو لحم. (3) بل عن بعض الاشكال فيه لكونه جزءا من الصدف، لكن عرفت حال الصدف. وأما اللؤلؤ فهو مخلوق في الصدف لا جزؤه. ولو سلم فصدف اللؤلؤ غير صدف الحيوان. مع أن الظاهر تحقق السيرة على لبسه، فالاشكال فيه في غاية الوهن (4) هو ظاهر بناء على ما عرفت من قصور الموثق ورواية إبن أبى حمزة
===============
( 314 )
المتقدمة عن شمول ما لم يذك بالذبح، إذ غيرها قد عرفت عدم صلاحيته لاثبات المنع في غير الانسان مما لا يؤكل لحمه فضلا عن الانسان. أما بناء على عموم الموثق لكل ما لا يؤكل لحمه وإن لم يذك بالذبح فقد يشكل خروج الانسان إلا بدعوى الانصراف عنه. وبالسيرة على مص ريق الزوجة، ومباشرة النساء لفضلات الاطفال بالرضاع وغيره، والصلاة في ثياب بعضهم بعضا وإن كان فيها من العرق وغيره. وبالصحيح: " هل تجوز الصلاة في ثوب يكون فيه شعر من شعر الانسان وأظفاره من قبل أن ينفضه من ثوبه؟ فوقع (عليه السلام): يجوز " (* 1)، وبالخبر: " عن البزاق يصيب الثوب. قال (عليه السلام): لا بأس به " (* 2)، وبموثق الساباطي: " لا بأس أن تحمل المرأة صبيها وهي تصلي أو ترضعه وهي تتشهد " (* 3)، وبالخبر: " عن الرجل يسقط سنه فيأخذ سن إنسان ميت فيجعله مكانه. قال (عليه السلام): لا بأس " (* 4) وبالآخر: " عن القرامل التي تضعها النساء في رؤوسهن يصلنه بشعورهن. فقال (عليه السلام): لا بأس على المرأة بما تزينت به لزوجها " (* 5)، وبالآخر: " وكره للمرأة أن تجعل القرامل من شعر غيرها " (* 6)، وبالآخر: " إذا كان صوفا فلا بأس وإن كان شعرا فلا خير فيه من الواصلة والموصولة " (* 7) لكن بعض هذا لا يخلو عن إشكال، إما لانه ممنوع من أصله، أو غير متعرض للمقام أصلا، أو متعرض لما لا يصدق معه الصلاة فيه. ويكفي
===============
( 315 )
[ (مسألة 16): لا فرق في المنع بين أن يكون ملبوسا أو جزءا منه، أو واقعا عليه، أو كان في جيبه، بل ولوفي حقه هي في جيبه (1). (مسألة 17): يستثنى مما لا يؤكل الخز الخالص (2)، ] في خروج الانسان ما ذكرناه أولا. ولاجله لا بأس بالقول بجواز الصلاة في لباس متخذ من شعر الانسان ساترا كان أم غيره. نعم بناء على كون المرجع قاعدة الاشتغال عند الشك في جنس الساتر الواجب للاجماع على وجوبه، ولا إطلاق يرجع إليه عند الشك، فيكون الشك فيه من قبيل الدوران بين التعيين والتخيير، يكون مقتضى الاصل المنع في الساتر منه لا غير. والله سبحانه أعلم. (1) قد تقدم الكلام في هذه المسألة في حكم الشعرات الملقاة. فراجع. (2) إجماعا في الوبر كما هو المراد من المتن حكي عن المعتبر، ونهاية الاحكام، والتذكرة، والذكرى، وجامع المقاصد، وحاشية الارشاد، والروض، والمسالك، وغيرها. وعن التنقيح: نفي الخلاف فيه. ويشهد له النصوص الكثيرة الظاهرة أو الصريحة فيه، كصحيح البزنطي عن الرضا (عليه السلام): " إن علي بن الحسين (عليه السلام) كان يلبس الجبة الخز بخمسماية درهم والمطرف الخز بخمسين دينارا " (* 1)، ومصحح زرارة: " خرج أبو جعفر (عليه السلام) يصلي على بعض أطفالهم وعليه جبة خز صفراء ومطرف خز أصفر " (* 2)، وصحيح العيص عن يوسف بن إبراهيم: " دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) وعلي عباءة خز وبطانته خز وطيلسان خز
===============
( 316 )
مرتفع فقلت: إن علي ثوبا أكره لبسه. فقال (عليه السلام): وما هو؟ قلت: طيلساني هذا. فقال (عليه السلام): وما بال الطيلسان؟ قلت: هو خز. قال: وما بال الخز؟ قلت: سداه إبريسم قال: وما بال الابرسيم؟ قال: لا تكره أن يكون سدا الثوب إبريسم " (* 1).. إلى غير ذلك. وأما الجلد: فالاكثر كما عن جماعة إستثناؤه أيضا. وفي البحار: نسبته إلى المشهور بين المتأخرين، وعن كشف الالتباس: أنه المشهور، بل لم ينقل التصريح بالمنع عنه إلا من الحلي والمنتهى والتحرير: نعم أستفيد المنع من إقتصار جماعة في الاسثناء على الخز الخالص الظاهر في خصوص الوبر. وكيف كان فيدل على الجواز فيه خبر إبن أبي يعفور قال: " كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) إذ دخل عليه رجل من الخزازين فقال له: جعلت فداك ما تقول في الصلاة في الخز؟ فقال (عليه السلام): لا بأس بالصلاة فيه. فقال له الرجل: جعلت فداك إنه ميت وهو علاجي وأنا أعرفه. فقال له أبو عبد الله (عليه السلام): أنا أعرف به منك. فقال له الرجل: إنه علاجي وليس أحد أعرف به مني. فتبسم أبو عبد الله (عليه السلام) ثم قال له: أتقول إنه دابة تخرج من الماء أو تصاد من الماء فتخرج فإذا فقد الماء مات؟ فقال الرجل: صدقت جعلت فداك هكذا هو. فقال أبو عبد الله عليه السلام: فإنك تقول: إنه دابة تمشي على أربع وليس هو على حد الحيتان فتكون ذكاته خروجه من الماء. فقال له الرجل: إي والله هكذا أقول. فقال له أبو عبد الله (عليه السلام): فإن الله تعالى أحله وجعله ذكاته موته كما أحل الحيتان وجعل ذكاتها موتها " (* 2)، فإن تعليل الحل بتحقق
===============
( 317 )
التذكية فيه كالصريح في أن موضوع السؤال هو الجلد، فإنه الذي يعتبر في جواز الصلاة فيه التذكية دون الوبر. وفي الجواهر: الاستدلال عليه بموثق معمر بن خلاد: " سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن الصلاة في الخز. فقال: صل فيه " (* 1). فإن ترك الاستفصال قرينة على عموم الحكم للجلد والوبر. ويشكل بأن ذلك إنما يتم لو كان المراد من الخز فيه الحيوان، وهو غير ظاهر، بل من المحتمل إرادة المنسوج من وبره، فإنه من معانيه أيضا كما يظهر من مكاتبة جعفر بن عيسى إلى الرضا (عليه السلام): " أسأله عن الدواب التي يعمل الخز من وبرها.. " (* 2). ونحوه خبر يوسف بن إبراهيم (* 3). ومنه يظهر الاشكال في إستدلاله بخبر يحيى بن عمران: " كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام في السنجاب والفنك والخز. قلت: جعلت فداك أحب أن لا تجيبني بالتقية في ذلك، فكتب إلي بخطه: صل فيه " (* 4). أللهم إلا أن تكون قرينة السياق تقتضي كون المراد منه الحيوان. وأما الاستدلال بصحيح سعد بن سعد: " سألت الرضا (عليه السلام) عن جلود الخز. فقال (عليه السلام): هو ذا نحن نلبس. فقلت: ذاك الوبر جعلت فداك فقال (عليه السلام): إذا حل وبره وحل جلده " (* 5)، بناء على أن المراد: نحن نلبس الجلود، و " هو ذا " كلمة واحدة مفادها الاستمرار والاتصال وأن إستمرار لبسهم للجلود كالصريح في شموله لحال الصلاة. ففيه أولا:
===============
( 318 )
أن قول السائل: " ذاك الوبر " وقوله (عليه السلام): " إذا حل وبره.. " صريح في أنهم (عليهم السلام) كانوا يلبسون الوبر، لا أنهم يلبسون الجلود. وثانيا: أن كون " هوذا " كلمة واحدة معناها الاستمرار إن صح في نفسه فهو غير ظاهر. وثالثا: أن إستمرار اللبس عرفا لا ينافيه النزع حال الصلاة. والاستدلال بقوله (عليه السلام): " إذا حل وبره.. " بناء على إطلاقه الشامل للحل التكليفي والوضعي يتوقف على ثبوت هذا الاطلاق، ولكنه محل تأمل أو منع، فإن السؤال عن الجلود وإن كان مجملا من حيث الجهة المسؤول عنها، لكن قوله (عليه السلام): " نحن نلبس " شاهد بأن المراد السؤال عن حيثية اللبس، وعن حكمه التكليفي النفسي لا غير. وتحليل اللبس من حيث هو مطلقا حتى حال الصلاة لا يستلزم عدم المانعية. فتأمل. ومن ذلك يظهر لك ما في دعوى كون التعارض بين الصحيح وما دل على المنع عما لا يؤكل لحمه بالعموم من وجه والترجيح للاول، إذ لا أصل لهذه المعارضة، ولو سلمت فلا وجه لترجيح الصحيح، بل إخراج حال الصلاة منه أولى من إخراج الخز من المعارض، لظهوره في أن عنوان ما لا يؤكل لحمه من العناوين الاقتضائية للمنع التي يبعد عرفا التفكيك بين أفرادها، فيكون دليله أظهر في شمول مورد المعارضة، كما مر في نظائره. مع أنه لا ملجئ إلى التشبث بالترجيح بذلك أو بالشهرة لاثبات الجواز، إذ يكفي فيه أصل البراءة بعد سقوط الدليلين عن الحجية في مورد المعارضة. والشهرة في الفتوى ليست من مرجحات الدلالة، وإستبعاد أن يكون السؤال عن اللبس من حيث هو لظهور عدم المنع من لبس مالا يؤكل لحمه، وإنما الشك في المنع عنه من حيث الصلاة، لا يكفي في الترجيح، لخروجه
===============
( 319 )
عن مدلول الكلام. ومن ذلك يظهر ضعف الاستدلال على المقام بصحيح إبن الحجاج: " سأل رجل أبا عبد الله (عليه السلام) عن جلود الخز. فقال (عليه السلام): ليس بها بأس. فقال الرجل: إنها علاجي وإنما هي كلاب تخرج من الماء. فقال أبو عبد الله (عليه السلام): إذا خرجت من الماء تعيش خارجة من الماء؟ فقال الرجل: لا. فقال: ليس بها بأس " (* 1)، بدعوى كون السؤال عن حيثية الصلاة. نعم لا يبعد كون ترك الاستفصال عن الجهة المسؤول عنها يقتضي نفي البأس عن الجهتين معا. وإحتمال وجود قرينة تعين جهة اللبس لا الصلاة مدفوع بالاصل، كما أشرنا إليه آنفا، فإذا لا يبعد إلحاق الجلد بالوبر كما هو المشهور، ولا سيما بضميمة خبر إبن أبي يعفور الذي لاتبعد دعوى إنجبار ضعفه بالشهرة. وأما الاستدلال على المنع بالتوقيع المروي عن الاحتجاج: " كتبت إليه (عليه السلام): روي لنا عن صاحب العسكر (عليه السلام) أنه سئل عن الصلاة في الخز الذي يغش بوبر الارانب فوقع (عليه السلام): يجوز، وروي عنه ايضا أنه لا يجوز، فبأي الخبرين نعمل؟ فأجاب (عليه السلام): إنما حرم في هذه الاوبار والجلود، وأما الاوبار وحدها فكل حلال " (* 2). ففيه: أن مقتضى تنزيل الجواب على السؤال كون الموضوع خصوص المغشوش بوبر الارانب وهو غير محل الكلام. ثم إن مقتضى أصالة عدم النقل هو كون ما يسمى خزا في عرفنا اليوم هو موضوع الاحكام المذكورة. قال المجلسي (ره) في البحار: (فأعلم أن في جواز الصلاة في الجلد المشهور في هذا الزمان بالخز وشعره
===============
( 320 )
[ غير المغشوش بوبر الارانب والثعالب (1) ] ووبره إشكالا، للشك في أنه هل هو الخز المحكوم عليه بالجواز في عصر الائمة (عليهم السلام) أم لا؟ بل الظاهر أنه غيره، لانه يظهر من الاخبار: أنه مثل السمك يموت بخروجه من الماء وذكاته إخراجه منه، والمعروف بين التجار: أن المسمى بالخز الآن دابة تعيش في البر ولا تموت بالخروج من الماء. إلا أن يقال: إنهما صنفان بري وبحري، وكلاهما تجوز الصلاة فيه. وهو بعيد. ويشكل التمسك بعدم النقل وإتصال العرف من زماننا إلى زمانهم (عليهم السلام)، إذ إتصال العرف غير معلوم، إذ وقع الخلاف في حقيقته في أعصار علمائنا السالفين أيضا (رض)، وكون أصل عدم النقل في مثل ذلك حجة غير معلوم ". وفي الجواهر: " يمكن حمل الاخبار على إرادة أنه لا يعيش خارج الماء زمانا طويلا كما يشهد به ما في خبر حمران من أنه سبع يرعى في الوبر ويأوي في الماء " (* 1). ثم إن الظاهر أن الحيوان المذكور كما يسمى بالخز يسمى بكلب الماء، كما يشير إليه صحيح إبن الحجاج المتقدم (* 2)، وخبر إبن أبي يعفور: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن أكل لحم الخز. قال (عليه السلام): كلب الماء إن كان له ناب فلا تقربه وإلا فاقربه " (* 3). والله سبحانه أعلم. (1) فلا تجوز الصلاة بالمغشوش بأحد الوبرين على المشهور، بل في مفتاح الكرامة: نقل الاجماع على إشتراط الخلوص من هذين عن التذكرة ونهاية الاحكام وكشف الالتباس وجامع المقاصد وغيرها، وفي المعتبر قال:
===============
( 321 )
[ وكذا السنجاب (1) ] " والوجه ترجيح الروايتين الاولتين وإن كانتا مقطوعتين، لاشتهار العمل بهما بين الاصحاب ودعوى أكثرهم الاجماع على العمل بمضمونهما ". ونحوه ما عن المنتهى. والمراد بالروايتين الاولتين مرفوعا أحمد بن محمد وأيوب بن نوح، فالاول: ما رواه الكليني (ره) عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد رفعه عن أبي عبد الله (عليه السلام): " الصلاة في الخز الخالص لا بأس به، فأما الذي يخلط فيه وبر الارانب وغير ذلك مما يشبه هذا فلا تصل فيه " (* 1) ومثله مرفوع أيوب بن نوح (* 2). نعم في خبر داود الصرمي: " أنه سأل رجل أبا الحسن الثالث (عليه السلام) عن الصلاة في الخز يغش بوبر الارانب فكتب: يجوز ذلك " (* 3) ورواه الشيخ أيضا عن داود الصرمي عن بشر بن بشار قال: " سألته.. " (* 4) الحديث بلفظه. وكذا رواه الصدوق. ولكنه لا يصلح لمعارضة الخبرين المعتضدتين بعمومات المنع، لضعفه، ودعوى الاجماع على خلافه. هذا ولم يعرف القول بالجواز إلا عن الصدوق (ره) في الفقيه فإنه بعد أن أورد الرواية المذكورة قال: " وهذه الرخصة الآخذ بها مأجور ورادها مأثوم. والاصل ما ذكره أبي (رحمه الله) في رسالته إلي: وصل في الخز ما لم يكن مغشوشا بوبر الارانب " (* 5). (1) يعني: تجوز الصلاة فيه وإن لم يكن من مأكول اللحم. وعن
===============
( 322 )
جامع المقاصد: عليه جمع من كبراء الاصحاب. ونسب إلى الاكثر ولا سيما بين المتأخرين تارة، وإلى المشهور أخرى، وإلى عامتهم ثالثة، بل عن أمالي الصدوق: " إن من دين الامامية الرخصة فيه وفي الفنك والسمور، والاولى الترك "، وفي الذكرى عن المبسوط: " لا خلاف في جواز الصلاة في السنجاب والحواصل الخوارزمية ". ويشهد له جملة من النصوص كصحيح أبي علي الحسن بن راشد: " قلت لابي جعفر (عليه السلام) ما تقول النصوص كصحيح أبي علي الحسن بن راشد: " قلت لابي جعفر (عليه السلام) ما تقول في الفراء. أي شئ يصلى فيه؟ قال (عليه السلام): أي الفراء؟ قلت: الفنك والسنجاب والسمور. قال (عليه السلام): فصل في الفنك والسنجاب، وأما السمور فلا تصل فيه " (* 1)، وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام): " أنه سأله عن أشياء منها الفراء والسنجاب. فقال (عليه السلام): لا بأس بالصلاة فيه " (* 2) وصحيحه الآخر عنه (عليه السلام): " سألته عن الفراء والسمور والسنجاب والثعالب وأشباهه. قال (عليه السلام): لا بأس بالصلاة فيه " (* 3). ونحوها غيرها. ومع ذلك فقد حكي المنع عن الصدوق في الفقيه، ووالده في الرسالة والشيخ في الخلاف وأطعمة النهاية، والحلي في السرائر، وجماعة من المتأخرين ومتأخريهم، بل عن الروض: نسبته إلى الاكثر، وفي الذكرى، وعن غيرها: نسبته إلى ظاهر الاكثرن لضعف جملة من نصوص الجواز، وإشتمال الصحيح منها على غيره مما لا تجوز الصلاة فيه، ومعارضتها بموثق إبن بكير المتقدم المخالف للعامة المعتضد بغيره مما دل على عموم المنع عما يؤكل لحمه. وفيه: أن إشتمال الصحيح على غير السنجاب لا يقدح في العمل به فيه. ولو
===============
( 323 )
[ وأما السمور، والقاقم، والفنك، والحواصل: فلا يجوز الصلاة في أجزائها (1) على الاقوى ] سلم فصحيح الحلبي الاول لم يذكر فيه معه إلا الفراء الذي هو حمار الوحش وهو مما يؤكل وتجوز الصلاة فيه. وصحيح أبي علي لم يذكر معه فيه إلا الفنك، ولا مانع من القول بجواز الصلاة فيه، كما هو مذهب جماعة. والمعارضة بالموثق ممنوعة لامكان الجمع العرفي. ومجرد ذكره في السؤال لا يقتضي المعارضة، لامكان الجمع بين الكلامين بنحو الاستثناء المتصل بلا تدافع ولا تناقص، كما هو المعيار في عدم المعارضة، وحينئذ لا تصلح مخالفة العامة للترجيح. وعمومات المنع لو تمت حجيتها في نفسها صالحة للتخصيص. وعليه فالبناء على الجواز فيه أنسب بقواعد العمل بالادلة وإن كان في النفس منه شئ، لعدم بناء أكثر القدماء عليه، وللظن بورود الرخصة فيه مورد التقية كغيره. فلاحظ، والله سبحانه أعلم. (1) السمور: كتنور دابة تشبه السنور على ما قيل. وعدم الجواز فيه مشهور، بل عن المفاتيح: عليه الاجماع، ويشهد له مضافا إلى عموم موثق إبن بكير صحيح إبن راشد المتقدم (* 1)، وخبر بشر بن بشار: " ولا تصل في الثعالب والسمور " (* 2). وفي صحيح سعد بن سعد عن الرضا (عليه السلام): " سألته عن جلود السمور. قال (عليه السلام): أي شئ هو ذلك الادبس؟ فقلت: هو الاسود. فقال (عليه السلام): يصيد؟ فقلت: نعم، يأخذ الدجاج والحمام. فقال (عليه السلام): لا " (* 3) ونحوها غيرها.
===============
( 324 )
وعن الصدوق في المقنع والامالي والمجالس: الجواز، ويشهد له صحيح الحلبي المتقدم (* 1). وأما صحيح إبن يقطين قال: " سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن لباس الفراء والسمور والفنك والثعالب وجميع الجلود. قال (عليه السلام): لا بأس بذلك " (* 2) فليس دالا على الجواز، لظهوره في جواز اللبس تكليفا. ومثله صحيح الريان بن الصلت قال: " سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن لبس فراء السمور والسنجاب والحواصل وما أشبهها.. قال (عليه السلام): لا بأس بهذا كله إلا بالثعالب " (* 3). (أللهم) إلا أن يكون بقرينة الاستثناء. نعم في خبر علي بن جعفر (عليه السلام) عن أخيه موسى بن جعفر قال: " سألته عن لبس السمور والسنجاب والفنك. فقال (عليه السلام): لا يلبس ولا يصلي فيه إلا أن يكون ذكيا " (* 4). إلا أنه لا مجال للعمل بها بعد هجرها عند الاصحاب وإعراضهم عنها مع صحة السند، ولاجله لا تصلح لمعارضة الموثق، لسقوطها عن الحجية. وما في المعتبر بعد ذكر صحيحي الحلبي وإبن يقطين من قوله: " وطريق هذين الخبرين أقوى من تلك الطرق ولو عمل بها عامل جاز " ضعيف. والقاقم عن المصباح -: " حيوان ببلاد الترك على شكل الفأرة إلا أنه أطول ويأكل الفأرة ". والظاهر أنه لا إشكال في كونه من غير مأكول اللحم، كما لا إشكال في عدم جواز الصلاة فيه ولم ينسب إلى أحد القول بالجواز فيه. نعم عن قرب الاسناد وكتاب المسائل عن علي بن جعفر (عليه السلام): " عن لبس السمور والسنجاب والفنك والقاقم. قال (عليه السلام):
===============
( 325 )
لا يلبس ولا يصلى فيه إلا أن يكون ذكيا " (* 1). إلا أني لم أجد الخبر المذكور في كتاب مسائل الرجال، والذي حكاه في الوسائل عن قرب الاسناد خال عن ذكر القاقم. مع أنه لا مجال للعمل به بعد الاعراض عنه ومخالفته لعموم المنع. أللهم إلا أن لا يثبت كونه غير مأكول اللحم. والفنك بفتحتين قيل: نوع من الثعلب الرومي، وقيل: نوع من جراء الثعلب التركي. وعن بعض: أنه يطلق على فرخ إبن آوى. قيل: جلده يكون أبيض وأشقر وأبلق، وحيوانه أكبر من السنجاب. نسب المنع فيه إلى المشهور، وعن المفاتيح: الاجماع عليه، ويشهد له موثق إبن بكير. وعن مجالس الصدوق وأماليه: الجواز، وعن المنتهى: أنه أستوجهه. وهو في محله. للتصريح به في جملة من النصوص، كصحيحي إبن راشد ويقطين، وخبر إبن جعفر (عليه السلام) المتقدمة. وفي مكاتبة يحيى بن أبي عمران إلى أبي جعفر الثاني (عليه السلام) التصريح بجواز الصلاة فيه وفي السنجاب والخز. وفي خبر الوليد بن أبان: " قلت للرضا (عليه السلام): أصلي في الفنك والسنجاب؟ قال (عليه السلام): نعم " (* 2). لولا أنها مهجورة ساقطة عن مقام الحجية، كما سبق في السمور، ووجود المعارض المعتد به هناك غير الموثق وعدمه هنا، لا يصلح فارقا بين المقامين. والحواصل: قيل: طيور كبار لها حواصل عظمية. وعن صريح النهاية والاصباح والمبسوط والجامع: جواز الصلاه فيها. وكذا عن ظاهر غيرها. بل تقدم عن المبسوط: أنه لا خلاف في جواز الصلاة فيه وفي السنجاب. وكأنه لخبر بشر بن بشار: " صل في السنجاب والحواصل
===============
( 326 )
[ (مسألة 18): الاقوى جواز الصلاة في المشكوك كونه من المأكول أو من غيره (1)، ] الخوارزمية، ولا تصل في الثعالب ولا السمور " (* 1)، ولصحيح الريان المتقدم في السمور (* 2)، ولما في التوقيع المروي عن الخرائج: " وإن لم يكن لك ما تصلي فيه فالحواصل جائز لك أن تصلي فيه " (* 3)، وصحيح إبن الحجاج على نسخة الاستبصار -: " عن اللحاف من الثعالب أو الخوارزمية أيصلي فيها أم لا؟ قال (عليه السلام): إن كان ذكيا فلا بأس به " (* 4): لكن الاول ضعيف. والثاني غير ظاهر في الصلاة كما عرفت. والثالث مرسل. مع أن الجواز فيه مشروط بفقد ما يصلي فيه. والرابع نسخة التهذيب (* 5) (فيه الجرز منه) قيل الجرز بكسر الجيم وتقديم المهملة على المعجمة من لباس النساء، وكلمة (منه) ظرف ضميره راجع إلى الثعالب، ولا مجال للعمل به مع إختلاف النسخ من ناسخ واحد. مع أن في إقترانه بالثعالب نوعا من التوهين. فلاحظ. وكأنه لذلك كان المشهور المنع إعتمادا على ما دل بإطلاقه على المنع عما لا يؤكل لحمه. أللهم إلا أن يدعى كونها من مأكول اللحم، كما يقتضيه إطلاق ما دل على حلية ما له حوصلة. فلاحظ. (1) كما عن جماعة من المتأخرين، منهم المحقق الاردبيلي، وتلميذه في المدارك، والمحقق الخوانساري، والمحدثان المجلسي والبحراني، والنراقيان
===============
( 327 )
في المعتمد والمستند، وهو المشهور بين المعاصرين. خلافا للمشهور، بل عن الشافية: نسبته إلى الاصحاب، وعن المدارك: نسبته إلى قطعهم، وعن الجعفرية وشرحها: " لو جهل من صلى في جلد أو ثوب من شعر حيوان أو كان مستصحبا في صلاته عظم حيوان ولم يعلم كون ذلك الجلد وذلك الشعر والعظم من جنس ما يصلى فيه فقد صرح الأصحاب بوجوب الاعادة مطلقا (يعني: أن الحكم بوجوب الاعادة إجماعي للاصحاب) " وفي الجواهر بعد قول ماتنه في مبحث الخلل: " إذا لم يعلم أنه من جنس ما يصلى فيه وصلى أعاد " قال (ره): بلا خلاف معتد به أجده، بل في المدارك: هذا الحكم مقطوع به بين الاصحاب ". هذا، والذي يظهر من كلام الاكثر أن مبنى المنع والجواز هو القول بشرطية مأكولية اللحم في لباس المصلي والقول بمانعية محرمية الاكل فيه، وفي المدارك عن المنتهى أنه قال: " لو شك في كون الصوف أو الشعر أو الوبر من مأكول اللحم لم تجز الصلاة فيه. لانها مشروطة بستر العورة بما يؤكل لحمه والشك في الشرط يتقضي الشك في المشروط "، وموضوع كلامه وإن كان هو الساتر، إلا أن عموم المنع مما لا يؤكل لحمه لما كان عاما لمطلق اللباس فإذا تأتت إستفادة الشرطية منه بالنسبة إلى الساتر جرى الكلام بعينه بالنسبة إلى مطلق اللباس. فتأمل. وكيف كان فالذي ينبغي هو التعرض في الجملة لما يستفاد من كلام الجماعة في المقام من نقض وإبرام، فنقول: الكلام يقع في مقامات. (المقام الاول) ما هو مفاد النصوص من حيث الشرطية والمانعية، فنقول: يمكن
===============
( 328 )
بدائيا إستفادة الشرطية المذكورة من أمور: (الاول): قوله (عليه السلام) في موثق إبن بكير المتقدم: " لا تقبل تلك الصلاة حتى يصلي في غيره مما أحل الله تعالى أكله " (* 1)، فإنه ظاهر في إناطة القبول بحلية الاكل، وليست الشرطية إلاعين الاناطة المذكورة والمراد بالقبول فيه الاجزاء، بقرينة بقية الفقرات. (الثاني): قوله (عليه السلام) في الموثق المذكور: " فإن كان مما يؤكل لحمه فالصلاة في وبره وبوله وشعره وألبانه وكل شئ منه جائز "، فإنه صريح في إناطة الجواز بكونه محلل اللحم كما سبق، والمراد من الجواز فيه ما هو ملازم للصحة. (الثالث): ما في رواية أبي تمامة: " ألبس منها ما أكل وضمن؟ " (* 2). (الرابع): ما في رواية علي بن أبي حمزة: " لا تصل إلا فيما كان منه ذكيا قلت: أو ليس الذكي مما ذكي بالحديد؟ فقال (عليه السلام): بلى إذا كان مما يؤكل لحمه " (* 3) فإن كونه من مأكول اللحم إما داخل في مفهوم الذكاة المقيد بها ما يصلي فيه، أو يكون قيدا آخر كالذكاة. (الخامس): ما تضمن النهي عن الصلاة في غير المأكول (* 4)، فإن المفهوم منه عرفا تقييد الصلاة المأخوذة في موضوع الامر بكونها في مأكول اللحم إذا صلى في حيوان، كما أدعى ذلك في مثل قوله: " أكرم
===============
( 329 )
العالم " و " لا تكرم الفاسق "، حيث قيل: إن المفهوم منه عرفا كون موضوع وجوب الاكرام العالم العادل. هذا ويمكن أيضا إستفادة المانعية من أمور: (منها): صدر موثق إبن بكير وهو قوله (عليه السلام): " إن الصلاة في وبر كل شئ حرام أكله فالصلاة في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه وكل شئ منه فاسد "، فإنه ظاهر في إناطة الفساد بمحرمية الاكل التي هي عين إناطة العدم بالوجود التي هي من لوازم المانعية، فإن المانع ما يلزم من وجوده العدم. (ومنها): قوله (عليه السلام): " وإن كان غير ذلك مما قد نهيت عن أكله وحرم عليك أكله فالصلاة في كل شئ منه فاسد " (* 1) والاستفادة منها بعين ما سبق. (ومنها): ما في رواية ابراهيم بن محمد الهمداني الواردة فيما يسقط على الثوب من وبر وشعر ما لا يؤكل لحمه. قال (عليه السلام): " لا تجوز الصلاة فيه " (* 3)، فإن الظاهر مما لا يؤكل ما يحرم أكله، فترتب عدم الصلاة على حرمة الاكل من قبيل ترتب عدم الممنوع على وجود المانع. (ودعوى) أن ما لا يؤكل هو ما لا يحل لحمه فترتب عدم الصلاة عليه من قبيل ترتب العدم على العدم الذي هو من لوازم شرطية الوجود. (فيها): أن مقتضى تسلط النفي على نفس الاكل كون الاكل ممنوعا محرما، ولذا أستفيد التحريم من الجمل المنفية الواردة في مقام الانشاء مثل: (لا يقوم) (ولا يقعد) وكما لا يصح الحمل فيها على معنى: لا يحل أن يقوم، ولا يحل أن يقعد
===============
( 330 )
لا يصح التقدير هنا أيضا. (ومنها): خبر حماد بن عمرو وأنس بن محمد: عن أبيه عن جعفر إبن محمد عن آبائه (عليهم السلام) في وصية النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام): " قال: يا علي لا تصل في جلد ما لا يشرب لبنه ولا يؤكل لحمه " (* 1) بالتقريب المتقدم. ومثله خبر محمد بن إسماعيل: " لا تجوز الصلاة في شعر ووبر ما لا يؤكل لحمه لان أكثرها مسوخ " (* 2)، بل التعليل فيه صريح في المانعية لانه من تعليل العدم بالوجود. (ومنها): الاخبار الخاصة الناهية عن الصلاة في الثعالب والارانب (* 3) والسمور والفنك (* 4) والسباع (* 5) وغير ذلك. (ومنها): تعليل جواز الصلاة في السنجاب بأنه دابة لا تأكل اللحم (* 6)، فإن الظاهر أن المراد منه أنه ليس من السباع، فيكون من قبيل تعليل الصحة بالعدم الذي هو من لوازم المانعية، كتعليل الفساد بالوجود. هذا، وإثبات الشرطية من الامور المتقدمة لا يخلو من إشكال. أما الاول: فلان الظاهر من قوله (صلى الله عليه وآله): " لا تقبل تلك.. " أنه خبر للصلاة بعد خبر، ويكون بيانا لمضمون الخبر الاول أعني: قوله (صلى الله عليه وآله): " فاسدة " بقرينة كون موضوعه إسم الاشارة، الراجع إلى الصلاة فيما لا يؤكل لحمه، فكأنه قال (صلى الله عليه وآله): " الصلاة فيما لا يؤكل
===============
( 331 )
لحمه فاسدة غير مقبولة " وأين هو من الدلالة على الشرطية؟! وإنما تتم الدلالة لو قيل إبتداء: " لا تقبل الصلاة إلا فيما يؤكل لحمه ". وحينئذ يكون الظاهر من قوله (صلى الله عليه وآله): " حتى تصلي في غيره " أن الوجه في القبول إنتفاء المانع. وأما الثاني: فالظاهر أن قوله (عليه السلام): " فإن كان مما يؤكل لحمه.. " إنما سيق تمهيدا لبيان إعتبار التذكية وإناطة الجواز بها، فيكون شرطا لاناطة الجواز بالتذكية، لا شرطا للجواز كالتذكية، ويكون مقيدا للاطلاق المستفاد من قوله (عليه السلام): " حتى تصلي في غيره "، فهو أجنبي عن الدلالة على الشرطية. وأما الثالث: فمع أنه ضعيف السند، وأنه لا تعرض فيه للصلاة أن مفاده بقرينة السؤال على الجواز وعدمه هو جواز لبس المأكول دون غيره، وأين هو من الظهور في الشرطية؟! وأما الرابع: فمع الرمي بالضعف، فيه: أن ما في ذيله من قوله: " قلت: وما لا يؤكل لحمه من غير الغنم؟ قال (عليه السلام): لا بأس بالسنجاب فإنه دابة لا تؤكل اللحم، وليس هو مما نهى عنه رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذ نهى عن كل ذي ناب ومخلب " كالصريح في أن المنع إنما يكون من جهة أنه يأكل اللحم، أو كونه ذا ناب ومخلب، فالحديث بملاحظة الذيل مما يتمسك به على المانعية كما سبق. وأما الخامس: ففيه أن كون الخاص مما يوجب تقييد العام بقيد وجودي ممنوع جدا، ولم يلتزم به في غير المقام أهل القول بالشرطية نعم لا بأس بدعوى تقييده بقيد سلبي وهو عدم الخاص. على أنها لا تخلو من إشكال مذكور في مبحث التمسك بالعام في الشبهات المصداقية.
===============
( 332 )
ومن ذلك يظهر أن دعوى دلالة النصوص على الشرطية ضعيفة جدا والبناء عليها في غير محله، بخلاف دعوى المانعية قوية جدا، والبناء عليها متعين. ثم إنه قد يستشكل على الشرطية بناء على تمامية دلالة النصوص عليها بأنه لا يمكن الاخذ بإطلاق الشرطية، ضرورة جواز الصلاة في غير ما يؤكل لحمه من القطن والكتان وغيرهما من أنواع النباتات. فلا بد إما من الالتزام بكون شرطية المأكول تخييرية يعني: أن الشرط إما القطن أو الكتان أو ما يؤكل لحمه من الحيوان أو غيرها عدا غير المأكول اللحم من الحيوان أو تكون الشرطية منوطة بكون اللباس حيوانيا. والاول خلاف ظاهر الادلة. والثاني مع أنه خلاف ظاهر الادلة غير جائز، لان اللباس الحيواني المفروض وجوده منوطا به الشرطية إن كان من مأكول اللحم. فالشرط حاصل، فالامر به أمر بتحصيل الحاصل وإن كان من غير مأكول اللحم فالشرط ممتنع، والامر به أمر بالممتنع. وفيه: أن المنوط به الشرطية ليس اللباس الحيواني المتشخص بل نفس اللباس الحيواني، وهو يمكن أن يكون على نحوين وإن كان المتشخص منه لا يكون إلا على أحد النحوين بعينه. وكونه خلاف ظاهر الادلة ممنوع، بل هو ظاهر الموثقة التي هي عمدتها وخبري علي بن أبي حمزة وأبي تمامة المتقدمين. ثم إنه قد يبنى على المانعية فيدعى إختصاصها بصورة العلم، (إما) لدعوى: إختصاص أدلتها بصورة العلم باللباس وقصورها عن شمول صورة الجهل به. (وإما) لدعوى: كون الظاهر من العناوين المأخوذة في موضوعات الاحكام خصوص المعلوم منها دون نفس الطبيعة. (وإما)
===============
( 333 )
لدعوى أن العلم شرط في صحة التكليف كالبلوغ والعقل فلا تكليف بالمانعية بدونه (وإما) لدعوى: أن مقتضى الجمع العرفي بين إطلاقات المانعية في المقام وبين مثل صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد الله البصري: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يصلي وفي ثوبه عذرة من إنسان أو سنور أو كلب أيعيد صلاته؟ قال (عليه السلام): إن كان لم يعلم فلا يعيد " (* 1) تخصيص المانعية بصورة العلم فلا مانعية مع عدمه. وفي الجميع ما لا يخفى، إذ الدعوى الاولى: خلاف ظاهر الادلة، فإن عمدتها الموثق، والسؤال إنما كان فيه عن نفس الموضوعات الواقعية التي تكون موضوعا للعلم والشك. (وأما) الدعوى الثانية: فغريبة جدا، إذ الظهور المذكور إن كان مستنده الوضع فهو خلاف ضرورة العرف واللغة، وإن كان مستنده الانصراف فلا منشأ له. (وأما) الدعوى الثالثة ففيها أن العلم إنما يكون شرطا في حسن العقاب عقلا لا في المصلحة وإلا فلا دليل عليه من عقل أو شرع. (وأما) الدعوى الرابعة: ففيها أن الصحيح إنما تضمن صحة الصلاة مع الغفلة أو إعتقاد العدم وليس له تعرض لما نحن فيه أعني: صورة الالتفات والشك كما لا يخفى. وقياس المقام عليه قياس مع الفارق. (المقام الثاني) فيما هو مقتضى الاصول العقلية، فنقول: على تقدير إستفادة الشرطية
===============
( 334 )
من النصوص يتعين الاحتياط بترك الصلاة في المشكوك كونه من محرم الاكل ومحلله، وعلى تقدير إستفادة المانعية تجوز الصلاة فيه، ويكتفى بها في مقام الامتثال كما تقدم في كلام العلامة (ره). أما الاول: فلانه مع الشك في حل الاكل وحرمته يشك في حصول الشرط، ومعه يجب الاحتياط، للعلم بإشتغال الذمة به الموجب عقلا للعلم بحصول الامتثال، لما إشتهر من أن شغل الذمة اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني نعم يختص ذلك بما لو أحرز كون اللباس حيوانيا لما عرفت من أن الظاهر من نصوص الشرطية على تقدير تماميتها كون الشرطية منوطة بما إذا كان اللباس حيوانيا، وعليه فإذا شك في كونه كذلك كانت الشرطية مشكوكة: والاصل فيها البراءة. نعم لو قلنا بالشرطية التخييرية بمعنى: أن الشرط إما القطن أو الكتان أو الحيواني المأكول فمع الشك في حيوانيته وكونه من مأكول اللحم يجب الاحتياط، لقاعدة الاشتغال، لكن المبنى المذكور ضعيف. وربما يتوهم عدم وجوب الاحتياط بناء على الشرطية، المبنى المذكور ضعيف. وربما يتوهم عدم وجوب الاحتياط بناء على الشرطية، بدعوى أن مقتضى تعلق الشرط بأمر خارجي هو إناطة التقييد به بوجود ذلك الخارجي قياسا على التكاليف النفسية مثل: (أكرم العالم) ونحوه، فكما أنه ظاهر في إناطة وجوب الاكرام بوجود العالم، كذلك في المقام يكون التقييد باللبس منوطا بوجود وصف المأكول، فمع الشك فيه يكون الشك في الشرطية، والاصل البراءة. وضعفه ظاهر، إذ وصف المأكول إذا أخذ منوطا به الشرطية كيف يكون موضوعا لها؟ وثبوت ذلك في مثل: (أكرم العالم) و (أهن الفاسق) ليس مقتضى التركيب اللغوي بل هو مقتضى القرائن الخاصة، ولذا لا يلتزم به في مثل: (أعتق رقبة مؤمنة) نعم قد تقوم القرينة على ذلك في بعض الموارد، مثل: (أكرم العالم)
===============
( 335 )
و (أهن الفاسق) و (تصدق على الفقير)، ولا مجال لقياس غيره عليه ولا سيما مع إمتناعه كما عرفت. وأما الثاني: فلانه مع الشك في المأكولية يكون الشك في مانعية ذلك اللباس، والاصل البراءة. فإن قلت: هذا يتم لو كان موضوع المانعية محلوظا بنحو الطبيعة السارية بحيث يكون كل ما يفرض من الحيوان الذي لا يؤكل لحمه مانعا مستقلا في قبال غيره من الافراد، إذ حينئذ يرجع جعل المانعية إلى جعل مانعيات متعددة بتعدد أفراد الحيواني المذكور، فإذا علم بفردية اللباس للحيواني المذكور فقد علم بالمانعية، وإذا شك فيها فقد شك في أصل مانعيته، فيرجع إلى أصل البراءة كما يرجع إليه لو شك في المانعية للشبهة الحكمية. أما لو كان ملحوظا بنحو صرف الوجود فلا يكون شك في المانعية، إذ يعلم بجعل مانعية واحدة لصرف الوجود الصادق على القليل والكثير، وإنما الشك في إنطباق المانع عليه، فلا مجال لاصل البراءة، لاختصاص مجراه بالشك بالتكليف، وهو مفقود. وكما يفترق اللحاظان بما ذكر أعني: جواز الرجوع إلى البراءة في الشك في الاول وعدمه في الثاني يفترقان أيضا في أنه لو أضطر إلى إرتكاب بعض أفراد يجب الاجتناب عن بقية الافراد على الاول، لان إرتكاب ما عدا المقدار المضطر إليه إرتكاب للمانع بلا ضرورة مسوغة، وليس كذلك على الثاني، إذ ليس للمقدار الزائد على المضطر إليه منع غير المنع الحاصل منه المفروض جوازه للضرورة. هذا وحيث يدور الامر بين اللحاظين فمقتضى الاطلاق هو الثاني لان إسم الجنس موضوع لنفس الماهية، فملاحظة خصوصيات حصص الافراد بحيث يكون كل واحد منها ملحوظا في قبال غيره غيره يحتاج إلى قرينة.
===============
( 336 )
قلت: أولا: أنه يمكن الرجوع إلى البراءة فيما لو كان الموضوع ملحوظا على النحو الثاني أيضا، لان صرف الوجود الملحوظ موضوعا للمانعية لما كان يتحد مع تمام الافراد، فالفرد المشكوك على تقدير فرديته يكون موضوع الانطباق، فيكون موضوع الانطباق موضوعا للمانعية، وعلى تقدير عدمها يكون كذلك، فالشك في الفرد يستتبع الشك في إتساع المانعية بنحو تشمله، فيكون الشك في التكليف به. والعلم بوحدة المانعية لوحدة موضوعها، لا يخرج المقام عن كونه من الشك في التكليف وعن كون العقاب عليه عقابا بلا بيان، كما أشرنا إلى ذلك في تعليقتنا على الكفاية في مبحث الشبهة الموضوعية التحريمية. وثانيا: أن مقتضى الاطلاق وإن كان هو الثاني، إلا أن الظاهر في النواهي النفسية والغيرية هو الاول، لغلبة كون المفسدة الباعثة عليها موجودة في كل فرد لنفسه في قبال غيره، ولذا بني عليه في عامة النواهي النفسية، مثل: (لا تشرب الخمر) و (لا تأكل النجس) و (لا تكذب).. إلى غير ذلك من الموارد التي لا تدخل تحت الحصر، مع عدم البناء منهم على وجود قرينة خاصة، كما يظهر بأقل تأمل في الموارد. (المقام الثالث) فيما يقتضيه أصل الحل، فنقول: قد يقال: إن مقتضى جريان أصالة الحل في الحيوان المأخوذ منه اللباس صحة الصلاة فيه، سواء أستفيد من النصوص الشرطية أم المانعية. أما على الاول: فواضح، لان الاصل المذكور يثبت الشرط فيترتب
===============
( 337 )
عليه صحة المشروط. وأما على الثاني: فلان الحل وإن كان ضدا للحرمة، وجعل أحد الضدين ظاهرا لا يستلزم نفي الآخر كذلك، إلا أن الظاهر من دليل الاصل مثل صحيح إبن سنان: " كل شئ فيه حلال وحرام فهو لك حلال أبدا حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه " (* 1)، وخبر مسعدة بن صدقة: " كل شئ هو لك حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه فتدعه " (* 2) جعل الحل بلحاظ كل من أثر الحل وأثر الحرمة. وبعبارة أخرى: الظاهر منه جعل الحل بلحاظ أثره ونفي الحرمة بلحاظ أثرها، فيقتضي نفي أثر الحرمة كما يقتضي ثبوت أثر الحل، فإذا كان المنع عن الصلاة من آثار حرمة الاكل كان منفيا بمقتضى الاصل، وإذا إنتفى المنع صحت الصلاة. فإن قلت: هذا يتم لو كان الحيوان محلا للابتلاء بالاكل، أما إذا كان خارجا عن الابتلاء كما هو الغالب من كون الحيوان مفقودا منذ دهر طويل والابتلاء إنما هو باللباس المعمول من صوفه أو جلده مثلا فلا معنى لاصالة حل الاكل. قلت: يكفي في صحة جريان الاصل المذكور في الحيوان الابتلاء باللباس المعمول منه، فإنه كاف في رفع لغوية الجعل المذكور وصحته، وهذا نظير ما لو غسل الثوب بماء ثم شك في طهارة ذلك الماء، فإنه يكفي في صحة جريان أصالة الطهارة في الماء الابتلاء بالثوب وإن كان الماء المغسول به معدوما. أقول: الشك في الحل والحرمة: (تارة): يكون من جهة
===============
( 338 )
الشبهة الموضوعية، (وأخرى): من جهة الشبهة الحكمية، مثل أن لا يعلم كون السمور مما يحل أكله أو لا؟ والاول: (تارة): يكون مع تعين الحيوان خارجا وتردده بين عنوانين، كأن لا يعلم أن الحيوان المعين أرنب أو غزال. (وأخرى): مع تردده بين معلومين، كأن لا يدري أن هذا الوبر أخذ من هذا الارنب أو من ذلك الغزال؟ هذا ولا يخفى أن إجراء أصالة الحل في الاول من نوعي الشبهة الموضوعية يتوقف (أولا): على كون الاثر الشرعي في المقام مترتبا على نفس حلية الاكل لا على نفس موضوعاتها. (وثانيا): على كون المراد من الحلية الحلية الفعلية بمعنى: الرخصة فعلا في الاكل، لا بمعنى الحلية الاولية الثابتة للموضوعات بالنظر إليها أنفسها من حيث كونها حيوانا. أما التوقف على الاول: فلانه لو كان الاثر في المقام ثابتا لنفس موضوعات الحلية بحيث يكون في عرضها بلا دخل لها فيه، فلا مجال للاصل المذكور، لان المقصود من إجرائه ترتب الاثر الذي هو محل الكلام عليه، وترتبه موقوف على كونه أثرا لمجراه، فإذا فرض أنه ليس أثرا لمجراه لم يمكن أن يترتب بإجرائه إلا على القول بالاصل المثبت. وأما التوقف على الثاني: فلان الظاهر من الحل المجعول بالاصل المذكور هو الحلية الفعلية أعني: الرخصة فعلا فإن كان الاثر المقصود إثباته في المقام أثرا لتلك الحلية ترتب بإجراء الاصل، أما إذا كان أثرا لغيرها أعني: الحلية الاولية الثابتة للحيوان من حيث كونه حيوانا التي لا تنافي المنع الفعلي لاجل كون الحيوان مغصوبا أو مضرا للآكل مثلا إمتنع أن يترتب بإجراء الاصل المذكور، حيث أنه لا يثبت موضوعه كي يترتب بإجرائه، وإنما يثبت موضوعا آخر غير موضوعه. هذا، وكلا
===============
( 339 )
الامرين غير ثابت. أما الاول: فلان جملة من نصوص المقام قد جعل فيها موضوع الاثر ذوات العناوين الاولية، التي هي موضوع الحرمة مثل ما دل على المنع عن الصلاة في الثعالب والارانب (* 1) والسمور (* 2) والسباع (* 3). ونحوها، ولم يتعرض فيها لكون الحرمة دخيلة في موضوع الاثر. وبعضها وإن تعرض لها مثل الموثق وغيره، إلا أن التعليل في هذا البعض بمثل: " إن أكثرها مسوخ " (* 4) وبمثل: " إنه دابة تأكل اللحم " (* 5) يعين حمله على الطائفة الاولى بأن يكون عنوان محرم الاكل لوحظ مرآة إلى ذوات الموضوعات الاولية، لا على أن يكون بنفسه موضوعا للاثر في المقام. وأما الثاني: فلانه لو كان المراد من الحلية في المقام الرخصة الفعلية لزم عدم جواز الصلاة فيما لا تحله الحياة من ميتة الغنم، وجواز الصلاة فيما يؤخذ من الارنب مثلا عند الاضطرار إلى أكله، لعدم الرخصة الفعلية في الاول وثبوتها في الثاني، وهو مما لا يمكن الالتزام به فدل على أن المراد من الحلية والحرمة الاوليتان الثابتتان للموضوعات الاولية من حيث كونها حيوانا، والاصل المذكور لا يصلح لاثبات الحلية بهذا المعنى ولا لنفي الحرمة كذلك، لما عرفت من أن مفاده ليس إلا جعل الرخصة الفعلية ونفي المنع الفعلي، ولذا لا يجري مع العلم بالحلية من جهة الاضطرار ولا مع العلم بالحرمة من جهة
===============
( 340 )
الاضرار بالنفس لا غير. ومن ذلك كله تعرف عدم صحة إجرائه في الشبهة الحكمية لاجل الاثر المذكور، فإذا شككنا في الحواصل الخوارزمية أنها مما يؤكل لحمه أولا، لا مجال لجريان أصالة الحل لاثبات كونه حلال الاكل ليترتب عليه جواز الصلاة في اللباس المأخوذ منه، وإن قلنا بجواز إجرائها لاثبات جواز أكله ظاهرا. وأما النوع الثاني: من الشبهة الموضوعية أعني: ما لو كان المأخوذ منه اللباس مرددا بين فردين من معلومي الحكم فإجراء أصالة الحل في الحيوان المردد لاثبات جواز الصلاة في المأخوذ منه يشكل مضافا إلى ما ذكر بأن موضوع الاصل إن كان العنوان الذي له الاثر، فليس هو بمشكوك، لان المفروض كون كل من الحيوانين المتعينين معلوم الحكم، وإن كان عنوانا آخر مثل أن نقول في المقام: (الحيوان الذي أخذ منه هذا اللباس) فهو وإن كان مشكوكا، إلا أنه ليس موضوعا للاثر، كما أشرنا إلى ذلك في غير موضع من هذا الشرح مما يكون مجرى الاصل المفهوم المردد أو الفرد المردد، وتوضيح ذلك موكول إلى محله من مبحث الاستصحاب. فتحصل مما ذكرنا كله: أنه لا مجال لاجراء أصالة الحل في الحيوان لاثبات صحة الصلاة في المأخوذ منه. وهناك تقريبات أخرى لاصل الحل في المقام أوضح إشكالا مما سبق. منها: أن يقال: إن الحل في دليل القاعدة يراد منه الحلية الوضعية، بمعنى: النفوذ وترتب الاثر، مثل: (وأحل الله البيع) (* 1) فيقال الصلاة في المشكوك لا يعلم أنها مما يترتب عليها الاثر المقصود من الصلاة،
===============
( 341 )
فهي محكومة بأنها يترتب عليها الاثر إلى أن يعلم خلاف ذلك. وفيه مع أنه حمل دليل القاعدة على هذا المعنى خلاف المقطوع به منه كما يشهد به قوله (عليه السلام) في رواية مسعدة: " وذلك مثل الثوب.. " الظاهر بل الصريح في أن موضوع تطبيق القاعدة نفس الثوب وإخوته، وليس هو مما له أثر يشك في ترتبه عليه وعدمه وكذا قوله (عليه السلام): " فتدعه.. " أنه يلزم من ذلك البناء على صحة كل عقد أو إيقاع يشك في ترتب الاثر عليه عند الشارع، وكذا البناء على الصحة ظاهرا مع الشك في الشرط الذي لاإشكال في أنه مجرى لقاعدة الاشتغال، فإذا شك في الطهارة من الحدث يجوز له أن يصلي للشك في ترتب الاثر على الصلاة المذكورة، وكل ذلك مما لا يمكن الالتزام به. ومنها: أن الشك في اللباس يستلزم الشك في مشروعية التعبد بالصلاة فيه وحليته، فإذا جرت القاعدة وثبتت حلية التعبد بها ثبت ظاهرا أنه ليس بمانع. وفيه: (أولا): أن الاثر المقصود في المقام أعني: إجزاء الصلاة وكونها فردا من المأمور به ليس من الآثار الشرعية لحلية التعبد كي يترتب بإثباتها بالاصل، بل هو من اللوازم الخارجية، فإثباته بها مبني على القول بالاصل المثبت. (وثانيا): أن موضوع أصالة الحل هو الشك في الحلية والحرمة، وكون المقام منه موقوف على كون جواز التعبد وعدمه من أحكام ثبوت المشروعية واقعا وعدمها حتى يكون الشك فيه شكا فيه، وليس كذلك، لان التحقيق عدم جواز التعبد بما لم يعلم تشريعه، فتكون الحرمة ثابتة بنفس الشك في المشروعية، فلا مجال لاصالة الحل، لعدم الشك في الحل والحرمة. وبالجملة: المستفاد من أدلة حرمة التشريع عقليها ونقليها: أن موضوعها عدم العلم بالمشروعية لا عدم المشروعية واقعا، فمع الشك في
===============
( 342 )
المشروعية يتحقق موضوع حرمة التشريع واقعا، فتثبت، لا أنه مع الشك في المشروعية يشك في حرمة التشريع كي يتحقق موضوع قاعدة الحل وتكون هي المرجع. ولو سلم كون موضوع حرمة التشريع هو عدم المشروعية واقعا، فالشك في المشروعية وعدمها وإن كان يستوجب الشك في الحلية والحرمة، إلا أنه لا مجال لاجراء أصالة الحل (أولا): من جهة جريان أصالة عدم المشروعية، فإنه على هذا القول لا مانع من إجرائها لترتب الاثر على مجراها، وهي حاكمة على أصالة الحل. (وثانيا): من جهة أنه على هذا القول يتعين حمل ما دل على عدم جواز التعبد بما لم يعلم على كونه حكما ظاهريا لا واقعيا كما هو مبنى القول الاول وإذا ثبت مثل هذا الحكم الظاهري وجب رفع اليد عن عموم أصالة الحل، لتخصيص دليلها بدليله. وبالجملة: فهذا التقريب موهون جدا. ومنها ما قيل من أن مرجع الشك في المانعية إلى الشك في منع الشارع من إيقاع الصلاة فيه وترخيصه فيه، فإذا جرت أصالة الحل فقد ثبت ترخيص ظاهري في جواز الصلاة فيه، ولازم ذلك الترخيص الاكتفاء بالصلاة فيه. (وتوهم) إختصاص قاعدة الحل بالحل النفسي (مدفوع) بأنه خلاف إطلاق دليلها. ولا يجري هذا التقريب على القول بالشرطية، لعدم إنتزاعها من المنع كي يكون الشك فيها شكا في المنع والرخصة كي يكون من موارد قاعدة الحل. أقول: التحقيق أن الشرطية والمانعية كلتيهما إما منتزعتان من الامر بالمقيد بالوجود أو العدم، أو من نفس التقييد بالوجود أو العدم في رتبة سابقة على الامر به، ولا دخل للنهي في إنتزاع المانعية بوجه. وما ورد في النصوص مثل قوله (عليه السلام): " لا تحل الصلاة في حرير محض " (* 1)
===============
( 343 )
وقوله (عليه السلام) في الحرير: " فحرم على الرجال لبسه والصلاة فيه " (* 2) ونحوهما مما هو كثير، محمول على النهي العرضي، لان الامر بالصلاة بالمقيد بالعدم يستلزم النهي عن ضده العام، وهو ترك الصلاة المقيدة بالعدم، وهذا الترك لازم للصلاة المقيدة بالوجود، كما هو الحال في الضد الوجودي فإنه ملزوم للضد العام الحرام، كما هو محرر في محله من مسألة الضد. ومن الغريب دعوى ثبوت هذا النهي، فضلا عن دعوى كونه منشأ إنتزاع المانعية. منع أنه لو سلم إقتضاء الامر بالمقيد بالعدم النهي عن المقيد بالوجود لم يكن فرق بين الشرطية والمانعية في ذلك. إذ يقال أيضا: إن الامر بالمقيد بالوجود يقتضي النهي عن المقيد بالعدم بعين الاقتضاء السابق، فيكون الشك في وجود الشرط مستتبعا للشك في حرمة الفاقد والترخيص فيه، فيكون مجرى لقاعدة الحل أيضا. نعم هنا شئ وهو أن الامر بالمقيد بالعدم لما كان مستتبعا للامر الغيري بالقيد العدمي كان مستتبعا للنهي الغيري عن نقيضه وهو الوجود، لقاعدة أن الامر بالشئ يقتضي النهي عن ضده العام، فمع الشك في المانعية يشك في حرمة المشكوك وحليته، فيكون من هذه الجهة موردا لقاعدة الحل. ولا يطرد ذلك على الشرطية، لان القيد الوجودي إذا كان واجبا فمع الشك في وجوده يكون الشك في فعل الواجب، فيجب اليقين بالفراغ لا في حليته وحرمته. ليرجع إلى قاعدة الحل. لكن التقريب على النهج المذكور يتوقف على كون القيد العدمي للصلاة إختياريا للمكلف، ليمكن تعلق الامر الغيري به والنهي الغيري
===============
( 344 )
بنقيضه، بأن يكون الموضوع الواجب الصلاة المقيدة بعدم لبس ما لا يؤكل لحمه، فإن اللبس مما يمكن تعلق النهي به نفسيا أو غيريا. أما إذا لم يكن كذلك مثل عدم ما لا يؤكل لحمه، فيكون الواجب الصلاة المقيدة بعدم ما لا يؤكل لحمه، فلا مجال لتعلق الامر الغيري به والنهي الغيري بنقيضه ولا لان يكون موضوعا للشك في الحل والحرمة ليكون موضعا للقاعدة. والمستفاد من أدلة الباب هو الثاني، فإنها إنما تضمنت الصلاة فيما لا يؤكل لحمه، لا الصلاة لابسا ما لا يؤكل لحمه، فحرف الظرفية هو حرف التقييد ومدخوله هو القيد لا غير. هذا مضافا إلى أن نقيض القيد العدمي للواجب وإن كان موضوعا للنهي الغيري، إلا أنه لا ينطبق على مطلق الوجود، بل خصوص الوجود الذي يكون علة لعدم المأمور به أعني: المقيد، فلو صلى في أول الوقت فيما لا يؤكل لحمه لم يكن مثل هذا القيد حراما ولا مبغوضا، لامكان أن يصلي بعد ذلك بما لا يكون مما لا يؤكل كما هو ظاهر. نعم يتم ذلك لو صلى في آخر الوقت. فلاحظ. (المقام الرابع) فيما يقتضيه الاستصحاب فنقول: (تارة): يقصد إجراؤه في نفس الحيوان المأخوذ منه اللباس، فيقال: الاصل عدم كونه محرم الاكل، و (أخرى): في نفس اللباس، فيقال: الاصل عدم كونه مأخوذا من محرم الاكل. و (ثالثة): في نفس المصلي، فيقال: الاصل عدم كونه لابسا مما يؤكل لحمه. (ورابعة): في نفس الصلاة، إما بأن يقال: كانت الصلاة قبل لبس هذا اللباس صحيحة فهي بعد لبسه باقية على ما كانت. أو بأن يقال:
===============
( 345 )
الاصل عدم تحقق الصلاة فيما لا يؤكل لحمه، بنحو مفاد ليس التامة. أو بأن يقال: الاصل عدم كون الصلاة الواقعة كائنة فيما لا يؤكل لحمه. والاول: يجري فيه الاشكال المتقدم في جريان أصالة الحل في الحيوان من التوقف على كون التحريم ملحوظا موضوعا لا طريقا، إذ لو كان طريقا إلى العناوين الاولية فأصالة عدم كون الحيوان الخاص أرنبا أو غيره لا تجري ولو قلنا بجريان أصالة العدم الازلي، لاختصاص ذلك بغير الذاتيات كما يأتي. وأيضا موقوف على كون الحيوان معينا لامرددا بين فردين معلومي الحال حسبما عرفت. والثاني: يتوقف على جريان الاستصحاب في العدم الازلي الذي قد أشتهر الاشكال فيه. فإن قلت: لو قيل بصحة إستصحاب العدم الازلي فإنما ذلك فيما كان من عوارض الوجود، أما الذاتيات وعوارض الماهية فلا حالة لها سابقة إذ هي من الازل إما متصفة بها أو غير متصفة، فلا يقين سابق بعدم الاتصاف كي يصح إستصحابه، وكون المقام من الاول يتوقف على كون الحرمة ملحوظة موضوعا للمانعية، أما إذا كانت ملحوظة مرآة إلى الذوات الخاصة وكأنه قيل: (لا تصل في وبر الارنب) مثلا فالوبرية ذاتية للارنب، فلا يصح أن يقال: قبل أن يوجد هذا اللباس لم يكن وبرا للارنب كي يستصحب هذا العدم. قلت: وبرية الوبر ذاتية، لكن وصف وبرية الارنب الناشئ من منشأ إعتبار الاضافة إلى الارنب ليس ذاتيا للوبر، ولا من لوازم ماهيته إذ ليس حقيقة وبر الارنب غير حقيقة سائر أنواع الوبر، بل الحقيقة واحدة، وإنما الاختلاف في بعض الخصوصيات الزائدة على الذات الناشئة
===============
( 346 )
من نبات الوبر في جلده، وهكذا الحال في بقية أجزاء الارنب. فإن قلت: موضوع الحكم يكون تارة: الصلاة لا فيما يحرم أكله، فيكون العدم قيدا للصلاة، موضوع الحكم يكون تارة: الصلاة لا فيما يحرم أكله، فيكون العدم قيدا للصلاة، وأخرى: الصلاة فيما لا يحرم أكله، فيكون العدم قيدا للباس. وأصالة عدم كون اللباس مما يحرم أكله إنما تنفع على الثاني، لانها تثبت قيدا للموضوع بلا واسطة، أما على الاول كما لعله ظاهر الادلة فإنما تثبته بالملازمة بينه وبين مجراها. لانه إذا ثبت كون اللباس ليس مما يحرم فقد ثبت عدم كون الصلاة فيما يحرم، فإجراؤها يتوقف على القول بالاصل المثبت. قلت: الحرمة على الاول أخذت قيدا للصلاة، لانها قيد للموصول الذي هو قيد للعدم، الذي هو قيد للصلاة، وإذا كانت كذلك صح جريان الاصل فيها وجودا وعدما، فكما أنه لو جرى إستصحاب الحرمة لم يكن من الاصول المثبتة، كذلك إستصحاب عدم الحرمة، وقد عرفت لم يستشكل أحد في جريان أصالة الحل في الحيوان من هذه الجهة، ولا فرق بينها وبين أصالة عدم الحرمة كما هو ظاهر. والمايز بين الاصل المثبت وغيره: أن المثبت مالا يكون مجراه قيدا في القضية الشرعية، وغيره ما يكون مجراه قيدا فيها، بأن يكون واقعا في سلسلة التقييد. والثالث: يتوقف على كون القيد المذكور قيدا للمصلي، وهو خلاف ظاهر الادلة كما عرفت. والرابع: يختص بما لو كان اللبس في الاثناء. لكن الاشكال في إستصحاب الصحة مشهور. نعم لو كان المراد إستصحاب عدم كونها فيما لا يحل أكله كان الاستصحاب في محله. والخامس: ليس مجراه موضوعا للاثر، إذ العلم بعدم تحقق الصلاة
===============
( 347 )
فيما لا يحل أكله لا يجدي في حصول الفراغ عقلا، فضلا عن إستصحابه، وإنما الذي يجدي في ذلك إحراز كون الصلاة الواقعة في الخارج لا فيما لا يؤكل، وإثبات ذلك بالاصل المذكور يتوقف على القول بالاصل المثبت. والسادس: لا غبار عليه، لانه محرز للواجب كسائر الاصول المحرزة، كإستصحاب الطهارة، وقاعدة التجاوز، وقاعدة الفراغ، ونحوها إلا أنه من قبيل الاصل الجاري في العدم الازلي الذي قد إشتهر الاشكال فيه، وقد تعرضنا في كتاب الطهارة لجهات الاشكال فيه ودفعها. وعليه فلا بأس بالبناء عليه فيما كان من عوارض الوجود، والعرف لا يأباه، وإن كان لا يخلو من خفاء. وكذلك مذاق الفقه كما يظهر من كلماتهم فيما لو شك في المرأة أنها قرشية، فراجع. فلا مانع في المقام من الرجوع إلى أصالة عدم كون الصلاة فيماى حرم أكله. ثم إن الاصول المذكورة على إختلافها لو سلم جريانها في نفسها فإنما تجري بناء على المانعية، ولا مجال لجريانها بناء على الشرطية، لان الاصل العدمي لا يحرز الشرط الوجودي. نعم إستصحاب صحة الصلاة لو تم يجري على البناءين، لان الصحة تكون من حيث وجدان القيد الوجودي كما تكون من حيث وجدان القيد العدمي. هذا وقد كنا عزمنا حين الشروع في هذه المسألة أن نخرج بها عن وضع هذا المختصر، لكثرة الاهتمام بها، غير أنه لم يساعدنا التوفيق، لكثرة الشواغل الفكرية، الداخلية والخارجية، النوعية والشخصية، ولذلك إعتمدنا في جملة مما ذكرنا على رسالة لبعض الاعيان في هذه المسألة نسأله سبحانه مزيد العناية وكامل الرعاية، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي
===============
( 348 )
[ فعلى هذا لا بأس بالصلاة في الماهوت. وأما إذا شك في كون شئ من أجزاء الحيوان أو من غير الحيوان فلا إشكال فيه (1).