فصل في القبلة وهي المكان الذي وقع فيه البيت شرفه الله تعالى من تخوم الارض إلى عنان السماء (1)، للناس كافة، للقريب والبعيد، لا خصوص البنية. ] الطهارة، ولايحتاج إلى تجديدها بالاضافة إلى صلاة أخرى. قلت: الدخول في صلاه أخرى ليس من الآثار العملية لثبوت الطهارة حال الصلاة التي فرغ منها، وإنما هو أثر عملي لكونه على طهارة في حال الدخول في الصلاة الثانية، وكونه على طهارة في تلك الحال ملازم لكونه على طهارة في حال الصلاة الاولى، فإثباتها بقاعدة التجاوز موقوف على القول بالاصل المثبت. هذا ولا بأس بمراجعة ما كتبناه في مبحث الخلل فإن له نفعا في المقام. فصل في القبلة (1) بلا خلاف، كما عن المفاتيح. وعن المنتهى: " لا نعرف فيه خلافا بين أهل العلم ". وفي كشف اللثام: " إنه إجماع من المسلمين ". ويشهد له مرسل الفقيه: " قال الصادق (عليه السلام): أساس البيت من الارض السابعة السفلى إلى الارض السابعة العليا " (* 1)، وخبر عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام): " سأله رجل قال: صليت فوق أبي قبيس العصر
===============
( 175 )
[ ولا يدخل فيه شئ من حجر إسماعيل (1) وإن وجب إدخاله ] فهل يجزئ ذلك والكعبة تحتي؟ قال (عليه السلام): نعم إنها قبلة من موضعها إلى السماء "، وخبر خالد بن أبي إسماعيل: " قلت لابي عبد الله (عليه السلام) الرجل يصلي فوق أبي قبيس مستقبل القبلة. فقال (عليه السلام): لا بأس " (* 2) (1) كما عن الاكثر، لصحيح معاوية بن عمار: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الحجر أمن البيت هو أم فيه شئ من البيت؟ قال (عليه السلام): لا ولا قلامة ظفر، ولكن إسماعيل دفن فيه أمه فكره أن يوطأ فجعل عليه حجرا، وفيه قبور أنبياء " (* 3). ومثله في الدلالة على أن فيه قبر إسماعيل أو عذارى بناته، أو قبول جملة وافرة من النصوص مذكورة في أبواب الطواف من الوسائل (* 4). ومنه يظهر ضعف ما عن نهاية الاحكام والتذكرة: من جواز إستقباله لانه عندنا من الكعبة. وما في الذكرى: من أن ظاهر الاصحاب أن الحجر من الكعبة بأسره، وأنه قد دل النقل على أنه كان منها في زمن إبراهيم وإسماعيل إلى أن بنت قريش الكعبة، فأعوزتهم الآلات فاختصروها بحذفه، وكذلك كان في عهد النبي (صلى الله عليه وآله) ونقل عنه (صلى الله عليه وآله) الاهتمام بإدخاله في بناء الكعبة، وبذلك أحتج إبن الزبير حيث أدخله فيها ثم أخرجه الحجاج بعده ورده إلى ما كان. ولان الطواف يجب خارجه، وللعامة خلاف في كونه من الكعبة بأجمعه أو بعضه أو ليس منها وفي الطواف خارجه. وبعض الاصحاب له فيه كلام أيضا مع إجماعنا على وجوب إدخاله في الطواف إنتهى. وعن جماعة من علمائنا الاعتراف بعدم الوقوف
===============
( 176 )
[ في الطواف (1). ويجب إستقبال عينها (2)، لا المسجد أو الحرم ولو للبعيد. ] على النقل الذي إدعاه من طريق الاصحاب. قال في المدارك: " وما إدعاه من النقل لم أقف عليه من طرق الاصحاب ". وفي كشف اللثام قال: " وما حكاه إنما رأيناه في كتب العامة وتخالفه أخبارنا "، ثم ذكر صحيح معاوية بن عمار المتقدم وغيره. (1) لعدم الملازمة بين الطواف وما نحن فيه. (2) كما عن السيد، وإبن الجنيد، وأبي الصلاح، وإبن إدريس، والمحقق في النافع. ونسب إلى المتأخرين بل إلى الاكثر والمشهور. وكلام أكثرهم وإن كان: " الكعبة قبلة القريب وجهتها قبلة البعيد "، لكن مرادهم من الجهة ما سيأتي، فيرجع إلى أنها قبلة مطلقا. ويشهد له النصوص المستفيضه بل المتواترة التي عقد لها في الوسائل بابا وإن لم يستوفها فيه (* 1). فراجعه. وفي حاشية المدارك: " إن كون الكعبة قبلة من ضروريات الدين والمذهب حتى أن الاقرار به يلقن الاموات فضلا عن الاحياء كالاقرار بالله تعالى ". ونحوها غيرها. وفي الجواهر: " يعرفه الخارج عن الاسلام فضلا عن أهله ". ومع ذلك حكي عن الشيخين وجماعة من القدماء وبعض المتأخرين: أن الكعبة قبلة لمن في المسجد، وهو قبلة لمن في الحرم. وهو قبلة لمن خرج عنه. وفي الشرائع: أنه الاظهر. وفي الذكرى: نسبه إلى أكثر الاصحاب. وعن الخلاف: الاجماع عليه. وأستدل له مضافا إلى الاجماع المذكور، وما عن مجمع البيان من نسبته إلى أصحابنا بمرسل
===============
( 177 )
عبد الله بن محمد الحجال عن بعض رجاله عن أبي عبد الله (عليه السلام): " إن الله تعالى جعل الكعبة قبلة لاهل المسجد، وجعل المسجد قبلة لاهل الحرم وجعل الحرم قبلة لاهل الدنيا " (* 1). ونحوه مرسل الفقيه عن الصادق (عليه السلام) (* 2) وخبر بشر بن جعفر الجعفي عن جعفر بن محمد (عليه السلام) (* 3)، بل لا يبعد إتحاد الاولين. ويعضدهما خبر أبي عزة: " قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): البيت قبلة المسجد، والمسجد قبلة مكة، ومكة قبلة الحرم، والحرم قبلة الدنيا " (* 4). ويشير إليهما ما ورد في إستحباب التياسر لاهل العراق (* 5). ولكن الجميع كما ترى، إذ الاجماع لا مجال للاعتماد عليه مع ظهور الخلاف. ولذا قال في المعتبر في الجواب عن إحتجاج الشيخ (ره) في الخلاف بإجماع الفرقة -: " أما الاجماع فلم نتحققه لوجود الخلاف من جماعة من أعيان فضلائنا ". وأما الاخبار فمع ما هي عليه من الضعف بالارسال وغيره وإختلافهما فيما بينها، بل قيل بعدم القائل بمضمون الاخير منها، لا تصلح لمعارضة ما سبق، لكثرة العدد، وصحة السند، والاعتضاد بما عرفت، فلا يبعد حملها على إرادة بيان إتساع جهة المحاذاة للبعيد كما يشير إليه بعض القائلين بمضمونها. فعن المقنعة: " القبلة هي الكعبة، ثم المسجد قبلة لمن نأى عنها، لان التوجه إليه توجه إليها " أو على إراده المواجهة من الاستقبال، فمن كان خارج المسجد إنما يواجه المسجد، ومن كان خارج مكة إنما يواجه مكة، ومن كان خارج الحرم إنما يواجه الحرم. ولعل
===============
( 178 )
[ ولا يعتبر إتصال الخط من موقف كل مصل بها (1)، بل المحاذاة العرفية كافية غاية الامر أن المحاذاة تتسع مع البعد، وكلما إزداد بعدا إزدادت سعة المحاذاة، كما يعلم ذلك بملاحظة الاجرام البعيدة وكلما إزدادت بعدا إزدادت سعة المحاذاة، كما يعلم ذلك بملاحظة الاجرام البعيدة كالنجوم ونحوها، فلا يقدح زيادة عرض صف المستطيل عن الكعبة في صدق محاذاتها كما نشاهد ذلك بالنسبة إلى الاجرام البعيدة. والقول بأن القبلة للبعيد سمت الكعبة وجهتها راجع في الحقيقة إلى ما ذكرناه. وإن كان مرادهم الجهة العرفية المسامحية فلا وجه له. ] ترك مكة في الخبرين الاولين لامكان مواجهة المسجد لمن بعد عن البلد، لارتفاع جدرانه، وإلا فالالتزام بظاهرها من جواز إستقبال أي طرف من المسجد وإن لزم الانحراف عن الكعبة كثيرا وكذا في إستقبال طرف الحرم غريب في مذاق المتشرعة، ولا يظن من أهل القول المذكور إلتزامهم به، وإن كان هو المحكي عن ظاهر جملة من كتبهم. فالبناء على أن الكعبة قبلة مطلقا هو المتعين. (1) قد عرفت الاشارة إلى أن الموجود في كلام المتأخرين والمنسوب إليهم القول بأن الكعبة هي القبلة أن جهتها قبلة البعيد. قال في المعتبر: " القبلة هي الكعبة مع الامكان وإلا جهتها ". وقد إختلفت عباراتهم في تفسير الجهة، ففي المعتبر: " أنها السمت الذي فيه الكعبة "، وعن التذكرة والنهاية: " أنها ما يظن أنها الكعبة "، وفي الذكرى وعن الجعفرية " أنها السمت الذي يظن كون الكعبة فيه "، وعن المقداد: " أنها خط مستقيم يخرج من المشرق إلى المغرب الاعتداليين ويمر بسطح الكعبة، فالمصلي يفرض من نظره خطا يخرج إلى ذلك الخط، فإن وقع على زواية قائمة
===============
( 179 )
فذلك هو الاستقبال، وإن كان على حادة أو منفرجة فهو إلى ما بين المشرق والمغرب). ونحوه ما عن شرح الالفيه للمحقق الثاني. وعن المسالك والروضة والروض وغيرها: " أنها القدر الذي يجوز على كل جزء منه كون الكعبة فيه، ويقطع بعدم خروجها عنه لامارة شرعية "، ومثله بإسقاط القيد الاخير ما عن جامع المقاصد وفوائد الشرائع.. إلى غير ذلك من العبارات التى لا يخلو ظاهرها عن الاشكال، فإن الظن والاحتمال مما لا دخل لهما في مفهوم الجهة أصلا، بل ما هو جهة الكعبة جهتها سواء أظن أو أحتمل كون الكعبة فيه أم لا، وما لا يكون جهة الكعبة ليس جهتها سواء أظن أو أحتمل كون الكعبة فيه أم لا، فإن الظن والاحتمال على تقدير دخلهما دخيلان في الجهة الظاهرية التي تجوز الصلاة إليها ظاهرا لا في ما هو جهة الكعبة واقعا. وأما ما ذكره المقداد فهو غريب (أولا) من جهة أن الخط الخارج ما بين المشرق والمغرب الاعتداليين يمتنع أن يكون مارا بسطح الكعبة، لانحرافها عنه إلى الشمال. (وثانيا) بأن لازم ما ذكره أن يكون جميع البلاد الشمالية بالاضافة إلى مكة قبلتها نقطة الجنوب، فإن الخط الخارج من موقف المصلي إلى الخط المذكور المقاطع له على زوايا قوائم هو خط نصف النهار المفروض ما بين نقطتي الجنوب والشمال، وهذا إن لم يكن خلاف الضرورة من الدين فلا أقل من كونه خلاف ضرورة الفقه، ومنافيا لجعل العلامات المختلفة بإختلاف الاقاليم المخالفة طولا وعرضا لمكة. (وثالثا) بأنه خال عن التعرض للجهة بالاضافة إلى البلاد الشرقية بالاضافة إلى مكة أو الغربية الواقعة في ذلك الخط المفروض بين المشرق والمغرب الاعتداليين. نعم تعريف المعتبر لا بأس به بناء على أن يكون المراد من السمت
===============
( 180 )
خصوص نقطة من الافق يكون الخط الخارج من موقف المصلي إليها مسامتا للكعبة. والسبب في عدول الاصحاب عن التعبير بما في النصوص من كون الكعبة الشريفة قبلة مطلقا إلى التعبير بأن قبلة البعيد الجهة، هو إمتناع مقابلة البعد للكعبة بناء على كروية الارض، بل الخط الخارج من موقف البعيد إلى الكعبة إنما هو شبه القوس المختلف كبرا وصغرا بإختلاف بعد المصلي عنها وقربه، لا ما قد يظهر من المصنف (ره) من أن الوجه في العدول الاشارة منهم إلى إتساع المحاذاة مع البعد، إذ الاتساع المذكور لا يختص بالبعد بل يكون مع القرب والمشاهدة للبيت الشريف، كما أشرنا إليه في محمل نصوص المسجد والحرم. نعم الاتساع المذكور ليس برهانيا واقعيا بل هو حسي وجداني، ولا ينبغي التأمل في كون موضوع أدله وجوب الاستقبال هو الاستقبال على النحو المذكور أعني: الاستقبال الحسي الوجداني لا العقلي البرهاني. ونظيره تغير لون الماء وريحه وطعمه الذي أخذ موضوعا لادلة الانفعال. ومنه يظهر كون الصف المستطيل المنعقد بعيدا عن الكعبة ولو مع مشاهدتها كله مستقبل الكعبة حسا ووجدانا وإن كان بعضه منحرفا عنها واقعا وبرهانا. نعم يختلف ذلك بإختلاف مراتب البعد، فإن كان بعيدا عن الكعبة بمقدار ميل أمكن أن يكون تمام الصف مستقبلا لها، وإن كان يزيد طوله على طولها بمقدار نصفه أو مثله وإن كان عشرة أميال يكون كذلك وإن كان يزيد بأمثاله.. وهكذا. ومعيار الاستقبال على النحو المذكور أن ينظر المصلي إلى قوس من دائرة الافق يكون بحسب حسه ونظره بعد التأمل والتدقيق مستقبلا لجميع أجزائه، ثم يفرض خطين يخرجان من جانبيه إلى طرفي القوس،
===============
( 181 )
فكل ما يكون في هذا الانفراج فهو مستقبل بالفتح وما كان هذا الانفراج يضيق من جانب المصلي ويتسع من جانب القوس، فكلما يكون المستقبل بالفتح من جانب المصلي أقرب تكون المحاذاة أضيق وكلما كان أبعد كانت المحاذاة أوسع. ولعل مراد المصنف (ره) من المحاذاة العرفية هذا المعنى. يعني: المحاذاة الحسية لا المحاذاة المسامحية. هذا وقد ذكر بعض مشايخنا دام تأييده في درسه: " إن قوس الاستقبال من دائرة الافق نسبته إليها نسبة قوس الجبهة إلى مجموع دائرة الرأس، ولما كان الغالب أن قوس الجبهة خمس من دائرة الرأس تقريبا، فقوس الاستقبال من دائرة الافق خمس تقريبا الذي يبلغ إثنتين وسبعين درجة وعليه فلا يضر الانحراف ثلاثين درجة تقريبا ". وما ذكره مما لا يشهد به عرف ولا لغة، ولا تساعده كلماتهم، فإستظهاره من الادلة غير ظاهر الوجه. ومثله في الاشكال ما عن المحقق الاردبيلي من عدم إعتبار التدقيق في أمر القبلة، وما حاله إلا حكال أمر السيد عبده بإستقبال بلد من البلدان النائية الذي لا ريب في إمتثاله بمجرد التوجه إلى تلك البلد من غير حاجة إلى رصد وعلامات وغيرها، مما يختص بمعرفته أهل الهيئة، المستبعد والممتنع تكليف عامة الناس من النساء والرجال خصوصا السواد منهم بما عند أهل الهيئة الذي لا يعرفه إلا الاوحدي منهم، وإختلاف العلامات التي نصبوها، وخلو النصوص عن التصريح بشئ من ذلك سؤالا وجوابا، عدا ما ستعرفه مما ورد في الجدي من الامر تارة بجعله بين الكتفين، وأخرى بجعله على اليمين، مما هو مع إختلافه، وضعف سنده، وإرساله خاص بالعراقي، مع شدة الحاجة لمعرفة القبلة في أمور كثيرة، خصوصا
===============
( 182 )
[ ويعتبر العلم بالمحاذاة (1) مع الامكان. ومع عدمه يرجع إلى العلامات والامارات المفيدة للظن (2). ] في مثل الصلاة التي هي عمود الاعمال وتركها كفر، ولعل فسادها ولو بترك الاستقبال كذلك أيضا، وتوجه أهل مسجد قبا في أثناء الصلاة لما بلغهم إنحراف النبي (صلى الله عليه وآله)، وغير ذلك مما لا يخفى على العارف بأحكام هذه الملة السهلة السمحة، أكبر شاهد على شده التوسعة في أمر القبلة وعدم وجوب شئ مما ذكره هؤلاء المدققون إنتهى. ونحوه ما في المدارك وعن غيرها. إذ فيه: ما عرفت من أن ظاهر أدلة الاستقبال وجوب الاستقبال بالمعنى المتقدم، والخروج عنه مما لا موجب له. وكذا الحال في المثال الذي ذكره، والاكتفاء فيه بمجرد التوجه في الجملة ممنوع، إلا أن تقوم قرينة عليه. نعم تعذر العلم بها غالبا أو صعوبته يجوز الجروع إلى الظن كما سيأتي لا أنه يكون دليلا على التوسع في معنى الاستقبال. فلاحظ. والله سبحانه أعلم. (1) لان شغل الذمة اليقيني يستدعي الفراغ كذلك. (2) إستظهر في الجواهر جواز العمل بالامارات الشرعية ولو مع التمكن من العلم، لاطلاق دليل العمل بها، وظهور إتفاق الاصحاب على إرادتها من العلم المأمور به للقبلة. وفيه: أنه إن كان المراد من الامارات الشرعية ما ورد به النص مثل وضع الجدي على المنكب أو بين الكتفين، ففيه: أنه ظاهر السؤال في المرسل الآتي صورة العجز، وكذا ظاهر المسند. مع أن في جعل الجدي من الامارات الشرعية - بناء على إستفادته من النص إشكالا، لانه إذا كان علامة في صقع معين يمتنع أن يكون مخالفا، لانه يلزم من الامر بالعمل به الامر بمخالفة الواقع دائما. مع
===============
( 183 )
[ وفي كفاية شهادة العدلين مع إمكان تحصيل العلم إشكال (1) ومع عدمه لا بأس بالتعويل عليها (2) إن لم يكن إجتهاده على خلافها (3) ] أنه خلاف كونه علامة على القبلة، فيتعين كونه مصيبا لها دائما ويكون من الامارات المفيدة للعلم. نعم لو بني على عدم إستفادة كونه علامة من النص من جهة قصور دلالته، وأن ذلك مأخوذ من قول أهل الخبرة، خرج عن كونه من الامارات الشرعية ويكون حاله حال غيره مما يفيد الظن. وإن كان المراد مثل قبلة البلد ومحاريب المسلمين وإخبار ذي اليد فالحكم بإطلاق أدلتها غير ظاهر، إذ هي مستفادة من السيرة والاجماع. ودعوى شمولها لصورة التمكن من العلم محتاجة إلى تأمل. وسيأتي التعرض لذلك إن شاء الله. (1) وجهه: أن دليل حجية البينة وإن كان شاملا للمقام على ما عرفت من إمكان إستفاده عموم الحجية من رواية مسعدة بن صدقة (* 1) إلا أن في شمولها للاخبار عن حدس تأملا، لقرب دعوى إنصرافها إلى الاخبار عن حس أو ظهورها فيه. وأما ما في الجواهر من أنه بين دليل إعتبارها وما دل على وجوب الاجتهاد عموم من وجه. ففيه: أن دليل إعتبارها حاكم على ما دل على وجوب الاجتهاد عند تعذر العلم، لان دليل إعتبارها يجعلها علما تنزيلا فلا مجال للاجتهاد معه. ومنه يظهر أن الاقوى التفصيل بين إخبارها عن حسن فتكون حجة، وعن حدس فلا تكون حجة. (2) لدخولها حينئذ في التحري الواجب عند عدم إمكان العلم بالقبلة. (3) إذ حينئذ يكون العمل على إجتهاده، لانه أقرب إلى مطابقة
===============
( 184 )
[ وإلا فالاحوط تكرار الصلاة (1)، ومع عدم إمكان تحصيل الظن يصلي إلى أربع جهات (2) إن وسع الوقت، وإلا فيتخير بينها ] الواقع فيدخل في التحري دونها. هذا إذا كان أخبار البينة عن حدس. أما إذا كان عن حس فالبينة مقدمة على إجتهاده كما عرفت. (1) فيصلي مرة على طبق إجتهاده، وأخرى على طبقها. وظاهره التوقف. لكن عرفت الاجتزاء بالعمل بإجتهاده. (2) الترتيب المذكور هو المشهور. وعن ظاهر الشيخين في المقنعة والنهاية والمبسوط وغيرهما: أنه مع فقد الامارات السماوية لا يجوز العمل بالظن، بل يصلي إلى أربع جهات مع الامكان، ومع عدمه يصلي إلى جهة واحدة. وفيه: أنه مخالف لصحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): " يجزئ التحري أبدا إذا لم يعلم أين وجه القبلة؟ " (* 1)، وموثق سماعة: " سألته عن الصلاة بالليل والنهار وإذا لم ير الشمس والقمر ولا النجوم. قال (عليه السلام): إجتهد رأيك وتعمد القبلة جهدك " (* 2) بناء على ظهورها في الاجتهاد في القبلة لا في الوقت. ضرورة صدق التحري والاجتهاد على مطلق الظن. نعم يعارضها مرسل خراش عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام): " إن هؤلاء المخالفين علينا يقولون: إذا أطبقت علينا أو أظلمت فلم تعرف السماء كنا وأنتم سواء في الاجتهاد. فقال (عليه السلام) ليس كما يقولون، وإذا كان كذلك فليصل لاربع وجوه " (* 3) إلا أنه لا مجال للعمل به لارساله وإعراض المشهور عنه.
===============
( 185 )
وكيف كان فالمشهور شهرة عظيمة أنه مع فقد العلم والظن يصلي إلى أربع جهات، بل في المعتبر وعن المنتهى والتذكرة: نسبته إلى علمائنا وعن صريح الغنية: الاجماع عليه. ويشهد له مرسل خراش المتقدم، ومرسل الكافي: " روي أيضا أن المتحير يصلي إلى أربعة جوانب " (* 1) ومرسل الفقيه: " روي في من لا يهتدي إلى القبلة في مفازة أن يصلي إلى أربعة جوانب " (* 2). وضعفها منجبر بما عرفت. نعم يعارضها صحيح زرارة ومحمد بن أبي جعفر (عليه السلام): " يجزئ المتحير أبدا أينما توجه إذا لم يعلم أين وجه القبلة "، ومرسل إبن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن زرارة قال: " سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قبلة المتحير. فقال (ع): يصلى حيث يشاء "، وصحيح معاوية بن عمار: " أنه سأل الصادق (عليه السلام): عن الرجل يقوم في الصلاة ثم ينظر بعدما فرغ فيرى أنه قد إنحرف يمينا وشمالا. فقال (عليه السلام): قد مضت صلاته وما بين المشرق والمغرب قبلة. ونزلت هذه الآية في قبلة المتحير: (ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله) (* 5) " (* 6). والمناقشة في الاول سندا بجهالة طريق الصدوق إلى زرارة ومحمد مجتمعين، ومتنا من جهة أن في بعض النسخ ذكر " التحري " بدل
===============
( 186 )
" المتحير ". مع أنه مناف لما دل على وجوب التحري عند عدم العلم. وفي الثاني بالارسال. وفي الثالث بأنه قد إحتمل جماعة من المحققين كون قوله: " نزلت.. "، من كلام الصدوق لا من الرواية. مندفعة بأن نص الصدوق على طريقه إلى زرارة وإلى محمد مع عدم تعرضه لطريقه إليهما مجتمعين يقتضي أن طريقه إليهما مجتمعين هو طريقه إلى كل منهما منفردا. وما في بعض النسخ لا يعول عليه بعد كون النسخة الشائعة ما ذكرنا ولا سيما مع عدم مناسبة المتن لما في بعض النسخ. والجمع بينه وبين ما دل على وجوب التحري ممكن بالتقييد، بل لعل ما دل على وجوب التحري يدل على حجية الظن، ويكون بمنزلة العلم، فيكون حاكما على الرواية المذكورة ومرسل إبن أبي عمير كمسنده حجة عند المشهور، فإنه لا يرسل إلا عن ثقة. فتأمل. وإحتمال جملة من المحققين إلا مجال للاعتماد عليه في رفع اليد عن الظاهر. وكأن الوجه في مناسبته لصدر الرواية هو التنظير، وأنه كما لا يضر الانحراف عن القبلة خطأ كذلك لا يضر مع التحير. وورود جملة من النصوص في نزول الآية الشريفة المذكورة في النافلة (* 1) لا ينافي نزولها أيضا في المتحير. وكأنه لذلك إختار جماعة من المتأخرين الاكتفاء بالصلاة لجهة واحدة منهم المحقق الاردبيلي. وعن المختلف والذكرى: الميل إليه. ونسب أيضا إلى العماني والصدوق. وهو في محله لولا شهبة إعراض الاصحاب عن النصوص المذكورة وإن لم يكن متحققا، لاحتمال كون الوجه في بنائهم على الصلاة للجهات الاربع كونه أوفق بقاعدة الاحتياط. وأما ما عن
===============
( 187 )
[ (مسألة 1): الامارات المحصلة للظن التي يجب الرجوع إليها عند عدم إمكان العلم كما هو الغالب بالنسبة إلى البعيد كثيرة: (منها): الجدي (1) الذي هو المنصوص في الجملة (2) بجعله في أواسط العراق كالكوفة والنجف وبغداد ونحوها ] السيد إبن طاووس (ره) في (أمان الاخطار) من الرجوع إلى القرعة ففيه: أنه طرح لنصوص الطرفين من غير وجه ظاهر. (1) بفتح الجيم وسكون الدال المهملة كما ضبطه جماعة، منهم الحلي في السرائر، وحكاه عن إمام اللغة ببغداد إبن العطار، وأستشهد له بقول مهلهل: كأن الجدي جدي بنات نعش يكب على اليدين فيستدير وعن المغرب: " أن المنجمين يصغرونه فرقا بينه وبين البرج ". وفي القاموس: " أن الجدي بمعنى البرج لا تعرفه العرب ". وعليه يكون مختصا بالكوكب عندهم. (2) ففي موثق محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام): " سألته عن القبلة فقال (عليه السلام): ضع الجدي في قفاك وصله " (* 1)، ومرسل الفقيه: " قال رجل للصادق (عليه السلام): إني أكون في السفر ولا أهتدي إلى القبلة بالليل. فقال (عليه السلام): أتعرف الكوكب الذي يقال له جدي؟ قلت: نعم. قال (عليه السلام): إجعله على يمينك، وإذا كنت في طريق الحج فاجعله بين كتفيك " (* 2). وما عن تفسير العياشي عن إسماعيل بن أبي
===============
( 188 )
زياد السكوني عن جعفر (عليه السلام): " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (وبالنجم هم يهتدون) (* 1) قال (صلى الله عليه وآله): هو الجدي لانه نجم لا يزول، وعليه بناء القبلة، وبه يهتدي أهل البر والبحر " (* 2). ونحوه خبره الآخر (* 3). ولا يخفى أنه لا يمكن الاخذ بإطلاق النصوص المذكورة. وحملها على صقع معين تناسبه مما لا قرينة عليه. ومجرد كون السائل في الاول من أهل الكوفة غير كاف في القرينية على إرادتها بالخصوص، ولا سيما لو ثبت مخالفتها لبلد السؤال. مع أن ذلك مناف لما ذكره المحققون من إنحراف قبلة الكوفة عن نقطة الجنوب إلى المغرب، وأنه مما يبعد السؤال عن قبلة الكوفة التي هي أعظم الامصار الاسلامية المشتملة على كثير من المساجد، ومنها المسجد الاعظم، فإنه مما يبعد جدا جهل محمد بن مسلم بقبلتها إلى زمان السؤال. فتأمل جيدا. فالبناء على إجمال النصوص المذكور متعين. نعم يستفاد منها ومن غيرها كموثق سماعة المتقدم في وجوب التحري والاجتهاد جواز الاعتماد على الكواكب في معرفه القبلة وليس هو محلا للاشكال. فلا بد في معرفة قبلة كل بلد بعينه من الرجوع إلى قواعد الهيئة وغيرها. ولا بأس بالاشارة إلى شئ مما ذكره مهرة الفن على ما حكاه جماعة فنقول: إن تساوي البلد ومكة شرفها الله تعالى طولا بأن يكون الخط الواقع بين الشمال والجنوب المار بأحدهما مارا بالآخر فإن زاد عليها عرضا فقبلته نقطة الجنوب، وإن نقص عنها عرضا فقبلته
===============
( 189 )
نقطة الشمال. وإن تساوى معها عرضا بأن يكون خط المشرق والمغرب المار بأحدهما مارا بالآخر فإن نقص طولا فقبلته نقطة المشرق، وإن زاد طولا فقبلته نقطة المغرب. وإن إختلف معها طولا وعرضا، فبعد تسوية الارض ورسمه دائرة عليها وتقسيم الدائرة أقواسا أربعة متساوية، بإخراج خطين متقاطعين على زوايا قوائم أربع، أحدهما من نقطة المشرق إلى نقطة المغرب، والآخر من نقطة الجنوب إلى نقطة الشمال، يسمى الاول خط المشرق والمغرب والآخر خط نصف النهار، ثم تقسيم كل من تلك الاقواس الاربعة إلى تسعين قسما متساوية يسمى كل منها درجة، ليكون مجموع الدائرة ثلاثمائة وستين درجة، ثم ينظر فإن زاد البلد على مكة المشرفة طولا وعرضا يحسب من نقطتي الجنوب والشمال إلى المغرب بقدر التفاوت بين الطولين ويوصل بين النهايتين بخط، ومن نقطتي المشرق والمغرب إلى الجنوب بقدر التفاوت بين العرضين ويوصل بين النهايتين بخط، ثم يخرج خط مستقيم من مركز الدائرة إلى محيطها مارا بنقطة التقاطع بين الخطين، فما بين نقطه تقاطع الخط المذكور والمحيط وبين نقطة الجنوب هو مقدار إنحراف قبلة البلد عن نقطة الجنوب إلى المغرب. وإن نقص طولا وعرضا يحسب من نقطتي الجنوب والشمال إلى المشرق ومن نقطتي وإن نقص طولا وعرضا يحسب من نقطتي الجنوب والشمال إلى المشرق ومن نقطتي المشرق والمغرب إلى الشمال.. إلى تمام العمل السابق. فمقدار إنحراف قبلة البلد عن نقطة الشمال هو مقدار ما بين نقطة التقاطع ونقطة الشمال. وإن نقص طولا وزاد عرضا، يحسب من نقطتي الجنوب والشمال إلى المشرق ومن نقطتي المشرق والمغرب إلى الجنوب.. إلى آخر العمل. وإن زاد طولا ونقص عرضا يحسب من نقطتي الشمال والجنوب إلى المغرب، ومن نقطتي المشرق والمغرب إلى الشمال إلى آخر العمل.
===============
( 190 )
ولعل الاولى من ذلك أن ترسم الدائرة المذكورة وتفرض مكة المشرفة في مركزها، ثم يوضع البلد في موضعها من الدائرة من حيث الطول والعرض ثم يرسم خط مستقيم من البلد، إلى مكة، إلى المحيط، ثم ينظر مقدار ما بين موضع تقاطع الخط مع المحيط، وبين إحدى النقاط الاربع فذلك المقدار هو مقدار الانحراف. وهناك طريق آخر ومحصله: إستقبال قرص الشمس عند زوالها في مكة في اليوم الذي تكون فيه فوق رؤوس أهلها، فخط الاستقبال المذكور هو خط القبلة. وهو يتوقف على معرفة أمرين: أحدهما: الوقت الذي تكون فيه الشمس فوق رؤوس أهل مكة، وثانيهما: وقت زوال مكة. وطريق الاول: أن تحسب درجات العرض للمكان الذي يكون فيه الميل الشمالي فتوزع عليه درجات الميل الشمالي التي هي تسعون. فإذا كان عرض المكان إثنتين وعشرين درجة وثلاثين دقيقة، كان لكل درجة أربع درجات من دائرة معدل النهار التي فيها مدارات الشمس، ثم يعرف عرض مكة، فإذا كان خمس عشرة درجة كانت الشمس مسامتة لرؤوس أهلها عندما تبعد من نقطة الاعتدال إلى الميل الشمالي ستين درجة، ويكون ذلك عندما تكون في نهاية برج الثور صاعدة، ونهاية برج السلطان هابطة. والمذكور في كلامهم أن الشمس تسامت رؤوس أهل مكة عندما تكون في الدرجة الثامنة من الجوزاء صاعدة، وفي الثالثة والعشرين من السرطان هابطة. وطريق الثاني: هو أنه لما كانت الشمس تدور في كل يوم الذي هو أربع وعشرون ساعة ثلاث مائة وستين درجة كان لكل ساعة خمس عشرة درجة، فإذا كان المكان أكثر من مكة طولا بخمس عشرة درجة كان زواله قبل زوال مكة بساعة، وزوال مكة بعد زواله بساعة، فقبلته
===============
( 191 )
[ خلف المنكب الايمن (1). والاحوط أن يكون ذلك في غاية إرتفاعه وإنخفاضه (2). والمنكب ما بين الكتف والعنق (3). والاولى وضعه خلف الاذن. ] على خط مواجهة قرص الشمس بعد ساعة من زواله. وإذا كان المكان أنقص من مكة طولا بخمس عشرة درجة كان زوال مكة قبل زواله بساعة فقبلته خط مواجهة قرص الشمس قبل ساعة من زواله. وإذا كان طول المكان أكثر من طول مكة بعشر درجات فقبلته خط مواجهة قرص الشمس بعد زواله بأربعين دقيقة. وإذا كان أنقص من طول مكة بعشر درجات فقبلته خط مواجهة قرص الشمس قبل زواله بأربعين دقيقة. وعلى هذا القياس. وما ذكره الاصحاب في المقام مبني على الرجوع إلى الطريقين المذكورين وغيرهما. (1) لزيادتها على مكة طولا الموجب لانحراف قبلتها عن نقطة الجنوب إلى المغرب. والمذكور في كلام جماعة إعتمادا على بعض المحققين من علماء الهيئة أن إنحراف قبلة الكوفة عن نقطة الجنوب إلى المغرب يساوي إثنتي عشرة درجة وإحدى وثلاثين دقيقة، وإنحراف قبلة بغداد يساوي إثنتي عشرة درجة وخمسا وأربعين دقيقة. والذي يقتضيه الاختبار أن إنحرافها يكون عشرين درجة تقريبا. (2) هذا الاحتياط غير ظاهر، إذ لا يوجب ذلك قوة الظن بالقبلة الدقيقة الحقيقية حنيئذ، والاحتمالات كلها متساوية. نعم يمكن أن يكون الوجه التسالم على صحة كونه علامة حينئذ، لتقييد أماريته بالحال المذكورة في كلام بعض. (3) كما عن نسخة من مختصر النهاية الاثيرية وصريح جامع المقاصد
===============
( 192 )
[ وفي البصرة وغيرها من البلاد الشرقية في الاذن اليمنى (1). ] وربما نسب إلى ظاهر نهاية الاحكام والتنقيح وإرشاد الجعفرية. وفي القاموس ومجمع البحرين وعن الصحاح: أنه مجمع عظمي العضد والكتف. وعن جماعة من الفقهاء الجزم به، بل نسب إلى أكثر من تعرض لتفسيره من الفقهاء. ويشهد له ما في كلام جماعة من جعل العلامة لاهل العراق جعل الفجر أو المشرق على المنكب الايسر، والمغرب أو الشفق على المنكب الايمن. إذ لا يتأتى ذلك إلا على التفسير الثاني. ويناسبه جدا ملاحظة مادة الاشتقاق. ولعل مراد من فسره بالاول أنه المراد منه في خصوص المقام بملاحظة القواعد التي أعملها في تعيين القبلة، لا أنه معناه لغة أو عرفا وإلا فمعناه الثاني لا غير. وكيف كان فلا مجال لحمله في المقام على الاول، إذ عليه يكون الانحراف خمس درجات تقريبا، وهو خلاف ما عرفت الذي ذكره المحققون في كتب الهيئة على ما حكاه عنهم في البحار وغيره. ومنه يظهر الاشكال في جعله خلف الاذن اليمنى. إلا أن الشأن في صحة الاعتماد على ما ذكره المحققون، مع أن فيه من الغرائب ما لا يخفى على من له أدنى خبرة بالبلاد فقد ذكر فيه أن إنحراف البحرين من الجنوب إلى المغرب بسبع وخمسين درجة وثلاث وعشرين دقيقة، مع أن الاختبار يقضي بأن منامة عاصمة البحرين تنحرف عن الجنوب إلى المغرب ست وستين درجة تقريبا. وأن التفاوت بين المدائن وبغداد يكون بأربع درجات تقريبا، فإن ذلك أمر غريب، لان المدائن تبعد عن بغداد بفراسخ لا تزيد على العشرة فلاحظه. (1) يعني في ثقب الاذن اليمنى. والمذكور في الجدول: أن إنحراف البصره من الجنوب إلى المغرب ثمان وثلاثون درجة، وهما متقاربان.
===============
( 193 )
[ وفي الموصل ونحوها من البلاد الغربية بين الكتفين (1). وفي الشام خلف الكتف الايسر (2). وفي عدن بين العينين (3). وفي صنعاء على الاذن اليمنى. وفي الحبشة والنوبة صفحة الخد الايسر (4). (ومنها): سهيل وهو عكس الجدي. ] (1) ومقتضاه أن قبلته نقطة الجنوب، والاختبار يقضي بأن إنحراف الموصل عن الجنوب إلى المغرب بإثني عشرة درجة. ومنه يظهر الاشكال أيضا فيما ذكر في الجدول: من أن إنحراف الموصل من الجنوب إلى المشرق أربع درجات وإثنتان وخمسون دقيقة. (2) المذكور في الجدول: أن إنحراف دمشق من الجنوب إلى المشرق ثلاثون درجة وإحدى وثلاثون دقيقة. وهو مخالف لما في المتن. والاختبار يقتضي أن إنحرافه من الجنوب إلى المشرق خمس عشرة درجة. (3) مقتضاه أن القبلة في عدن نقطة الشمال. والمذكور في الجدول: أن إنحراف عدن من الشمال إلى المشرق خمس درجات وخمس وخمسون دقيقة وهو مخالف لما ذكر. وكلاهما مخالف للاختبار، فإن إنحراف عدن عن الشمال إلى المغرب بتسع وعشرين درجة. وأن إنحراف صنعاء أقل من ذلك أعني: درجة وخمس عشرة دقيقة. وفي المتن جعل الانحراف فيها من الشمال إلى المغرب بقدر إنحراف الكوفة. والذي يقتضيه الاختبار أن الانحراف فيها من الشمال إلى المغرب ثلاث وثلاثون درجة. (4) المذكور في الجدول: أن جرم ملك الحبشة تنحرف من الشمال إلى المشرق سبعا وأربعين درجة وخمسا وعشرين دقيقة. والذي يقتضيه الاختبار أن إنحراف (أدريس أبابا) عاصمة الحبشة أربع درجات من الشمال
===============
( 194 )
[ (ومنها): الشمس لاهل العراق إذا زالت عن الانف إلى الحاجب الايمن (1) عند مواجهتهم نقطة الجنوب. (ومنها): جعل المغرب على اليمين والمشرق على الشمال لاهل العراق أيضا في مواضع يوضع الجدي بين الكتفين كالموصل. (ومنها): الثريا والعيوق لاهل المغرب يضعون الاولى عند طلوعها على الايمن والثاني على الايسر (2). (ومنها): محراب صلى فيه معصوم، فإن علم أنه صلى فيه من غير تيامن ولا تياسر كان مفيدا للعلم، وإلا فيفيد الظن (3). (ومنها): قبر المعصوم فإذا علم عدم تغيره وأن ظاهره مطابق لوضع الجسد أفاد العلم، وإلا فيفيد الظن (4). و (منها): قبلة بلد المسلمين (5) في صلاتهم وقبورهم ومحاريبهم إذا لم يعلم بناؤها على الغلط.. إلى غير ذلك كقواعد ] إلى المشرق. ولعله يخالف ما ذكر. (1) مقتضى ما سبق أن تجعل الشمس مقابل الاذن اليمنى فتخرج عن مقابلة الحاجب الايمن بالمرة. (2) ذكر ذلك أبو الفضل شاذان بن جبرئيل القمي (ره) في رسالة (إزاحة العلة في معرفة القبلة)، وكأن المراد أن يكون موقف المصلي بينهما. (3) حملا للفعل على الصحة. (4) وذلك لاجل أن بناء المسلمين على الاستقبال في شق القبر وبنائه. (5) إجماعا كما عن التذكرة وكشف الالتباس. وتقتضيه السيرة القطعية
===============
( 195 )
[ الهيئة، وقول أهل خبرتها. ] وهو في الجملة مما لا إشكال فيه، إنما الاشكال في إختصاصه بحال عدم التمكن من تحصيل العلم بالقبلة كما هو ظاهر المنتهى، بل ظاهر قولهم: " فإن جهلها عول على الامارات المفيدة للظن "، واختاره في المدارك أو يعم صورة التمكن منه كما أختاره في الجواهر قولان، أولهما أقوى، لعدم الدليل على الثاني بعد عدم ثبوت إطلاق الاجماع والسيرة، بل لا يبعد الاختصاص بصورة عدم التمكن من تحصيل الظن الاقوى، وإن كان عموم الحكم لذلك لا يخلو من قوة، لان الظاهر ثبوت السيرة فيهما معا كإطلاق معقد الاجماع. نعم لو إتفق حصول الظن الاقوى على الخلاف تعين العمل به دونها، لاطلاق ما دل على وجوب التحري من دون مقيد. وما في الذكرى وجامع المقاصد من أنه لا يجوز الاجتهاد في الجهة قطعا. غير ظاهر بعد ما عن المبسوط والمهذب من وجوب الرجوع إلى الامارات إذا ظن بعدم صحة قبلة البلد. ولا فرق بين أن يكون الظن على خلافهما بالجهة أو بمجرد التيامن والتياسر. والفرق بينهما بالعمل بالظن المخالف في الثاني كما في الذكرى وجامع المقاصد وغيرهما دون الاول غير ظاهر. قال في الذكرى: " ولا يجوز الاجتهاد في الجهة قطعا، وهل يجوز في التيامن والتياسر؟ الاقرب جوازه، لان الخطأ في الجهة مع إستمرار الخلق وإتفاقهم ممتنع، أما الخطأ في التيامن والتياسر فغير بعيد ". ونحوه ما في جامع المقاصد. وقال في المدارك: " قد قطع الاصحاب بعدم جواز الاجتهاد في الجهة والحال هذه لان إستمرار الخلق وإتفاقهم ممتنع أما في التيامن والتياسر فالاظهر جوازه لعموم الامر بالتحري. وربما قيل
===============
( 196 )
[ (مسألة 2): عند عدم إمكان تحصيل العلم بالقبلة يجب الاجتهاد في تحصيل الظن، ولا يجوز الاكتفاء بالظن الضعيف مع إمكان القوي (1)، كما لا يجوز الاكتفاء به مع إمكان الاقوى. ولا فرق بين أسباب حصول الظن، فالمدار على الاقوى فالاقوى، سواء حصل من الامارات المذكورة أو من غيرها، ولو من قول فاسق، بل ولو كافر، فلو أخبر عدل ولم يحصل الظن بقوله، وأخبر فاسق أو كافر بخلافه وحصل منه الظن من جهة كونه من أهل الخبرة يعمل به. (مسألة 3): لا فرق في وجوب الاجتهاد بين الاعمى والبصير (2). ] بالمنع منه، لان إحتمال إصابة الخلق الكثير أقرب من إحتمال إصابة الواحد ومنعه ظاهر ". لكن ظاهر الكلمات المذكورة أن نزاعهم في الموضوع، وهو إمكان حصول الظن الاقوى من الظن الحاصل من إستقرار سيرة المسلمين. وعليه فلا يبعد إختلاف ذلك بإختلاف الموارد، ولا نزاع في الحكم حينئذ. وهذا كله في قبلة بلد المسلمين. أما غيرها من الامارات فسيأتي الكلام فيه في المسألة الآتية. (1) لمنافاته لما في صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): " يجزئ التحري أبدا إذا لم يعلم أين وجه القبلة " (* 1)، ولما في موثق سماعة: " إجتهد رأيك وتعمد القبلة جهدك " (* 2). (2) لاطلاق أدلته الشامل للاعمى والبصير. وما في كلامهم من أن
===============
( 197 )
[ غاية الامر أن إجتهاد الاعمى هو الرجوع إلى الغير في بيان الامارات (1)، أو في تعيين القبلة. (مسألة 4): لا يعتبر إخبار صاحب المنزل إذا لم يفد الظن (2)، ولا يكتفي بالظن الحاصل من قوله إذا أمكن تحصيل الاقوى. ] الاعمى يعول على غيره، إن أريد منه التعويل الذي هو نوع من الاجتهاد والتحري ففي محله، وإن أريد منه التعويل الذي هو من باب التقليد نظير رجوع الجاهل إلى العالم في الاحكام تعبدا وإن لم يحصل منه ظن أو كان الظن على خلافه، فهو مما لا دليل عليه، ولا وجه للمصير إليه. وما دل على جواز الائتمام بالاعمى إذا كان له من يوجهه، أجنبي عن إثباته، لوروده مورد حكم آخر. مع أن الظاهر منه التوجيه على سبيل اليقين بالاستقبال، لا مجرد التوجيه تعبدا ولو مع الظن بالخلاف. وبذلك يظهر سقوط البحث عن وجوب كونه مؤمنا، عادلا، ذكرا، بالغا، حرا، طاهر المولد. غير مفضول لغيره.. إلى غير ذلك من شرائط التقليد. كما يظهر منه أيضا ضعف ما عن الخلاف من وجوب الصلاة على الاعمى إلى أربع جهات. وربما إستظهر من غيره أيضا، فإن ذلك أيضا خلاف إطلاق صحيح زرارة. (1) يعني: فإذا عرفها من الغير توصل إلى القبلة بنفسه. (2) لعدم صدق التحري حينئذ. وكذا الوجه فيما بعده. وأما ما دل على حجية إخبار ذي اليد من النصوص (* 1) المعتضدة بالسيرة فهو مختص بصورة عدم ما يوجب إتهامه. مع أنه مختص بأحكام ما في اليد مثل الطهارة
===============
( 198 )
[ (مسألة 5): إذا كان إجتهاده مخالفا لقبلة بلد المسلمين في محاريبهم ومذابحهم وقبورهم، فالاحوط تكرار الصلاة (1) إلا إذا علم بكونها مبنية على الغلط. (مسألة 6): إذا حصر القبلة في جهتين بأن علم أنها لا تخرج عن إحداهما وجب عليه تكرار الصلاة (2) إلا إذا كانت إحداهما مظنونة والاخرى موهومة فيكتفي بالاولى. وإذا حصر فيهما ظنا فكذلك يكرر فيهما (3). لكن الاحوط إجراء ] والنجاسبة والملكية ونحوها، وفي شموله للمقام منع، إذ الحكم في المقام راجع إلى أن القبلة في النقطة الكذائية من الافق، وليس هو حكما للدار أو البيت فتأمل جيدا. (1) لما تقدم من دعوى الجماعة القطع بعدم جواز العمل بالاجتهاد ولكن قد عرفت لزوم العمل على إجتهاده إذا كان الظن الحاصل منه أقوى، عملا بما دل على وجوب التحري والاجتهاد. (2) عملا بالعلم الاجمالي. هذا إذا ترددت القبلة بين نقطتين معينتين بحيث يعلم بأن الصلاة إليهما صلاة إلى القبلة. وأما إذا ترددت القبلة بين تمام نقاط الجهتين فقد يشكل الاكتفاء بالصلاة مرتين، بل لا بد من تكرار الصلاة مرات كثيرة إلى أن يعلم بالصلاة إلى القبلة ما لم يلزم الحرج. أللهم إلا أن يستفاد الاكتفاء بالصلاتين مما دل على الاكتفاء بالصلاة إلى أربع جهات عند الجهل بالقبلة كما هو غير بعيد. لكن في المسنتد: " لو اشتبهت القبلة في نصف الدائرة أو أقل من النصف وجبت الصلاة إلى أربع لشمول دليل الاربع لذلك ". وهو كما ترى، لمنع الشمول. (3) هذا إنما يتم لو ثبتت حجية الظن مطلقا كالعلم، إذ حينئذ يكون
===============
( 199 )
[ حكم المتحير فيه بتكرارها إلى أربع جهات. (مسألة 7): إذا إجتهد لصلاة وحصل له الظن لا يجب تجديد الاجتهاد لصلاة أخرى ما دام الظن باقيا (1). ] الفرض كالفرض السابق في الحكم، لكن الثابت حجية الظن التفصيلي الذي به يحصل التحري، فغيره يرجع فيه إلى ما دل على وجوب الصلاة إلى أربع جهات كما هو ظاهر الجواهر. ولذلك جعل الاحوط إجراء حكم التحير. (1) كما لعله المشهور، لان المقصود من الاجتهاد هو الظن، وهو حاصل. وفيه: أنه يتم لو لم يعلم أو يحتمل تجدد الاجتهاد المخالف، إذ مع ذلك لا يحرز تحقق التحري وتعمد القبلة حسب الجهد كما في الصحيح والموثق المتقدمين (* 1). ومن هنا قال في محكي المبسوط: " يجب على الانسان أن يتبع أمارات القبلة كلما أراد الصلاة عند كل صلاة. أللهم إلا أن يكون قد علم أن القبلة في جهة بعينها أو ظن ذلك بإمارات صحيحة ثم علم أنها لم تتغير جاز حينئذ التوجه إليها من غير أن يجدد الاجتهاد ". بل مقتضى ذلك أنه لو طرء في الاثناء ما يوجب إحتمال تغير الاجتهاد إحتمالا معتدا به وجب التجديد، فإذا لم يمكن إلا بإبطال الصلاة أبطلها، ولا مانع من هذا الابطال مع الشك في كون الفعل موضوعا للامتثال بلا محرز حقيقي ولا تعبدي. وكذا لو طرأ قبل الدخول فلا يدخل فيها إلا بعد تجديد الاجتهاد. ولا مجال لاستصحاب حكم الاجتهاد الاول، لمنافاته لدليل وجوب التحري. ولا لدعوى صدق الصلاة بالاجتهاد، لقيام الدليل على خلافها، إذ الظاهر من قوله (عليه السلام): " وتعمد القبلة جهدك " حال الصلاة لا آنا ما كما لا يخفى.
===============
( 200 )
[ (مسألة 8): إذا ظن بعد الاجتهاد أنها في جهة فصلى الظهر مثلا إليها ثم تبدل ظنه إلى جهة أخرى وجب عليه إتيان العصر إلى الجهة الثانية (1). وهل يجب إعادة الظهر أو لا؟ الاقوى وجوبها (2) إذا كان مقتضى ظنه الثاني وقوع الاولى مستدبرا، أو إلى اليمين، أو اليسار. وإذا كان مقتضاه وقوعها ما بين اليمين واليسار لا يجب الاعادة (3). ] (1) بلا خلاف ظاهر، فإنه مقتضى التحري، وتعمد القبلة بحسب الجهد. والاجتهاد الاول بعد زواله زوال حكمه. (2) لا لحجية الظن حتى بالنسبة إلى إثبات صحة الاولى وعدمها، ليكون الظن الثاني بمنزلة العلم بالاستدبار في الاولى، أو كونها إلى اليمين أو اليسار. فإنه يتوقف على إطلاق يقتضي حجيته كذلك، وهو مفقود إذ لا تعرض في الموثق والصحيح السابقين لذلك. بل لان المكلف لما لم يجز له إلا العمل بالاجتهاد الثاني صار عالما إجمالا ببطلان إحدى الصلاتين فلا بد له من إعادة الاولى فرارا عن مخالفة العلم المذكور. وعليه فوجوب الاعادة مدلول إلتزامي لما دل على وجوب الاجتهاد لا لنفس الاجتهاد. ولو كانت الصلاتان مترتبتين كان الحال أوضح، لانه يعلم ببطلان الثانية على كل حال، إما لفوات الترتيب، أو لفوات الاستقبال. نعم يتوقف ذلك على البناء على طريقية الاجتهاد، إذ لو بني على موضوعيته فلا علم، لصحة كل من الصلاتين واقعا. لكنه خلاف ظاهر الادلة، بل لعله خلاف ما دل على الاعادة لو تبين الخطأ. (3) لصحتها واقعا كما يقتضيه الاجتزاء بها لو تبين ذلك على ما يأتي إن شاء الله تعالى.
===============
( 201 )
[ (مسألة 9): إذا إنقلب ظنه في أثناء الصلاة إلى جهة أخرى إنقلب إلى ما ظنه إلا إذا كان الاول إلى الاستدبار، أو اليمين واليسار بمقتضى ظنه الثاني، فيعيد (1). (مسألة 10): يجوز لاحد المجتهدين المختلفين في الاجتهاد الاقتداء بالآخر إذا كان إختلافهما يسيرا (2) بحيث لا يضر بهيئة الجماعة (3)، ولا يكون بحد الاستدبار (4)، أو اليمين واليسار. (مسألة 11): إذا لم يقدر على الاجتهاد أو لم يحصل له الظن بكونها في جهة وكانت الجهات متساوية صلى إلى أربع جهات إن وسع الوقت (5). ] (1) لما تقدم في المسألة السابقة، بل الاعادة في الفرض الثاني الوقت (5). ] (1) لما تقدم في المسألة السابقة، بل الاعادة في الفرض الثاني أولى، للعلم بفساد الثانية هنا على كل حال. (2) لصحة صلاة الامام واقعا بحسب نظره ونظر المأموم، فلا مانع من صحة الاقتداء. أللهم إلا أن يشكك في صحة الاقتداء، ولا بإطلاق في باب الجماعة يرجع إليه لنفي الشك في الشرطية والمانعية، ومقتضى الاصل الفساد. لكن الشك من هذه الجهة بالخصوص منفي بالنص الدال على صحة الاقتداء، كما سيأتي إن شاء الله تعالى في مبحث الجماعة في مسألة حكم الاقتداء مع إختلاف الامام والمأموم إجتهادا أو تقليدا. (3) وإلا فسدت الجماعة، لفوات الهيئة المعتبرة فيها. (4) لبطلان صلاة الامام بنظر المأموم، بل لبطلان إحدى الصلاتين الموجب لبطلان الجماعة. (5) تقدم وجهه.
===============
( 202 )
[ وإلا فبقدر ما وسع (1)، ويشترط أن يكون التكرار على وجه يحصل معه ] (1) قد أشرنا في تعليقتنا على الكفاية إلى أن العمدة في وجوب الاحتياط في الشبهة المحصورة عند الاضطرار إلى إرتكاب بعض غير معين من الاطراف كما إذا علم بنجاسة أحد إنائين وأضطر إلى إرتكاب أحدهما لا بعينه هو أن دليل نفي الاضطرار يقتصر في تقييده لاطلاق الاحكام على القدر اللازم في رفع الاضطرار، ولا يجوز التعدي عن المقدار اللازم إلى ما هو أوسع منه، وحيث أنه يكفي في رفع الاضطرار تقييد وجوب الاجتناب عن النجس بحال إرتكاب الآخر المشتبه به، يكون التكليف في حال الاضطرار إلى أحدهما باقيا بحاله، غايته أنه لا يجب الاجتناب عنه مطلقا، بل في خصوص حال إرتكاب الآخر، فإن مثل هذا التكليف المقيد على النحو المذكور لا يوجب الوقوع في الضرر، فيبقى بحاله، وإنما الموجب له بقاؤه على إطلاقه، فيرفع إطلاقه، وحينئذ فلا يجوز إرتكابهما معا، إذ في ذلك مخالفة للتكليف المعلوم بالاجمال، إذ المفروض ثبوت التكليف في ظرف إرتكاب الآخر، وقد إرتكبه، فيكون معصية قطعية. هذا وقد أشرنا في التعليقة إلى أن الارتكاب المأخوذ شرطا لثبوت التكليف ليس مطلق الارتكاب، بل خصوص الارتكاب الرافع للاضطرار ولذا لو إرتكب أحدهما ثم إرتفع الاجمال فتبين إرتكاب النجس وبقاء الطاهر لم يحرم الطاهر حينئذ لئلا يلزم مخالفة التكليف المشروط بشرط حاصل بل يجوز إرتكابه، لان إرتكابه حينئذ ليس إرتكابا رافعا للاضطرار، لارتفاع الاضطرار بإرتكاب الاول النجس، فلا يكون إرتكاب الطاهر الشرط في ثبوت التكليف بالنجس.
===============
( 203 )
والعمدة في ذلك: أن الارتكاب إنما أخذ شرطا للتكليف من جهة أنه رافع للاضطرار، فلا مانع من ثبوت التكليف معه، بخلاف الارتكاب غير الرافع للاضطرار، فإنه إذا فرض غير رافع للاضطرار لا يجدي التقييد به في كون التكليف غير إضطراري، بل هو على حاله إضطراري فلا يمكن ثبوته. وعليه فالتقريب المذكور إنما يقتضي المنع من إرتكابهما دفعة لتحقق الارتكاب الرافع للاضطرار فيتحقق معه التكليف كما عرفت، ولا يمنع من إرتكابهما تدريجا، فإنه إذا أرتكب أحدهما إرتفع إضطراره حينئذ فلا يكون إرتكاب الثاني إرتكابا رافعا للاضطرار، فتكون المخالفة فيه إحتمالية، من أجل إحتمال كونه النجس، لا قطعية، لاحتمال كون النجس هو الذي إرتكبه أولا، والتكليف بإجتنابه منتف، لعدم تحقق شرطه وهو إرتكاب غيره الرافع للاضطرار كما لا يخفى بالتأمل. ولازم ذلك وجوب الاحتياط في الشبهة الوجوبية إذا إضطر المكلف إلى ترك الاحتياط في واحد منها، فأن رفع اليد عن العمل في غير المقدار المضطر إليه ترك العمل فيه مخالفة للتكليف المعلوم، لتحقق شرطه وهو الارتكاب الرافع للاضطرار، فلو وجب عليه إعطاء درهم لزيد وتردد زيد بين أربعة أشخاص، وكان عنده ثلاثة دراهم وجب عليه أن يدفعها إلى ثلاثة منهم من باب الاحتياط، ويقتصر على المقدار المضطر إليه، وهو ترك إعطاء واحد منهم فقط، ولا يجوز له أن يعطي إثنين منهم درهمين ويترك إثنين منهم، لان ترك إعطاء أحد الاثنين إرتكاب يندفع به الاضطرار فيثبت التكليف لثبوت شرطه، فترك إعطاء ثاني الاثنين يحتمل أنه مخالفة للتكليف المنجز فيحرم عقلا، فلا بد حينئذ من الاحتياط التام في أطراف
===============
( 204 )
الشبهة الوجوبية إلا بالمقدار المضطر إلى تركه. ومما ذكرنا يظهر ضعف ما عن المقنعة، وجمل السيد، والمبسوط، والوسيلة، والسرائر من الاكتفاء بواحدة لقولهم: " فإن لهم يقدر على الاربع فليصل إلى أي جهة شاء " أو ما يقرب منه. أللهم إلا أن يكون مرادهم ما إذا لم يقدر إلا على واحدة، أو أنهم إعتمدوا على الصحاح المتقدمة الدالة على الاكتفاء بواحدة مطلقا (* 1) مع الاقتصار في الخروج عنها على خصوص صورة التمكن من الاربع. وفيه: أن ظاهر المرسل وجوب الصلاة إلى القبلة مع الاشتباه الذي لا فرق فيه بين التمكن من الاربع وعدمه كسائر أدلة الاحكام. هذا وظاهر الاصحاب الاكتفاء بالممكن من غير حاجة إلى القضاء بلا فرق بين وجود العذر في التأخير وعدمه، بل في الجواهر عدم وجدان الخلاف الصريح في الاول. نعم عن المقاصد العلية: النظر في الاجتزاء في الثاني. وعن نهاية الاحكام: إحتماله مطلقا، أو في صورة ظهور الخطأ فيقضي الفائت. وأستشكله في الجواهر بعدم شمول أدلة القضاء للمقام، ولقاعدة الاجزاء. ويمكن الخدش فيه بأن دليل قضاء الفائت لا قصور في عمومه إلا من جهة الشبهة الموضوعية للشك في الفوت. لكن يمكن إثباته بأصالة عدم الاتيان بالواجب. وقاعدة الشك بعد الوقت لا تشمل المقام قطعا. وبأن قاعدة الاجزاء لا مجال لها لا بالنسبة إلى دليل وجوب الصلاة إلى القبلة الواقعية للشك في الامتثال، ولا بالنسبة إلى دليل المقام الدال على وجوب الاربع للعلم بعدمه. نعم لو فرض الاستناد إلى دليل في وجوب المقدار الممكن إلى نص بالخصوص كان ظاهرا في الاجتزاء به، كظهور دليل الاربع
===============
( 205 )
في الاجتزاء بها، لكنه مفقود، بل المستند ما عرفت من حكم العقل بوجوب الاحتياط مهما أمكن، ولا حكم للعقل بالاجزاء. إلا أن يقال: أصالة عدم الاتيان بالصلاة إلى القبلة من قبيل الاصل الجاري في الفرد المردد بين معلوم الثبوت ومعلوم الانتفاء، لان الواجب إن إنطبق على المتروك كان معلوم الانتفاء، وإن إنطبق على المأتي به كان معلوم الثبوت. والفرق بين المقام وبين سائر موارد الشك في الاجزاء والشرائط حيث يجري فيها أصالة عدم الاتيان بالواجب بلا تأمل -: هو أن القبلة التي يجب إستقبالها في الصلاة جهة معينة في الخارج، وليست من قبيل الكليات التي تنطبق على الخارجيات كسائر الشرائط والاجزاء، فالشك في الصلاة إليها لا يمكن أن يتعلق بها بما أنها خارجية متعينة، لان المفروض كون بعض الجهات المعينة علم بتحقق الصلاة إليها، وبعضها علم بعدم تحققها إليها، وإنما يصح تعلق الشك فيها بلحاظ إنتزاع عنوان مردد بين الجهتين الخارجيتين أو الجهات كذلك، وذلك المفهوم المردد لا يجري الاصل فيه، ولا في كل فعل مفروض التعلق به، لعدم كونه موضوعا للاحكام الشرعية، إذ المفاهيم إنما تكون موضوعا لها بما هي منطبقة على الخارج والمفهوم المردد غير صالح لذلك. وبالجملة: إن أخذنا ذلك المفهوم عنوانا لاحدى الجهتين الخارجيتين تعيينا لم يكن مشكوكا، بل هو إما معلوم الثبوت أو معلوم الانتفاء. وإن أخذناه عنوانا لاحداهما على الترديد كان مشكوكا، إلا أنه غير موضوع لحكم شرعي. ولاجل ذلك لو صلى المكلف إلى الجهات الاربع ثم علم بفساد إحدى الصلوات تعيينا لا تجري قاعدة الفراغ في الصلاة إلى القبلة المرددة، لا من
===============
( 206 )
[ اليقين بالاستقابل (1) في إحداها، أو على وجه لا يبلغ الانحراف إلى حد اليمين واليسار. والاولى أن يكون على خطوط متقابلات (2). ] جهة العلم التفصيلي بفساد إحداها، إذ لا أثر للعلم مع الجهل بكون متعلقه الصلاة إلى القبلة، بل لما ذكرنا من أن الصلاة إلى القبلة التي تجعل موضوعا لقاعدة الفراغ مرددة بين معلوم الصحة ومعلوم الفساد، ولو علم بفساد إحداها إجمالا من دون تعيين للفاسدة جرت قاعدة الفراغ في كل واحدة منها تعيينا على تقدير كونها إلى القبلة، ولا يقدح العلم الاجمالي بفساد إحداها لخروج بعض أطرافه عن محل الابتلاء. ولا تجري أيضا قاعده الفراغ في الصلاة إلى القبلة المرددة، لما سبق. فلا مجال للبناء على القضاء من جهة أصالة عدم الاتيان. نعم لو بني على كون الامر بالقضاء عين الامر الاول بالاداء أمكن القول بوجوبه للاستصحاب، أو لقاعدة الاشتغال، إلا أن ينعقد إجماع على خلافه كما هو غير بعيد فلاحظ. (1) كما لو علم بأن القبلة في إحدى نقاط أربع في الجهات. (2) كما يقتضيه منصرف النص والفتوى. ولاجله صرح فيما عن حاشيتي الميسي والروضة والروض والمسالك وغيرها بأن الجهات تكون متقاطعة على زوايا قوائم. قال في المدارك: وعلى المشهور فيعتبر في الجهات الاربع كونهما على خطين مستقيمين وقع أحدهما على الآخر بحيث يحدث عنهما زوايا قائمة، لانه المتبادر من النص، وربما قيل بالاجتزاء بالاربع كيف أتفق، وهو بعيد جدا، لكن لما كان الغرض من التكرار هو اليقين بالامتثال لم يعتبر في المتن تبعا لما في نجاة العباد وغيرها ذلك، بل إكتفى بمجرد حصول اليقين بالصلاة إلى القبلة أو الانحراف بنحو لا يبلغ
===============
( 207 )
[ (مسألة 12): لو كان عليه صلاتان فالاحوط أن تكون الثانية إلى جهات الاولى (1). (مسألة 13): من كان وظيفته تكرار الصلاة إلى أربع جهات أو أقل وكان عليه صلاتان يجوز له أن يتمم جهات الاولى ثم يشرع في الثانية، ويجوز أن يأتي بالثانية في ] اليمين واليسار. وفيه: - مع أنه يتوقف على عموم دليل جواز الانحراف إلى ما لا يبلغ الحد المذكور للمقام، إذ مورد غيره كما سيأتي في أحكام الخلل أنه لو كفى الانحراف المذكور لم يحتج إلى أربع صلوات، بل إكتفى بالثلاث إلى زوايا مثلث مفروض في دائرة الأفق، إذ القوس الذى يكون بين كل زاويتين مائة وعشرين درجة يكون الانحراف معه ستين درجة تقريبا، وهو أقل من الانحراف الذي لا يبلغ اليمين واليسار، لانه تسعون درجة تقريبا. نعم لو كان المراد باليمين واليسار ربع المحيط تسعين درجة كان غاية الانحراف إليهما خمسا وأربعين درجة تقريبا، ولا يمكن اليقين بالامتثال حينئذ إلا بالاربع، إلا أنه لا بد أن تكون على نقاط متقابلة وإلا تعذر العلم بالاستقبال أو بالانحراف إلى ما لا يبلغ اليمين واليسار كما هو ظاهر. (1) بناء على ما سبق لا ينبغي التأمل في جواز إيقاع الثانية إلى غير جهات الاولى لتحقق اليقين بالاستقبال في كل منهما على كل حال. نعم لو كان مفاد الدليل الاكتفاء بالموافقة الاحتمالية بالاربع الذي لازمه جواز إيقاعها أجمع إلى نصف المحيط تعين إيقاع الثانية إلى جهات الاولى، إذ لولا ذلك يعلم إجمالا ببطلان إحدى الصلاتين، بل لو كانتا مرتبتين يعلم تفصيلا ببطلان الثانية كما سبق في المسألة الثامنة.
===============
( 208 )
[ كل جهة صلى إليها الاولى إلى أن تتم. والاحوط إختيار الاول (1). ولا يجوز أن يصلي الثانية إلى غير الجهة التي صلى إليها الأولى (2). نعم إذا إختار الوجه الاول لا يجب أن يأتي بالثانية على ترتيب الاولى (3). (مسألة 14): من عليه صلاتان كالظهرين مثلا مع كون وظيفته التكرار إلى أربع إذا لم يكن له من القوت ] (1) فقد عينه إبن فهد والشهيد الثاني والصيمري على ما حكي عنهم ونسب إلى ظاهر بعض الاجماعات. وجعله في الجواهر أقوى، لتوقف الجزم الذي هو من مقومات النية عليه، وسقوط إعتبار الجزم من جهة إشتباه القبلة لا يوجب سقوطه من حيث شرطية الترتيب. وفيه: ما عرفت غير مرة من عدم الدليل على إعتبار الجزم في النية، والرجوع إلى العقلاء يقضي بعدم إعتباره، إذ هم لا يفرقون في تحقق الاطاعة والعبادة بين صورتي الجزم وعدمه، بل ربما تكون الاطاعة في الثاني أعلى وأعظم، ولو سلم فلا دليل على إعتباره من حيثية إذا تعذر من حيثية أخرى مع تلازم الحيثيتين في الخارج كما في المقام، حيث أنه لو صلى إحدى صلوات الظهر إلى جهة ثم صلى أولى العصر إليها، فإن كانت الظهر إلى القبلة فالعصر إليها أيضا والترتيب حاصل، وإن كانت الظهر إلى غير القبلة فالعصر باطلة من جهتي القبلة والترتيب معا، وقد أشرنا إلى ذلك في مباحث التقليد. (2) للعلم بفساد الثانية حينئذ إما لفقد الترتيب أو لفقد الاستقبال. (3) لان الاتيان بها أربعا على كل حال يوجب اليقين بالفراغ منها فيجوز له أن يجعل أولى الثانية إلى جهة رابعة الاولى، كما له أن يجعلها إلى جهة الاولى منها.
===============
( 209 )
[ مقدار ثمان صلوات، بل كان مقدار خسمة، أو ستة، أو سبعة، فهل يجب إتمام جهات الاولى (1) وصرف بقية الوقت في الثانية. أو يجب إتمام جهات الثانية وإيراد النقص على الاولى؟ الاظهر الوجه الاول. ويحتمل وجه ثالث وهو التخيير. وإن لم يكن له إلا مقدار أربعة أو ثلاثة ] (1) كما عن الموجز والحاوي وكشف الالتباس، لان الاولى متقدمة في الرتبة على الثانية، فلاوجه لرفع اليد عن محتملاتها والاشتغال بالثانية بلا ضرورة تدعو إلى ذلك، فرفع اليد عنها مخالفة للتكليف بها من غير عذر، ولا مجال لمعارضة ذلك بمثله في العصر، لانه إذا تمم محتملات الظهر مثلا فأشتغل بمحتملات العصر فعدم إتمامها يكون لعذر وهو ضرورة ضيق الوقت. فإن قلت: إذا فعل بعض محتملات الظهر مثلا حتى لم يبق إلا مقدار أربع صلوات يكون قد إجتمع على المكلف وجوبان، وجوب الظهر ووجوب العصر، فمع تزاحمهما وعدم الاهمية لاحدهما من الاخرى يحكم العقل بالتخيير. وتقدم الظهر رتبة لا أثر له في ترجيح إمتثال وجوبها على إمتثال وجوب العصر، بل ترجيح إحداهما على الاخرى يتوقف على تقدم وجوبها رتبة على وجوب الاخرى، وحيث لا تقدم لاحد الوجوبين رتبة على الآخر وكونهما في رتبة واحدة لا بد من البناء على التخيير بين إمتثالها. وحينئذ فإن إختار الظهر صلاها إلى غير الجهات السابقة، وإن إختار العصر صلاها إلى إحدى الجهات السابقة، فلو صلاها إلى غيرها علم ببطلانها إما لانتفاء القبلة أو لانتفاء الترتيب. قلت وإن لم تحرز أهمية إحدى الصلاتين من الاخرى، إلا أن الظهر
===============
( 210 )
[ فقد يقال يتعين الاتيان بجهات الثانية (1) وتكون الاولى قضاء لكن الاظهر وجوب الاتيان بالصلاتين، وإيراد النقص على الثانية، كما في الفرض الاول. وكذا الحال في العشائين، ولكن في الظهرين يمكن الاحتياط (2) بأن يأتي بما يتمكن من الصلوات بقصد ما في الذمة فعلا، بخلاف العشائين، ] لما كانت شرطا في صحة العصر فوجوب العصر يدعو إلى فعلها كما يدعو إلى فعل العصر، ففعل الظهر إمتثال لامرها ولامر العصر معا، فكيف مع ذلك يجوز العقل فعل العصر وترك الظهر وليس في فعلها إلا إمتثال وجوبها لا غير؟! فهذه الجهة كافية في ترجيح فعل الظهر على فعل العصر في نظر العقل. وأما دعوى كون وقت الاختصاص يراد منه الوقت الذي تفعل فيه الفريضة بمقدماتها العلمية. فساقطة جدا وإن إحتملها بعض الاساطين أو جعلها الاقرب، لظهور أدلته في غير ذلك قطعا. ومما ذكرنا يظهر لك وجه ما أستظهره في المتن وضعف الوجهين الآخرين. (1) وقد عرفت مبناه وضعفه، وأن اللازم البناء على بقاء الاشتراك إلى أن يبقى مقدار أداء إحدى الصلاتين، فيختص بالعصر، وعليه فلا ينبغي التأمل في فساد الاولى من الاربع أو ما دونها لو جئ بها بعنوان العصر، للعلم بفوات الترتيب، فيتعين عليه إتيانها بعنوان الظهر، وحينئذ يجري ما تقدم فيما يمكنه من غير الاخيرة من الصلوات من ترجيح فعله بعنوان الظهر، لما فيه من جهتي الامتثال، ويتعين في الاخيرة فعلها بعنوان العصر وكأن هذا هو ما جعله في المتن أظهر، وإن كانت العبارة غير ظاهرة فيه. (2) يعني: الاحتياط في موافقة القولين المذكورين، فيصلي الاربع
===============
( 211 )
[ لاختلافهما في عدد الركعات. (مسألة 15): من وظيفته التكرار إلى الجهات إذا علم أو ظن بعد الصلاة إلى جهة أنها القبلة لا يجب عليه الاعادة (1). ولا إتيان البقية (2). ولو علم أو ظن بعد الصلاة إلى جهتين أو ثلاث أن كلها إلى غير القبلة، فإن كان فيها ما هو ما بين اليمين واليسار كفى (3)، وإلا وجبت الاعادة. (مسألة 16): الظاهر جريان حكم العمل بالظن مع عدم إمكان العلم والتكرار إلى الجهات مع عدم إمكان الظن في سائر الصلوات غير اليومية (4) ] مثلا إلى أربع جهات ويقصد ما في ذمته المردد عنده لاجل القولين المذكورين بين الظهر والعصر. وكذا في الفرض الاول، يأتي بما هو مكمل للاولى أربعا مرددا بين الصلاتين، خروجا عن شبهة الخلاف. (1) لموافقتها للتحري المأمور به الجاهل. مع أنه لو أعاد لاعاد إليها بلا فائدة. (2) لقصور الدليل حينئذ عن إقتضاء ذلك. (3) قد عرفت إختصاص دليل الاجزاء مع الانحراف إلى ما دون اليمين واليسار بغير المقام، فالتعدي منه إلى المقام مع أنه غير ظاهر مناف لما دل على وجوب الصلاة إلى أربع جهات مع عدم إمكان الاجتهاد كما تقدم في المسألة الحادية عشرة. (4) لاطلاق دليل الحكمين الشامل لليومية وغيرها من الصلوات التي منها صلاة الاموات. والمناقشة في ذلك ضعيفة، فإن الظاهر أن تطبيق الصلاة عليها كتطبيقها على غيرها أيضا. نعم قد يستشكل في عموم الحكم
===============
( 212 )
[ بل غيرها مما يمكن فيه التكرار كصلاة الآيات (1) وصلاة الاموات، وقضاء الاجزاء المنسية، وسجدتي السهو، وإن قيل في صلاة الاموات بكفاية الواحدة عند عدم الظن (2) مخيرا بين الجهات أو التعيين بالقرعة. وأما فيما لا يمكن فيه التكرار كحال الاحتضار، والدفن، والذبح، والنحر فمع عدم الظن يتخير (3)، والاحوط القرعة. ] لها، وللاجزاء المنسية، وسجدتي السهو، من جهة قصور الدليل عن الشمول لها، لكن قوله (عليه السلام): " يجزئ التحري أبدا إذا لم يعلم أين وجه القبلة " (* 1) شامل للصلاة وغيرها، فالبناء على حجية الاجتهاد في الجميع في محله. وأما رواية خراش (* 2) فدعوى القصور فيها بالنسبة إلى غير الصلاة ظاهرة، إلا أن يستفاد الحكم فيه منها بإلغاء خصوصية المورد، بأن يكون المراد بيان كيفية تحصيل العلم بالاستقبال المعتبر في أي مقام كان، وذكر الصلاة لانها الفرد الغالب. ولا يخلو من تأمل. ولو بني على عدم ثبوت ذلك، فالمرجع قاعدة الاحتياط. (1) يخلو من تأمل. ولو بني على عدم ثبوت ذلك، فالمرجع قاعدة الاحتياط. (1) تمثيل لسائر الصلوات. (2) ضعفه ظاهر لما عرفت من كونها داخلة في إطلاق الصلاة في رواية خراش. أللهم إلا أن يمنع أصل الاطلاق فيها لورودها مورد حكم آخر، وحينئذ فلا وجه لرفع اليد عن قاعدة الاحتياط. (3) كما هو الاصل في الاولين للدوران مع عدم المرجح لولا أدلة
===============
( 213 )
[ مسألة 17): إذا صلى من دون الفحص عن القبلة إلى جهة غفلة أو مسامحة يجب إعادتها إلا إذا تبين كونها القبلة (1) مع حصول قصد القربة منه.