[ فصل في الشك وهو: إما في أصل الصلاة، وأنه هل أتى بها أم لا. وإما في شرائطها. وإما في أجزائها. وإما في ركعاتها. (مسألة 1): إذا شك في أنه هل صلى أم لا؟ فان كان بعد مضي الوقت لم يلتفت وبنى على أنه صلى (1)، سواء كان الشك في صلاة واحدة أو في الصلاتين (2). ] الاخفاء) أن يقرأ جاهرا وإن لم يركع. والله سبحانه أعلم. فصل في الشك (1) ويظهر من كلام جماعة من الأعاظم - في مسألة ما لو ترددت الفائتة بين الأقل والأكثر - كونه من المسلمات، منهم شيخنا في الجواهر وشيخنا الاعظم في مبحث الشبهة الوجوبية الموضوعية من رسالة البراءة. لمصحح زرارة والفضيل عن أبي جعفر (ع): (متى استيقنت أو شككت في وقت فريضة أنك لم تصلها أو في وقت فوتها أنك لم تصلها صليتها، وإن شككت بعد ما خرج وقت الفوت - وقد دخل حائل - فلا إعادة عليك من شئ حتى تستيقن، فان استيقنتها فعليك أن تصليها في أي حالة كنت) (* 2). (2) لاطلاق.
____________
(* 1) الوسائل باب: 60 من ابواب المواقيت حديث: 1.
===============
( 424 )
[ وإن كان في الوقت وجب الاتيان (1) بهما، كأن شك في أنه صلى صلاة الصبح أم لا، أو هل صلى الظهرين أم لا؟ أو هل صلى العصر - بعد العلم بأنه صلى الظهر - أم لا؟ ولو علم أنه صلى العصر ولم يدر أنه صلى الظهر أم لا فيحتمل جواز البناء على أنه صلاها (2)، لكن الأحوط الاتيان بها، بل لا يخلو عن قوة، بل وكذلك لو لم يبق إلا مقدار الاختصاص بالعصر وعلم أنه أتى بها وشك في أنه أتى بالظهر أيضا أم لا فان الأحوط الاتيان بها، وإن كان احتمال البناء على الاتيان بها، وإجراء حكم الشك بعد مضي الوقت هنا ] (1) للنص المتقدم المطابق لقاعدة الاشتغال. (2) ينشأ: مما عن مستطرفات السرائر، عن كتاب حريز، عن زرارة عن أبي جعفر (ع): (إذا جاء يقين بعد حائل قضاه ومضى على اليقين ويقضي الحائل والشك جميعا، فان شك في الظهر فيما بينه وبين أن يصلي العصر قضاها، وإن دخله الشك بعد أن يصلي العصر فقد مضت. إلا أن يستيقن، لأن العصر حائل فيما بينه وبين الظهر، فلا يدع الحائل لما كان من الشك إلا بيقين) (* 1) ولا مجال لمعارضته بمثل مصحح الفضيل وزرارة المتقدم - الدال على وجوب الفعل مع الشك في الوقت - وإن كان بينهما عموم من وجه، لأن ظاهر الثاني كون الحكم لحيثية الشك في الوقت، وظاهر الأول كون الحكم لحيثية الشك بعد فعل الحائل، وهما لا يتنافيان، لأن الاول من قبيل اللامقتضي، والثاني من قبيل المقتضي. ولكن لم أجد عاجلا من تعرض لذلك. ويمكن - أيضا إثبات وجود صلاة الظهر بقاعدة التجاوز.
____________
(* 1) الوسائل باب: 60 من ابواب المواقيت حديث: 2.
===============
( 425 )
ودعوى: أن قاعدة التجاوز إنما تثبت وجود المشكوك بلحاظ صحة الفعل المتجاوز إليه لاغير، ولا تعرض فيها لاثبات آثار وجوده من غير هذه الجهة. مدفوعة فان التحقيق: أن ظاهر دليلها جواز البناء على وجود المشكوك بلحاظ سائر آثاره، لا خصوص البناء على صحة الجزء الذي دخل فيه، وإلا لم يكن وجه لتطبيق القاعدة - في صدر صحيح زرارة الآتي - على الشك في القراءة وقد ركع، إذ لاشك في صحة الركوع في الفرض، وإنما الشك في وجود القراءة بلحاظ الآثار العملية كسجود السهو، فتطبيق القاعدة إنما هو بهذا اللحاظ. ومثله تطبيقها على الشك في الاذان وهو في الاقامة فانه لاشك في صحة الاقامة، فلا بد أن يكون التطبيق بلحاظ استحباب الاذان. ولاجل ما ذكرنا جاز تطبيقها على الشك في القراءة وهو في القنوت - كما لعله المشهور - فان القنوت عمل خارج عن الصلاة يستحب فيها فلو كان الملحوظ في دليل القاعدة مجرد تصحيح مادخل فيه لم يكن وجه لرفع اليد عن قاعدة الاشتغال بالقراءة بالاضافة إلى الصلاة. ومثله ما لو شك في التسليم وهو في التعقيب، فانهم بنوا على جريان القاعدة لا ثبات التسليم، فإذا بني على رفع اليد عن قاعدة الاشتغال الجارية في القراءة والتسليم، فليكن الحال فيما لو شك في الظهر وهو في العصر كذلك، لعدم الفرق بين المقامين. ثم إن مقتضى تطبيق القاعدة على الشك في القراءة وقد ركع هو الاكتفاء بالترتب الشرعي ولو بالجعل الاولي، وإن كان ساقط فعلا الغفلة وحينئذ فلا مانع من إجراء قاعدة التجاوز في الظهر وإن كان الشك بعد الفراغ من العصر. وسقوط الترتب حينئذ لا ينافي جريانها. ومن ذلك تعرف أن الاحتمال المذكور في المتن أقوى. نعم ما ذكرنا يختص بقاعدة التجاوز
===============
( 426 )
[ أقوى من السابق (1). نعم لو بقي من الوقت مقدار الاختصاص بالعصر، وعلم بعدم الاتيان بها أو شك فيه - وكان شاكا في الاتيان بالظهر - وجب الاتيان بالعصر (2)، ويجري حكم الشك بعد الوقت (3) بالنسبة إلى الظهر، لكن الأحوط قضاء الظهر أيضا. ] ولا يجري في قاعدة الفراغ - بناء على كونهما قاعدتين متباينتين كما هو ظاهر الاصحاب، واختاره جماعة من تلامذة شيخنا الأعظم واتباعهم - لاختصاص دليل الثانية باثبات صحة العمل المروغ عنه، ولا تعرض فيه لاثبات وجود المشكوك مطلقا، كما في قاعدة التجاوز. نعم بناء على إرجاع قاعدة التجاوز إلى قاعدة الفراغ وجعل نصوص البابين من باب واحد، وهو قاعدة الفراغ - كما عليه شيخنا الأعظم (ره) في رسائله، وتبعه عليه غيره - تكون قاعدة الفراغ أيضا دالة على ذلك. لكنه خلاف التحقيق، فان مفاد مجموع النصوص مفهومان، أحدهما: إلغاء الشك في الوجود، والآخر إلغاء الشك في صحة الموجود. وشرط الأول: الدخول في جزء مترتب على المشكوك. وشرط الثاني: مجرد الفراغ البنائي. ويختلفان أثرا في الجهة التي ذكرناها: من أن قاعدة الفراغ لا تعرض فيها إلا لصحة الموجود، وقاعدة التجاوز تثبت وجود المشكوك مطلقا. (1) لاختصاصه باحتمال كونه من الشك بعد خروج الوقت. (2) للعلم، أو لقاعدة الشك في الوقت. (3) إذ بناء على الاختصاص يكون من الشك بعد خروج الوقت. وإنما لم يجزم بذلك في الفرض السابق، لأن الاختصاص - على تقدير القول به - يختص بصورة عدم فعل الفريضة ذات الوقت، كالعصر في الفرض
===============
( 427 )
[ (مسألة 2): إذا شك في فعل الصلاة - وقد بقي من الوقت مقدار ركعة - فهل ينزل منزلة تمام الوقت أو لا؟ وجهان (1)، أقواهما الأول. أما لو بقي أقل من ذلك فالأقوى كونه بمنزلة الخروج (2). (مسألة 3): لو ظن فعل الصلاة فالظاهر أن حكمه حكم الشك (3) في التفصيل بين كونه في الوقت أو في خارجه وكذا لو ظن عدم فعلها. (مسألة 4): إذا شك في بقاء الوقت وعدمه يلحقه ] أما مع فعلها - كما في الفرض السابق - فلا اختصاص، بل يكون آخر الوقت وقتا للفريضة السابقة، كما تقدم من المصنف في اوائل فصل الأوقات. فراجع. هذا ولو بني على الاشتراك في الوقت، لم يكن فرق بين الصور الثلاث في لزوم إعمال قاعدة الشك في الوقت بالنسبة إلى الظهر - لولا النص المتقدم الجاري في الصورتين الاوليين - لولا ما عرفت من إمكان إجراء قاعده التجاوز. (1) مبنيان على إطلاق قوله صلى الله عليه وآله: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) (* 1) بنحو يشمل حيثية الشك وعدمه. والأول أوفق باطلاق التنزيل، ولذا كان أقوى عند المصنف (ره). (2) لصدق الشك بعد خروج الوقت، الذي هو موضوع لعدم وجوب الفعل في النص المتقدم. اللهم إلا أن يكون المراد منه الشك بعد خروج، تمام الوقت. لكنه غير ظاهر. (3) بل هو منه، إذ الشك خلاف اليقين، إما لأنه معناه حقيقة،
____________
(* 1) الوسائل باب: 30 من ابواب المواقيت حديث: 4.
===============
( 428 )
[ حكم البقاء (1). (مسألة 5): لو شك في أثناء صلاة العصر في أنه صلى الظهر أم لا؟ فان كان في الوقت المختص بالعصر بني على الاتيان بها (2)، وإن كان في الوقت المشترك عدل إلى الظهر (3)، بعد البناء على عدم الاتيان بها. ] أو لكونه المراد منه بالنص، بقرينة مقابلته باليقين. وكذا الحال في ظن العدم. (1) لاستصحاب بقاء الوقت، إذ الظاهر من الشك في وقت الفريضة - بقرينة المقابلة بالشك بعدما خرج الوقت - هو الشك ما دام وقت الفريضة. فتأمل. ولو بني على كونه ظاهرا في الشك في وقت الفريضة بنحو مفاد كان الناقصة - امتنع جريان استصحاب الوقت، فانه لا يثبت كون وقت الشك هو وقت الفريضة، إلا بناء على الاصل المثبت. ومثله: استصحاب وجوب الفعل في الوقت. بل المرجع قاعدة الاشتغال، للشك في تحقق الامتثال. أو استصحاب وجوب الفعل من دون أخذ الوقت قيدا له، كما تقدم تحقيقه في مبحث قضاء الصلوات. (2) لأنه من الشك بعد خروج الوقت - بناء على الاختصاص - كما تقدم. (3) كأنه لاحتمال أن النص المتقدم - المروي عن المستطرفات (* 1) - مورده الشك بعد خروج الوقت، لكن لا يبعد التعدي عن مورده إلى المقام لصدق قوله (ع): (فقد دخل حائل). وأما قاعدة التجاوز فهي جارية هنا إذا كانت تجري هناك. وكذلك قاعدة الفراغ - بناء على صحة جريانها في الأثناء بلحاظ ما مضى من الأجزاء، كما هو الظاهر - لاطلاق الدليل.
____________
(* 1) تقدم ذكره في أوائل المسألة: 1 من هذا فصل.
===============
( 429 )
[ (مسألة 6): إذا علم أنه صلى إحدى الصلاتين - من الظهر أو العصر - ولم يدر المعين منها يجزيه الاتيان بأربع ركعات بقصد ما في الذمة (1)، سواء كان في الوقت أو في خارجه. نعم لو كان في وقت الاختصاص بالعصر يجوز له البناء على أن ما أتى به هو الظهر، فينوي فيما يأتي به العصر (2) ولو علم أنه صلى إحدى العشاءين ولم يدر المعين منهما وجب الاتيان بهما (3)، سواء كان في الوقت أو في خارجه. وهنا - أيضا - لو كان في وقت الاختصاص بالعشاء بني على أن ] (1) لحصول العلم بالفراغ بذلك، لكفاية نية الظهرية والعصرية إجمالا إجماعا. ويقتضيه النص المتقدم في الفائتة المرددة. (2) لأن الشك في الظهر شك بعد خروج الوقت، وفي العصر شك في الوقت، فيترتب في كل أثره، فيبنى على الاتيان بالظهر وعدم الاتيان بالعصر. إلا أن يقال: أن الشك في الظهر إنما يكون بعد خروج الوقت لو لم يكن ما صلاه عصرا واقعا. أما لو كان عصرا فالشك في الظهر شك في الوقت. وإذ أن المفروض هو الشك فيما صلاه فلم يحرز كون الشك في الظهر شكا بعد الوقت، فقاعدة الاشتغال أو استصحاب عدم فعلها - محكم كالعصر. ولازمه: وجوب الاتيان بأربع مرددة. نعم يمكن إثبات الاختصاص بالعصر بأصالة عدم فعلها. ولا يعارض بأصالة عدم فعل الظهر، لأنه لا ينفي ذلك - أعني: الاختصاص بالعصر - بل إذا ثبت اختصاص الوقت بالعصر كانت قاعدة الشك بعد الوقت بالنسبة إلى الظهر حاكمة على أصالة عدم الاتيان بها، فيمتنع التعارض بينهما. (3) لتوقف العلم بالفراغ - الواجب عقلا - عليه.
===============
( 430 )
[ ما أتى به هو المغرب، وأن الباقي هو العشاء (1). (مسألة 7): إذا شك في الصلاة في أثناء الوقت ونسي الاتيان بها وجب عليه القضاء (2) إذا تذكر خارج الوقت. وكذا إذا شك واعتقد أنه خارج الوقت ثم تبين أن شكه كان في أثناء الوقت (3). وأما إذا شك واعتقد أنه في الوقت فترك الاتيان بها - عمدا أو سهوا - ثم تبين أن شكه كان خارج الوقت فليس عليه القضاء. (مسألة 8): حكم كثير الشك في الاتيان بالصلاة وعدمه حكم غيره، فيجري فيه التفصيل بين كونه في الوقت وخارجه (4). وأما الوسواسي فالظاهر أنه يبني على الاتيان وإن كان في الوقت. ] (1) للوجه المتقدم في نظيره. (2) لاصالة عدم الاتيان بالفعل الذي هو موضوع وجوب القضاء. ولا مجال لاجراء قاعدة الشك بعد خروج الوقت، لاختصاصها بالشك الحادث بعد الوقت، نظير ما قيل في قاعدة الفراغ. (3) إذ المدار في الحكم على الموضوع الواقعي، لا الخيالي الخطئي. وكذا الحال فيما بعده. (4) لاطلاق أدلة القواعد المذكورة. ولا دليل يقتضي الخروج عنها سوى ما في مصحح زرارة وأبي بصير - الوارد في كثير الشك في صلاة - من قوله (ع): (لا تعودوا الخبيث من أنفسكم نقض الصلاة فتطمعوه، فان الشيطان خبيث معتاد لما عود، فليمض أحدكم في الوهم ولا يكثرن نقض الصلاة، فانه إذا فعل ذلك مرات لم يعد إليه الشك...) (* 1) ]
____________
(* 1) الوسائل باب: 16 من ابواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 2 .
===============
( 431 )
[ (مسألة 9): إذا شك في بعض شرائط الصلاة، فاما أن يكون قبل الشروع فيها، أو في أثنائها، أو بعد الفراغ منها. فان كان قبل الشروع فلابد من إحراز ذلك الشرط (1) ولو بالاستصحاب ونحوه من الاصول - وكذا إذا كان في الأثناء - وإن كان بعد الفراغ منها حكم بصحتها (2)، وإن ] وقد اعتمد عليه في المستند فبنى على عدم الالتفات إلى الشك في الفرض. وحكاه عن بعض مشايخه المحققين. لكنه يتوقف على إحراز كون كثرة الشك هنا من الشيطان، وهو غير ظاهر مطلقا. وكونه من الشيطان إذا كان يؤدي إلى نقض الصلاة لا يلزم كونه كذلك في غيره. نعم لا إشكال في عدم الالتفات إليه إذا كان من الوسواس، لحرمة العمل عليه إجماعا. (1) لقاعدة الاشتغال، الجارية في التكليف بالمشروط، الموجبة لتحصيل اليقين به وبشرطه. وكذا الحال في الشك في الأثناء. (2) لقاعدة الصحة المعول عليها عند العقلاء، سواء أكان الشك في فعل الانسان نفسه، أم في فعل غيره، أم في عين خارجية، بل ادعى بعض الاعلام عليها - في الجملة -: الاجماع، وسيرة المتشرعة. ويشهد لها - في المقام وغيره - جملة من النصوص، كصحيحة محمد بن مسلم: (قلت لأبي عبد الله (ع): رجل شك في الوضوء بعدما فرغ من الصلاة. قال (ع): يمضي على صلاته ولا يعيد) (* 1)، وصحيحته عن أبي جعفر (ع): (كل ما شككت فيه - بعدما تفرغ من صلاتك - فامض ولا تعد) (* 2)، وصحيحته الأخرى عن أبي عبد الله (ع): (في الرجل يشك بعد ما ينصرف من صلاته، قال: فقال (ع): لا يعيد ولا شئ
____________
(* 1) الوسائل باب: 42 من ابواب الوضوء حديث: 5. (* 2) الوسائل باب: 27 من ابواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 2.
===============
( 432 )
عليه) (* 1)، وصحيحته الأخرى عنه (ع): (إذا شك الرجل بعدما صلى فلم يدر أثلاثا صلى أم أربعا؟ وكان يقينه حين انصرف أنه كان قد أتم لم يعد الصلاة، وكان حين انصرف أقرب إلى الحق منه بعد ذلك) (* 2) وموثقته: (سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: كل ما مضى من صلاتك وطهورك فذكرته تذكرا فامضه ولا إعادة عليك فيه) (* 3)، وموثقته الأخرى عن أبي جعفر (ع): (كل ما شككت فيه - مما قد مضى - فامضه كما هو) (* 4)، وموثق ابن أبي يعفور: (إنما الشك إذا كنت في شئ لم تجزه) (* 5) - بناء على حمله على قاعدة الفراغ - كما تقدم في الوضوء. ويمكن الاستدلال على الصحة في المقام بما دل على قاعدة التجاوز من النصوص الآتية. لكنه يختص بما إذا كان الشك في الصحة ناشئا من الشك في وجود الشرط، المقارن، أو وجود الجزء الأخير ولما يدخل في أمر مترتب على المشكوك، لعدم جريان قاعدة التجاوز في مثل ذلك، لاعتبار حدوث الشك فيها بعد الدخول فيما هو مرتب على المشكوك. وبذلك افترقت عن قاعدة الفراغ، لعدم اعتبار ذلك فيهم. كما افترقتا - أيضا - بأن مفاد قاعدة التجاوز: إثبات الوجود - بنحو مفاد كان التامة - ومفاد قاعدة الصحة أو الفراغ: إثبات تمامية الموجود - بنحو مفاد كان الناقصة - فلا مجال لارجاع إحداهما إلى الاخرى، كما أشرنا إلى ذلك آنفا، بل الأولى - لو جرت - فهي حاكمة على الثانية. ولذا كانت مغنية عنها.
____________
(* 1) الوسائل باب: 27 من ابواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 27 من ابواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 3. (* 3) الوسائل باب: 42 من ابواب الوضوء حديث: 6. (* 4) الوسائل باب: 23 من ابواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 3. (* 5) الوسائل باب: 42 من ابواب الوضوء حديث: 2.
===============
( 433 )
[ كان يجب إحرازه للصلاة الاخرى (1). وقد مر التفصيل في مطاوي الأبحاث السابقة. (مسألة 10): إذا شك في شئ من أفعال الصلاة فأما أن يكون قبل الدخول في الغير المرتب عليه، وإما أن يكون بعده. فان كان قبله وجب الاتيان (2)، كما إذا شك في الركوع ] (1) لقصور الأدلة المتقدمة عن إثبات المشكوك مطلقا حتى بلحاظ مشروط آخر، إذ النصوص مختصة بعدم وجوب الاعادة. وبناء العقلاء لم يثبت عمومه لغيره من الآثار. (2) بلا خلاف - كما عن جماعة - لقاعدة الاشتغال، أو استصحاب عدم المشكوك. ويقتضيه مفهوم الشرط في النصوص الآتية - فتأمل - وجملة من النصوص الخاصة، كصحيح عمران الحلبي: (في الرجل يشك وهو قائم فلا يدري ركع أم لا. قال (ع): فليركع) (* 1) ونحوه صحيح أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) (* 2) ومصحح عبد الرحمن ابن أبي عبد الله: (قلت لأبي عبد الله (ع): رجل رفع رأسه من السجود فشك - قبل أن يستوي جالسا - فلم يدر أسجد أم لم يسجد. قال (ع) يسجد...) (* 3) وعليه ينزل إطلاق صحيح أبي بصير والحلبي: (في الرجل لا يدري أركع أم لم يركع؟ قال (ع): يركع) (* 4) ومصحح الحلبي: (عن رجل سها فلم يدر سجد سجدة أم ثنتين. قال (ع): يسجد أخرى) (* 5)
____________
(* 1) الوسائل باب: 12 من ابواب الركوع حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 12 من ابواب الركوع حديث: 2. (* 3) الوسائل باب: 15 من ابواب السجود حديث: 6. (* 4) الوسائل باب: 12 من ابواب الركوع حديث: 4. (* 5) الوسائل باب: 15 من ابواب السجود حديث: 1.
===============
( 434 )
[ وهو قائم، أو شك في السجدتين - أو السجدة الواحدة - ولم يدخل في القيام أو التشهد. وهكذا لو شك في تكبيرة الاحرام ولم يدخل فيما بعدها، أو شك في الحمد ولم يدخل في السورة أو فيها ولم يدخل في الركوع أو القنوت. وإن كان بعده لم يلتفت (1) ] ونحوهما خبرا زيد الشحام (* 1) وأبي بصير (* 2) جمعا بينها وبين النصوص الآتية. وأما مصحح الفضيل: (أستتم قائما فلا أدري ركعت أم لا؟ قال (ع): بلى قد ركعت، فامض في صلاتك فانما ذلك من الشيطان) (* 3) فاظاهر من الاستتمام قائما القيام من الركوع، ويكون الشك وسواسا محضا. (1) إجماعا - في الجملة - كما عن الذخيرة والرياض والدرة وبلا خلاف، كما عن مجمع البرهان. ويدل عليه صحيح زرارة: (قلت لأبي عبد الله (ع): رجل شك في الاذان وقد دخل في الاقامة. قال (ع): يمضي. قلت: رجل شك في الأذان والاقامة وقد كبر. قال (ع): يمضي. قلت: رجل شك في التكبير وقد قرأ. قال (ع): يمضي. قلت: شك في القراءة وقد ركع. قال (ع): يمضي. قلت: شك في الركوع وقد سجد قال (ع): يمضي على صلاته، ثم قال (ع): يا زرارة إذا خرجت من شئ ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشئ) (* 4) وصحيح اسماعيل عن أبي عبد الله (ع) في حديث قال (ع): (إن شك في الركوع بعد ما سجد فليمض، وإن شك في السجود بعد ما قام فليمض
____________
(* 1) الوسائل باب: 15 من ابواب السجود حديث: 2. (* 2) الوسائل باب: 15 من ابواب السجود حديث: 3. (* 3) الوسائل باب: 13 من ابواب الركوع حديث: 3. (* 4) الوسائل باب: 23 من ابواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 1.
===============
( 435 )
[ وبني على أنه أتى به، من غير فرق بين الأولتين والأخيرتين على الأصح (1). ] كل شئ شك فيه - مما قد جاوزه ودخل في غيره - فليمض عليه) (* 1) وصحيح حماد بن عثمان: (قلت لأبي عبد الله (ع: أشك وأنا ساجد فلا أدري ركعت أم لا. قال (ع): أمضه) (* 2) ومصحح عبد الرحمن (قلت لأبي عبد الله (ع): رجل أهوى إلى السجود فلم يدر أركع أم لم يركع؟ قال (ع): قد ركع) (* 3) ومن الاولين يستفاد قاعدة كلية، وهي: عدم الاعتناء بالشك في الشئ بعد الدخول فيما بعده، المعبر عنه - عند الفقهاء - بقاعدة التجاوز، المقابلة لقاعدة الفراغ، المستفادة من النصوص المتقدمة في المسألة التاسعة. وقد عرفت اختلاف القاعدتين مفهوما، وشرطا وأثرا، ودليلا، ورتبة. (1) كما هو المشهور، بل لم يعرف الخلاف فيه إلا من الشيخين وابن حمزة في الوسيلة والعلامة في التذكرة - كما في الجواهر - على إشكال في الجملة في كيفية خلافهم. وكيف كان قد يستدل لهم: بما تضمن الأمر بالاعادة عند الشك في الركعتين، أو في الركعتين الأولتين، أو إذا لم تحفظ الركعات، أو في الفجر والجمعة والسفر ونحوه. وقد عقد له في الوسائل بابين طويلين (* 4) لكن هذه النصوص لو لم تكن ظاهرة في الشك في عدد الركعات فهي محمولة عليه، جمعا بينها وبين ما عرفت مما هو صريح في الأولتين، كصحيح زرارة، أو قد يأبى الحمل على الأخيرتين.
____________
(* 1) الوسائل باب: 15 من ابواب السجود حديث: 4. (* 2) الوسائل باب: 13 من ابواب الركوع حديث: 1. (* 3) الوسائل باب: 13 من ابواب الركوع حديث: 6. (* 4) الوسائل باب: 1، 2 من ابواب الخلل الواقع في الصلاة.
===============
( 436 )
[ والمراد بالغير مطلق الغير المترتب على الأول (1)، كالسورة بالنسبة إلى الفاتحة، ] (1) كما هو مختار جماعة من الأساطين. لاطلاق الغير في الصحيحين وفي المسالك: (المفهوم من الموضع محل يصلح لايقاع الفعل المشكوك فيه كالقيام بالنسبة إلى الشك في القراءة وأبعاضها وصفاتها والشك في الركوع وكالجلوس بالنسبه إلى الشك في السجود والتشهد...) وفيه: أنه خلاف صحيح زرارة، فان من شك في الأذان وهو في الاقامة قد حصل له الشك المذكور في موضع يمكن فيه فعل الأذان. وكذا الحال فيمن شك في الأذان والاقامة وقد كبر، وفيمن شك في التكبير وقد قرأ. مع أن لفظ الموضع لم يذكر في النصوص ليتكلف في تعيين المراد منه، بل المذكور: (التجاوز عن الشئ) و (الدخول في الغير). وحمله على ما ذكر غير ظاهر. ومثله: ما ذكر جماعة - تبعا لما يظهر من الروضة - من كون المراد من (الشئ) و (الغير) الأفعال المفردة بالتبويب، كالتكبير، والقراءة والركوع، والسجود، والتشهد، فلو شك في الفاتحة وهو في السورة التفت لعدم كون إحداهما غيرا بالاضافة إلى الأخرى، وكذا لو شك في أول الفاتحة وهو في آخرها. والوجه فيه: انصراف. (الشئ) و (الغير) إلى ذلك. ولا سيما في صحيح اسماعيل، المشتمل على التمثيل بالشك في الركوع بعد ما سجد، والشك في السجود بعد ما قام، الظاهر في كون ذلك توطئة وتمهيدا للقاعدة المذكور في ذيله، فيكون تحديدا للغير بذلك. ولو كان المراد منه مطلق الغير كان المناسب التمثيل بالشك في الركوع بعد ما هوى للسجود، وبالشك في السجود بعد ما نهض، بل في صحيح زرارة أيضا لاشتماله على العطف ب (ثم) الظاهرة في التراخي وعدم الاكتفاء بمجرد الفصل القصير. وفيه: منع الانصراف جدا، ولا سيما بملاحظة الارتكاز
===============
( 437 )
العرفي. والتوطئة والتمثيل في صحيح اسماعيل لا يقتضيه، إذ هو خلاف فرض عمومه للمثال ولغيره. كيف ولو اقتضاه أمكن التشكيك في عمومه لغير الأركان أيضا، ولا يلتزم به القائل المذكور. وأما عدم التمثيل بالهوي والنهوض فيمكن أن يكون لندرة الشك حالهما، بل لابد من حمله على ذلك بالنسبة إلى الشك في الركوع حال الهوي، لما تقدم في مصحح عبد الرحمن. والعطف ب (ثم) لابد أن يحمل على غير التراخي، بقرينة ما ذكر في صدر الصحيح الأول. إلا أن يحمل الشك في الأذان - وقد دخل في الاقامة - على إرادة الشك في الأجزاء، كالجزء الاول من الأذان، وكذا في بقية الفروض. وهو - كما ترى - مما يمتنع حمل النص عليه. نعم قد يقال في تقريب هذا القول -: إن المغايرة بين (الشئ) المشكوك، (والغير) إنما كانت بلحاظ كل في قبال الاخر، وإلا فلو لوحظ مجموعهما شيئا واحدا في قبال أمر ثالث لم تكن بينهما مغايرة، بل كانت المغايرة بين مجموعهما وبين ذلك الأمر الثالث. وحيئنذ فاما أن يكون الملحوظ - في نظر الجاعل - كل واحد من الأجزاء المفردة بالتبويب في قبال غيره مما كان منهما. فتختص القاعدة بالشك في واحد منها عند الدخول في الآخر - كالشك في القراءة عند الدخول في الركوع - ولا تجري في الشك في جزء الجزء عند الدخول في الجزء الآخر من ذلك الجزء، كالشك في آية من الفاتحة عند الدخول في آية أخرى منها. أو يكون الملحوظ كل واحد من أجزاء الأجزاء في قبال غيره، فتجري في الفرض الثاني، ولا تجري في الفرض الأول، إلا بلحاظ أجزاء الأجزاء. ولا يمكن لحاظ الجامع بينهما، للزوم التدافع بين منطوق الدليل ومفهومه فيما لو شك في آية من الفاتحة وقد دخل في آية أخرى، إذ بلحاظ نفس الأجزاء - كالقراءة - يصدق أنه شك قبل الدخول في الغير. ومقتضاه الالتفات إلى الشك.
===============
( 438 )
وبلحاظ أجزاء الأجزاء يصدق الشك بعد الدخول في الغير، ومقتضاه المضي وعدم الالتفات، فإذا امتنع لحاظ الجامع، وتردد الأمر بين الفردين كان اللازم الحكم بالاجمال. إلا أن قرينة السؤال توجب حمل الكلام على كونه بلحاظ نفس الأجزاء، لاأجزائها. فان قلت: لازم ذلك عدم جريان القاعدة عند الشك في آية من الفاتحة وهو في الركوع. قلت: نعم لا تجري القاعدة بلحاظ الشك في الآية، وإنما تجري بلحاظ الشك في القراءة، لأن الشك في الجزء عين الشك في الكل، لأن عدم الجزء عين عدم الكل. هذا ولكن التدافع في الفرض المذكور مبني على أن يكون المراد من الشك في الشئ ما يعم الشك في الكل - للشك في جزئه - وهو غير ظاهر. ومجرد كون عدم الجزء عين عدم الكل، فيكون الشك فيه عين الشك في الكل لا يصحح دعوى استظهاره من الكلام، بل الظاهر من إطلاق الشك في الشئ الشك في وجوده، لا ما يعم الشك في تمامه، ففي الفرض المتقدم يصدق أنه شك بعد الدخول في الغير، ولا يصدق عليه أنه شك قبله. ولو سلم عدم ظهوره في ذلك فلا أقل من وجوب حمل الكلام عليه، دفعا لمحذور التدافع المذكور. وأما قرينة السؤال فغير ظاهرة، إذ الحكم في مورد السؤال يوافق كلا من القولين، فكيف يصلح قرينة على تعيين أحدهما؟. فالمتحصل: أن الظاهر من الشئ المشكوك هو المشكوك الوجود، الملحوظ في قبال معلوم الوجود، المنطبق تارة: على جزء الجزء، وأخرى: على تمام الجزء، وثالثة: على مجموع الجزءين. ويشير إليه ما في صدر الصحيح من تطبيقه تارة: في الأذان الملحوظ في قبال الاقامة، وأخرى: في الأذان والاقامة في قبال التكبير. فلاحظ. وأضعف من ذلك ما عن بعض: من اختصاص الغير بالأركان. وكأنه ناشئ عن إهمال أدلة القاعدة
===============
( 439 )
[ فلا يلتفت إلى الشك فيها وهو آخذ في السورة (1)، بل ولا إلى أول الفاتحة - أو السورة - وهو في آخرهما، بل ولا إلى الآية وهو في الآية المتأخرة، بل ولا إلى أول الآية وهو في آخرها. ولا فرق بين أن يكون ذلك الغير جزءا واجبا أو مستحبا (2)، كالقنوت بالنسبة إلى الشك في السورة، والاستعاذة بالنسبة إلى تكبيرة الاحرام، والاستغفار بالنسبة إلى التسبيحات الأربع، فلو شك في شئ من المذكورات - بعد الدخول في أحد المذكورات - لم يلتفت. كما أنه لا فرق في المشكوك فيه - أيضا - بين الواجب والمستحب (3). والظاهر عدم الفرق بين أن يكون ذلك الغير من الأجزاء ] والرجوع إلى أصالة عدم الاتيان بالمشكوك، فيكون الحكم فيه حكم النسيان وفيه: أنه لا وجه لاهمال أدلة القاعدة مع صحة إسنادها، وصراحة دلالتها واعتماد الاصحاب عليها، فإذا ما ذكر في المتن هو المتعين. (1) كما عن ظاهر المعتبر وصريح السرائر، حاكيا له عن رسالة المفيد إلى ولده، ناسبا له إلى أصول المذهب. لما عرفت. وعن المشهور والشيخ: وجوب التلافي. (2) كما عن المدارك ومجمع البرهان والذخيرة والكفاية والرياض وغيرها. وعن الذكرى وإرشاد الجعفرية والروض والروضة: لزوم التدارك في المستحب وإن احتمل في جملة منها عدم الالتفات. لكن عرفت أنه متعين بمقتضى الاطلاق. وكذا الحال في غيره من المستحبات. (3) كما يقتضيه صدر صحيح زرارة (* 1).
____________
(* 1) تقدم ذكر الرواية في أوائل هذه المسألة.
===============
( 440 )
[ أو مقدماتها (1)، فلو شك في الركوع أو الانتصاب منه - بعد الهوي للسجود - لم يلتفت (2). نعم لو شك في السجود - وهو آخذ في القيام - وجب عليه العود (3). وفي إلحاق التشهد به في ذلك وجه (4)، إلا أن الأقوى خلافه، فلو شك فيه بعد الأخذ في القيام لم يلتفت، والفارق النص الدال على العود في السجود، فيقتصر على مورده، ويعمل بالقاعدة في غيره. ] (1) للاطلاق المتقدم. (2) ويقتضيه في الركوع مصحح عبد الرحمن بن أبي عبد الله المتقدم (* 1) ومنه يظهر ضعف ما عن الذكرى والمسالك والروض والروضة والرياض: من وجوب العود. (3) وفي الجواهر: (إني لم أعثر على مخالف هنا في وجوب الرجوع نعم ظاهر الاشارة: عدم الرجوع). لمصحح عبد الرحمن بن أبي عبد الله: (قلت: فرجل نهض من سجوده فشك قبل أن يستوي قائما - فلم يدر أسجد أم لم يسجد؟ قال (ع): يسجد) (* 2). (4) مبني على ظهور الرواية في كون الرجوع فيها لعدم تحقق التجاوز، فيكون الحكم بالرجوع من التخصص لا التخصيص. وكأنه لكون النهوض ليس من أفعال الصلاة، بل هو مقدمة للقيام فلا يكون غيرا. وفيه: أن إطلاق الغير يشمله كما عرفت - فجعل الرواية مخصصة للقاعدة - التي لا مانع من تخصيصها عقلا - أوفق بقواعد الجمع بين الأدلة. وعليه فلا وجه للتعدي إلى التشهد.
____________
(* 1) تقدم ذكره في أوائل الكلام من هذه المسألة. (* 2) الوسائل باب: 15 من ابواب السجود حديث: 6.
===============
( 441 )
[ (مسألة 11): الأقوى جريان الحكم المذكور في غير صلاة المختار، فمن (1) كان فرضه الجلوس - مثلا - وقد شك في أنه هل سجد أم لا - وهو في حال الجلوس الذي هو بدل عن القيام - لم يلتفت، وكذا إذا شك في التشهد. نعم لو لم يعلم أنه الجلوس الذي هو بدل عن القيام أو جلوس للسجدة أو للتشهد وجب التدارك، لعدم إحراز الدخول في الغير حينئذ. ] (1) وفي الجواهر: (لعل المسألة مبنية على أن مثل هذه الاشياء في صلاة المضطر أبدال وأعواض عنها في صلاة المختار، على وجه يجري عليها الحكم المزبور كما يجري عليها حكم الكيفية، أو أنها ليست كذلك بل أمور كانت تجب عند الاختيار واسقطها الشارع عند الاضطرار من غير بدل لها. الظاهر الأول... (إلى أن قال): والانصاف أن المسألة لا تخلو من إشكال، بل للتأمل فيها مجال...) أقول: إن كان المقصود من ابتناء جريان القاعدة فيها على البدلية: أن دليل البدلية هو الموجب لجريان القاعدة، لأنه يجعل الجلوس بدلا عن القيام، حتى بلحاظ كون الدخول فيه موجبا لعدم الاعتناء بالشك في وجود ما قبله. ففيه: انه - على تقدير القول بالبدلية - لا إطلاق في دليلها يشمل هذه الحيثية، ليكون بذلك حاكما على دليل القاعدة. وإن كان المقصود أنه إذا ثبتت بدليتها كانت واجبات صلاتية، ويكون الدخول فيها موجبا - حقيقة - لصدق التجاوز وعدم الاعتناء بالشك. فهو أيضا غير ظاهر إذ لا أثر للنية في صدق التجاوز والدخول في الغير، لانصراف الغير إلى ما هو غير بالذات، ولا يكفي كونه غيرا بالنية، كما ذكر بعض الأعلام. ولذا
===============
( 442 )
[ (مسألة 12): لو شك في صحة ما أتى به وفساده ] لا يكفي - في صدق التجاوز عن السجدة الاولى - السجود بعنوان كونه السجدة الثانية، أو الجلوس بعنوان كونه الجلوس بين السجدتين، ولا في صدق التجاوز عن السجدتين الجلوس بعنوان جلسة الاستراحة أو للتشهد، ولا في صدق التجاوز عن تكبير الافتتاح القيام بعنوان كونه قياما للقراءة - فتأمل - وهكذا. لكن لازم ذلك عدم صدق التجاوز عن الركوع الايمائي للمريض بفعل الايماء السجودي بل وعدم صدق التجاوز - أيضا - عن الظهر بفعل العصر، مع أنه لاميز بينهما إلا بالنية. ومنه يشكل الحكم في المسألة. ولعل منع الانصراف والحكم بصدق التجاوز في جميع هذه الموارد وعدم الاعتناء بالشك أقرب إلى المتفاهم العرفي وأوفق بالمرتكز العقلائي. مضافا إلى أن المغايرة بين الجلوس الواجب أصالة والجلوس الواجب بدلا ليس بمجرد النية، لاختلافهما بالخواص والآثار، نظير الاختلاف بين الظهر والعصر، والتيمم الذي هو بدل عن الوضوء والتيمم الذي هو بدل عن الغسل، والايماء الذي هو بدل عن الركوع وما هو بدل عن السجود وليس ذلك كالاختلاف بين السجدة الأولى والثانية، والركعة الاولى والثانية. نعم قد يشكل ما في المتن: بأن الجلوس الصلاتي هو ما يكون مقارنا للقراءة أو التسبيح - لا مطلقا - كما عرفت. وحينئذ فنية بدليته عن القيام إنما تكون في تلك الحال، فما لم يقرأ أو يسبح لا يكون داخلا فيما هو مترتب على المشكوك، ولا يجئ ذلك في القيام قبل القراءة أو التسبيح. أولا: من جهة ورود النص بالخصوص فيه (* 1)، وثانيا: من جهة أن القيام لما كان مباينا ذاتا للجلوس - الذي هو محل السجود والتشهد - يصدق عرفا أنه متجاوز عنهما بالدخول فيه.
____________
(* 1) المراد به صحيح اسماعيل المتقدم في أوائل المسألة: 10 من هذا الفصل.
===============
( 443 )
[ لا في أصل الاتيان، فان كان بعد الدخول في الغير فلا إشكال في عدم الالتفات (1)، وإن كان قبله فالأقوى عدم الالتفات أيضا (2)، وإن كان الأحوط الاتمام والاستئناف إن كان من الأفعال، والتدارك إن كان من القراءة أو الأذكار، ما عدا تكبيرة الاحرام. ] (1) لجريان قاعدة التجاوز في الوجود الصحيح، أو لجريانها في نفس الخصوصية التي كان الشك فيها موجبا للشك في الصحة، أو لجريان قاعدة الفراغ التي هي قاعدة الصحة. ويمكن التأمل في الأول: باختصاص أدلة القاعدة بالشك في أصل الوجود، فلا تشمل صورة العلم بالوجود المشكوك الصحة، كما عرفت. وإلحاق الشك في الصحة بالشك في الوجود بالأولوية غير ظاهر، لأنها ظنية. وفي الثاني: بأنه لا ترتيب بين ما يعتبر في السابق ونفس اللاحق، وإنما الترتب بين نفس السابق واللاحق لا غير. إلا أن يقال: إذا كان الشئ شرطا في السابق كان اللاحق مرتبا عليه تبعا. وفي الثالث: باختصاص قاعدة الفراغ بالعمل الذي يكون عملا واحدا عرفا، لاجزءا من عمل. لكن الأخيرين خلاف إطلاق أدلة قاعدة الفراغ، الموافق للارتكاز العقلائي. (2) يظهر وجهه مما مر. كما يظهر أيضا وجه القول بالالتفات. مضافا إلى احتمال اعتبار الدخول في الغير في جريان قاعدة الفراغ، إما لارجاعها إلى قاعدة التجاوز، أو لظهور بعض النصوص الواردة في الوضوء في ذلك (* 1). وكأنه لذلك خص المقام بالاحتياط. لكن الارجاع في غير محله وإن كان هو ظاهر شيخنا الأعظم (ره)، لأن الاخبار المتقدمة طائفتان. إحداهما: موضوعها الشك في أصل الوجود، وهي التي اعتبر
____________
(* 1) راجع الجزء: 2 من هذا الشرح المسألة: 45 من فصل شرائط الوضوء.
===============
( 444 )
[ (مسألة 13): إذا شك في فعل قبل دخوله في الغير فأتى به ثم تبين بعد ذلك أنه كان آتيا به، فان كان ركنا بطلت الصلاة (1)، وإلا فلا. نعم يجب عليه سجدتا السهو للزيادة (2). وإذا شك بعد الدخول في الغير فلم يلتفت ثم تبين عدم الاتيان به، فان كان محل تدارك المنسي باقيا - بأن لم يدخل في ركن بعده - تداركه (3)، والا فان كان ركنا بطلت الصلاة، وإلا فال. ويجب عليه سجدتا السهو للنقيصة. (مسألة 14): إذا شك في التسليم، فان كان بعد الدخول في صلاة أخرى - أو في التعقيب أو بعد الاتيان بالمنافيات - لم يلتفت (4)، وإن كان قبل ذلك أتى به. ] فيها الدخول في الغير، مثل صحيحتي زرارة واسماعيل. والأخرى: موضوعها الشك في صحة الموجود ولم يعتبر فيها الدخول في الغير - كموثقتي ابن مسلم - فلا وجه لارجاع إحداهما إلى الأخرى. وأما ظهور بعض نصوص الوضوء في اعتبار الدخول في الغير فان تم في الوضوء فلا وجه للتعدي عنه إلى المقام، مع ما تقدم في الوضوء من عدم تماميته. فراجع. (1) لزيادة الركن. ومجرد الأمر به ظاهرا لا يصلح لتخصيص القاعدة الواقعية التي يجب العمل بها عند انكشاف الخلاف. (2) بناء على وجوبها لذلك. وسيأتي. (3) لجريان جميع ما ذكر في النسيان فيه، لاشتراكهما في الدخول في حديث (لا تعاد...) وغيره. (4) أما في الثاني فظاهر، إذ التعقيب لما كان مرتبا علي التسليم، كان الشك في التسليم بعد الدخول فيه موضعا لقاعدة التجاوز. وأما في
===============
( 445 )
[ (مسألة 15): إذا شك المأموم في أنه كبر للاحرام أم لا، فان كان بهيئة المصلي جماعة - من الانصات، ووضع اليدين على الفخذين، ونحو ذلك - لم يلتفت على الأقوى (1) وإن كان الأحوط الاتمام والاعادة. ] الأخيرين فمحل تأمل، إذ الدخول في الصلاة الأخرى - من قبيل فعل المنافي - ليس أمرا مرتبا على التسليم، بل غاية ما ثبت المنع من فعله في الأثناء. وهذا المقدار لا يوجب الترتب الذي هو موضع قاعدة التجاوز فالمرجع - في إثبات الصحة - لابد أن يكون قاعدة الفراغ. وإذ أنها لا تجري إلا مع إحراز المضي الظاهر في الفراغ البنائي - كما تقدم في الوضوء - كان الحكم بالصحة مختصا بهذه الصورة لاغير. فلو فعل المنافي - ولو كان صلاة أخرى - ولم يحرز أنه بعنوان الفراغ من الصلاة كان اللازم الحكم بالبطلان، لوقوع المنافي في الاثناء، كما لو فعل المنافي قبل التسليم ناسيا له. ولا مجال لتصحيح الصلاة بحديث: (لا تعاد الصلاة...) فيقال: إن اعتبار التسليم جزءا يؤدي إلى الاعادة بتوسط لزوم فعل المنافي في الأثناء. وذلك: لأن لزوم فعل المنافي في الاثناء ناشئ عن عدم تحقق المخرج - وهو التسليم - وهذا المعنى مما لا يمكن نفيه بحديث: (لا تعاد الصلاة...) لاختصاصه بنفي الجزئية والشرطية ونحوهما، ولا يجري لنفي الخروج بالتسليم، كما أشرنا إلى ذلك في السمألة السابعة من فصل الخلل. (1) كأنه لقاعدة التجاوز - بناء على ما عرفته في المسألة الحادية عشرة من الاكتفاء بالغير، ولو كان مغايرته بلحاظ نية المكلف - فان التسليم بعنوان المتابعة للامام مترتب على تكبيرة الاحرام. لكن عرفت في أوائل الجماعة: أن جريان قاعدة التجاوز في مثل ذلك موقوف على حجية الظهور المذكور في ما ذكر، وإلا فلو يحرز ذلك لم يتحقق الدخول في الغير
===============
( 446 )
[ (مسألة 16): إذا شك - وهو في فعل - في أنه هل شك في بعض الافعال المتقدمة أم لا لم يلتفت (1). وكذا لو شك في أنه هل سها أم لا وقد جاز محل ذلك الشئ الذي شك فيه أنه سها عنه أولا. نعم لو شك في السهو وعدمه - وهو في محل يتلافي فيه المشكوك فيه - أتى به على الأصح (2).