[ بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الوصية وهي إما مصدر " وصى يصي " بمعنى الوصل (1)، حيث أن الموصي يصل تصرفه بعد الموت بتصرفه حال الحياة وإما اسم مصدر بمعنى العهد من " وصى يوصي توصية " ] الطلاق الثلاث غير الجامع للشرائط بحسب مذهبنا، لم نخرج عن الزوجية، وجاز له مراجعتها. فإذا مات كان عليها عدة الوفاة، ولا يجوز تزويجها في العدة. وليس لها المطالبة بالميراث، عملا بقولهم (ع): " ألزموهم... ". ولو لم ترض الزوجة بالرجوع إلا بعقد جديد فالحكم كذلك. ومما يشهد لما ذكرنا ما ورد في المجوسي إذا أسلم على سبع أنه يمسك أربعا، ويطلق ثلاثا (* 1). فانه ظاهر في أن إقراره دينه ونفوذ ما يعتقده عليه يختص بما قبل الاستبصار. أما بعده فيجري عليه الحكم الاولي. والله سبحانه وتعالى العالم. والحمد لله رب العالمين. بسم الله الرحمن الرحيم (1) قال في المبسوط: " الوصية مشتقه من وصى يصي، وهو من الوصل، قال الشاعر: نصي الليل بالايام حتى صلاتنا * مقاسمة يشتق أنصافها السفر
____________ (* 1) الوسائل باب: 6 من ابواب ما يحرم باستيفاء العدد حديث: 1.
===============
( 532 )
هو معناه يصل تصرفه بما يكون بعد الموت ما قبل الموت، ونحوه ما في السرائر، غير أنه نسب البيت إلي ذي الرمة، كما نسبه إليه أيضا الجوهري في الصحاح، وفي التذكرة في الوصية: " هي مشتقة من قولهم: وصى إليه بكذا يصيه صية، إذا وصل به. وأرض واصية متصلة النبات فسمي هذا التصرف وصية، لما فيه من وصلة القربة بعد الموت بالقربات المنجزة في الحياة، فكأنه وصل تصرفه في حياته بتصرفه بعد مماته "، ونحوه في جامع المقاصد، وعن بعض أهل اللغة. وظاهرهم الجزم بأن الوصية مأخوذه من الثلاثي بمعنى الوصل. وفي الروضة: " الوصية مأخوذة من وصى يصي، أو أوصى يوصي، أو وصى يوصي. وأصلها الوصل، سميت به لما فيه من وصلة التصرف في حال الحياة به بعد الوفاة "، ونحوه في الرياض. وظاهرهما التردد في أن الوصية ماخوذة من الثلاثي أو من الرباعي، وتبعهما على ذلك المصنف. لكن الذي يظهر من الصحاح والقاموس أن الثلاثي بمعنى الوصل لا غير، والرباعي سواء كان مضاعفا - كوصي توصية - أم مهموزا - كأوصى إيصاء - بمعنى العهد لا غير. والوصية لا تكون إلا بالمعنى الثاني كما هي كذلك في القرآن المجيد، مثل قوله تعالى: (وصية لازواجهم) (* 1) و (ومن بعد وصية يوصي بها أو دين) و (من بعد وصية يوصين بها أو دين) و (من بعد وصية توصون بها أو دين) (* 2)، وغير ذلك، فلم تذكر الوصية إلا بمعنى العهد بقرينة السياق، فهي اسم مصدر للايصاء أو التوصية، لا مصدر " وصى يصي " فان مصدره " الوصي " ولم يذكر الوصية مصدرا له في القاموس والصحاح، وإنما ذكر المصدر
____________ (* 1) البقرة: 240. (* 2) النساء: 11، 12.
===============
( 533 )
وهو الوصي لا غير. ومن ذلك يظهر ضعف التردد من المصنف ومن سبقه في مبدأ اشتقاق الوصية، والمتعين الجزم بالثاني، كما هو كذلك في القرآن المجيد. وأما ما ذكره الشيخ ومن وافقه فمرادهم أن الرباعي مأخوذ من الثلاثي، كما اشار إلى ذلك في الروضة والرياض أيضا، لا أن الوصية اسم مصدر ل " وصى يصي "، وإلا فهو ممنوع كما عرفت. وإن كان الاول أيضا محل إشكال، كيف والرباعي أيضا بمعنى العهد لا غير، كما يظهر من موارد الاستعمال في القرآن المجيد، مثل قوله تعالى في سورة الانعام: (إذ وصاكم الله بهذا) (* 1) وفيها أيضا: (ذلكم وصاكم به لعلكم تعلقون.. ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون.. ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون) (* 2)، وفي غيرها من السور (ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب) (* 3) ووصينا الانسان بوالديه حسنا) (* 4). (ووصينا الانسان بوالديه حملته أمه) (* 5) (وما وصينا به ابراهيم وموسى) (* 6) (وأوصاني بالصلاة والزكاة) (* 7) (أتواصوا به بل هم قوم طاغون) (* 8).. إلى غير ذلك من الموارد التي ذكر فيها الايصاء والتوصية في الكتاب والسنة والعرف العام مما لا يحصى، من
____________ (* 1) الانعام: 144. (* 2) الانعام: 151، 152، 153. (* 3) النساء: 131. (* 4) العنكبوت: 8. (* 5) لقمان: 14. (* 6) الشورى: 13. (* 7) مريم: 31. (* 8) الذاريات: 53.
===============
( 534 )
[ أو " أوصى يوصي إيصاء ". وهي إما تمليكية أو عهدية (1) وبعبارة أخرى: إما تمليك عين أو منفعة، أو تسليط على حق، أو فك ملك، أو عهد متعلق بالغير، أو عهد متعلق بنفسه كالوصية بما يتعلق بتجهيزه. وتنقسم انقسام الاحكام الخمسة. ] دون ملاحظة الوصل بين شيئين، فضلا عن الحياة والممات. والمتحصل مما ذكرنا أمران: (الاول): أن الوصية مأخوذة من الرباعي اسم مصدر، لا مصدر للثلاثي، ولا اسم مصدر له، ولا ترتبط به. (الثاني): أن الرباعي والثلاثي مادتان متباينتان ليس بينهما أي نوع من الاشتقاق، الثلاثي بمعنى الوصل والرباعي بمعني العهد مطلقا. هذا بحسب اللغه والعرف، العام وأما بحسب عرف الفقهاء والمتشرعة فالوصية هي العهد في حال الحياة بما بعد الوفاه. والوجه في هذا الاصطلاح ليس هو ملاحظة وصل الممات بالحياة، بل المتابعة للقرآن المجيد، حيث عبر عن العهد المذكور بالوصية، مثل ما تقدم وقوله تعالى: (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والاقربين..) (* 1)، وقوله تعالى: (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لازواجهم) (* 2) وغير ذلك، فهذا التعبير عن العهد الخاص بالوصية هو الذي دعا إلى الاصطلاح المذكور: فلا تستعمل الوصية في عرف الفقهاء وفي عرف المتشرعة الا بالعهد الخاص. (1) قال في الشرايع: " وهي (يعني: الوصية) تمليك عين أو منفعة بعد الوفاة "، ونسب ذلك إلى أكثر الاصحاب. ويشكل: بأنه غير جامع لخروج الوصية بالولاية على الثلث، وبالولاية على الاطفال والمجانين الذين
____________ (* 1) البقرة: 180. (* 2) البقرة: 240.
===============
( 535 )
تجوز له الوصية عليهم، مع أنها من الوصية. ولذلك أضيف إليه في النافع وغيره قوله: " أو تسليط على تصرف بعد الوفاة "، بل في النافع وعن التذكرة زيادة قيد المجانية، لاخراج الوصية بالبيع والتمليك المعاوضي لكن ادعى في الجواهر انصراف التمليك في التعريف إلى المجاني، فلا يحتاج إلى القيد المذكور. ولا يخلو من تأمل: وفي المسالك: " وينتقض في عكسه أيضا بالوصية بالعتق، فانه فك ملك لا تمليك للعبد نفسه وكذلك التدبير على القول بأنه وصية - كما ذهب إليه الاكثر - والوصية بابراء المديون وبوقف المسجد فانه فك ملك، وبالوصية بالمضاربة والمساقاة، فانها وإن أفادا ملك العامل للحصة من الربح والثمرة على تقدير ظهورهما، إلا أن حقيقتهما ليست كذلك، وقد لا يحصل ربح ولا ثمرة، فينتفي التمليك ". وفيه: المنع من صحة الوصية بما ذكر عدا التدبير، الذي دل عليه الدليل. وأما غيره مما ذكر فلا دليل على صحة الوصية فيه، للاجماع على بطلان الانشاء المعلق، بلا فرق بين أن يكون المعلق عليه الموت وغيره، فلا يصح الوقف المعلق على الموت، ولا الابراء المعلق على الموت ولا المضاربة والمساقاة كذلك. ودعوى: اختصاص مانعية التعليق بالبيع المعلق على غير الموت - كما في الجواهر - غير ظاهرة، كما يظهر من ملاحظة كلماتهم في وجه مانعية التعليق. فلاحظه. ومثلهما ما فيها من دعوى كون الوجه في بطلان البيع المعلق على الموت عدم صدق الوصية عليه، لانصرافها إلى التمليك المجاني، فالمرجع فيه اصالة عدم ترتب الاثر. إذ فيها: أنه يكفي في الصحة صدق البيع وعمومات صحته بعد أن لم يكن التعليق على الموت مانعا عن صحته، كما ادعاه مضافا إلى أن عمومات صحة الوصية ولزوم العمل بها - كما عليه
===============
( 536 )
[ (مسألة 1): الوصية العهدية لا تحتاج إلى القبول (1) وكذا الوصية بالفك، كالعتق. وأما التمليكية فالمشهور على ] الاصحاب المستفاد من قوله تعالى: (فمن بدله بعد ما سمعه فانما إثمه على الذين يبدلونه) (* 1) بملاحظة الاستشهاد به وفي بعض النصوص على لزوم العمل بالوصية في غير مورده - كافية في دعوى الصحة. ولا وجه لدعوى اختصاص العموم بالتمليك المجاني " كما سبق. بل لا وجه لاختصاصه بالتمليك، إذ لا موجب لهذا التخصيص، فيشمل جميع أنواع الايقاعات والعقود. ولاجل عدم بنائهم على ذلك يتضح أن الوجه فيه هو التعليق الممنوع إلا فيما دل الدليل على خلافه، وهو التمليك المجاني، والتسليط على التصرف - المعبر عنه بالوصاية - والتدبير، والمضاربة بمال الصغير، وغير ذلك مما دل عليه الدليل بالخصوص وعمل به الاصحاب. (1) هذا مما لا ينبغي الاشكال فيه، وإن كان المحكي عن القواعد وجامع المقاصد والمسالك وغيرها: أنها عقد، وفي الحدائق: أنه المشهور في كلامهم، بل ظاهرهم الاتفاق عليه. انتهى. لكنه غير ظاهر بل في الجواهر: أنها بهذا المعنى ليست من العقود قطعا، بل ضرورة. انتهى. ويقتضيه ما دل على وجوب العمل بالوصية على الموصى إليه إذا لم يرد أو إذا رد ولكن لم يبلغ الموصي الرد، فان ذلك ينافي اعتبار القبول تنافيا ظاهرا. ومن ذلك تعرف منافاة بناء المشهور على ذلك مع بنائهم على كونها عقدا. ولاجل ذلك قال في الدروس: " وعلى ما قلنا من اللزوم بالموت وعدم الرد لا عبرة بقبول الوصي وعدمه، بل العبرة بعدم الرد الذي يبلغ الموصي فان حصل وإلا ألزم ".
____________ (* 1) البقرة: 181.
===============
( 537 )
[ أنه يعتبر فبها القبول (1) جزءا. وعليه تكون من العقود. أو شرطا - على وجه الكشف أو النقل - فيكون من الايقاعات. ] (1) الذي يظهر من المسالك في تحرير المسألة هو أن القبول جزء أو شرط لانتقال المالك إلى الموصى له من حينه، أو جزء أو شرط لانتقال الملك إلى الموصى له ولو من حين العقد، أو انه لا دخل له في انتقال الملك بل ينتقل الملك بمجرد الموت، لكنه متزلزل، فإذا حصل القبول استقر. فيه أقوال ثلاثة. نسب الاول في المسالك إلى العلامة في المختلف، ونسب ايضا إلى المحقق في الشرايع وجماعة. وفي المسالك: نسب الثاني إلى الاكثر، ونسبه غيره إلى المشهور. وفي كلام شيخنا الاعظم أنه مخالف لاطلاق المشهور. بل كل من جعله عقدا. والقول الثالث محكي عن موضع من المبسوط، وقد يظهر من عبارة الخلاف، وقد يحكى عن ابن الجنيد أيضا. لكن في موضع من المبسوط ضعفه، وجعل الاقوى الاول. ويظهر من تحرير المسألة على ما ذكر أن الاحتمالات خمسة: كون القبول شرطا ناقلا، وكونه شرطا كاشفا، وكونه جزءا ناقلا، وكونه جزءا كاشفا، وكونه شرطا في استقرار الملك ولا دخل له في ثبوته. والقول بشرطية القبول كاشفا أو ناقلا لم يعرف قائله، وإن استظهره شيخنا من عبارة الشرايع: " وينتقل بها الملك إلى الموصى له بموت الموصي وقبول الموصى له "، لان الموت شرط قطعا، فسياق القبول مساقة يقتضي كونه شرطا أيضا. وفيه تأمل. والاحتمالات الثلاثة الاخر قد عرفت القائل بها. والمصنف (قده) حرر المسالة على شكل آخر، ولم يتعرض للقول الثالث وذكر احتمالا أو قولا آخر واختاره، وهو عدم دخل القبول في الملك ولا في استقراره، بل الرد مانع عنه، فإذا لم يقبل الموصى له ولم يرد ثبت الملك.
===============
( 538 )
هذا وكأن الوجه في جزئية القبول ما طفحت به عباراتهم من كون الوصية التمليكية من العقود مما يظهر منه أنه إجماعي. ويشكل بما ذكروه من اعتبار التوالي بين الايجاب والقبول، وأن موت الموجب قبل القبول مانع من تألف العقد فكيف يصدق العقد في المقام؟ ويظهر من شيخنا الاعظم: أن الوجه فيه أصالة عدم انتقال المال مع عدم القبول. وفيه - مع أنه لا يقتضي الجزئية بل ما هو أعم منها ومن الشرطية -: أنه لا مجال للاصل مع الدليل، وهو إطلاقات نفوذ الوصية وصحتها. ودعوى: أنها مسوقة لبيان حكم الوصية بعد إحراز ما يعتبر فيها من شرائط الموصي والموصى له والموصى به. فيها: أن ذلك خلاف إطلاقها. ولا سيما بعد قوله تعالى: (فمن خاف من موص جنفا.) (* 1) الظاهر في استثناء ذلك من عموم حرمة التبديل ونفوذ الوصية، فان الاستثناء دليل العموم، نظير قوله (ع): " الصلح جائز بين المسلمين إلا ما حلل حراما أو حرم حلالا " (* 2) فان الاستثناء فيه دليل على عموم القابلية. فلاحظ. ومن ذلك أيضا يظهر ضعف ما عن غير واحد من أن الوجه فيه أنه خلاف قاعدة السلطنة على النفس. إذ فيه ايضا أنه لا يقتضي الجزئية بالخصوص وأن عموم نفوذ الوصية مقدم على القاعدة، وإن كان بينهما عموم من وجه، والاصل في مورد المعارضة بينهما هو التساقط والرجوع إلى دليل آخر، لاختصاص ذلك بما إذا لم يظهر لاحد الدليلين خصوصية تستدعي التقديم كما في المقام، ومن ذلك يظهر لك دليل شرطية القبول وضعفه أيضا. فإذا القول بعدم جزئية القبول أو شرطيته اقوى.
____________ (* 1) البقرة: 182. (* 2) مستدرك الوسائل باب: 3 من ابواب الصلح حديث: 1، الوسائل باب: 3 من ابواب الصلح حديث: 2. مع اختلاف يسير في متن الحديث.
===============
( 539 )
[ ويحتمل قويا عدم اعتبار القبول فيها، بل يكون الرد مانعا (1)، وعليه تكون من الايقاع الصريح. ودعوى: أنه يستلزم الملك القهري، وهو باطل (2) في غير مثل الارث. مدفوعة: بأنه لا مانع منه عقلا، ومقتضى عمومات الوصية ذلك. مع أن الملك القهري موجود في مثل الوقف. (مسألة 2): بناء على اعتبار القبول في الوصية يصح إيقاعه بعد وفاة الموصي بلا إشكال (3)، وقبل وفاته على الاقوى (4). ولا وجه لما عن جماعة (5) من عدم صحته حال الحياة، لانها تمليك بعد الموت، فالقبول قبله كالقبول قبل ] (1) في الجواهر: " الاجماع بقسميه عليه " وتكرر في كلام شيخنا الاعظم دعواه الاجماع عليه، وفي الحدائق: " ظاهرهم الاتفاق عليه ". وهذا هو الدليل عليه، وإلا فاطلاق الادلة مانع عنه أيضا. (2) لما عرفت من كونه خلاف قاعده السلطنة، أو لكونه عديم النظير. والاول عرفت الجواب عنه، والثاني إشكاله ظاهر، لعدم صلاحيته لاثبات حكم في مقابل الادلة. (3) في المسالك: " حيث اعتبرنا قبول الموصى له فقبل بعد وفاة الموصي فلا إشكال في اعتبار قبوله " وفي الحدائق: أنه لا إشكال ولا خلاف فيه. (4) نسبه في المسالك إلى الاكثر. (5) منهم العلامة وجامع المقاصد، قال الاول في القواعد: " وتفتقر إلى إيجاب.. (إلى أن قال): وقبول بعد الموت. ولا أثر له لو تقدم.. ". وعلله في الثاني: بأنه لو قبل في حال الحياة لم يطابق القبول
===============
( 540 )
[ الوصية، فلا محل له، ولانه كاشف أو ناقل، وهما معا منتفيان حال الحياة. إذ نمنع عدم المحل له، إذ الانشاء المعلق على الموت قد حصل، فيمكن القبول المطابق له. والكشف والنقل إنما يكونان بعد تحقق المعلق عليه، فهما في القبول بعد الموت، لا مطلقا. (مسألة 3): تتضيق الواجبات الموسعة بظهور أمارات ] الايجاب. فان قيل: المراد بقبوله التمليك بعد الموت. قلنا: ما قبل الموت لما لم يكن متعلق الايجاب وجب أن لا يعتد بالقبول الواقع فيه، كما لو باعه ما سيملكه فقبل. ولان القبول إما كاشف أو جزء السبب، على كل تقدير يمتنع اعتباره قبل الموت، أما إذا جعل كاشفا فلان الكاشف عن الملك وجب أن يتأخر عنه، ويمتنع الملك قبل الوفاة. وأما إذا جعل جزء سبب فلانه إذا تم العقد وجب أن يترتب عليه أثره، وهو هنا ممتنع قبل الموت. ولقائل أن يقول: لم لا يجوز أن يكون شرطا لحصول الملك بالعقد؟ كالبيع، فانه لا يثمر الملك إلا بعد انقضاء مدة الخيار على رأى الشيخ. وجوز ابن ادريس القبول قبل الموت وبعده، ويلوح من الدروس اختياره. ومختار المصنف (ره) أقوى.. الخ. والاشكال عليه - كما ذكره المصنف - ظاهر، بل من العجيب التفكيك بين الايجاب والقبول، بحيث يصح الايجاب، ولا يصح القبول المتعلق به، مع أن القبول هو الرضا بمضمون الايجاب، فإذا جاز التعليق في الايجاب جاز التعليق في القبول أيضا، فكيف لا يكون القبول مطابقا للايجاب؟ وكيف لا يكون معتدا به إذا وقع قبل الوفاة لانه لم يكن متعلق الايجاب؟ وأما المثال الذي ذكره فلا يصح الايجاب فيه ولا القبول لمانع فيه بالخصوص، لا كمثل المقام.
===============
( 541 )
[ الموت (1)، مثل قضاء الصلوات والصيام والنذور المطلقة والكفارات ونحوها، فيجب المبادرة إلى إتيانها مع الامكان. ومع عدمه يجب الوصية بها، سواء فاتت لعذر أو لا لعذر، لوجوب تفريغ الذمة بما أمكن في حال الحياة، وإن لم يجز فيها النيابة فبعد الموت تجري فيها يجب التفريغ بها بالايصاء (2) وكذا يجب رد أعيان أموال الناس التي كانت عنده (3)، كالوديعة والعارية ومال المضاربة ونحوها. ومع عدم الامكان ] (1) لان الواجبات الموسعة إنما يجوز التأخير فيها لان لها أفرادا طولية، فيجوز عقلا ترك الاول والاتيان بالثاني، وترك السابق والاتيان باللاحق، فإذا شك في الموت والبقاء فقد شكل في وجود فرد لاحق وحينئذ يدور الامر بين التعيين والتخيير، وفي مثله يحكم العقل بالتعيين، وإن قيل بالتخيير عند الدوران بين التعيين والتخيير الشرعي، لان التخيير في المقام عقلي، ومع الشك في التخيير العقلي يحكم بالتعيين، لان ترك الفرد السابق المعلوم الفردية موجب لاحتمال الضرر من دون مؤمن منه ما دام لم يعلم وجود الفرد الاخر. ومقتضى ذلك لزوم المبادرة بمجرد احتمال عدم التمكن من الفرد الاخر وإن لم تكن أمارة على عدمه ولا ظن بعدمه، إلا أن الاجماع القولي والعملي اقتضى جواز التأخير مع عدم الظن بالضيق. (2) أما مع العلم بالعمل بالوصية فظاهر، لانه نوع من التفريغ للذمة، وأما مع عدم العلم فلوجوب العمل عقلا مع الشك في القدرة، ولا يجوز ترك العمل حينئذ لاحتمال عدم القدرة. (3) كما في الجواهر في كتاب الوديعة، حاكيا له عن التذكرة، مستدلا عليه بطلاق ما دل على وجوب رد الوديعة من الاخبار الكثيرة
===============
( 542 )
التي عقد لها في الوسائل بابا في كتاب الوديعة، فان هذا الاطلاق كسائر الخطابات المطلقة التي تتضيق بظن الوفاة. لكن المذكور في الشرايع وجوب الاشهاد، وفي الجواهر: " صرح به غير واحد، بل لا أجد فيه خلافا بينهم. نعم في القواعد إبدال ذلك بالوصية بها. ولعله يريد ذلك ". اقول: الرد والتوديع متنافيان، إذ التوديع استنابة في الحفظ، وهو يقضتي الاستيلاء على العين على وجه المحافظة. وهو يتنافى مع الرد، فلا بد أن يكون المراد من رد الامانة والوديعة الواجب هو ردها عند انتهاء الاستيداع، إما بالمطالبة، وإما بانتهاء المدة المفروضة للاسيتداع، والمفرض في المقام انتفاء الامرين معا، فلا يصلح دليل وجوب الرد للامانات والودايع للمرجعية فيه. وقد اختلف كلام التذكرة في ذلك، ففي مسألة قال: " إذا مرض المستودع مرضا مخوفا، أو حبس ليقتل، وجب عليه الايصاء بالوديعة وإن تمكن من صاحبها أو وكيله وجب عليه ردها إليه. وإن لم يقدر على صحابها ولا على وكليه ردها إلى الحاكم.. ". وقال في الفرع الثالث من فروع المسألة: " الاقرب الاكتفاء بالوصية وإن امكنه الرد على المالك لانه مستودع لا يدري متى يموت فيستصحب الحكم. ويحتمل أنه يجب عليه الرد إلى المالك ووكليه عند المرض " ثم قال: " وهو قول أكثر الشافعية ". لكن يظهر من كلامه الثاني وجوب الرد مع العلم بالموت. لكن عرفت أنه غير ظاهر من الدليل، ومخالف للمشهور من فتاوى الاصحاب. وحملها في الجواهر على إرداة بيان القضية المهملة، يعني: بيان وجوب الاشهاد في الجملة ولو عند عدم التمكن من الرد. غير ظاهر ولا داعي إليه بعد ما عرفت.
===============
( 543 )
[ يجب الوصية بها. وكذا يجب أداء ديون الناس الحالة (1)، ومع عدم الامكان أو مع كونها مؤجلة، يجب الوصية بها (2) إلا إذا كانت معلومة (3)، أو موثقة بالاسناد المعتبرة. وكذا إذا كان عليه زكاة أو خمس أو نحو ذلك، فانه يجب عليه أداؤها أو الوصية بها (4). ولا فرق فيما ذكر بين ما لو كانت له تركة أو لا إذا احتمل وجود متبرع أو أداؤها من بيت المال. ] (1) لقاعدة السلطنة المانعة من التصرف في الدين بحبسه عن مالكه، لان حبسه عن خلاف قدرته عليه، وخلاف ما دل على حرمة حبس الحقوق عن أهلها المعدود من الكبائر، فلا يتوقف وجوب الرد على المطالبة الموجبة لكراهة بقائه في الذمة، فانه لا فرق في حرمة التصرف في ملك الغير بين أن يكون مع كراهته للتصرف وبين أن يكون لعدم إذنه فيه. نعم إذا أذن المالك ببقاء الدين في الذمة لم يجب الرد، لعدم المقتضي. ومن ذلك يظهر أن وجوب الاداء حينئذ لا يتوقف على ظهور امارت الموت، بل يجب حتى مع العلم بالبقاء. (2) لوجوب إفراغ منها، المتوقف على ذلك. (3) يعني بحيث لا يكون للوصية أثر، أما إذا كان للوصية أثر، - بأن لا تكون للورثة دواع قوية إلى الاداء بغير الوصية - فالوصية أيضا تكون واجبة، بل إذا لم يكن للوصية أثر إلا بالتهديد والتوعيد بالعقاب على تقدير المخالفة وجب ذلك أيضا. فاللازم فعل كل ماله دخل في حصول الفراغ من إشهاد أو وصية ووعظ وتهديد وغير ذلك مما يتوقف عليه الفراغ. (4) لعين ما ذكر من أن حبس المال عن أهله بغير اذن خلاف قاعدة السلطنة، وخلاف ما دل على حرمة حبس الحقوق عن أهلها المعدود في الكبائر.
===============
( 544 )
[ (مسألة 4): رد الموصى له للوصية مبطل لها إذا كان قبل حصول الملكية، وإذا كان بعد حصولها لا يكون مبطلا لها، فعلى هذا إذا كان الرد منه بعد الموت وقبل القبول، أو بعد القبول الواقع حال حياة الموصي مع كون الرد ايضا كذلك يكون مبطلا لها (1)، لعدم حصول الملكية بعد، وإذا كان ] (1) أما في الفرض الاول فلا خلاف ولا إشكال. وفي الجواهر: " الاجماع بقسميه عليه "، وفي رسالة شيخنا الاعظم (قده) تكرر نقل الاجماع عليه "، وفى التذكرة: " لا نعلم فيه خلافا " ويظهر من كلماتهم انه من المسلمات. وقد عرفت انه هو العمدة فيه بناء على كون الوصية من الايقاع وأما بناء على أنها من العقود - كما هو المشهور - فلان الرد مانع من تألف القبول الواقع بعده مع الايجاب الواقع قبله. وأما في الفرض الثاني فينافيه ما ذكره في الشرائع وغيرها من أنه إذا رد في حياة الموصي جاز أن يقبل بعد وفاته إذ لا حكم لذلك، فان مقتضى إطلاقه عدم ترتب الاثر على الرد في الحياة وإن كان بعد القبول، فإذا اكتفينا بالقبول حال الحياة لم تبطل بالرد بعده. لكن في الجواهر: " يشكل ذلك بما ظاهرهم الاجماع عليه من كون الوصية عقدا جائزا من الطرفين، ومقتضاه تسلط الموصى له على فسخه حينئذ، ولا ريب في اقتضائه بطلان العقد ". ولاجل ذلك احتمل حمل كلامهم على رد الايجاب خاصة، الذي لا يدخل تحت حكم فسخ العقد الجائز، فلا يشمل فسخ الموصي له بعد القبول. لكن لا دليل على كون الوصية عقدا جائزا من الطرفين، كما سيأتي في كلام المصنف (قده) وإلا لم يكن وجه لبطلان الرد في الفرض الاول. ولاجل ذلك ينبغي أن يقال: إنه إذا بنينا على كون الوصية إيقاعا كما هو التحقيق - فمقتضى إطلاق أدلة النفوذ هو البناء على عدم تأثير
===============
( 545 )
[ بعد الموت وبعد القبول لا يكون مبطلا، سواء كان القبول بعد الموت أيضا أو قبله، وسواء كان قبل القبض أو بعده، بناء ] الرد في جميع الصور حتى في الفرض الاول لكن يوجب الخروج عن ذلك بالاجماع ولم يقم إجماع عليه في الفرض الثاني وإذا بنينا على كونها عقدا فاللازم البناء على إبطال الرد لها إذا وقع قبل القبول - بناء على أنه مانع من تألف الايجاب الواقع قبله مع القبول الواقع بعده - وعدم إبطاله إذا وقع بعده إلا إذا قلنا بانها عقد جائز من الطرفين الذي لازمه بطلانها بالرد بعد القبول بعد الموت الذي عرفت أنه خلاف الاجماع. والذي يظهر من عبارة المصنف (قده) أن الوجه في مبطلية الرد إذا وقع قبل حصول الملكية اصالة عدم ترتب الملكية، في عدم مبطليته إذا وقع بعد حصول الملكية استصحاب بقاء الملكية، لكن الاصل في الفرض الاول لا مجال له، بناء على كون الوصية إيقاعا - كما تقدم من المصنف - لان إطلاق نفوذها حاكم عليه، فالبناء على الاصل المذكور يتوقف على التغافل عن المبنى المذكور. ومن ذلك كله يتحصل أن في مسألة قبول رد الوصية وعدمه مباني مختلفة النتيجة ولا تلتئم مع فتاوى الاصحاب: كون الوصية إيقاعا، وكونها عقدا لازما، وكونها عقدا جائزا. فان الاول لا يتناسب مع بنائهم على مبطلية الرد إذا كان بعد الوفاه قبل القبول. والثاني لا يتناسب مع بنائهم على عدم مبطلية الرد في حال الحياة وإن كان بعد القبول، فله أن يجدد القبول بعد ذلك إن كان قد سبق على ما اختاره المحقق وجماعة، كما في المسالك، وظاهر الحدائق نسبته إلى الاصحاب، وظاهرهم أن له أن يستمر على الرد فلا يتحقق التمليك مع تحقق القبول، وهو يقتضي كونها عقدا جائزا بالنسبة إلى الموصى له في الجملة. والثالث لا يتناسب مع بنائهم
===============
( 546 )
[ على الاقوى من عدم اشتراط القبض في صحتها (1)، لعدم الدليل على اعتباره، وذلك لحصول الملكية حينئذ له، فلا تزول بالرد. ولا دليل على كون الوصية جايزة (2) بعد تماميتها بالنسبة إلى الموصى له، كما أنها جايزة بالنسبة إلى الموصي، حيث أنه يجوز له الرجوع في وصيته، كما سيأتي. وظاهر كلمات العلماء (3) حيث حكموا ببطلانها بالرد عدم صحة القبول بعده، لانه عندهم مبطل للايجاب الصادر من الموصي ] على عدم مبطلية الرد إذا كان بعد الوفاة وبعد القبول. والمصنف (ره) زاد في الاشكال، إذ أفتى بمبطلية الرد إذا كان في حال الحياة بعد القبول، فان ذلك لا يلتئم مع مختارة من كون الوصية إيقاعا، فان مقتضى إطلاق النفوذ عدم الابطال به وليس هناك إجماع يقتضي الخروج عن هذا الاطلاق، كما كان في الفرض الاول، على ما عرفت. (1) كما هو المشهور وعن الشيخ في مبسوطه وابن سعيد في جامعه أنه شرط في تحقق الملك كالهبة والوقف لاشتراكها في العلة المقتضية وهو العطية المتبرع بها مع أولوية الحكم في الوصية من حيث أن العطية في الهبة وما في معناه منجزة وفي الوصية مؤخرة والملك في المنجر أقوى منه في المؤخر، بقرينة نفوذ المنجز الواقع من المريض على خلاف بخلاف المؤخر كذا في المسالك وأشكل عليه: بانه خلاف إطلاق النفوذ من دون مخرج عنه والوجوه المذكورة استحسانات موهونة كما هو ظاهر. (2) قد عرفت ما في الجواهر من نسبة الجواز في الوصية بالنسبة إلى الطرفين إلى ظاهر اجماعهم. لكنه ممنوع. لمخالفته لاطلاق الادلة. (3) كلماتهم صريحة في ذلك وقد عرفت دعوى الاجماع عليه في
===============
( 547 )
[ كما أن الامر كذلك في سائر للعقود، حيث أن الرد بعد الايجاب يبطله وإن رجع وقبل بلا تأخير، وكما في إجازة الفضولي، حيث أنها لا تصح بعد الرد. لكن لا يخلو عن اشكال إذا كان الموصي باقيا على ايجابه. بل في سائر العقود أيضا مشكل، ان لم يكن اجماع (1)، خصوصا في الفضولي (2) حيث أن مقتضى بعض الاخبار صحتها ولو بعد الرد. ودعوى عدم صدق المعاهدة عرفا إذا كان القبول بعد الرد، ممنوعة (2). ثم انهم ذكروا أنه لو كان القبول بعد الرد الواقع حال الحياة صح. وهو ايضا مشكل على ما ذكروه من كونه مبطلا للايجاب، إذ لا فرق حينئذ بين ما كان في حال الحياة أو بعد الموت إلا إذا قلنا: ان الرد والقبول لا أثر لهما حال الحياة، وأن محلهما إنما هو بعد الموت وهو محل منع (4). ] الجواهر وغيرها، نعم ظاهرهم أن الوجه فيه ان الرد إنما يكون مبطلا للايجاب إذا وقع في محله والرد في حال الحياة إنما لا يكون مبطلا للايجاب لعدم وقوعه في محله والتفصيل المذكور منهم غير ظاهر، إذ كيف لا يكون الرد في حال الحياة في محله ويكون محل القبول كما عرفت؟! وما الفارق بين حالى الحياة والممات؟! (1) بل هو الظاهر من المرتكزات العرفية وظاهرهم الاجماع عليه. (2) قد تقدم الكلام في ذلك في المسألة الثامنة عشرة من فصل أولياء العقد. (3) عرفت أن المنع المذكور خلاف المرتكزات العرفية، وعليه إجماعهم ظاهرا. (4) كما تقدم في المسألة الثانية
===============
( 548 )
[ (مسألة 5): لو أوصى له بشيئين بايجاب واحد، فقبل الموصى له احدهما دون الآخر، صح فيما قبل وبطل فيما رد (1). ] (1) كما في الشرائع والقواعد. ويظهر من جامع المقاصد والحدائق والجواهر ورسالة شيخنا الاعظم: أنه فتوى الاصحاب واستوضحه شيخنا الاعظم (قده) لانحلال العقد على الجملة إلى عقود متعددة كانحلال العقد المشروط إلى ذلك ولذلك صح تبعض الصفقة، كما صح العقد مع فوات وصف الصحة وغيره من الشروط في ضمن العقد. وفيه: أن ما ذكروه من اعتبار المطابقة بين الايجاب والقبول في العقد يدل على عدم انحلال الايجاب إلى إيجابات متعددة، وإلا لم يكن لاعتبار ذلك وجه، فلا تصح المقايسة بين المقام ومسألة تبعض الصفقة أو خيار تخلف الشرط، فان انحلال العقد بعد تماميته غير انحلال الايجاب نفسه. وفي جامع المقاصد: أن الوصية لما كانت تبرعا محضا لم ترتبط أجزاؤها بعضها ببعض، فكما يصح قبولها جمعيا يصح قبول بعضها وهذا بخلاف البيع ونحوه من عقود المعاوضات: وفي الجواهر: " يقوى في الوصية عدم كونها من العقود المعتبر فيها المطابقة، لتحقق اسم العقد الذي هو الايجاب وقبول ذلك بالايجاب بها ". ويشكل ما ذكراه: بأن العقد لا يختلف مفهومه باختلاف الموارد. وفي الجواهر: " الفرق بين المقام والمعاوضات أن في المقام لم يصدر من الموجب غير تعلق قصد الايصاء بكل منهما من غير مدخلية لاجتماعهما وانفرادهما، بخلافه في عقد المعاوضة الظاهر بسبب الجمع بالعوض في أن القصد حصل عليهما من حيث الاجتماع وإن لم يكن ذلك على جهة الشرطية ". ويشكل: بأن المدار ليس على قصد الموجب، بل المدار على وحدة الانشاء عرفا وتعدده، فمع وحدته عرفا لابد من مطابقة القبول للايجاب. مع إمكان منع ما ذكره على وجه الكلية كما إذا
===============
( 549 )
[ وكذا لو أوصى له بشئ فقبل بعضه مشاعا أو مفروزا ورد بعضه الآخر، وان لم نقل بصحة مثل ذلك في البيع ونحوه، بدعوى: عدم التطابق حينئذ بين الايجاب والقبول. لان مقتضى ] أوصى له بمصراعي باب، فقبل أحدهما بعينه، فان الوصية مختصة بحال الاجتماع قطعا. وعليه لا يمكن التخلص عن الاشكال إلا بما عرفت من عدم كون الوصية من العقود، واعتبار القبول - على تقدير القول به - من قبيل اعتبار القبض في بيع الصرف والسلم، لا أنه جزؤ من العقد، ويكفي في القبول المعتبر القبول للبعض. بل عرفت عدم اعتبار القبول، وإنما المعتبر عدم الرد، وهو بالنسبة إلى البعض حاصل. اللهم إلا أن يشكل: بأنه لا إطلاق يشمل الوصية بالبعض. ضرورة كون الانشاء إنما تعلق بالمجموع، فكل جزء وإن كان موضوعا للوصية، لكنه في حال الاجتماع، ولا يشمل حال الانفراد، فلا موضع حينئذ لدليل الصحة والنفوذ، كي يحكم بالصحة. وفيه: أنه إن تم هذا الاشكال اقتضى البطلان في تبعض الصفقة، وكذا إذا أوصى بما يزيد على الثلث فلم يقبل الورثة، مع أنه لا إشكال في الصحة في المقامين، الكاشف عن اكتفاء العرف في صدق البيع والوصية بمثل هذا القصد الضمني وإن لم يشمله قصد المنشئ. ونظيره باب تخلف الشرط، فان البيع إنما وقع على المشروط، فلا يشمل ذات المشروط الخالية عن الشرط مع بناء الاصحاب على صحة العقد لبناء العرف على صدق البيع ولو ادعاء بالنسبة إلى الذات نفسها، ولذلك تجد المشتري يعتقد جواز التصرف بالذات الخالية عن الشرط، ولا يحتاج في تصرفه فيها إلى معاملة جديدة مع البائع، وكذلك في باب تبعض الصفقة إذا تبين للمشتري أن بعض المبيع لغير البائع فاخذه مالكه، يرى أن له
===============
( 550 )
[ القاعدة الصحة في البيع أيضا (1) إن لم يكن اجماع. ودعوى عدم التطابق ممنوعة. نعم لو علم من حال الموصي ارادته تمليك المجموع من حيث المجموع (2) لم يصح التبعيض. ] جواز التصرف في البعض الباقي، بلا حاجة إلى مراجعة البائع، كل ذلك اكتفاء من العرف في صدق المعاملة بمجرد هذا القصد الضمني الذي لا إطلاق له يشمل حال الانفراد، فهي أفراد ادعائية جرت عليه الاحكام العرفية وتبعتها الاحكام الشرعية، كما أشرنا إلى ذلك في بعض مباحث الاجارة من هذا الشرح. فراجع. ومن ذلك يظهر الحكم في الفرض الاتي. كما يظهر أيضا أنه لا يصح الحكم بالصحة في المقام بناء على اعتبار القبول جزءا وكأنه بناء على ذلك قوى بعض المحشين البطلان في الفرض الثاني، وتوقف في الصحة في الفرض الاول، لاحتمال عدم الارتباط بين الشيئين في الوصية، بخلاف أجزاء الشئ الواحد، فان الارتباط فيها ظاهر، فلا يصح القبول في بعضه دون بعض بخلاف الشيئين غير المرتبطين، كما أشرنا إلى ذلك في مبحث الفضولي من كتاب النكاح. فراجع. (1) هذا ممنوع لانه مع عدم التطابق بين الايجاب والقبول لا يصدق العقد عرفا، ولا البيع ومنع عدم التطابق غير ظاهر، لانه مبني على تحليل الايجاب إلى إيجابات، وقد عرفت منعه. (2) المدار على الانشاء لا على ما في نفس الموصي، فإذا لم يشترط في الانشاء شرط جاء فيه التبعض، كما في بيع الصفقة بعينه. وبالجملة: الاثار التكليفية تتبع الترجحات النفسانية، والاثار الوضعية تتبع الانشاء ولا ترتبط بما في النفس من ترجحات، فإذا كانت الاغراض غير ارتباطية والانشاء واحد جاء خيار تبعض الصفقة لتخلف المقصود، وإذا كان الانشاء متعددا لم يكن خيار تبعض الصفقة وان كانت الاغراض ارتباطية.
===============
( 551 )
[ (مسألة 6): لا يجوز للورثة التصرف في العين الموصى بها قبل أن يختار الموصى له احد الامرين من القبول أو الرد (1) ] (1) الظاهر أنه لا ريب ولا خلاف يعتد به في عدم اعتبار اتصال قبول الوصية بالوفاة، ويقتضيه إطلاق الادلة الشامل لذلك قطعا، لندرة اتفاق حصول ذلك، بل تعذره فيما لو كان الموصى له غائبا، كما ذكر ذلك في الجواهر. وعليه فمقتضى أصالة عدم القبول جواز تصرف الوارث ظاهرا حتى يثبت العلم بالقبول بل بناء على كون القبول ناقلا يجوز للوارث التصرف واقعا، لعدم حصول الوصية حال الموت المقتضي لانتقال الموصى به إلى الورثة كغيره من أموال التركة. وبالجملة بناء على اعتبار القبول في الوصية يكون الكلام في هذه المسألة نظير الكلام في مبحث الفضولي في جواز تصرف الاصيل فيما انتقل عنه قبل حصول الاجازة، وفي جواز تصرف الناذر في المنذور قبل حصول المعلق عليه النذر، فان الجميع من باب واحد. نعم بناء على كون الرد مبطلا لها تكون الوصية تمام السبب الناقل فيملك الموصى له بالموت، فلا يجوز للوارث التصرف فيه لكونه تصرفا في ملك الموصي له. وحينئذ لا فرق في حرمة التصرف بين ما يوجب اتلاف العين وغيره، حتى مثل ركوب الفرس لعدم الفرق في حرمة التصرف في مال الغير بين القسمين. لكن الذي يظهر من عبارة المتن أن مبنى كلامه ما هو المشهور من اعتبار القبول. وحينئذ لا يظهر وجه المنع. اللهم إلا أن يفهم من الوصية المنع من التصرف المنافي وبقاء العين بحالها إلى أن تكون لزيد، كما قد يقال بذلك في النذر المعلق فإذا نذر ان يعطي فرسه لزيد إذا رزق ولدا فكأنه نذر أن تبقى الفرس إلى أن تعطى لزيد فلا يجوز التصرف المنافي للبقاء، وكذلك نقول في المقام.
===============
( 552 )
[ وليس لهم إجباره على اختيار احدهما معجلا (1)، الا إذا كان تأخيره موجبا للضرر عليهم، فيجبره الحاكم حينئذ على اختيار أحدهما (2). (مسألة 7): إذا مات الموصى له قبل القبول أو الرد فالمشهور قيام وارثه مقامه في ذلك (3)، فله القبول إذا لم يرجع الموصي عن وصيته، من غير فرق بين كون موته في حياة الموصي أو بعد موته، وبين علم الموصى بموته وعدمه. وقيل بالبطلان بموته قبل القبول (4). وقيل بالتفصيل بين ما إذا علم أن غرض الموصي خصوص الموصى له فتبطل، وبين غيره ] لكن على هذا يختص المنع بما ينافي البقاء، ويجوز ما لا ينافي ذلك. وهذا غير بعيد عن المتفاهم العرفي. وإن كان التحقيق ما عرفت من كون الوصية إيقاعا ويترتب عليه المنع من جميع التصرفات، حتى غير المنافية. (1) كما في الجواهر لعدم الدليل عليه. (2) كما قواه في الجواهر. لا لقاعدة نفي الضرر، لانها نافية، فلا تصلح للاثبات. بل لعموم حرمة الاضرار بالغير، بل في الجواهر لو تعذر إجبار الحاكم تولاه الحكام بنفسه، لكنه تأمل فيه، وكأنه ليس من الحقوق التي ينوب فيها الحاكم عن الممتنع، بل من الاحكام، وعموم حرمة الاضرار لا يصلح لتشريع مثل هذه النيابة. (3) وفي رسالة شيخنا الاعظم: أنه المشهور بين القدماء والمتأخرين. انتهى. وعن كشف الرموز: أنه انعقد عليه العمل. (4) في الحدائق: أنه نقل عن جماعة من الاصحاب، منهم ابن الجنيد والعلامة في المختلف
===============
( 553 )
[ فلورثته (1). والقبول الاول وان كان على خلاف القاعدة مطلقا - بناء على اعتبار القبول في صحتها - لان المفروض أن الايجاب مختص بالموصى به (2). وكون قبول الوارث بمنزلة قبوله ممنوع (3). كما أن دعوى انتقال حق القبول إلى الوارث ايضا محل منع (4) صغرى وكبرى، لمنع كونه حقا (5)، ] (1) حكاه في الجواهر، ثم قال: " بل ربما ظهر من بعضهم خروج القسم الاول من الخلاف "، وفي الدورس: أن التفصيل المذكور حق، وبه يجمع بين النصوص. وقيل بالتفصيل بين موته في حياة الموصي فتبطل، وموته بعد حياته فتصح. حكاه في المسالك عن بعض الاصحاب وفي الدروس عن المحقق. (2) يعني: مضمون الايجاب تمليك الموصى له لا تمليك وارثه، فالقبول يجب أن يكون من الموصى له، لانه الذي يتعلق به الايجاب. (3) لانه ليس وليا عليه، ولا وكيلا عنه، فقيامه مقامه في القبول خلاف القاعدة. وهذا هو العمدة في إشكال القول بالصحة بالنظر إلى القواعد. وأما إشكاله بملاحظة عدم مطابقة القبول للايجاب، باعتبار أن الايجاب يتضمن تمليك الموصى له، والقبول يتضمن تمليك الوارث ففيه: أنه مبني على كون الوارث يتلقى الملك من الموصى أما إذا كان يتلقى الملك من الموصى له فقبول الوارث أيضا يتضمن تمليك الموصى له، فهو قبول لنفس ذلك الايجاب. وكأن الاولى للمصنف أن يقول: وقبول الوارث إن كان لنفسه فهو مخالف للايجاب، وإن كان للموصى له فهو لا وكيل عنه ولا ولي عليه. (4) هذا أحد الادلة التي استدل بها على القول المشهور، ذكره جماعة. (5) الفرق بين الحق والحكم مفهوما واضح، فان الحق نوع من الملك
===============
( 554 )
يختص بهذا الاسم بحسب الاصطلاح، والحكم لا يكون ملكا. وكذلك الفرق بينهما أثرا، فان الحق يسقط بالاسقاط، للقاعدة المقررة بين العقلاء من أن لكل ذي حق إسقاط حقه - كما ادعاها شيخنا الاعظم في مبحث خيار المجلس من مكاسبه - والحكم ليس كذلك، فانه تابع لرأي الحاكم، فان شاء أبقاه، وإن شاء أسقطه وألغاه، وليس أمره راجعا إلى المحكوم له ضرورة. والفرق بينهما في مقام الاثبات هو أنك تقول: زيد له أكل لحم الضأن وليس له أكل لحم الميتة، وتقول: المغبون له الخيار في الفسخ، وليس للغابن الخيار في الفسخ، فاللام في الاول لام الصلة والتعدية، متعلقة بمحذوف، يعني: زيد يجوز له أكل لحم الضان فالظرف لغو بحسب اصطلاحهم، واللام في الثاني لام الملك، يعني المغبون يملك الخيار فهي متعلقة بمحذوف عام، فالظرف مستقر، يعني المغبون كائن له الخيار كما تقول لزيد مال. هذا هو وجه الفرق بين الحق والحكم. وأما الفرق بين الحق والملك فهو أن الحق نوع من الملك يختص باصطلاح العرف بالعين القائمة بغيره، أو بالمعنى القائم بغيره، على نحو لا يصح اعتباره إلا في ظرف إضافته إلى المالك، بحيث لولا إضافته إلى المالك لم يصح اعتباره. ويختص الملك عرفا بما عداه. وتوضيح ذلك: أن ما يكون مضافا إلى المالك إما أن يكون عينا أو معنى، والعين إما أن تكون في الخارج - كالفرس الخارجي - أو في الذمة - كالمبيع في السلف كما إذا باعه تمرا أو حنطة إلى أجل، فان المبيع عين ذمية لا خارجية - أولا يكون في الخارج ولا في الذمة، لكنه قائم في عين أخرى - كحق الجناية القائم في عين الجاني، وكحق الزكاة القائم العين الزكوية على
===============
( 555 )
بعض الاقوال، فان الشاة الزكاة قائمة في الاربعين شاة، وليست جزاء منها لتكون خارجبة، ولا في ذمة المالك إجماعا منا لتكون ذمية، بل هي قائمة في الاربعين شاة - أو قائم في معنى مثله، كما إذا كان المدين يملك منافع اعيان فاشترط عليه الدائن في عقد بينهما ان ينتقل دينه إلى المنافع المملوكة. فان الدائن يكون له حق استيفاء الدين من المنافع وهو قائم بها. هذه أقسام العين التي تكون ظرفا لاضافة الملكية، وهي أربعة. ومثلها أقسام المعنى الذي يكون طرفا لاضافة الملكية، فانها أيضا أربعة (الاول): المعنى القائم بالعين الخارجية مع كون اعتباره من لوازم وجود العين مثل منافع المملوكات الخارجية، مثل الدار والفرس (والثاني) المعنى القائم بالذمة، مثل مالو استأجره على خياطة ثوب، فان الخياطة معنى مملوك للمستأجر، وهو في ذمة الاجير (والثالث): المعنى القائم بالعين الخارجية ولا يكون اعتباره من لوزام وجودها مثل استيفاء الدين من العين المرهونة - المعبر عنه بحق الرهانة - ومنافع الاجير الخاص الحر، فانها متعلقة بعينه لا بذمته (والرابع): المعنى القائم بالمعنى، مثل استيفاء الدين من منافع المديون إذا شرط الدائن على المديون ذلك في عقد، فان الداين يملك الدين في الذمة ويملك استيفاءه من المنافع. فهذه أنواع المملوكات من العين والمعنى تختلف في كونها حقا أو ملكا باختلاف الموارد، فالقسمان الاولان من اقسام العين من الاملاك، وليسا من حقوق، القسمان الاخران من الحقوق، وكذلك القسمان الاولان من المعنى أيضا من الاملاك وليسا من الحقوق، والقسمان الاخران من الحقوق. كل ذلك بحسب اصطلاح الفقهاء. لا لاختلاف مراتب الملكية، بأن تكون الحقوق مرتبة من الملكية ضعيفة والملك مرتبة من الملكية قوية - كما ادعاه بعض الاعاظم - فانه غير ظاهر، كيف والملك في الجيمع
===============
( 556 )
على نحو واحد. ولا للاختلاف في السقوط بالاسقاط وعدمه، فيكون الحق ما يسقط بالاسقاط، والملك ما لا يكون كذلك - كما قد يتوهم - فان المملوكات في الذمم كلها تسقط بالاسقاط، سواء كان أعيانا - كالديون المعينة - أم معاني - كعمل الاجير - مع أنها أملاك قطعا. بل الفرق ما عرفت من الاختلاف في الموارد لمجرد الاصطلاح. فإذا يصح تعريف الحق بانه عين أو معنى قائم في غيره من عين أو معنى، على نحو لا يصح اعتباره إلا في ظرف إضافته إلى مالك. والوجه في اعتبار القيد الاول إخراج الاعيان الخارجية والذميات، أعيان كانت أو معاني، لانها جميعا ليست قائمة في غيرها. والوجه في اعتبار القيد الثاني إخراج منافع الاعيان الخارجية، فان اعتبارها تابع لقابلية العين لها فالدار تعتبر منافعها وإن لم تكن مملوكة لمالك، ولاجل ذلك لا تكون من الحقوق ولذا لا تسقط بالاسقاط، فلو قال المستأجر: اسقطت حقي، لم تخرج المنافع عن ملكه. والسر في ذلك أن السقوط بالاسقاط من لوازم كون الشئ لا يصح اعتباره إلا باضافته إلى المالك، ومنافع الاعيان لا يكون المصحح لاعتبارها إضافتها إلى المالك، بل المصحح لاعتبارها قابلية العين للانتفاع بها. كما عرفت. والمتحصل من جميع ما ذكرنا أمور (الاول): أن الاختلاف بين الملك والحق ليس لاختلافها في مراتب الملكية، ولا لاختلافها في السقوط بالاسقاط وعدمه، بل للاختلاف في المورد لمجرد الاصطلاح (الثاني): أن الحق قد يكون عينا، مثل حق الجناية الخطائية المتعلق بالعبد، وحق الزكاة المتعلق بالنصاب على بعض الاقوال، وقد يكون معنى، وهو الاكثر كحق الخيار، وحق الاخذ بالشفعة، وحق القصاص، وحق القسم للزوجة وحق الرهانة، وحق الحضانة، وحق الرضاعة.. إلى غير ذلك.
===============
( 557 )
[ ومنع كون كل حق منتقلا إلى الوارث حتى مثل ما نحن فيه من الحق الخاص به، الذي لا يصدق كونه من تركته (1). وعلى ما قوينا من عدم اعتبار القبول فيها بل كون الرد مانعا ايضا يكون الحكم على خلاف القاعدة في خصوص صورة موته ] (الثالث): أن الحق لا يكون قائما بنفسه، بل قائما بغيره من عين أو معنى. (الرابع): أن الحق لا يصح اعتباره إلا في حال إضافته إلى المالك، وكذلك الملك في الذمة من أعيان ومعان، فانها لا يصح اعتبارها إلا في حال إضافتها إلى المالك. (الخامس): أن الولاية ليست من الحقوق لانها لا تسقط بالاسقاط، فتكون من الاحكام. (السادس): أن حق القسم للزوجة وحق الانفاق عليها ليسا من الحقوق، بل من الاملاك، لانها في الذمة، وجميع المملوكات في الذمة املاك لا حقوق. (السابع): ان السقوط بالاسقاط من أحكام المملوكات التي لا يصح اعتبارها إلا في حال إضافتها إلى المالك، ومنها الذميات من أعيان ومعان ومنافع الحر إذا كان اجيرا خاصا، فانها لا تعتبر إلا في حال الاجارة، ومع عدمها لا تعتبر ولا تكون مملوكة لمالك. ومن ذلك تعرف الفرق بين منافع العبد إذا كان أجيرا خاصا وبين منافع الحر إذ كان كذلك، فان منافع الاول تسقط باسقاط المستأجر، ومنافع الثاني لا تسقط، وكذلك منافع الدار المستأجرة. فتأمل. ومما ذكرنا تعرف الوجه في منع كون القبول حقا للموصى له، فانه لا يقبل الاسقاط فيمتنع أن يكون من الحقوق، ويتعين أن يكون من الاحكام. (1) تبع في هذا ما في المسالك قال (ره) فيها: " مع أنا نمنع من كون القبول حقا للوارث مطلقا، وإنما كان حقا للمورث على تقدير مباشرته. ويرشد إليه أن الاغراض في الوصية تختلف باختلاف الاشخاص،
===============
( 558 )
[ قبل موت الموصى له، لعدم ملكيته في حياة الموصي (1). لكن الاقوى مع ذلك هو إطلاق الصحة، كما هو المشهور. وذلك لصحيحة محمد بن قيس (2) الصريحة في ذلك، حتى في ] فقد يكون للموصي غرض في تخصيص الميت دون وارثه. وهذا بخلاف حق الخيار والشفعة ونحوهما، فان ذلك من الحقوق الثابتة المستقرة للمورث شرعا، بحيث لا قدرة لمن عليه الحق على إسقاطه بنفسه.. ". أقول: قد عرفت أن قبول الوارث إذا كان للمورث فكونه من الحقوق غير القابلة للانتقال غير ظاهر، إذ لا تخلف لغرض الموصي بوجه. (1) يعني: فلا وجه لانتقال الموصى به إلى ورثته. وانتقال الموصى به إلى الموصى له بعد وفاة الموصي وان كان ممكنا كانتقال الدية، إلا أن الادلة العامة لا تفي بذلك، وتقصر عن إثباته. (2) رواها في الكافي عن علي بن ابراهيم عن ابيه عن ابن أبي نجران عن عاصم بن حميد عن محمد بن قيس عن أبي جعفر (ع): " قال: قضى أمير المؤمنين (ع) في رجل أوصى لاخر والموصى له غائب فتوفي الموصى له الذي أوصى له قبل الموصى. قال (ع): الوصية لوارث الذي أوصى له، قال: ومن أوصى لاحد شاهدا كان أو غائبا فتوفي الموصى له قبل الموصي فالوصية لوارث الذي أوصي له، إلا أن يرجع في وصتيه قبل موته " (* 1). ورواه الصدوق باسناده عن عاصم بن حميد، وفي طريقه إبراهيم بن هاشم. ورواه الشيخ باسناده عن علي بن ابراهيم عن أبيه كما في سند الكافي، فيكون علي بن إبراهيم واقعا في جميع الاسانيد وحينئذ فتصحيح الحديث مبني على حجية حديث إبراهيم بن هاشم، كما هو الظاهر، لانه من الحسن، كما هو ظاهر المشهور. (* هامش) * (* 1) الوسائل باب: 30 من ابواب كتاب الوصايا حديث: 1.
===============
( 559 )
[ صورة موته في حياة الموصي، المؤيدة بخبر الساباطي (1)، ] ثم إنه في المسالك أشكل على الاستدلال بالصحيحة المذكورة: بأن محمد بن قيس الذي يروي عن الباقر (ع) مشترك بين الثقة والضعيف وغيرهما فكيف تجعل روايته مستند الحكم؟ إلا أن يدعوا جبرها بالشهرة، على ما هو المشهور بينهم في ذلك، وفيه ما فيه. انتهى. وسبقه إلى ذلك في المختلف، قال فيه: " فان محمد بن قيس مقول على جماعة أحدهم ضعيف ولعله الراوي ". لكن الذى حققه جماعة ممن تأخر أن محمد بن قيس الذي يروي عنه عاصم بن حميد هو البجلي الثقة، كما عن الشيخ في الفهرست وهو الذي يروي كتاب قضايا أمير المؤمنين (ع) كما عن النجاشي، فالرواية صحيحة كما في المتن. كما أنها صريحة في الموت في حياة الموصي، وبقرينة ذكر الغيبة تكون كالصريحة في كون الموت قبل القبول. (1) رواه في الكافي عن محمد بن يحيى عن عمران بن موسى عن موسى ابن جعفر عن عمر بن سعيد المدايني عن محمد بن عمر الساباطي - كما في بعض نسخ الوسائل المذكورة في الهامش، وفي المتن: " الباهلي " وكذا نسخة الكافي التي تحضرني - قال: " سألت أبا جعفر (ع) عن رجل أوصى إلي وأمرني أن أعطي عما له في كل سنة شيئا فمات العم. فكتب: اعط ورثته " (* 1) ورواه في الفقيه باسناده عن عمر بن سعيد عن محمد بن عمر الساباطي، كما في نسخة الفقيه التي تحضرني. لكن الخبر غير ظاهر في الوصية التمليكية، بل ظاهر في الوصية بالتمليك في كل سنة وهو غير ما نحن فيه، لان ايجاب التمليك يكون من الوصي، لا من الموصي، ومقتضى القاعدة البطلان بالموت، لانتفاء الموضوع، وعموم كلامهم للمقام غير ظاهر. ولاجل ذلك يشكل العمل بالخبر في مورده، لضعفه بمحمد
____________ (* 1) الوسائل باب: 30 من ابواب كتاب الوصايا حديث: 3.
===============
( 560 )
] وصحيح المثنى (1). ولا يعارضها صحيحتا محمد بن مسلم ومنصور بن حازم (2)، ] ابن عمر المجهول، وعدم الجابر. (1) رواه العياشي في تفسيره عن المثنى بن عبد السلام عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " سألته عن رجل أوصى له بوصية فمات قبل أن يقبضها ولم يترك عقبا. قال (ع): أطلب له وارثا أو مولى فادفعها إليه. قلت: فان لم أعلم له وليا قال (ع): إجهد أن تقدر له على ولي فان لم تجد وعلم الله تعالى منك الجد فتصدق بها " (* 1) ورواه في الكافي عن محمد بن يحيى عن محمد بن أحمد عن أيوب بن نوح عن العباس بن عامر " قال: سألته.. " ورواه الصدوق باسناده عن العباس بن عامر عن المثنى مثله والمثنى غير صحيح حتى لو كان ابن عبد السلام، كما هو الظاهر بقرينة رواية العباس بن عامر عنه. وعلى هذا فاللازم على المصنف ان يقول: والصحيح عن المثنى، كما عبر في الجواهر اعتمادا على رواية الصدوق أو صحيح العباس بن عامر اعتمادا على رواية الكافي. وكيف كان فالاقتصار في الخبر على ذكر عدم القبض يدل على وقوع القبول، فلا يكون مما نحن فيه. لا أقل من عدم ظهوره في عدم القبول. (2) أما الاولى فرواها الشيخ (قده) باسناده عن الحسين بن سعيد عن حماد بن عيسى عن شعيب عن أبي بصير، وعن فضالة عن العلاء عن محمد بن مسلم جميعا عن أبى عبد الله (ع) قال: " سئل عن رجل أوصى لرجل فمات الموصى له قبل الموصي. قال: ليس بشئ " (* 2). ومقتضى ذلك أن تكون الرواية المذكورة قد رواها أبو بصير ومحمد بن مسلم،
____________ (* 1) الوسائل باب: 30 من ابواب كتاب الوصايا حديث: 2. (* 2) الوسائل باب: 30 من ابواب كتاب الوصايا حديث: 4.
===============
( 561 )
[ بعد اعراض المشهور عنهما (1) وامكان حملهما على محامل، منها التقية، لان المعروف بينهم عدم الصحة. نعم يمكن دعوى انصراف الصحيحة عما إذا علم كون غرض الموصي خصوص شخص الموصى له على وجه التقييد (2) ] واللازم عدهما صحيحتين لابي بصير ومحمد بن مسلم، لا صحيحة واحدة. وأما الثانية فرواها أيضا الشيخ باسناده عن علي بن الحسن بن فضال عن العباس بن عامر عن أبان بن عثمان عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله (ع) قال: " سألته عن رجل أوصى لرجل بوصيته إن حدث به حدثا فمات الموصى له قبل الموصي. قال: ليس بشئ " (* 1). ولا يخفى أن اللازم عد الرواية الثانية من الموثق، لوجود علي بن فضال في سندها. (1) قد سبق أن الشهرة العظيمة على خلافهما. نعم يحتمل أن يكون الوجه في تقديم صحيحة محمد بن قيس كونها أوضح دلالة عندهم، فلا يكون الاعراض عن غيرها قدحا منهم فيه. وهذا هو الاظهر، فان قوله (ع): " ليس بشئ " ممكن حمله جمعا على أن الموت ليس بشئ قادح في الوصية لا أن الايصاء ليس بشئ. وبالجملة: التعارض في المقام من قبيل لتعارض بين الظاهر والاظهر، أو بين النص والظاهر، فيتعين التصرف في الظاهر، لا رفع اليد عن الاظهر. نعم لو فرض تساوي الدلالة فالترجيح مع الاخيرة، لانها أصح سندا وأكثر عددا، والترجيح بذلك مقدم على الترجيح بمخالفة العامة. (2) في الرياض ادعى أن القدر المتيقن من النصوص غير هذه الصورة، فيرجع فيها إلى القواعد المقتضية للبطلان. وقد تقدم عن الدروس أن الحق
____________ (* 1) الوسائل باب: 30 من ابواب كتاب الوصايا حديث: 5.
===============
( 562 )
[ بل ربما يقال: إن محل الخلاف غير هذه الصورة (1). لكن الانصراف ممنوع (2). وعلى فرضه يختص الاشكال بما إذا كان موته قبل موت الموصي، والا فبناء (3) على عدم اعتبار القبول بموت الموصي صار مالكا (4)، بعد فرض عدم رده فينتقل إلى ورثته. بقي هنا أمور: أحدها: هل الحكم يشمل ورثة الوارث؟ كما إذا مات الموصى له قبل القبول ومات وارثه أيضا قبل القبول، فهل ] التفصيل بين ما إذا علم تعلق غرضه بالمورث لا غير فالبطلان، وغيره فالصحة، وأنه به يجمع بين النصوص. أقول: لا ريب في أن محل الكلام صورة ما إذا أوصى إلى شخص بعينه فمات فالشخص الخاص لا يقبل الاطلاق والتقييد لتباين الاشخاص. نعم يقبل التحليل الارتباطي واللا ارتباطي فان الشخص الموصى له شخص وخصوصية، فقد يكون غرض الموصي الشخص والخصوصية على نحو التقييد والارتباط، وربما لا يكون كذلك. لكن إخراج الصورة الاولى عن نصوص المشهور وتخصيصها بالصورة الثانية بعيد بل متعذر لندرة ذلك جدا. هذا إذا كان قبول الوارث لنفسه أما إذا كان للميت فيمكن فرض الاطلاق والتقييد بأن يكون غرض الموصي تمليك الشخص المذكور لا بشرط الحياة تارة وبشرط الحياة أخرى وحينئذ يمكن الجمع بين النصوص بحمل النصوص الاولى على الاول والثانية على الثاني. لكنه جمع بلا شاهد. (1) تقدم مثل ذلك في كلام الجواهر. (2) قد عرفت أن الاخذ به لو فرض متعذر. (3) يعني: إذا كان موته بعد موت الموصي. (4) وحينئذ يحصل غرض الموصي.
===============
( 563 )
[ الوصية لوارث الوارث أولا؟ وجوه: الشمول (1)، وعدمه - لكون الحكم على خلاف القاعدة - والابتناء على كون مدرك الحكم انتقال حق القبول فتشمل. وكونه الاخبار فلا. الثاني: إذا قبل بعض الورثة ورد بعضهم فهل تبطل (2) أو تصح ويرث الراد أيضا مقدار حصته (3) أو تصح بمقدار حصة القابل فقط (4)، أو تصح وتمامه للقابل (5) أو للتفصيل (6) بين كون موته قبل موت الموصي فتبطل (7) أو بعده فتصح بالنسبة إلى مقدار حصة القابل (8)؟ وجوه (9). ] (1) هو الذي يقتضيه ظاهر النصوص، بناء على أنها دالة على أنها موروثة للوارث، لان التفكيك بين إرث وارث الموصى له وإرث وارثه بعيد عن فهم العرف. نعم لو كان مفاد النصوص لزوم الاعطاء للوارث تعبدا، لا من باب الارث، فالتعدي إلى وارث الوارث لا قرينة عليه. وعلى هذا فهذه الوجوه مبنية على الوجهين الاتيين في الامر الثالث. (2) لعدم حصول القبول المطابق للايجاب. (3) للاجتزاء في الصحة بمجرد القبول في الجملة. (4) أخذا بمقتضى كل من القبول والرد. (5) للاجتزاء بالصحة بمجرد القبول وكون الارث تابعا له، فلا يرث إلا القابل. (6) عملا بالقواعد. (7) لان الموت مانع من ملكيته بعد وفاة الموصي. (8) وتبطل بالنسبة إلى غير القابل، لعدم القبول. (9) أقربها البطلان، بناء على اعتبار القبول جزءا، لعدم حصول
===============
( 564 )
[ الثالث: هل ينتقل الموصى به بقبول الوارث إلى الميت ثم إليه، أو إليه ابتداء من الموصي؟ وجهان، أوجههما الثاني (1) ] القبول المطابق للايجاب. أما بناء على كونه شرطا فالاقرب الصحة على النحو الثاني من وجوهها. لا الاول منها، لظهور كون الرد مانعا من إرث الموصى به. ولا الثالث، لعدم استحقاق القابل أكثر من حصته. وأما التفصيل فقد عرفت أنه مبني على إهمال النصوص في المقام. لعد شمولها له والرجوع إلى القواعد المقتضية للبطلان في صورة موت الموصى له قبل الموصي - كما عرفت - وللصحة إذا مات بعد موت الموصي لانتقال المال إلى الورثة بلا حاجة إلى القبول. نعم الرد مانع عن إرث الراد إجماعا ظاهرا. لكن إهمال النصوص بدعوى عدم شمولها للمقام غير ظاهر. فالاقوى إذا هو الصحة على الوجه الثاني من وجوهها، لما عرفت من عدم الدليل على اعتبار القبول، والرد وإن كان مانعا إجماعا لكنه يختص بحصة الراد فقط. ويظهر من القواعد وجامع المقاصد: المفروغية عن الصحة على النحو المذكور. (1) على ما جزم في الشرايع وغيرها، ويظهر من العلامة في صدر كلامه، قال: " ولو مات قبل القبول قام وارثه مقامه في قبول الوصية ولا يدخل في ملك الميت ". لعدم قبول الميت للملك، لانه بمنزلة المعدوم، والملكية تستدعي نحوا خاصا من التابعية والمتبوعية والمعدوم لا يقبل المتبوعية الخاصة، بل هو أولى من الجماد والحيوان في عدم قبول المالكية والمتبوعية، فإذا قلنا: بأن ملك الجهات ليس على الحقيقة، فالوقف على المساجد أو الثغور أو المصالح الاخرى لا يستدعي ملك النماء للمسجد أو الثغر أو نحوهما من المصالح، وإنما يقتضي اختصاص النماء بها، لان المتبوعية الناشئة عن نحو من الاستيلاء
===============
( 565 )
والجدة التي تصحح اعتبار المالكية لا تكون للمساجد ولا للثغور، وكذلك الحيوان لا يقبل مثل هذه المتبوعية فاللام في قولنا: السرج للدابة ليست للملك مهما أراد مالكهما ذلك، لعدم أهلية الدابة لذلك، فالميت أولى من الحيوان والجماد في ذلك، لانه معدم لا يقوى على هذه المالكية، بل هو بعيد عنها جدا. ولا بد حينئذ من البناء في المقام على انتقال المال من الموصي إلى ورثة الموصى له. ومجرد كون الميت ينتفع بالمال - كما ثبت ذلك في الشرع المقدس - لا يقتضي أنه له قابلية المالكية لانه أعم، فان الحيوان ينتفع بالعلف ولا يقوى على المالكية. وبالجملة: المالكية إضافة خاصة لا تقوم الا بحياة خاصة، فالميت مهما كان له من أهلية التنعم والانتفاع وخلافهما لا يقوى على المالكية. ولعل النفوس المجردة - مثل الجن والملك - كذلك مهما كان لها من أعمال جبارة عن شعور خاص، فان العرف لا يتسطيع الحكم عليها بالمالكية. فان قلت: إذا لم تدخل الوصية في ملك الموصى له، وكان الانتقال من الموصى إلى الورثة بلا واسطة الموصى له تعين أن تكون القسمة بين الورثة بالسوية لا قسمة الميراث، وهو خلاف ظاهر النص والفتوى. قلت: إن تم ما ذكره المشهور من انتقال حق القبول إلى الورثة في المقام كان انقسام الحق انقسام ميراث، ويكون بتبع موضوع الحق، لان الحق لا يقبل الانقسام إلا بلحاظ موضوعه، كما في ساير موارد إرث الحق، مثل حق الشفعة، وحق الخيار وحق الرهانة، وغيرها، فان انقسام الحق فيها إنما يكون بلحاظ انقسام موضوعه. وان لم يتم ما ذكر المشهور تعين أن يكون ملك الورثة في المقام بحكم الميراث من هذه الجهة لا أنه ميراث حقيقي. وكذلك الحكم في دية المقتول فانها بحكم الملك للميت توفي منها ديونه وتخرج منها وصاياه كما في النص، لا أنها ملك له حقيقة، كيف والدية عوض الحياة،
===============
( 566 )
[ وربما يبنى على كون القبول كاشفا أو ناقلا (1) فعلى الثاني: الثاني، وعلى الاول: الاول. وفيه: أنه على الثاني أيضا يمكن أن يقال بانتقاله إلى الميت آنا ما (2) ثم إلى وارثه. بل على الاول ] والحياة ليست مملوكة للحي، فكيف يملك عوضها؟ وكذلك ثلث الميت إذا كان قد أوصى بصرفه على جهات مخصوصة، فانه باق على حكم ماله، لا أنه ماله بعد وفاته. نعم يبقى الاشكال فيما لو رمى صيدا فمات قبل الاصابة، فان الصيد إذا لم يملكه الميت لم ينتقل إلى ورثته، وحينئذ يبقى على إباحته الاصلية. وفيه: أنه يملكه الوراث لا الميت، لان الصيد من آثار الرمي، والرمي كان للميت، فيرثه وارثه، فالارث يكون للسبب، لا للمسبب. وكذا الحكم إذا نصب شبكة فمات، فدخل فيها الصيد، فان النصب موروث للوارث فيملك ما هو من آثاره، وهو الصيد. والمتحصل مما ذكرنا: أن الميت لما امتنع أن يكون مالكا على الحقيقة تعين أن يكون المراد من النص في المقام المتضمن لزوم الاعطاء إلى الورثة الظاهر في كونه على نحو الميراث أنه على نحو الميراث الحكمي من حيث القمسة، لا الميراث الحقيقي. (1) يظهر ذلك البناء من جامع المقاصد، فانه ذكر أن إطلاق مصنفه عدم دخولها في ملك الميت (يعني: في عبارته السابقة) ولو قبل الوارث لا يستقيم، لانه إن قبل بعد الموت وقلنا ان القبول كاشف - كما سيأتي اختياره في كلام المصنف - دخلت في ملك الميت، وما ذكره منسوب إلى الشيخ والعلامة والشهيدين، ونسب أيضا إلى الاكثر. (2) قد عرفت أن بناء الجماعة على عدم قابلية الميت للمالكية، فيكف ينتقل إليه الملك آناما، فان الان الواحد كالانات المتعددة.
===============
( 567 )
[ يمكن أن يقال بكشف قبوله عن الانتقال إليه من حين موت الموصي، لانه كأنه هو القابل (1)، فيكون منتقلا إليه من الاول. الرابع: هل المدار على الوارث حين موت الموصى له إذا كان قبل موت الموصي، أو الوارث حين موت الموصي، أو البناء على كون القبول من الوارث موجبا للانتقال إلى الميت ثم إليه، أو كونه موجبا للانتقال إليه أولا من الموصي، ] (1) المناسب أن يقول: لانه هو القابل، إذ المفروض أن القبول صدر من الوارث، فهو قابل حقيقة، لا أنه مثل القابل. وهذا الاحتمال حكي عن السيد في المناهل: الجزم به. لكن استشكل فيه في الجواهر: بأنه كيف يكون قبول الوارث كاشفا عن ملكه للمال حين موت الموصي والموصي له موجود؟! فلا بد من البناء على النقل. ويندفع: بأنه لا مانع من انتقال الموصى به إلى وارثه وهو موجود، لعدم الاثر لمثل هذا الوجود بعد أن لم يكن منه قبول. اللهم إلا أن يقال: الوارث وإن كان هو القابل لكن قبوله بعد أن كان مطابقا لايجاب الموصي تعين أن يكون أثره ملك الموصى له، لا ملك وارثه فإذا بني على تمامية دليل الكشف، تعين أن يكون المنكشف ملك المورث، لانه مفاد إيجاب الوصية، لا ملك الوارث. وبالجملة: إذا دل الدليل على اعتبار القبول من الوارث، فالمراد من القبول إذا كان قبول الايجاب تعين البناء على ملك المورث، لانه مفاد الايجاب لا ملك الوارث، وإذا كان قبول الملك لنفسه وإن كان مخالفا للايجاب تعين البناء على ملك الوارث. لكن التحقيق بناء على اعتبار القبول هو الاول. ثم ان هذا الكلام مبني على اعتبار القبول من الوارث، أما إذا كان المعتبر عدم الرد تعين التفصيل بين موت الموصى له في حياة الموصي
===============
( 568 )
[ فعل الاول: الاول، وعلى الثاني: الثاني؟ وجوه (1). الخامس: إذا أوصى له بارض فمات قبل القبول فهل ترث زوجته منها أو لا؟ وجهان مبنيان على الوجهين في المسألة المتقدمة، فعلى الانتقال إلى الميت ثم إلى الوارث لا ترث وعلى الانتقال إليه أولا لا مانع من الانتقال إليها، لان المفروض أنها لم تنتقل إليه إرثا من الزوج بل وصية من الموصي (2). كما أنه يبنى على الوجهين إخراج الديون والوصايا من الموصى به بعد قبول الوارث وعدمه (3). أما إذا كانت بما يكون ] وبين موته بعد وفاته، فعلى الاول ينتقل المال إلى الوارث بلا واسطته بناء على ما عرفت من امتناع تملك الميت، وعلى الثاني ينتقل المال إلى الموصى له ثم إلى وارثه. (1) أقربها الاول، فانه الظاهر من النصوص، والحمل على الوارث حين موت الموصي تقييد يحتاج إلى قرينة، حتى إن قلنا بأن المال ينتقل من الموصي إلى الوارث بلا واسطة المورث. وربما احتمل بعضهم ذلك بناء على صحة القبول منهم في حياة الموصي، وإلا فالمراد الورثة حال موت الوصي لان عدم صحة القبول تمنع من التأهل للقبول، فلا يستحق وفيه: أن الاطلاق مانع من الاخذ بالتعليل المذكور. (2) لكن الدليل دل على كونها على نحو الارث، ولذا يجب أن تقسم على نحو قسمة الميراث، فإذا انحصر الوارث في زوجته وبنته كان للزوجة الثمن والباقي للبنت، ولا يقسم بالسوية، فتحرم الزوجة مما زاد على النصف، كذلك تحرم من الاصل في الفرض. (3) وذكر ذلك في القواعد وغيرها. ويشكل أيضا لما عرفت من أنه
===============
( 569 )
[ من الحبوة ففي اختصاص الولد الاكبر به بناء على الانتقال إلى الميت أولا فمشكل، لانصراف الادلة عن مثل هذا (1). السادس: إذا كان الموصى به ممن ينعتق على الموصى له (2)، فان قلنا بالانتقال إليه أولا بعد قبول الوارث، فان ] على الوجه الثاني يكون التملك على نحو التملك في الميراث، فكما تقدم الديون والوصايا في الميراث تقدم في المقام أيضا. اللهم إلا أن يقال: إن ذلك خلاف صريح النص: إنها لورثة الموصى له. وبذلك يفترق المقام عما قبله، بأن ما قبله من قبيل تقييد إطلاق النص بالانصراف، وهنا من قبيل رفع اليد عن الظاهر، لانه قد يؤدي إلى حرمان جميع الورثة من ذلك فلا يجوز ارتكابه. اللهم إلا أن يقال: إن الحرمان على تقديره يكون في بعض الفروض فلا يخرج عن كونه مخالفا، لاطلاق الدليل. ومن هنا يتعين عدم الفرق بين هذه المسألة وما سبق. فإذا الاقوى أنه لا فرق بين الوجهين في لزوم البناء على التسهيم في الميراث، وعلى حرمان الزوجة من الارض، وعلى تقديم الدين والوصية. (1) لا يظهر الفرق بين المقام وما سبق، وقد عرفت ما هو الاظهر. نعم يشكل الفرض نفسه باعتبار أن الوصية بما يكون من الحبوة لا توجب صدق الحبوة لاختصاصها بما يستعمله الميت على نحو الاعداد له، فلا يشمل المملوك غير المعد للاستعمال، فضلا عن غير المملوك. (2) قال في الشرايع: " فرع: لو أوصى بجارية وحملها لزوجها وهي حامل منه، فمات قبل القبول. كان القبول للوارث، فإذا قبل ملك الوارث الولد إن كان ممن يصح له تملكه. ولا ينعتق على الموصى له لانه لا يملك بعد الوفاة ولا يرث أباه، لانه رق. إلا أن يكون ممن ينعتق على الوارث ويكونوا جماعة، فيشاركهم، ويرث بعتقه قبل القسمة "
===============
( 570 )
[ قلنا به كشفا وكان موته بعد موت الموصي انعتق عليه (1)، وشارك الوارث ممن في طبقته، ويقدم عليهم مع تقدم طبقته فالوارث يقوم مقامه في القبول (2)، ثم يسقط عن الوارثية، لوجود من هو مقدم عليه. وإن كان موته قبل موت الموصي أو قلنا بالنقل وأنه حين قبول الوارث ينتقل إليه آناما، ] وفي القواعد: " ولو أوصى له بأبيه فمات فقبل ابنه فعلى الاول (يعني القول بأن القبول كاشف) تثبت حريته من حين الموت، فيرث السدس ". والمصنف (ره) حرر المسألة بصورة عامة وهي الايصاء بمن ينعتق على الموصى له فمات قبل القبول. (1) لانه لا يملكه في حياته، فينعتق عليه، فإذا مات مات عن وارث حر - أبا أو ولدا أو غيرهما - كما مات عن غيره من الورثة، فان كان في طبقتهم شاركهم، وإن كان مقدما عليهم - كما إذا كان الموصى به أبا أو ولدا للموصى له وكان غيره أخا له - اختص هو بالميراث دونهم. (2) لانحصار الوارث به قبل القبول، كما أنه بعد القبول ينحصر الوارث بغيره، لانه مقدم عليه في الطبقة. لكن ذكر الشيخ في المبسوط: أنه ينعتق لكن لا يرث شيئا من مال الموصى له، لان صحة الوصية تتوقف على قبول جميع الورثة إذ لو أراد بعض الورثة أن يقبل جميع ما أوصي به لمورثه لم يكن له ذلك، فإذا جعلنا هذا الولد وارثا لم تصح الوصية إلا بقبوله، والقبول منه لا يصح قبل حريته، فكأن ذلك يؤدي إلى ابطال حريته وإبطال الوصية، فابطلنا الارث حتى تصح الحرية. انتهى. وقد أشار العلامة في القواعد إلى الاشكال المذكور، والجواب عنه بقوله: " ولا دور باعتبار أن توريثه يمنع كون القابل وراثا " فيبطل
===============
( 571 )
قبوله، فيؤدي توريثه إلى عدمه. لانا نعتبر من هو وارث حال القبول لولاه ". وحاصله: أن المعتبر من القبول القبول الصادر ممن هو وارث لولا القبول، أما من هو وارث بالقبول فلا يعتبر قبوله، إما لان المستفاد من الادلة اعتبار قبول من كان وارثا حال القبول. وفيه: أنه غير ظاهر فانه لو فرض تجدد وجود وارث بعد القبول كان المعتبر قبوله كغيره. وإما لانه لو اعتبر قبوله كان موجبا لبطلان قبول غيره، وإذا بطل قبول غيره بطل إرثه، وإذا بطل إرثه بطل قبوله. لان القبول إنما يصح من الوارث، فلا بد أن يكون القابل وراثا لولا القبول، ولا يجوز أن يكون وارثا بالقبول. وكأن مرجع الجواب إلى المانع العقلي، وهو أنه يلزم من صحة قبول عدمه فيمتنع. ويمكن تقرير ذلك بالنسبة إلى قبول غيره من الورثة فانه إذا صح منه القبول تحرر الموصى به، وإذا تحرر كان وارثا، وإذا كان وارثا كان مستحقا للقبول ويبطل قبول غيره. ويمكن تقريره بالنسبة إلى الحرية أيضا، فانه إذا صار حرا صار وارثا، وإذا صار وارثا صار مستحقا للقبول، وإذا استحق القبول بطل قبول غيره، وإذا بطل غيره بطلت حريته. وبالجملة: توجد سلسلة أمور مترتبة وهي: قبول الوارث، وانتقال الموصى به إلى الموصى له وحرية الموصى به، وإرثه، واستحقاقه للقبول وكل واحد منها يلزم من وجوده عدمه. فالشيخ (ره) قرره في الارث وحكم بامتناعه، والعلامة (ره) أجابه بتقريره في استحقاق الموصى به للقبول وحكم بامتناعه، وقد ذكرنا أنه يمكن تقريره في صحة قبول الورثة وفي انتقال الموصى به، وفي حرية الموصى به المترتبة عليه، فيحكم بامتناع حريته، وبامتناع انتقاله، وبامتناع صحة قبول الورثة. وبالجملة إذا كان في سلسلة المترتبات ما يلزم من وجوده عدمه فقد لزم من كل منها ذلك،
===============
( 572 )
[ فينعتق، لكن لا يرث (1) إلا إذا كان انعتاقه قبل قسمة الورثة. وذلك لانه - على هذا التقدير - انعتق بعد سبق ساير الورثة بالارث (2). ] ولا يختص بواحد منها بعينه، لان استحالة المعلول تستدعي العلة وبالعكس، كما أن استحالة الملازم تستدعي استحالة ملازمه، وفي المقام إذا استحال واحد من السلسلة استحال الباقي، للزوم الحاصل بينها. نعم هذه اللزومات إذا كانت عقلية صح ما ذكرنا وبطل الجميع، لعدم المرجح أما إذا كانت شرعية يبطل الاخير منها ويصح ما قبله، فان الاخير معلوم البطلان إما من باب التخصيص أو من باب التخصص وغيره مشكوك البطلان يرجع فيه إلى عموم دليله من دون معارض. وحينئذ يتعين البناء على صحة قبول الورثة، وصحة انتقال الموصى به، وترتب حرمة الموصى به عليه وترتب وارثيته من الموصى له، وأنه لا يصح منه قبول الوصية، كما ذكر المشهور. (1) لان الارث مشروط بالحرية حال حياة الموروث، والمفروض أنه في حال حياة الموصى له لم يكن حرا، أما في صورة موت الموصى له في حال حياة الموصي فلانه في حال حياة الموصى له كان ملكا للموصي لم ينتقل منه فلا حرية له، وأما في صورة موته بعد وفاة الموصى له فلانه بناء على النقل يكون الانتقال إلى الموصى له بعد وفاته حال القبول، فتكون حريته حينئذ لا في حياة الموصى له، فلا يكون وارثا في الصورتين لانتفاء شرط الارث. (2) لان إرثهم مقارن لموت الموصى له، وهو متقدم على حريته في الصورتين، كما عرفت.
===============
( 573 )
[ نعم لو انعتق قبل القسمة في صورة تعدد الورثة (1) شاركهم (2) وإن قلنا بالانتقال إلى الوارث من الموصي لا من الموصى له (3) فلا ينعتق عليه (4)، لعدم ملكه، بل يكون للورثة، إلا إذا كان ممن ينعتق عليهم أو على بعضهم (5) فحينئذ ينعتق، ولكن لا يرث إلا إذا كان ذلك مع تعدد الورثة وقبل قسمتهم. ] (1) هذا من الاحكام الثابتة للوارث إذا كان ممنوعا من الارث من جهة الرقية حال موت الموروث، فانه إذا تحرر قبل قسمة الميراث بين الورثة يرث، كما إذا كان حرا حال الموروث. أما إذا كان الوارث واحدا فانه لا مجال لفرض القسمة واللاقسمة، فالتحرر بعد موت الموروث لا أثر له في الارث، لسبق الوارث غيره بالميراث. (2) إذا كان في طبقتهم، وإن كان مقدما عليهم في الطبقة تفرد بالميراث، كما تقدم في الصورة السابقة. (3) هذا هو وجه الثاني من الوجهين السابقين في الامر الثالث. (4) يعني على الموصى له. وقد عرفت فيما سبق أن ظاهر الادلة أن انتقاله إلى الورثة على نحو الميراث، فكأنه انتقل إلى الموصى له ثم إلى ورثته، وحينئذ لا فرق بين الوجهين في ذلك. (5) قد تحقق في محله أن الرجل لا يملك عموديه آبائه وأمهاته وأولاده ذكورا وإناثا، ولا يملك محارمه من الاخت والعمة والخالة وبنت الاخ والاخت، وأن المرأة لا تملك عموديها وتملك محارمها. فإذا كان الموصى به ابنا للميت وكان الوارث أولادا له فهو لا ينعتق على الورثة، ولو ملكه الميت إنعتق عليه. وإذا كان الموصي به بنتا للميت وكان الورثة أبناءه فهو ينعتق على الميت وعلى ورثته، وإذا كان الورثة أولاده ذكورا وإناثا فهو ينعتق على الذكور ولا ينعتق على الاناث منهم.
===============
( 574 )
[ السابع: لا فرق في قيام الوارث مقام الموصى له بين التمليكية والعهدية (1). (مسألة 8): اشتراط القبول على القول به مختص بالتمليكية - كما عرفت - فلا يعتبر في العهدية (2). ويختص بما إذا كان لشخص معين أو اشخاص معينين، وأما إذا كان للنوع أو للجهات - كالوصية للفقراء والعلماء أو للمساجد - فلا يعتبر قبولهم، أو قبول الحاكم فيما للجهات (3)، وإن احتمل ] (1) بأن يوصي إلى وصيه أن يعطي زيدا - مثلا - شيئا، فيموت زيد قبل القبول، كما تضمن ذلك خبر الساباطي المتقدم. لكن العمل به غير ظاهر - كما عرفت - لضعف الخبر، وعدم الجابر له من عمل الاصحاب. أو غيره، لاختصاص كلماتهم بالوصية التمليكية التي يكون الموت فيها قبل القبول مع تحقق إيجاب التمليك، فلا يشمل الوصية العهدية بالتمليك التي يكون الموت فيها قبل إيجاب التمليك وقبوله. (2) يعني: لا يعتبر قبول الموصي إليه. فيجب العمل بالايصاء وان لم يحصل القبول من الموصي إليه أو غيره. نعم للموصي إليه الرد بشرط كونه في حياة الموصي واعلامه بذلك. ويحتمل أن يكون المراد قبول الموصى له إذا كانت الوصية عهدية بالتمليك - كما تقدم في الامر السابع - فانه يجب العمل بالوصية وإن لم يتحقق القبول من الموصى له، فإذا أوصى بأن يعطى زيد مالا وجب الاعطاء وإن لم يقبل زيد. لكنه كما ترى، فانه لا يصح الاعطاء الموصى به إلا بالقبول إجماعا، كسائر الهبات. (3) قال في القواعد: " ولو كانت الوصية لغير معين كفى في التمليك
===============
( 575 )
[ ذلك أو قيل. ودعوى: أن الوصية لها ليست من التمليكية، بل هي عهدية (1)، وإلا فلا يصح تمليك النوع أو الجهات. كما ترى (2). وقد عرفت سابقا قوة عدم اعتبار القبول مطلقا وإنما يكون الرد مانعا، وهو أيضا لا يجري في مثل المذكورات فلا تبطل برد بعض الفقراء مثلا، بل إذا انحصر النوع في ذلك الوقت في شخص فرد لا تبطل. ] الايجاب والموت، ولا يتوقف على القبول، كمن أوصى للفقراء، وكذا لو أوصى للمصالح، كعمارة المساجد ". وفي المسالك: " وإطلاق عبارة الايجاب والقبول فيه (يعني: في قول ماتنه في الشرائع ": ويفتقر إلى ايجاب وقبول) يشمل الوصية لمعين كزيد، وغيره كالفقراء، فيقبل لهم الحاكم. والاصح في الثاني عدم اشتراط القبول، لتعذره في المستحق إن أريد من الجميع، ومن البعض ترجيح من غير مرجح. مع أن الوصية ليست له بخصوصه. وقد تقدم مثله في الوقوف "، ونحوه ما في جامع المقاصد. وفي الحدائق: " والمفهوم من كلام أكثر الاصحاب أن الوصية عقد يفتقر إلى الايجاب والقبول من الموصى إليه إن كان معينا، وأما غيره - كالفقراء مثلا - فيقبل الحاكم الشرعي أو من ينصبه. والظاهر في الثاني - كما استظهره جمع من المتأخرين، منهم شيخنا الشهيد الثاني في المسالك - عدم التوقف على القبول. وقد تقدم مثله في الوقف ". (1) هذه الدعوى ادعاها في الجواهر، وتخلص بها عن الاشكال المتوجه على الجماعة، فيكون إطلاق كلامهم أنه يعتبر القبول في الوصية التمليكية في محله من دون أن يلزم محذور. (2) أولا: من جهة أن المعروف بينهم أن الوصية المذكورة من قبيل الوصية التمليكية، ولذلك عللوا عدم الاحتياج إلى القبول بما ذكر،
===============
( 576 )
لا بأنها وصية عهدية. كيف؟! والمعروف بينهم أيضا أن اللام في قوله تعالى: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين...) (* 1) للملك. وثانيا: من جهة أن الوصية العهدية تختص بالايصاء والوصية هنا ليست كذلك، بل إن بنينا على امتناع ملك العناوين والجهات تعين أن تكون الوصية المذكورة قسما ثالثا، لا تمليكية ولا عهدية، بل هي تخصيصية تفيد إنشاء التخصيص بالعنوان والجهة. فان كان المراد من الوصية التمليكية ما يعم ذلك جاء الاشكال السابق، وإن كان المراد ما يقابل ذلك كان اللازم تقسيم الوصية إلى ثلاثة أقسام: تمليكية وعهدية وتخصيصية، لا تقسيمها إلى القسمين الاولين فقط. والتحقيق: ما ذكر في الجواهر من امتناع تمليك النوع والجهات، لان الملكية تستوجب نوعا من التابعية والمتبوعية، وذلك لا يتحقق في النوع ولا في الجهة، لان المتبوعية لا يصح اعتبارها إلا مع الهيمنة للمتبوع على التابع، والنوع والجهة لا تصلح لذلك. كما أن التحقيق أن الوصية بمال للفقراء أو المسجد ليست من قبيل الوصية العهدية، بل هي من سنخ الوصية التمليكية، لكن لا تمليك فيها، بل اختصاص وتخصيص. وعلى هذا فان كان الوجه في اعتبار القبول في الوصية التمليكية هو الاجماع على أنها من العقود فهو غير شامل لما نحن فيه. وإن كان هو أصالة عدم الانتقال بدون القبول فهو مشترك بينها وبين ما نحن فيه. وإن كان قاعدة السلطنة على النفس الجارية في حق الموصى له فهو غير آت هنا، إذ التخصيصية ليس فيها تصرف في المخصص له، وإنما هو تصرف في المال فقط، فإذا ملكت زيدا شيئا فقد جعلته مالكا ومهيمنا، وإذا خصصت مالك به فلم تكن تصرفت في زيد، وإنما تصرف في مالك.
____________ (* 1) التوبة: 60.
===============
( 577 )
[ (مسألة 9): الاقوى في تحقق الوصية كفاية كل ما دل عليها من الالفاظ (1)، ولا يعتبر فيه لفظ خاص، بل يكفي كل فعل دال عليها (2)، حتى الاشارة والكتابة - ولو في حال الاختيار - إذا كانت صريحة في الدلالة، بل أو ظاهرة ] (1) قال في الشرايع: " فالايجاب كل لفظ دل على ذلك القصد " ونحوه كلام غيره. ويظهر من المتن وجود قول بأنه يعتبر فيها لفظ خاص ولم أقف على ذلك فيما يحضرني. نعم في الجواهر: " ينبغي أن يكون استعماله اللفظ في ذلك جاريا مجرى الاستعمال المتعارف، ولا يكفي إرادته ذلك من لفظ غير صالح لارادته حقيقة ولا مجازا ". ويشكل بأنه بعد ظهور المراد لا مجال للتوقف في الصحة عملا باطلاق الادلة. (2) كماعن التذكرة احتماله، وعن المناهل والرياض: الجزم به، وفي الجواهر: " لعله الظاهر من النافع ". لكن المشهور العدم، بل في الجواهر: أنه ظاهر الاصحاب وصريح بعضهم، وعن السرائر: نفي الخلاف فيه، وفي رسالة شيخنا الاعظم ظهور عدم الخلاف فيه، وفي الشرائع: " فالايجاب كل لفظ دل على ذلك القصد، ونحوه ما في القواعد، ويظهر من شروحهما المفروغية عنه. وكأنه لانه مقتضى كونها عقدا، لعدم تحقق العقد بالفعل. وفي الجواهر - بعد أن اختار الجواز - قال: " إلا أنه ليس عقدا لها (يعني للوصية) فهو شبه المعاطاة في العقود اللازمة التي تندرج في الاسم، ولا يجري عليها حكم العقد " يعني: يصدق أنه وصية ولا يصدق عقد الوصية وفيه: أن ذلك ينافي ما ذكروه من أنها عقد، فإذا كان إنشاؤها بالفعل يندرج في الاسم وجب كونها عقدا حينئذ، وإلا لم تكن الوصية عقدا على وجه الكلية. فإذا التحقيق. أن مقتضى إطلاق الادلة الصحة إذا كان الانشاء
===============
( 578 )
[ فان ظاهر الافعال معتبر كظاهر الاقوال. فما يظهر من جماعة (1) اختصاص كفاية الاشارة والكتابة بحال الضرورة، لا وجه له، بل يكفي وجود مكتوب منه (2) بخطه ومهره إذا علم كونه إنما كتبه بعنوان الوصية. ويمكن أن يستدل عليه بقوله (ع): " لا ينبغي لامرء مسلم أن يبيت ليلة إلا ووصيته تحت رأسه " (3) بل يدل عليه ما رواه الصدوق عن إبراهيم بن محمد الهمداني (4) ] بالفعل كالقول. وما في جامع المقاصد من أنه مع إمكان النطق لا تكفي الاشارة، لانتفاء دليل الصحة، كما ترى، إذ التحقيق حصول إنشاء المعنى العقدي بالفعل كالقول. (1) قد عرفت نسبته إلى المشهور، وظاهر الاصحاب، وظهور عدم الخلاف، ونفي الخلاف، وعن ظاهر الغنية: الاجماع عليه. (2) كما يقتضيه الاطلاق. ولا مقتضي للتقييد بما إذا كانت الكتابة مشاهدة حال حدوثها. (3) رواه المفيد في المقنعة مرسلا، وكذا الشيخ في المصباح (* 1). وإرساله مانع عن العمل به، ولا سيما مع مخالفة المشهور. مع إشكال دلالته، لعدم كونه في مقام حجية الكتابة، فمن الجائز أن الاعتماد يكون على قوله: إن هذه وصيتي فاعملوا بها، كما يشير إلى ذلك الخبر الاتي. (4) ورواه الشيخ باسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن عمر بن علي عن إبراهيم بن محمد الهمداني (* 2) وظاهره التفصيل بين الولد وغيرهم من
____________ (* 1) الوسائل باب: 1 من ابواب كتاب الوصايا حديث: 5، 7. لكن مع اختلاف يسير في متن الحديث لا يخل بالمعنى. (* 2) الوسائل باب: 48 من ابواب كتاب الوصايا حديث: 2. لكن مع اختلاف يسير في متن الحديث لا يخل بالمعنى.
===============
( 579 )
[ قال: " كتبت إليه: كتب رجل كتابا بخطه، ولم يقل لورثته هذه وصيتي ولم يقل إني قد أوصيت، إلا أنه كتب كتابا فيه ما أراد أن يوصي به، هل يجب على ورثته القيام بما في الكتاب، بخطه ولم يأمرهم بذلك؟ فكتب: إن كان له ولد ينفذون كل شئ يجدون في كتاب أبيهم في وجه البر وغيره ". (مسألة 10): يشترط في الموصي أمور (الاول): البلوغ ] الورثة، ولم يعرف قائل بذلك. نعم عن نهاية الشيخ إلزام الورثة بالمكتوب إذا عملوا ببعضه، وهو تفصيل آخر نسبه في الجواهر إلى رواية قاصرة سندا ودلالة. وفي رسالة شيخنا الاعظم: أنها قاصرة سندا. ولم نقف على غير رواية المتن، ولعلها هي المرادة من كلامهم. لكن قصور سندها غير ظاهر، فان طريق الصدوق إلى إبراهيم المذكور أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني عن علي بن إبراهيم عن أبيه. وأحمد بن زياد ثقة، وعلي بن إبراهيم من الاجلاء، وأبوه مصحح الحديث، وأما إبراهيم فهو من الوكلاء الثقاة. نعم قصور دلالتها على هذا التفصيل ظاهر. وإن كان المحكي عن التذكرة أنه رواها هكذا: " إن كان له ولد ينفذون شيئا منه وجب عليهم أن ينفذوا كل شئ ". وحمله على أنهم اعترفوا بصحة الخط. والانسب في رواية المتن حملها على كون هذا التنفيذ من خواص الولد، نظير قضاء الصلاة والصوم، فتدل على عدم حجية الكتابة المجردة عن القول، لا على حجيتها، كما قصد المصنف (ره)
===============
( 580 )
[ فلا تصح وصية غير البالغ (1). نعم الاقوى - وفاقا للمشهور (2) - صحة وصية البالغ عشرا، إذا كان عاقلا، في وجوه المعروف، للارحام أو غيرهم. لجملة من الاخبار المعتبرة (3). ] (1) هذا من القطعيات في الجملة. لما دل على قصور سلطنة الصبي على نفسه وماله، كتابا وسنة. (2) كما في المختلف وجامع المقاصد والحدائق والجواهر وغيرها، والمصرح به في عبارات الشيخين وابن البراج وأبي الصلاح وابن حمزة وغيرهم، وفي الشرائع: أنه الاشهر. (3) ومنها مصحح عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال: " قال أبو عبد الله عليه السلام: إذا بلغ الغلام عشر سنين جازت وصيته " (* 1)، وصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: " إذا أتى على الغلام عشر سنين فانه يجوز له في ماله ما أعتق أو تصدق أو أوصى على حد معروف وحق فهو جائز " (* 2)، وموثق منصور بن حازم عن أبي عبد الله (ع) قال: " سألته عن وصية الغلام هل تجوز؟ قال: إذا كان ابن عشر سنين جازت وصيته " (* 3)، وموثق عبد الرحمن بن ابي عبد الله عن ابي عبد الله (ع) " قال: إذا بلغ الصبي خمسة أشبار أكلت ذبيحته، وإذا بلغ عشر سنين جازت وصيته " (* 4)، وموثق أبي أيوب وأبي بصير عن أبى عبد الله (ع): " في الغلام ابن عشر يوصي قال: إذا أصاب موضع الوصية جازت " (* 5)، وصحيح محمد بن مسلم قال: " سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: إن الغلام
____________ (* 1) الوسائل باب: 44 من ابواب كتاب الوصايا حديث: 3. (* 2) الوسائل باب: 44 من ابواب كتاب الوصايا حديث: 4. (* 3) الوسائل باب: 44 من ابواب كتاب الوصايا حديث: 7. (* 4) الوسائل باب: 44 من ابواب كتاب الوصايا حديث: 5. (* 5) الوسائل باب: 44 من ابواب كتاب الوصايا حديث: 6.
===============
( 581 )
[ خلافا لابن إدريس (1)، ] إذا حضره الموت فأوصى ولم يدرك جازت وصيته لذوي الارحام، ولم تجز للغرباء " (* 1)، وصحيح أبى بصير عن أبي عبد الله (ع): " قال: إذا بلغ الغلام عشر سنين وأوصى بثلث ماله في حق جازت وصيته، وإذا كان ابن سبع سنين فأوصى من ماله باليسير في حق جازت وصيته " (* 2) وموثق محمد بن مسلم عن أحدهما (ع): " قال: يجوز طلاق الغلام إذا كان قد عقل وصدقته ووصيته وإن لم يحتلم " (* 3). وهذه النصوص اشتمل بعضها على العقل وبعضها على العشر سنين، ولا يبعد أن يكون الجمع العرفي هنا التقييد فيشترط الامران معا. بل اعتبار العقل إجماعي - كما في الجواهر - فلا مجال لاحتمال سببية كل منهما كما هو الاصل في القضايا الشرطية التي يتعدد فيها الشرط ويتحد فيها الجزاء لوجوب رفع اليد عنه بالاجماع المذكور في الشرطية التي شرطها العشر، ويلزمه رفع اليد عن إطلاق الشرط في الشرطية التي شرطها العقل، لئلا يكون شرط العشر بلا فائدة. ثم إن بعض النصوص المذكورة ذكر فيه الحد المعروف والحق، وآخر ذكر فيه إصابة موضع الوصية. والظاهر من الجميع ما تكون الوصية فيه عقلائية شرعية. وبها يقيد الاطلاقات السابقة. وحينئذ يتم ما ذكر المشهور. (1) قال: " الذي يقتضيه أصول مذهبنا أن وصية غير المكلف البالغ غير صحيحة، سواء كانت في وجوه البر أو غير وجوه البر ".
____________ (* 1) الوسائل باب: 44 من ابواب كتاب الوصايا حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 44 من ابواب كتاب الوصايا حديث: 2. (* 3) التهذيب: باب وصية الصبي والمحجور عليهم حديث: 8. لكن رواه في الوسائل عن جميل بن دراج عن احدهما (ع) في باب: 15 من ابواب الوقوف والصدقات حديث: 2.
===============
( 582 )
[ وتبعه جماعة (1). ] ثم استدل على ذلك بما دل على حجر الصبي، ثم قال: " وإنما هذه أخبار آحاد أوردها في النهاية إيرادا ". وإشكاله ظاهر، فان في الاخبار المذكورة الصحيح والموثق وهما حجة، فلا يجوز رفع اليد عنها. (1) منهم ظاهر المختلف، قال: " وهذه الروايات وإن كانت متظافرة، والاقوال مشهورة، لكن الاحوط عدم إنفاذ وصيته مطلقا حتى يبلغ، لعدم مناط التصرف في المال عنه "، وجامع المقاصد قال: " والمناسب لاصول المذهب وطريقة الاحتياط القول بعدم الجواز "، والمسالك قال: " وهذه الروايأت التي دلت على الحكم وإن كان بعضها صحيحا، إلا أنها مختلفة، بحيث لا يمكن الجمع بينها، وإثبات الحكم المخالف للاصل بها مشكل ". وإلاشكال في الجميع ظاهر، فان الاحتياط ليس بحجة مع أن اقتضاءه عدم النفوذ ممنوع. والاصل لا مجال له مع الدليل. واختلاف النصوص المتقدمة مع إمكان الجمع العرفي بحمل المطلق على المقيد لا يمنع من وجوب الاخد بها. ولو فرض عدم إمكان الجمع العرفي فاللازم التخيير لا سقوط الطرفين. نعم ورد في الاخبار ما فيه نوع مخالفة لغيره، كصحيح محمد وأبي بصير المتقدمين، فان الجمع العرفي بينهما وبين غيرهما ممكن بتقييده بهما. لكنهما غير معمول بهما، فيسقطان عن الحجية، لا أنه تسقط جميع النصوص ويرجع إلى عموم المنع. هذا وعن ابن الجنيد أنه تصح وصيته إذا بلغ ثماني سنين، لرواية الحسن بن راشد عن ابي الحسن العسكري (ع): " إذا بلغ الغلام ثماني سنين فجايز أمره في ماله، وقد وجب عليه الفرائض والحدود. وإذا تم
===============
( 583 )
[ (الثاني): العقل، فلا تصح وصية المجنون (1). نعم تصح وصية الادواري منه إذا كانت في دور إفاقته (2). وكذا لا تصح وصية السكران حال سكره. ولا يعتبر استمرار العقل فلو أوصى ثم جن لم تبطل (3). كما أنه لو أغمي عليه أو سكر لا تبطل وصيته (4). فاعتبار العقل إنما هو حال إنشاء الوصية. (الثالث): الاختيار (5). (الرابع): الرشد، فلا ] للجارية سبع سنين فكذلك " (* 1). وفي الشرائع: " الرواية شاذة ". لمخالفتها لاجماع المسلمين على ظاهرها من حصول البلوغ بذلك، فان عمل بها لزم ترتيب جميع أحكام البلوغ ببلوغ الثمان سنين. وإن طرحناها في غير الوصية للاجماع في تعين طرحها فيها أيضا لذلك. (1) بلا خلاف ولا إشكال. لسلب عبارته لسلب قصده، فلا يصح إنشاؤه وإن كان عن قصد. والعمدة الاجماع. (2) كما نسب إلى الاصحاب لعدم المانع، فيدخل في عموم الادلة. (3) للاصل. ويقتضيه الاجماع المحكي عن مصابيح العلامة الطباطبائي بل تصريح الاصحاب بصحة وصية الادواري ظاهر في بنائهم على عدم بطلانها بطرو الجنون، فيكون المقام خارجا عن قاعدة بطلان العقود الجائزة بطرو الجنون - بناء على أن الوصية منها - كما لا تبطل بالموت ضرورة، بل الموت ملزم لها، كما هو ظاهر. (4) لما ذكر. (5) إجماعا. ويقتضيه حديث نفي الاكراه المروي عند الفريقين، بل قيل: إنه متفق عليه بين المسلمين. وهو وإن كان ظاهرا في نفي
____________ (* 1) الوسائل باب: 15 من ابواب كتاب الوقوف والصدقات حديث: 4.
===============
( 584 )
[ تصح وصية السفيه (1) وإن كانت بالمعروف سواء كانت قبل حجر الحاكم أو بعده. وأما المفلس فلا مانع من وصيته وإن كانت بعد حجر الحاكم، لعدم الضرر بها على الغرماء (2)، لتقدم الدين على الوصية، (الخامس): الحرية، فلا تصح ] المؤاخذة لكن استشهاد الامام (ع) به في نفي الصحة يقتضي جواز التمسك به في المقام. ففي صحيح البزنطي عن ابي الحسن (ع): " في الرجل يستكره على اليمين، فيحلف بالطلاق والعتاق وصدقة ما يملك أيلزمه ذلك؟ فقال (ع): لا. قال رسول الله صلى الله عليه وآله: وضع عن أمتي ما أكرهوا عليه وما لم يطيقوا وما أخطأوا " (* 1). (1) كما عن ظاهر ابن حمزة، وعن التحرير، وهو ظاهر القواعد، وفي جامع المقاصد: انه قوي. لعموم حجر السفيه عن التصرف في ماله لكن في جامع المقاصد: " المشهور بين الاصحاب جواز وصية السفيه في البر والمعروف، وفي الحدائق عن الدروس: أنه حكى عن المفيد وسلار والحلبي عدم نفوذ وصيته إلا في البر والمعروف. ويقتضيه عموم الصحة وقصور أدلة الحجر عن شمول المقام، لظهورها في الامتنان عليه، فلا تقتضي حرمانه عن الانتفاع بماله. (2) لان المانع من صحة تصرفه كونه مزاحما لحقوق الغرماء، وهذا المعنى غير آت في الوصية، لتقدم الدين عليها. وإن كانت لا يترتب الاثر عليها إلا بعد خروجه حال الموت عن التفليس، إما لتملكه مالا يزيد على دينه، أو لبراءة ذمته من بعض الدين. وكذا إذا برئت ذمته بعد الموت من بعض الدين بتبرع أو بابراء بعض الغرماء. وبالجملة: المفلس لا يترتب الاثر على وصيته إلا إذا مات غير مفلس، فيكون حال التفليس
____________ (* 1) الوسائل باب: 12 من ابواب جواز الحلف باليمين الكاذبة حديث: 12.
===============
( 585 )
[ وصية المملوك، بناء على عدم ملكه وإن أجاز مولاه (1) بل وكذا بناء على ما هو الاقوى من ملكه (2)، لعموم أدلة الحجر وقوله (ع): لا وصية لمملوك (3)، بناء على إرادة نفي وصيته لغيره (4)، لا نفي الوصية له. نعم لو أجاز مولاه صح، على البناء المذكور. ولو أوصى بماله ثم انعتق وكان المال باقيا في ] حال الرقية، فانه لا تصح وصية الرق إلا أذا مات حرا، كما سيأتي. وعليه فلا وجه للفرق بينهما في الشرطية وعدمها. (1) لان التعليق مبطل للتصرف المعلق عليه إلا في موارد مخصوصة ومن تلك الموارد الوصية التمليكية، وتختص بمال الموصي ولا تشمل الوصية بمال غيره، كما ذكر في الجواهر. فإذا قال القائل: مال زيد لعمرو بعد وفاتي لم يصح وصية ولا غيرها وإن أجاز المالك، لما عرفت من مانعية التعليق. (2) قد تعرضنا لذلك في مباحث الاستطاعة من كتاب الحج. (3) رواه الشيخ باسناده عن الحسين بن سعيد عن علي بن حديد عن جميل بن دراج عن عبد الرحمن بن الحجاج عن أحدها (ع) (* 1). والسند صحيح لولا علي بن حديد، وإن كان الاظهر اعتبار حديثه. لكن في الجواهر: أن الخبر غير جامع لشرائط الحجية. (4) فتكون نظير الاضافة إلى الفاعل، وهو الاظهر، فانه إذا دار المضاف إليه بين كونه فاعلا ومفعولا حمل على الاول، فإذا قلت: ضرب زيد حسن، ولم تكن قرينة على إرادة الاضافة إلى المفعول حملت على كونها إضافة إلى الفاعل. هذا وكأن الاولى الاستدلال بصحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر (ع) " أنه قال في المملوك: ما دام عبدا فانه وماله لاهله، لا يجوز له تحرير
____________ (* 1) الوسائل باب: 78 من ابواب كتاب الوصايا حديث: 2.
===============
( 586 )
[ يده صحت (1)، على اشكال (2). ] ولا كثير عطاء، ولا وصية إلا أن يشاء سيده " (* 1). وبما ورد في المكاتب من أنه تصح وصيته بقدر ما أعتق منه (* 2)، فانهما أصح سندا وأوضح دلالة. وكأن المصنف (ره) لاحظ الاختصار. (1) كما قواه في الجواهر. لعموم أدلة الصحة، والحجر المانع عن الصحة يختص بزمان الرقية، فإذا زالت زال، ومجرد الوقوع في زمان الحجر لا يقتضي المنع إلى الابد، وإنما يقتضي الحجر ما دام الرق. (2) لوقوع الوصية حال الرقية. ولقوله (ع): " لا وصية لممولك " ولانها بمنزلة الوصية المعلقة على الحرية لكن عرفت أن وقوع الوصية حال الرقية والحجر لا يقتضي المنع إلى الابد، إذ لا قصور في التصرف وإنما القصور في المتصرف - كما يشير إليه قوله (ع) في صحيح محمد بن قيس: " إلا أن يشاء سيده - فإذا زال المانع ترتب الاثر. وقوله (ع): " لاو صية لمملوك " ظاهر في عدم ترتب الاثر ما دامت لمملوك، لا مطلقا وتعليق الوصية على الحرية ممنوع، وإنما المعلق حكم الشارع بالصحة والنفوذ. بل قد يقال: بأنه لو سلم فهو غير قادح، نظير قوله: إن كانت زوجتي فهي طالق. مما كان المنشأ معلقا ذاتا على الشرط. اللهم إلا أن يفرق بين الشرط الحالي المشكوك والاستقبالي، فلا يصح: إن تزوجت فزوجتي طالق، وإن صح: ان كانت زوجتي فهي طالق. اللهم إلا أن يقال: يصح التعليق في الوصية على الامر الحالي والاستقبالي " كما يصح التعليق على الموت، ضرورة صحة الوصية بأنه إذا تزوج زيد فاخلعوا عليه وإذا ولد له فاختنوا ولده، وثلثي لاولادي إذا كانوا من الاخيار، أو
____________ (* 1) الوسائل باب: 78 من ابواب كتاب الوصايا حديث: 1. (* 2) راجع الوسائل باب: 81 من ابواب كتاب الوصايا.
===============
( 587 )
[ نعم لو علقها على الحرية (1) فالاقوى صحتها. ولا يضر التعليق المفروض، كما لا يضر إذا قال: هذا لزيد إن مت في سفري. ولو أوصى بدفنه في مكان خاص لا يحتاج إلى صرف مال فالاقوى الصحة (2). وكذا ما كان من هذا القبيل. (السادس): أن لا يكون قاتل نفسه، بأن أوصى بعد ما أحدث في نفسه ما يوجب هلاكه - من جرح أو شرب سم أو نحو ذلك - فانه لا تصح وصيته، على المشهور (3) المدعى عليه ] من أهل العلم، ونحو ذلك مما كان المعلق عليه في الوصية العهدية والتمليكية أمرا آخر غير الموت، فانه لا يمكن الالتزام ببطلانها. وأما ما ذكره الماتن من المثال فهو من قبيل التعليق على الموت الذي هو داخل في مفهوم الوصية، فلا يقاس عليه المقام. (1) كان المناسب في التعبير أن يقول: ولو علقها... (2) لكنه خلاف اطلاق أدله الجحر، مثل قوله تعالى: (عبدا مملوكا لا يقدر على شئ) (* 1). وفي صحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) وأبي عبد الله (ع) قالا: " المملوك لا يجوز طلاقه ولانكاحه إلا باذن سيده. قلت: فان السيد كان زوجه بيد من الطلاق؟ قال: بيد السيد (ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شئ) أفشئ الطلاق " (* 2). (3) في المسالك: " هذا مشهور بين الاصحاب "، ونحوه في الحدائق وفي الجواهر: " بلا خلاف معتد به أجده ". بل عن الايضاح: نسبته غير مرة إلى الاصحاب مشعرا بالاجماع عليه، ولم أقف على من ادعى الاجماع صريحا.
____________ (* 1) النحل: 75. (* 2) الوسائل باب: 45 من ابواب مقدمات الطلاق وشروطه حديث: 1.
===============
( 588 )
[ الاجماع. للنص الصحيح (1)، الصريح. خلافا لابن إدريس (2) وتبعه بعض (3). والقدر المنصرف إليه الاطلاق للوصية ] (1) وهو صحيح أبي ولاد حفص بن سالم قال: " سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: من قتل نفسه متعمدا فهو في نار جهنم خالدا فيها. قلت (قيل له. خ ل): أرأيت إن كان أوصى بوصية ثم قتل نفسه من ساعته تنفذ وصيته؟ قال: فقال: إن كان أوصى قبل أن يحدث حدثا في نفسه من جراحة أو قتل أجيزت وصيته في ثلثه، وإن كان اوصى بوصية بعد ما أحدث في نفسه من جراحة أو قتل لعله يموت لم تجز وصيته " (* 1). وعلل أيضا - كما في المختلف - بدلالة الفعل على سفهه وبعدم استقرار حياته، فيكون في حكم الميت، وبأن القاتل يمنع عن الميراث لغيره فيمنع من نفسه، لان قبول وصيته نوع إرث لنفسه، لكن ضعف الجميع ظاهر، وإن أنعب نفسه في المسالك والجواهر في بيان ذلك فلاحظ. (2) قال: " الذي يقتضيه أصولنا وتشهد بصحته ادلتنا أن وصيته ماضية صحيحة إذا كان عقله ثابتا عليه "، واحتج على ذلك بأنه حي عاقل مكلف، وبالنهي عن تبديل الوصية بعد سماعها بالقرآن، وأنه لا يجوز تخصيص القرآن بخبر الواحد. (3) كالعلامة في المختلف فانه بعد ما نقل عن أبن ادريس الاحتجاج بما ذكر قال: " وقول ابن ادريس لا بأس به "، وعن الروضة: أنه حسن وفي المسالك: ان لكلام ابن ادريس وجها وجيها، وان كان الوقوف مع المشهور والعمل بالنص الصحيح أقوى. وفي القواعد " ولو قيل بالقبول مع تيقن رشده بعد الجرح كان وجها ". وفي الجواهر: " وأغرب من ذلك قوله فيها (يعني: في القواعد) وتحمل الرواية على عدم استقرار
____________ (* 1) الوسائل باب: 52 من ابواب احكام الوصايا حديث: 1.
===============
( 589 )
[ بالمال (1). وأما الوصية بما يتعلق بالتجهيز ونحوه مما لا تعلق له بالمال فالظاهر صحتها. كما أن الحكم مختص بما إذا كان فعل ذلك عمدا (2) لا سهوا أو خطأ - وبرجاء أن يموت (3) - لا لغرض آخر - وعلى وجه العصيان (4) - لا مثل الجهاد في سبيل الله - وبما لو مات من ذلك. وأما إذا عوفي ثم أوصى صحت وصيته بلا إشكال (5). وهل تصح وصيته قبل المعافاة إشكال (6) ولا يلحق التنجيز ] الحياة "، وهل من الممكن احتمال اعتبار استقرار الحياة في صحة الوصية؟ وهل هو إلا تقييد للادلة من غير مقيد؟ وكيف جاز ارتكابه ولم يجز ارتكاب تقييدها بالنص الصحيح؟. (1) الصحيح المتقدم مختص بالمال، بقرينة قوله (ع): " في ثلثه " وليس ذلك من باب انصراف الاطلاق. (2) كما قيد به في الصحيح. (3) كما قيد به في الصحيح بقوله (ع): " لعله يموت ". (4) كما يقتضيه قوله: " فهو في نار جهنم.. ". (5) كما في الجواهر. لاختصاص النص بمن قتل نفسه، فلا يشمل المقام. (6) وفى الجواهر: " لا يخلو من نظر مع فرض عدم تجدد إنشاء تمليك، ولذا لو نساها ولم يجددها لم تنفذ على الاقوى ". وفيه: أن الدليل مختص بما إذا مات بذلك السبب، فلا يشمل ما لو عوفي ثم عرضه سبب آخر فمات به وإن كان قد نسي الوصية. كيف ومورد النص من قتل نفسه، وهو غير شامل للفرض، فلا إطلاق له يشمل المقام، فلا مانع من صحة إيجاب الوصية فيه قبل أن يعافى إذا كان قد عوفي بعد ذلك
===============
( 590 )
[ بالوصية (1). هذا ولو أوصى قبل ان يحدث في نفسه ذلك ثم أحدث صحت وصيته، وإن كان حين الوصية بانيا على أن يحدث ذلك بعدها. للصحيح المتقدم (2). مضافا إلى العمومات. (مسألة 11): يصح لكل من الاب والجد للوصية بالولاية على الاطفال (3). ] وما في الجواهر من أن مقتضى إطلاق الصحيح عدم الاثر للايجاب قبل أن يعافى من العارض غير ظاهر. (1) كما استظهره في الجواهر، لعدم صدق الوصية عليه، فلا يشمله الدليل، وفي الجواهر: " اللهم إلا أن يقال: إن منع الشارع له من الوصية لعدم الثلث له، فيمنع التنجيز أبضا لذلك، بناء على أنه منه. لكن لا يخلو من نظر ". بل منع عملا باطلاق الادلة. (2) فان إطلاقه شامل للمقام. (3) نصا وفتوى، بل اجماعا بقسميه، كما في الجواهر، وفي المسالك: انه محل النص والوفاق انتهى. والمراد من النص ما ورد في جملة من ابواب الوصايا، كرواية سعد بن اسماعيل عن أبيه قال: " سألت الرضا عليه السلام عن وصي أيتام يدرك أيتامه، فيعرض عليهم أن يأخذوا الذي لهم فيأبون عليه كيف يصنع؟ قال (ع): يرد عليهم ويكرههم عليه (على ذلك. خ ل) " (* 1). ورواية محمد بن عيسى عمن رواه عن أبي عبد الله (ع): " قال في رجل مات وأوصى إلى رجل وله ابن صغير فادرك الغلام وذهب إلى الوصي وقال له رد علي مالي لاتزوج، فأبى عليه.. " (* 2). وموثقة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع): " أنه
____________ (* 1) الوسائل باب: 47 من ابواب كتاب الوصايا حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 46 من ابواب كتاب الوصايا حديث: 1.
===============
( 591 )
[ مع فقد الآخر، ولا تصح مع وجوده (1). كما لا يصح ذلك لغيرهما (2) حتى الحاكم الشرعي، ] سئل عن رجل أوصى إلى رجل بولده وبمال لهم وأذن له عنده الوصية أن يعمل بالمال وأن يكون الربح بينه وبينهم فقال: لا بأس به، من أجل أن أباه قد أذن له في ذلك وهو حي " (* 1). ونحوها غيرها. (1) قال في الشرائع: " وإذا أوصى بالنظر في مال ولده إلى أجنبي وله أب لم تصح، وكانت الولاية إلى جد اليتيم دون الوصي، وقيل: يصح ذلك في قدر الثلث مما تركه وفي أداء الحقوق "، وفي الجواهر: " بلا خلاف أجده فيه في الجملة، بل الظاهر الاجماع عليه ". ويظهر من الشرائع ذلك أيضا، حيث لم يتعرض لنقل قوله بصحة الوصية. والقول الاخر للشيخ، ولكنه خارج عن موضوع المسألة من النظر في مال ولده. اللهم إلا بناء على انتقال المال إلى الورثة وتعلق الحقوق بها. وفي الجواهر: " المتجه - بناء على ذلك - صحة الوصاية على مثل ذلك، وليس معارضا لولاية الجد ". وكيف كان فالذي يظهر منهم المفروغية عن عدم صحة الوصاية للاجنبي مع معارضتها لولاية الجد وهو مقتضى الاصل بعد قصور النصوص عن الاطلاق الشامل للصورة المذكورة. بل قد ذكرنا في (نهج الفقاهة) في مبحث الولاية الاشكال في وجود اطلاق في دليل ولاية الاب في حال حياته، فضلا عن المقام. وعليه فلا مجال للتأمل في عدم الوصية بالولاية من الاب على الولد مع وجود الجد. (2) يعني: الوصية بالولاية على الاطفال لغير الاب والجد، كالوصي والحاكم الشرعي. لعدم دليل على ولايتهما على الاطفال بعد الموت، فكيف
____________ (* 1) الوسائل باب: 92 من ابواب كتاب الوصايا حديث: 1.
===============
( 592 )
[ فانه بعد فقدهما (1) له الولاية عليهم ما دام حيا، وليس له أن يوصي بها لغيره بعد موته (2)، فيرجع الامر بعد موته ] يصح لهما جعلها لغيرهما؟. أما الوصي فولايته بجعل الموصي، والمجعول إنما هو أن يتولى مباشرة لا غير، فلا يصح له جعلها لغيره. نعم إذ كان الموصي قد أوصى إليه أن يجعل بعده لغيره جاز له ذلك حينئذ، أما إذا لم يجعل له ذلك فليس له ذلك. وأما الحاكم الشرعي فالعمدة في الدليل على ولايته مقبولة ابن حنظلة المتضمنة جعل الحاكم الشرعي حاكما، الموجبة لثبوت أحكام الحكام له، ومنها تولي الايتام وشؤونهم، ولم يثبت أن للحاكم ولاية نصب الولي بعده، فالمرجع أصالة عدم ترتب الاثر. (1) وفقد الوصي لاحدهما. بلا خلاف ولا إشكال، كما يستفاد من النصوص، كصحيح علي بن رياب، وموثق سماعة، وصحيح إسماعيل بن سعد المذكروة في أواخر أبواب الوصية من الوسائل (* 1). ويقتضيه الاصل بعد قصور دليل ولاية الحاكم عن شمول المقام. فراجع. (2) بلا خلاف ظاهر. ونص عليه في الجواهر وأطال في تقريبه والعمدة فيه ما عرفت من قصور أدلة ولاية الحاكم الشرعي عن إثبات ولايته على الوصية إلى غيره بالولاية بعد وفاته. وأما كون الولاية للصنف، فإذا فقد فرد منه كان له فرد آخر لا يقتضي ذلك، لجواز أن يكون حال الفرد الاخر مع الوصي حاله مع الموصي. وبالجملة: الولاية للصنف تقتضي أن لا تكون الولاية للفرد إلا بعمل وهو إنشاء التولى، فإذا أنشأ التولي، أحد الافراد صار هو الولي، فإذا أوصى إلى شخص كان هو الولي، وكما أنه مع تولي أحد أفراد الصنف لا يمكن تولي الفرد الاخر، كذلك مع إنشاء الوصية لبعض الاشخاص
____________ (* 1) راجع الوسائل باب: 88 من كتاب الوصايا.
===============
( 593 )
[ إلى الحاكم الاخر، فحاله حال كل من الاب والجد مع وجود الاخر. ولا ولاية في ذلك للام (1)، خلافا لابن الجنيد (2) حيث جعل لها بعد الاب إذا كانت رشيدة. وعلى ما ذكرنا فلو أوصى للاطفال واحد من أرحامهم أو غيرهم بمال، وجعل أمره إلى غير الاب والجد وغير الحاكم، لم يصح (3)، بل يكون للاب والجد مع وجود أحدهما، وللحاكم مع فقدهما. نعم لو أوصى لهم على أن يبقى بيد الوصي ثم يملكه لهم بعد بلوغهم، أو على أن يصرفه عليهم من غير أن يملكهم، يمكن أن يقال بصحته (4) وعدم رجوع أمره إلى الاب والجد أو الحاكم. ] لا يمكن تولي الفرد الاخر، لان صحة التولي موقوفة على عدم وجود الولي. (1) على المشهور شهرة عظمية، وفي الجواهر: " بلا خلاف معتد به ". للاصل بعد عدم الدليل على ولايتها. (2) حكي أنه قال: " الاب الرشيد أولى بأمر ولده الاطفال من كل أحد. وكذا الام الرشيدة بعده ". ولم يعرف له موافق كما لم يعرف له دليل. وفي المسالك وغيرها: أنه شاذ. (3) كما نص عليه في الشرائع وغيرها، لما عرفت. (4) في الجواهر " ففي تسلط الاب حينئذ إشكال، من عدم ملكيتهم للمال فلا تسلط لوليهم عليه، ومن كونه حقا لهم والولي مسلط عليه كالمال. وقد يفرق بين الاول والثاني، ولعل الاول أقوى ". بل هو الاقوى لان الوصية تكون بالولاية على مال الموصي، لا مال الطفل، وليس هناك حق للطفل كي يكون تحت ولاية وليه، لان مجرد الوصية بالتمليك له أو الصرف عليه لا يوجب حقا له، ولذلك لا يسقط بالاسقاط، فهو من الاحكام لا غير. والله سبحانه العالم العاصم الحاكم، وهو حسبنا ونعم الوكيل.