{ بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الاعتكاف وهو اللبث في المسجد بقصد العبادة (1). بل لا يبعد كفاية قصد التعبد بنفس اللبث (2)، وإن لم يضم إليه قصد عبادة أخرى خارجة عنه. لكن الاحوط الاول. ويصح في } بسم الله الرحمن الرحيم وله الحمد والمجد. والصلاة على رسوله وآله الطاهرين كتاب الاعتكاف (1) يعني: العبادة زائدة على اللبث، من ذكر، أو دعاء، أو قراءة أو غيرها. ويظهر من غير واحد: أنه لاكلام في اعتبار القيد الاخير، حيث عرفوه تارة: بأنه اللبث المتطاول للعبادة - كما في الشرائع - وأخرى: بأنه لبث مخصوص للعبادة - كما عن التذكرة، والمنتهى - وثالثة: بأنه اللبث في مسجد جامع ثلاثة أيام فصاعدا، صائما للعبادة - كما عن الدروس - ومع كثرة المناقشة في التعريفات المذكورة، من جهة عدم الطرد والعكس لم يناقشوا في اعتبار القيد المذكور، كما يظهر من مراجعة كلامهم. (2) قال في الجواهر: " المراد من قوله: (للعبادة) كون اللبث على وجه التعبد به نفسه، فلا يتوهم شموله اللبث لعبادة خارجية، كقراءة
===============
( 537 )
{ كل وقت يصح فيه الصوم (1)، وأفضل أوقاته شهر رمضان (2)، } ونحوها. بل لا يتوهم أن المعتبر في الاعتكاف قصد كون اللبث لعبادة خارجة عنه، بحيث لا يجزي الاقتصار على قصد التعبد به خاصة. ضرورة ظهور النصوص والفتاوى في مشروعيته لنفسه، من غير اعتبار ضم قصد عبادة أخرى معه. ففي خبر السكوني باسناده الى الصادق (ع) عن آبائه عن رسول الله صلى الله عليه وآله: " اعتكاف عشر في شهر رمضان يعدل حجتين وعمرتين " (* 1). لكن ظاهر ما يأتي من التذكرة اعتبار ذلك، بل جزم به شيخنا الاكبر في رسالته وكشفه. أقول: قد عرفت ما هو ظاهر الفتاوى، وحملها على ما ذكر بعيد جدا. وأما ظاهر النصوص فلم يتضح أنه كما ذكر (قده). وخبر السكوني الذي ذكره إنما ورد في مقام تشريع الاعتكاف عشرا، فلا مجال للتمسك باطلاقه. بل ظاهر صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) - في حديث -: " كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا كان العشر الاواخر اعتكف في المسجد، وضربت له قبة من شعر، وشمر الميزر، وطوى فراشه... " (* 2) اعتبار ذلك. نعم في صحيح داود بن سرحان: " كنت في المدينة في شهر رمضان فقلت لابي عبد الله (ع): أنى أريد أن اعتكف، فماذا أقول، وماذا أفرض على نفسي؟ فقال (ع): لا تخرج من المسجد إلا لحاجة لابد منها ولا تقعد تحت ظلال حتى تعود الى مجلسك " (* 3) فانه ظاهر في بيان تمام ماهيته، وخال عن ذكر العبادة. فلاحظ. (1) بلا إشكال ظاهر، ولا خلاف. (2) كأنه لخبر السكوني المتقدم. ولخبر أبي العباس عن أبي عبد الله (ع)
____________ (* 1) الوسائل باب: 1 من ابواب الاعتكاف حديث: 3. (* 2) الوسائل باب: 1 من أبواب الاعتكاف حديث: 1. (* 3) الوسائل باب: 7 من أبواب الاعتكاف حديث: 3.
===============
( 538 )
{ وأفضله العشر الاواخر منه (1). وينقسم إلى واجب، ومندوب. والواجب منه ما وجب بنذر، أو عهد، أو يمين، أو شرط في ضمن عقد، أو إجارة، أو نحو ذلك، وإلا ففي أصل الشرع مستحب (2). ويجوز الاتيان به عن نفسه، وعن غيره الميت. وفي جوازه نيابة عن الحي قولان (3)، لا يبعد ذلك، بل هو الاقوى. ولا يضر اشتراط الصوم فيه فانه تبعي، فهو كالصلاة في الطواف الذي يجوز فيه النيابة عن الحي. ويشترط في صحته أمور: } قال: " اعتكف رسول الله صلى الله عليه وآله في شهر رمضان في العشر الاول، ثم اعتكف في الثانية في العشر الوسطى، ثم اعتكف في الثالثة في العشر الاواخر ثم لم يزل صلى الله عليه وآله يعتكف في العشر الاواخر " (* 1) فتأمل. (1) لما يظهر من مواضبة النبي صلى الله عليه وآله عليه، بل حكاية ذلك في كلام المعصوم دليل على الافضلية. (2) إجماعا، ادعاه جماعة كثيرة. بل في الجواهر: الاجماع من المسلمين عليه. (3) أحدهما: المنع، كما في رسالة كاشف الغطاء، حيث قال فيها: " تجوز نيته عن الميت والاموات، دون الاحياء ". وثانيهما: الجواز، كما قواه في الجواهر. قال: " ولا يقدح ما فيه من النيابة في الصوم، كالصلاة في الطواف، ونحوها ". أقول: إن كان عموم يقتضي جواز النيابة عن الاحياء فلا حاجة الى التعليل بالتبعية، إذ الصوم كالاعتكاف تجوز فيهما النيابة في عرض واحد
____________ (* 1) الوسائل باب: 1 من أبواب الاعتكاف حديث: 4.
===============
( 539 )
{ الاول: الايمان (1)، فلا يصح من غيره. الثاني: العقل (2)، فلا يصح من الجنون - ولو أدوارا في دوره - ولا من السكران وغيره من فاقدي العقل. الثالث: نية القربة (3)، كما في غيره من العبادات. والتعيين إذا تعدد (4) ولو إجمالا. ولا يعتبر فيه قصد الوجه، } وإن لم يكن عموم كذلك، فأصالة عدم مشروعية كافية في المنع ولو لم يكن فيه صوم. مع أن قياس صوم الاعتكاف بصلاة الطواف لا يخلو من إشكال، لان الصلاة لابد من الاتيان بها بعنوان كونها مضافة الى الطواف ولا كذلك صوم الاعتكاف، إذ يكفي فيه الصوم ولو بعنوان كونه صوم شهر رمضان. فتأمل. ولاجل أن الظاهر ثبوت العموم الدال على مشروعية النيابة عن الحي - كروايتي محمد بن مروان وعلي بن حمزة، المذكورتين في باب قضاء الصلوات عن الاموات من الوسائل (* 1) - كان البناء على مشروعية النيابة فيه قوي. (1) لان الاعتكاف من العبادات إجماعا، وهي لا تصح من غير المؤمن للاجماع والنصوص، كما سبق. مضافا إلى ما في الجواهر: من كون اللبث في المسجد حرام على الكافر، والحرمة مانعة من صحة التعبد، ولافرق في في ذلك بين الابتداء والاستدامة. فما عن المبسوط - من أنه لا يبطل الاعتكاف بالارتداد في الاثناء - في غير محله. (2) إذ لاقصد بدونه، والقصد من ضروريات العبادة. (3) للاجماع على كونه عبادة. (4) قد عرفت في مبحث قضاء الصوم: أن إمكان التعيين فرع التعين،
____________ (* 1) الوسائل باب: 12 من أبواب قضاء الصلوات حديث: 1، 9.
===============
( 540 )
{ كما في غيره من العبادات (1). وإن أراد أن ينوي الوجه، ففي الواجب منه ينوي الوجوب (2)، وفي المندوب الندب. ولا يقدح في ذلك كون اليوم الثالث - الذي هو جزء منه - } فالامور المتعددة إذا كانت متميزة بمميزات داخلة أو خارجة أمكن فيها التعيين، فيجب إذا كانت عبادة، كما سبق في كتب الصلاة. أما إذا لم لم تكن متميزة بمميزات كذلك، بل كانت من قبيل أفراد حقيقة واحدة، كما إذا وجب صوم أيام، فان كل واحد من الايام لما لم يكن متميزا عن الآخر بمميزات داخلية ولا خارجية لم يكن التعيين، فضلا عن أن يجب وأفراد الاعتكاف من هذا القبيل. نعم إذا كان واحد منها منذورا، والآخر مستأجرا عليه، فلابد من قصد الوفاء بالنذر، أو قصد النيابة، لان عنوان الوفاء بالنذر، وعنوان النيابة من العناوين القصدية، التي لا يمكن أن تتحقق بدون القصد. لكن ذلك أمر آخر ليس تعيينا في الاعتكاف. ولذا لو نذر: إن شفي مريضه اعتكف، وإن رزقه الله ولدا اعتكف، فشفي مريضه ورزق ولدا وجب عليه الاعتكافان، ويصح الاتيان بهما بلا تعيين، بل يكفي مجرد قصد الوفاء بالنذر لاغير. فلاحظ. (1) على ما تقدم في الوضوء. (2) قد تقدم في المتن: أن مشروعية الاعتكاف إنما هي على وجه الندب، وأن وجوبه إنما يكون بالعرض بنذر، أو عهد، أو يمين أو شرط أو اجارة أو نحوها. ولاجل أن موضوع هذه العناوين هو الاعتكاف العبادي المشروع عبادة في الشريعة المقدسة، وعباديته إنما هي بتوسط الامر الندبي وإلا فالامر الوجوبي ليس عباديا، أمكن حينئذ أن يتحقق الوفاء بأحد العناوين المذكورة بقصد ذلك الامر الندبي، بل لعل ذلك هو المتعين، لانه
===============
( 541 )
{ واجبا، لانه من أحكامه (1). فهو نظير النافلة إذا قلنا بوجوبها بعد الشروع فيها. ولكن الاولى ملاحظة ذلك حين الشروع فيه، بل تجديد نية الوجوب في اليوم الثالث (2). ووقت النية قبل الفجر. وفي كفاية النية في أول الليل - كما في } بذلك يكون وفاء. اللهم إلا أن يكون المقصود للناذر ونحوه خصوص الحصة الملازمة للتقرب، نظير ما يذكر في مبحث أخذ نية القربة في موضوع الامر، فيمكن حينئذ أن يتقرب بالامر الوجوبي. كما يمكن بالامر الندبي الاولي فوجهه الندب، وإن تقرب بالامر الوجوبي الثانوي فوجهه الوجوب، وإن تقرب بهما - بناء على إمكان التقرب بنحو داعي الداعي، بحيث يتقرب بكل من الامر الداعي والمدعو إليه - قصد الوجهين معا. وإن كان المراد به الوجه الذي يكون عليه الفعل فعلا، فلابد من قصد الوجوب وإن تقرب بالامر الندبي. فتأمل جيدا. (1) كذا علله في الجواهر. أقول: الذي يستفاد من الادلة في المقام أن في الاعتكاف مصلحتين، إحداهما غير ملزمة قائمة بتمام الثلاثة أيام ومجموعها وثانيتهما ملزمة قائمة باليوم الثالث منوطة بتحقق اليومين الاولين، فاليوم الثالث واجد لمصلحتين، إحداهما ضمنية غير ملزمة، والثانية استقلالية ملزمة. فالوجه الذي يقصد إن كان هو الحال الذي يكون عليه الفعل فعلا بأي لحاظ كان، فوجه اليوم الثالث الوجوب لاغير. وان كان الحال الذي يكون عليه الامر الذي يتحرك من قبله فوجه الامر الندب في الجميع قبل تمام اليومين، وبعده يمكن أن يكون الندب ويمكن أن يكون الوجوب، ويمكن أن يكون مجموعهما. كل ذلك تابع لقصده في فعل اليوم الثالث. فلاحظ (2) لاجل تحصيل المقارنة بين الاخطار والفعل.
===============
( 542 )
{ صوم شهر رمضان - إشكال (1). نعم لو كان الشروع فيه في أول الليل (2) أو في أثنائه نوى في ذلك الوقت. ولو نوى الوجوب في المندوب، أو الندب في الواجب اشتباها لم يضر إلا إذا كان على وجه التقييد (3)، لا الاشتباه في التطبيق. الرابع: الصوم، فلا يصح بدونه (4). وعلى هذا فلا } (1) لان الاصل اعتبار مقارنة النية للعبادة. وجواز التقديم في أول الليل في الصوم - للاجماع، أو النبوي، أو لكون عباديته على نحو خاص لا كسائر العبادات، كما سبق - لا يقتضي القول به هنا، لان المكث في المسجد يجب أن يقع على وجه العبادة، فلابد من مقارنته للنية. وفيه: أنه بناء على التحقيق من كون النية بمعنى الداعي لا مجال للاشكال في جواز التقديم، ضرورة أن التقديم لا ينافي وقوعه عن ذلك الداعي الارتكازي نعم الظاهر أن مفروض المتن مالو نام أو غفل بنحو ذهب الداعي بالمرة فطلع عليه الفجر وهو في المسجد. ووجه الاشكال حينئذ: ما ذكرنا من عدم كون حدوث اللبث عن داعي الاعتكاف العبادي، ومن أن النوم في الاثناء لا يضر، فكذا في الابتداء. والاقرب الصحة، لعدم ثبوت كونه عبادة بأكثر من ذلك. نعم قد يشكل الامر فيما لو نام في بيته ناويا المجئ إلى المسجد عند الفجر واللبث فيه معتكفا، ثم اتفق أنه جيئ به إلى المسجد وهو نائم حتى طلع الفجر. (2) يعني: نوى كون اللبث في أول الليل اعتكافا، فانه لا مجال للاشكال فيه، لتحقق المقارنة. (3) كما تقدم نظيره مرارا. (4) بلا خلاف أجده فيه بيننا، بل الاجماع بقسميه عليه، كذا في
===============
( 543 )
{ يصح وقوعه من المسافر في غير المواضع التي يجوز له الصوم (1) ولا من الحائض والنفساء، ولا في العيدين، بل لو دخل فيه قبل العيد بيومين لم يصح وان كان غافلا حين الدخول. نعم لو نوى اعتكاف زمان يكون اليوم الرابع أو الخامس منه العيد فان كان على وجه التقييد بالتتابع لم يصح، وإن كان على وجه الاطلاق لا يبعد صحته، فيكون العيد فاصلا بين أيام الاعتكاف (2). } الجواهر. ويشهد له صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (ع): " أنه قال لااعتكاف إلا بصوم " (* 1) وفي صحيحه الآخر عنه (ع): " وتصوم مادمت معتكفا " (* 2)، ونحوهما وغيرهما. (1) وعن ابن بابويه والشيخ وابن ادريس: جوازه. لاطلاق مادل على مشروعيته، المقتضي لمشروعية ما يتوقف عليه. وفيه: أن الاطلاق بعدما كان مقيدا بالصوم يكون مقيدا بكل ما يكون قيدا للصوم، لان المقيد للمقيد مقيد، فلا يصلح لمعارضة مادل على تقييد الصوم بالحضر، فضلا عن أن يقدم عليه، كما يظهر ملاحظة النظائر، مثل: " لاصلاة إلا بطهور " بالاضافة إلى مادل على عدم مشروعية الوضوء بماء الورد، أو بالماء المضاف بل لازم كلامهم صحة الاعتكاف يوم العيد إذا أراد أن يعتكف فيه بعين التقريب المتقدم في السفر. (2) بعد الفصل بالعيد لا يكون المجموع اعتكافا واحدا، لاعتبار التوالي فيه. فالمتعين البناء على كون ما بعد العيد اعتكافا آخر، فيعتبر فيه أن يكون ثلاثة أيام لاأقل، إذ لا يكون أقل من ثلاثة أيام، كما سيأتي.
____________ (* 1) الوسائل باب: 2 من أبواب الاعتكاف حديث: 3. (* 2) الوسائل باب: 2 من ابواب الاعتكاف حديث: 1.
===============
( 544 )
{ الخامس: أن لا يكون أقل من ثلاثة أيام (1)، فلو نواه كذلك بطل. وأما الازيد فلا بأس به وان كان الزائد يوما، أو بعض يوم، أو ليلة، أو بعضها (2). ولا حد لاكثره (3). نعم لو اعتكف خمسة أيام وجب السادس (4). } (1) بلا خلاف أجده فيه بيننا، بل الاجماع بقسميه عليه، كذا في الجواهر. ويشهد له موثق عمر بن يزيد: " لا يكون الاعتكاف أقل من ثلاثة أيام " (* 1) ونحوه خبر أبي بصير (* 2) وقريب منهما غيرهما. (2) قد يشهد له موثق أبي عبيدة عن أبي جعفر (ع) - في حديث - قال: " من اعتكف ثلاثة أيام فهو يوم الرابع بالخيار، إن شاء زاد ثلاثة أيام أخر، وإن شاء خرج من المسجد، فان أقام يومين بعد الثلاثة فلا يخرج من المسجد حتى يتم ثلاثة أيام أخر " (* 3). فان مفهوم ذيله يقتضي جواز الخروج وإن كان بعض يوم، أو بعض ليلة - بناء على ما يأتي من تبعية الليل لليوم - ومدلوله الالتزامي جواز زيادة البعض المذكور. فما عن بغية كاشف الغطاء: من الميل الى العدم ضعيف. (3) كأنه لا خلاف فيه، وقد أرسله غير واحد إرسال المسلمات من دون ذكر خلاف في ذلك. وقد يقتضي بعض النصوص المتعرضة للتحديد من طرف الاقل، من دون تعرض للاكثر. (4) كما لعله المشهور. ويشهد له موثق أبي عبيدة السابق. ويأتي في المسألة الخامسة ما له نفع في المقام.
____________ (* 1) الوسائل باب: 4 من أبواب الاعتكاف حديث: 5. (* 2) الوسائل باب: 4 من أبواب الاعتكاف حديث: 2. (* 3) الوسائل باب: 4 من أبواب الاعتكاف حديث: 3.
===============
( 545 )
{ بل ذكر بعضهم أنه كلما زاد يومين وجب الثالث (1)، فلو اعتكف ثمانية أيام وجب اليوم التاسع - وهكذا - وفيه تأمل. واليوم من طلوع الفجر (2) إلى غروب الحمرة المشرقية، فلا يشترط إدخال الليلة الاولى (3)، ولا الرابعة (4) وإن جاز ذلك، كما عرفت. ويدخل فيه الليلتان المتوسطتان (5). وفي } (1) بل عن المسالك والمدارك: عدم القول بالفصل بين السادس وكل ثالث، وفي الجواهر: قد يظهر من الموثق ذلك. ولكنه غير ظاهر، ولذلك تأمل فيه المصنف (ره). (2) كما هو الظاهر منه لغة وعرفا. (3) كما لعله المشهور. وعن العلامة والشهيد الثاني: دخولها. لان اليوم يستعمل في المركب منها ومن النهار. ولدخولها في اليومين الاخيرين. وفيه: أن الاستعمال أعم. ودخولها في الاخيرين، بقرينة ظهور الادلة في الاستمرار، يمنع من صحة القياس. (4) عن المدارك: أنه حكي عن بعض الاصحاب احتمال دخولها، وقال بعد نقله: " وهو بعيد جدا، بل مقطوع بفساده ". وفي خبر عمر ابن يزيد: " قلت لابي عبد الله (ع): إن المغيرية يحكمون أن هذا اليوم لليلة المستقبلة. فقال (ع): كذبوا هذا اليوم لليلة الماضية. إن أهل بطن نخلة إذا رأوا الهلال قالوا: قد دخل شهر الحرام " (* 1). وبطن نخلة بين مكة والطائف. (5) كما هو المشهور شهرة عظيمة. وعن الخلاف: عدم الدخول لخروجهما عن اليومين. ذكر ذلك فيمن نذر اعتكاف ثلاثة أيام. وفيه: أنه وان كان كذلك إلا أن المنصرف إلى الذهن في الامور القابلة للاستمرار
____________ (* 1) الوسائل باب: 8 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 7.
===============
( 546 )
{ كفاية الثلاثة التلفيقية إشكال (1). السادس: أن يكون في المسجد الجامع (2)، فلا يكفي } هو الدخول، كما في إقامة العشرة، وخروج الدم، كما تقدمت الاشارة إليه مرارا. (1) ينشأ: من البناء عليه في الامور المستمرة، لظهور الكلام فيه عرفا، مثل أقل الحيض، واكثره، وأكثر النفاس، وإقامة العشرة، ومدة الاستبراء، والعدة، ومدة الخيار، وغير ذلك. ومن أن مقتضى الجمود على ما تحت الكلام هو العدم. وثبوت ذلك في الموارد المذكورة - لظهور الكلام في إرادة التقدير - لا يقتضي الثبوت هنا، لاحتمال اعتبار خصوصية مابين المبدأ والمنتهى - أعني: مابين طلوع الفجر وغروب الشمس - من دون ثبوت ما يقتضي رفع اليد عن الظاهر. ولاسيما بملاحظة مادل على اعتبار الصوم، فان المناسب إرادة أيام الصوم. فتأمل. (2) كما عن المفيد، والمحقق في المعتبر، والشهيدين، وسيد المدارك وكثير من المتأخرين. ويشهد له صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (ع): " قال: لا اعتكاف إلا بصوم في مسجد الجامع " (* 1)، وخبر علي بن غراب عن أبي عبد الله (ع) عن أبيه (ع): " قال: المعتكف يعتكف في المسجد الجامع " (* 2)، وخبر داود بن سرحان عنه (ع): " إن عليا (ع) كان يقول: لا أرى الاعتكاف إلا في المسجد الحرام، ومسجد الرسول أو مسجد جامع " (* 3) وموثق داود بن حصين - المروي في المعتبر، والمنتهى - عن أبي عبد الله (ع): " لااعتكاف إلا بصوم وفي المصر الذي أنت فيه " (* 4).
____________ (* 1) الوسائل باب: 3 من أبواب الاعتكاف حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 3 من أبواب الاعتكاف حديث: 4. (* 3) الوسائل باب: 3 من أبواب الاعتكاف حديث: 10. (* 4) الوسائل باب: 3 من أبواب الاعتكاف حديث: 11.
===============
( 547 )
وعن الشيخ، والمرتضى، والحلبي، والحلي، وغيرهم: التخصيص بأحد المساجد الاربعة: مسجد الحرام، ومسجد النبي صلى الله عليه وآله، ومسجد الكوفة، ومسجد البصرة، بل عن الخلاف، والتبيان، والانتصار، والغنية وغيرها: الاجماع عليه. وعن علي بن بابويه، إبدال مسجد البصرة بمسجد المدائن. وعن ولده: ضمه إلى الاربعة. واستدل له بخبر عمر بن يزيد: " قلت لابي عبد الله (ع): ما تقول في الاعتكاف ببغداد في بعض مساجدها؟ قال (ع): لا اعتكاف إلا في مسجد جماعة، قد صلى فيه إمام عدل بصلاة جماعة. ولا بأس أن يعتكف في مسجد الكوفة، والبصرة، ومسجد المدينة، ومسجد مكة " (* 1). بناء على أن المراد بامام عدل الامام الاصلي. ومرسلة المقنعة: " روي: أنه لا يكون إلا في مسجد جمع فيه نبي، أو وصي نبي، وهي أربعة مساجد: مسجد الحرام، ومسجد المدينة، جمع فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمير المؤمنين (ع)، ومسجد الكوفة، ومسجد البصرة جمع فيهما أمير المؤمنين (ع) (* 2). لكن المرسل ضعيف، ولم يثبت انجباره، بل حكاية القول الاول عن مرسلة توهنه. وكون المراد بامام عدل الامام الاصلي غير ظاهر، ولا قرينة عليه. مع أنه لو كان المراد منه ذلك لم يحسن قوله (ع): " ولا بأس أن يعتكف... "، لان مورده من جملة الافراد، بل من أظهرها. فالمرسل المذكور لا مجال للعمل به لو صح سنده. فالاولى أن يقال في وجه الجمع بين النصوص: إنها طوائف: منها: ما تضمن اعتبار الجامع وإن لم تنعقد به جماعة، كما سبق. ومنها: ما تضمن اعتبار كونه مما تنعقد به الجماعة وإن لم يكن جامعا، كمصحح الحلبي عن
____________ (* 1) الوسائل باب: 3 من أبواب الاعتكاف حديث: 8. (* 2) الوسائل باب: 3 من ابواب الاعتكاف حديث: 12.
===============
( 548 )
أبي عبد الله (ع) قال: " سئل عن الاعتكاف. قال: لا يصلح الاعتكاف إلا في المسجد الحرام، أو مسجد الرسول صلى الله عليه وآله، أو مسجد الكوفة، أو مسجد جماعة " (* 1)، وموثق عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع): " قال: لا يصلح العكوف في غيرها (يعني: مكة) إلا أن يكون في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله، أو مسجد من مساجد الجماعة " (* 2) وخبر يحيى بن العلاء الرازي عن أبي عبد الله (ع): " لا يكون اعتكاف إلا في مسجد جماعة " (* 3). ومنها: ما جمع الامرين، كخبر أبي الصباح عن أبي عبد الله (ع) - في حديث -:... " إن عليا (ع) كان يقول: لاأرى الاعتكاف إلا في المسجد الحرام، أو في مسجد الرسول، أو في مسجد جامع جماعة " (* 4). فيحمل مادل على اعتبار الجامع على إرادة جامع الجماعة، جمعا بين الطوائف المذكورة، ويكون المراد من قوله (ع) في خبر ابن يزيد: " قد صلى فيه إمام عدل " تفسير الجماعة بالجماعة الصحيحة، لا مطلق الجماعة التي تنعقد في غالب مساجد بغداد في ذلك الزمان. ويكون المقصود من قوله (ع) فيه: " ولا بأس أن يعتكف " أن هذه المساجد لها خصوصية تقتضي صحة الاعتكاف فيها ولو لم تنعقد فيها الجماعة. ويكون المتحصل من جميعها: جواز الاعتكاف في المساجد الاربعة وإن لم تنعقد فيها جماعة، وكل مسجد تنعقد به الجماعة الصحيحة. نعم ربما يكون لخبر داود بن الحصين المتقدم ظهور في اعتبار كون المسجد مسجد البلد. الهم إلا أن يحمل على إرادة مسجد بعينه كانت
____________ (* 1) الوسائل باب: 3 من ابواب الاعتكاف حديث: 7. (* 2) الوسائل باب: 3 من أبواب الاعتكاف حديث: 3. (* 3) الوسائل باب: 3 من أبواب الاعتكاف حديث: 6. (* 4) الوسائل باب: 3 من أبواب الاعتكاف حديث: 5.
===============
( 549 )
{ في غير المسجد، ولا في مسجد القبيلة والسوق. ولو تعدد الجامع تخير بينها (1)، ولكن الاحوط مع الامكان كونه في أحد المساجد الاربعة (2): مسجد الحرام، ومسجد النبي صلى الله عليه وآله ومسجد الكوفة، ومسجد البصرة. السابع: إذن السيد بالنسبة إلى مملوكه (3)، سواء كان قنا، أو مدبرا، أو أم ولد، أو مكاتبا لم يتحرر منه شئ (4) ولم يكن اعتكافه اكتسابا. وأما إذا كان اكتسابا فلا مانع } تنعقد به الجماعة الصحيحة، أو خصوص مسجد الكوفة، بقرينة كونه كوفيا أسديا ولو لم يتم ذلك تعين تقييد غيره به، كتقييده بغيره، جمعا بين المطلق والمقيد. فيتعين اعتبار كونه مسجد البلد، وكونه مما تنعقد به الجماعة الصحيحة إذا لم يكن أحد المساجد الاربعة، وإلا جاز الاعتكاف به على كل حال. وإجماع الخلاف والتبيان، والانتصار، والغنية، وغيرها، المحكي على اعتبار كونه في أحد المساجد الاربعة لا مجال للاعتماد عليه، مع تحقق الخلاف ووضوحه. والله سبحانه أعلم (1) للاطلاق. (2) خروجا عن شبهة الخلاف المتقدم. أما مع عدم الامكان فالاحوط الاتيان به في غيرها برجاء المطلوبية. (3) بلا خلاف أجده فيه، كما في الجواهر. وعن المسالك والمدارك: نفي الاشكال فيه، وعن الحدائق: نفي الاشكال والخلاف فيه. وينبغي أن يكون كذلك، لان العبد مملوك لمولاه، فتصرفه في نفسه يتوقف على الاذن من المالك. (4) للاشتراك في الملكية.
===============
( 550 )
{ منه (1). كما أنه إذا كان مبعضا فيجوز منه في نوبته إذا هاياه مولاه من دون إذن (2)، بل مع المنع منه أيضا. وكذا يعتبر إذن المستأجر بالنسبة إلى أجيره الخاص (3)، وإذن الزوج بالنسبة إلى الزوجة إذا كان منافيا لحقه (4)، وإذن الوالد، } (1) لتحقق الاذن بالكتابة. (2) عملا بالمهاياة. (3) كما عن الدروس. وهو ظاهر إذا كان قد استأجره بنحو ملك عليه منفعة الاعتكاف. أما إذا لم يكن كذلك فالمنع عنه بدون إذن المستأجر يتوقف على القول بأن الامر بالشئ يقتضي النهي عن ضده. وأوضح منه مالو لم يكن منافيا للعمل المستأجر عليه، كما إذا استؤجر على عمارة المسجد، أو حفر بئر فيه، أو خياطة فرشه في أيام معينة، فانه لا ينبغي التأمل في عدم الحاجة فيه إلى الاذن من المستأجر. (4) بل قد يشكل الحكم في المنافي أيضا، بناء على عدم. اقتضاء الامر بالشهئ النهي عن ضده. نعم ورد في النصوص: أنه لا يجوز للمرأة أن تخرج من بيت زوجها بغير إذنه (* 1). والمراد منه حرمة المكث في خارج البيت مع عدم الاذن، فإذا كان الاعتكاف كذلك حرم، فلا يصح عبادة فلو كان مقيما معها في المسجد، أو كان قد أذن لها في الخروج إلى المسجد لكن نهاها عن عنوان الاعتكاف، فالبطلان حينئذ غير ظاهر. إلا أن يرجع إلى تقييد الاذن بغير الاعتكاف. كما أنه لو كان صومها مندوبا، وقلنا بتوقفه على إذن الزوج - كما دل عليه الصحيح (* 2)، وادعي عليه الاجماع - بطل من دون إذن الزوج، فيبطل الاعتكاف الموقوف عليه.
____________ (* 1) لاحظ الوسائل باب: 79، 80 وغيرهما من أبواب مقدمات النكاح. (* 2) الوسائل باب: 8 من أبواب الصوم المحرم والمكروه.
===============
( 551 )
{ أو الوالدة بالنسبة إلى ولدهما، إذا كان مستلزما لايذائهما (1). وأما مع عدم المنافاة، وعدم الايذاء فلا يعتبر إذنهم، وإن كان أحوط، خصوصا بالنسبة إلى الزوج والوالد. الثامن: استدامة اللبث في المسجد، فلو خرج عمدا } أما لو كان صومها واجبا، أو أذن لها فيه ونهاها عن الاعتكاف، فالبطلان أيضا غير ظاهر. ثم إن هذا كله في حدوث الاعتكاف في اليومين الاولين منه، أما اليوم الثالث فلا يقدح نهي الزوج عن الاعتكاف فيه إذا كان قبل النهي مشروعا لها، لانه واجب ولا أثر لنهي الزوج عن فعل الواجب. لكن الفرض خارج عن مورد المتن. (1) لا إشكال ظاهرا في حرمة إيذائهما بالمخالفة للامر أو النهي الصادرين من أحدهما بداعي العطف والشفقة. وكأنه القدر المتيقن من وجوب إطاعة الوالدين. وحينئذ فإذا نهى أحدهما الولد عن الاعتكاف بداعي الشفقة، أو عن الصوم كذلك بطل، وإلا فالدليل على البطلان مع عدم الاذن غير ظاهر. ولو سلم حرمة إيذائهما مطلقا اختص بما لو كان الصوم أو الاعتكاف عن اطلاعهما، إذ لا أذى مع عدمه ضرورة. (2) باتفاق العلماء - كما عن المعتبر - وإجماعهم - كما عن التذكرة، والمدارك، والحدائق - وفي الجواهر: الاجماع بقسميه عليه. ويدل عليه. - مضافا إلى ذلك - جملة من النصوص، كصحيح داود بن سرحان: " كنت بالمدينة في شهر رمضان، فقلت لابي عبد الله (ع): إني أريد أن أعتكف فماذا أقول، وماذا أفرض على نفسي؟ فقال (ع) لا يخرج من المسجد إلا لحاجة لابد منها " (* 1)، وموثق ابن سنان: " ولا يخرج
____________ (* 1) الوسائل باب: 7 من ابواب الاعتكاف حديث: 3.
===============
( 552 )
{ اختيارا لغير الاسباب المبيحة بطل، من غير فرق بين العالم بالحكم والجاهل به (1). وأما لو خرج ناسيا أو مكرها فلا يبطل (2). } المعتكف من المسجد إلا في حاجة " (* 1). وقريب منهما غيرهما. (1) كما في الجواهر مرسلا له إرسال المسلمات. وكأنه لاطلاق الادلة. نعم قد يشكل في الجاهل القاصر، بناء على صلاحية حديث: (رفع مالا يعلمون) (* 2) لاثبات الصحة. لكن المبنى ضعيف، لان الحديث الشريف رافع، لامثبت، فلا يصلح لاثبات صحة الباقي. وأما ما قيل: من أن الجمع بينه وبين دليل وجوب الباقي يقتضي ذلك. ففيه: أن الحديث المذكور ليس في مرتبة الادلة الواقعية، كي تلحظ النسبة بينها، لان المفروض كونه حكما ظاهريا، وهو في غير مرتبة الواقع وإلا لزم انتفاء الشك بالواقع، وهو خلف. ولا تصح مقايسة المقام بما لو قام دليل على نفي جزئية المشكوك، فانه يدل على صحة الباقي، مع أنه كحديث الرفع رافع في مقام الشك، وذلك للفرق بين المقامين، لان الدليل مثبته حجة، فهو يصلح للاثبات، وهذا الاصل مثبته ليس بحجة. وإن شئت قلت: بعد ماكان المفروض أن الوجوب على تقديره ارتباطي، فهو كما يتلازم في مقام الثبوت والسقوط واقعا، كذلك يتلازم في مقام السقوط والثبوت ظاهرا، فرفعه في مقام الظاهر بالنسبة إلى المجهول رفع بالنسبة إلى غيره، وإلا كان خلفا. ومن ذلك يظهر أنه لا مجال للتمسك بحديث الرفع لنفي شرطية أو جزئية مشكوك الشرطية أو الجزئية في العقود والايقاعات. (2) أما الوأل فلاخلاف فيه - كما في الجواهر - مستدلا له بالاصل
____________ (* 1) الوسائل باب: 7 من أبواب الاعتكاف حديث: 5. (* 2) أو سائل باب: 56 من أبواب جهاد النفس.
===============
( 553 )
وحديث رفع التسعة، وانصراف مادل على الشرطية إلى غيره، ولو لاشتماله على النهي المتوجه إلى غيره. وفيه: أن الاصل لا مجال له مع إطلاق الادلة. وحديث الرفع قد عرفت أنه لا يصلح لاثبات صحة الناقص بعد ماكان التكليف إرتباطيا، وأن الحديث ناف لامثبت. والانصراف الذي ادعاه ممنوع. وعدم صحة توجيه الخطاب إليه لايمنع عن ثبوته في الجملة الكافي في تحقق البطلان. ولافرق في ذلك بين ناسي الحكم، وناسي الاعتكاف، وناسي كون حد المسجد ما تجاوز عنه. ودعوى: أنه لا يبعد شمول الحديث له بملاحظة صحيح البزنطي عن أبي الحسن (ع): " في الرجل يستكره على اليمين، فيحلف بالطلاق والعتاق وصدقة ما يملك، أيلزمه ذلك؟ فقال (ع): لا. قال رسول الله صلى الله عليه وآله: وضع عن أمتي ما أكرهوا عليه، وما لم يطيقوا، وما أخطأوا " (* 1). فان النسيان وإن لم يكن أحد الثلاثة، إلا أن الظاهر أن المراد بحديث رفع التسعة هو المراد بالحديث المذكور، وحينئذ يدل الصحيح على أن المراد بحديث رفع عموم الرفع للتكليف والوضع، فيدل على عدم سببية المنسي وعلى عدم شرطيته أو جزئيته إذا كان المنسي سببا أو شرطا أو جزءا، وعلى عدم مانعيته أو قاطعيته إذا كان مانعا أو قاطعا، فإذا دل على عدم قاطعية الخروج فقد دل على الصحة، لان البطلان إنما حصل من القاطعية وهي منتفية. مندفعة: بأن القاطعية إنما تكون منتزعة من الامر بالمقيد بعدم القاطع فرفعها إنما يكون برفع الامر بالمقيد، وذلك لا يقتضي ثبوت الامر بذات المقيد مطلقا، كي يصح حتى مع وجود القاطع. وكذا حال بقية الاحكام
____________ (* 1) الوسائل باب: 12 من ابواب الايمان حديث: 8.
===============
( 554 )
{ وكذا لو خرج لضرورة (1) عقلا، أو شرعا، أو عادة، كقضاء الحاجة - من بول أو غائط - أو للاغتسال من الجنابة } الوضعية، فان شرطية القبض لبيع الصرف منتزعة من جعل الاثر للعقد الواقع معه القبض، فإذا فات القبض عن إكراه فحديث الرفع إنما يقتضي رفع الاثر عن المقيد، لاأنه يقتضي ثبوته للمطلق. ولذا لم يكن بناء الاصحاب على صحة العقود أو الايقاعات عند فوات ما يعتبر فيها إذا كان فواته نسيانا أو إكراها أو اضطرارا. فلاحظ. وبالجملة: إنتفاء أثر الفعل الصادر نسيانا لا يقتضي ترتب الاثر على الاعتكاف الناقص، ومقتضى إطلاق الدليل القادحية العدم. وأما الثاني فجعله في الشرائع بحكم الطائع في قدح خروجه، لاطلاق الادلة. وعن التذكرة: العدم، إلا مع طول الزمان. واستدل له في الجواهر: بظهور أدلة المنع في غيره. خصوصا بملاحظة مادل على الرخصة في الخروج للحاجة ونحوهما مما هو أسهل بمراتب من الاكراه. لكن عرفت الاشكال في الاول. وأما الثاني فغير بعيد، بل قد يقال: بأن دفع الضرر المتوعد عليه المكره من أعظم الحوائج وأهمها، فيشمله مادل على جواز الخروج للحاجة. وعن المدارك: الاستدلال له بالاصل، وحديث رفع الاكراه، وعدم توجه النهي إلى هذ الفعل. لكن الاول لا يعارض الدليل. والحديث قد عرفت حاله. وعدم توجه النهي لا يقتضي الصحة، كما هو ظاهر. نعم ربما يستفاد مما يأتي في الخروج لضرورة أو حاجة. (1) المذكور في صحيح الحلبي وابن سرحان: " لا ينبغي للمعتكف أن يخرج من المسجد إلا لحاجة لابد منها " (* 1)، وقد تقدم ما في صحيح ابن
____________ (* 1) الوسائل باب: 7 من ابواب الاعتكاف حديث: 2، 1.
===============
( 555 )
{ أو الاستحاضة ونحو ذلك. ولا يجب الاغتسال في المسجد وإن أمكن من دون تلويث، وإن كان أحوط (1). والمدار على } سرحان الآخر (* 1) وفي موثق ابن سنان: " ولا يخرج المعتكلف من المسجد إلا في حاجة " (* 2) ومقتضى وجوب حمل المطلق على المقيد اعتبار لزوم الحاجة. نعم في صحيح الحلبي جواز الخروج للجنازة، وعيادة المرضى، ومثله في الاول صحيح ابن سنان (* 3) والتعدي عنهما الى كل راجح شرعا غير ظاهر، وان كان هو ظاهر بعض الاعاظم، بل لعله ظاهر الاكثر حيث جوزوا الخروج لتشييع المؤمن. وأما ما في خبر ابن ميمون، من خروج الحسن (ع) لقضاء حاجة المؤمن، فقال له: " يابن رسول الله صلى الله عليه وآله أنسيت اعتكافك؟ فقال (ع): له: لم أنس، ولكني سمعت أبي يحدث عن جدي رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: من سعى في حاجة أخيه المؤمن فكأنما عبد الله تعالى تسعة الآف سنة صائما نهاره قائما ليله " (* 4) فلا يدل على عدم منافاة ذلك الخروج للاعتكاف بل من الجائز أن يكون (ع) بنى على نقض اعتكافه. وبالجملة: لادليل ظاهر يدل على جواز الخروج للحاجة الراجحة دينا أو دنيا. (1) تخفظا باستدامة اللبث. لكن عن المدارك: أنه قد أطلق جماعة المنع، لما فيه من الامتهان المنافي للاحترام. ويحتمل الجواز، كما في الوضوء والغسل المندوب. واستشكل فيه في الجواهر: بأنه مستلزم لللبث المحرم، فيجب لاجله الخروج، وبه يفرق بين الوضوء والغسل المندوب. وهو في محله.
____________ (* 1) تقدم ذلك قريبا في أوائل الامر الثامن. (* 2) تقدم ذلك قريبا في أوائل الامر الثامن. (* 3) الوسائل باب: 7 من ابواب الاعتكاف حديث: 6. (* 4) الوسائل باب: 7 من أبواب الاعتكاف حديث: 4.
===============
( 556 )
{ صدق اللبث، فلا ينافيه خروج بعض أجزاء بدنه (1) من يده أو رأسه أو نحوهما. (مسألة 1): لو ارتد المعتكف في أثناء اعتكافه بطل (2) وإن تاب بعد ذلك، إذا كان ذلك في أثناء النهار، بل مطلقا على الاحوط (3). (مسألة 2): لا يجوز العدول بالنية من اعتكاف إلى غيره (4) وإن اتحدا في الوجوب والندب، ولا عن نيابة ميت إلى آخر أو إلى حي، أو عن نيابة غيره إلى نفسه، أو العكس. } نعم لو توقف الاغتسال في خارج المسجد على لبث في المسجد زائدا على ما يحصل بالاغتسال في المسجد وجب حينئذ الاغتسال في المسجد، فلو خالف أثم من جهة اللبث الزائد، وبطل اعتكافه. كما أنه لو أمكن الاغتسال في حال الخروج بلا لبث محرم جاز إيقاعه في المسجد، بل لعله يجب. (1) كما عن المعتبر والمنتهى. وعن المسالك: منافاة خروج الجزء له كالكل. ولكنه ممنوع. (2) لما قد عرفت: من أن الاعتكاف من العبادات حدوثا وبقاء، والكفر مانع عن صحة التعبد. وماعن الشيخ (ره) من عدم البطلان غير ظاهر، كما سبق. (3) كأنه لاجل خلاف الشيخ لم يثبت عند المصنف (ره) كونه عبادة مطلقا. وأما البطلان لو كان في أثناء النهار فمن جهة بطلان الصوم، فانه يبطل بالارتداد بلا خلاف. ولو أن الشيخ (ره) خص عدم البطلان بالارتداد في الليل لامكن ابتناؤه على مذهبه، من عدم دخول الليل في الاعتكاف. (4) إذ صحة المعدول إليه خلاف الاصل، لاعتبار النية في العبادة
===============
( 557 )
{ مسألة 3): الظاهر عدم جواز النيابة عن أكثر من واحد في اعتكاف واحد (1). نعم يجوز ذلك بعنوان إهداء الثواب، فيصح إهداؤه إلى متعددين أحياء، أو أمواتا، أو مختلفين. (مسألة 4): لا يعتبر في صوم الاعتكاف أن يكون لاجله (2)، بل يعتبر فيه أن يكون صائما أي صوم كان، } حدوثا وبقاء، كما أشرنا إليه في مواقيت الصلاة. وفي الجواهر - بعدما حكى عن استاذه في بغية الطلب الجزم بعدم جواز العدول كما في المتن - قال (ره): " ولا يخلو عن إشكال ". ووجهه غير ظاهر. (1) لعدم الدليل على قبول الفعل للاشتراك، والاصل عدم المشروعية. اللهم إلا أن يستفاد من قوله الصادق (ع) - في بعض أخبار تشريع النيابة في العبادة: " يصلي عنهما، ويتصدق عنهما، ويحج عنهما، ويصوم عنهما فيكون الذي صنع لهما، وله مثل ذلك " (* 1) وحمله على إرادة أنه يصلي عن كل منهما بانفراده خلاف الظاهر. ومثله: رواية علي بن أبي حمزة: " قلت لابي ابراهيم (ع): أحج، وأصلي، وأتصدق عن الاحياء والاموات من قرابتي وأصحابي؟ قال (ع): نعم " (* 2). ونحوهما غيرهما. اللهم إلا أن يكون المقصود من السؤال السؤال عن أصل مشروعية النيابة، ولانظر فيه إلى ما هو محل الكلام، فيتعين الرجوع فيه الى الاصل لعدم مشروعية النيابة على نحو الاشتراك. بل لعل ذلك نفسه دليل على العدم لان مقتضى الاطلاق المقامي الرجوع إلى العرف في ذلك. فلاحظ. (2) بلا خلاف أجده فيه، بل عن المعتبر: أن عليه فتوى علمائنا
____________ (* 1) الوسائل باب: 12 من ابواب قضاء الصلوات حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 12 من أبواب قضاء الصلوات حديث: 9.
===============
( 558 )
{ فيجوز الاعتكاف مع كون الصوم استئجاريا، أو واجبا من جهة النذر ونحوه. بل لو نذر الاعتكاف يجوز له بعد ذلك أن يؤجر نفسه للصوم ويعتكف في ذلك الصوم (1). ولا يضره وجوب الصوم عليه بعد نذر الاعتكاف، فان الذي يجب لاجله هو الصوم الاعم من كونه له أو بعنوان آخر، } - كذا في الجواهر - لاطلاق الادلة. ولصريح النصوص الحاكية لاعتكاف النبي صلى الله عليه وآله في شهر رمضان (* 1). (1) لان النذر لا يغير المنذور عما هو عليه، ولا يصلح لتشريع ما لم يشرع، ولا يمنع عن تشريع ما هو مشرع. فإذا كانت قيدية الصوم للاعتكاف لا تمنع عن صحة الاتيان به بعنوان الاجارة عن الغير، فإذا تعلق النذر بالاعتكاف لم يخرج الصوم عما كان عليه، فيجوز أن يؤجر نفسه للصوم ويعتكف وفاء بالنذر، كما يجوز غير ذلك أيضا. وبالجملة: كلما كان جائزا لولا النذر فهو جائز بعده. ولافرق فيما ذكرنا بين أن يؤجر نفسه أولا ثم ينذر الاعتكاف صائما فيصوم للاجارة ويعتكف وفاء للنذر، وبين أن ينذر أولا ثم يؤجر نفسه للصوم فيصوم للاجارة معتكفا وفاء بنذره، كما لافرق بين أن يكون المنذور الاعتكاف في أيام معينة، وبين أن يكون مطلقا، فيجوز في كل منهما إيجار نفسه للصوم قبله وبعده. وما يقال: من أنه إذا نذر الاعتكاف في أيام معينة فقد وجب الصوم فيها من باب المقدمة، فيمتنع أن يؤجر نفسه للصوم فيها. مندفع: بما أشار إليه المصنف (ره): من أن الواجب للمقدمية ليس خصوص الصوم للاعتكاف، بل مطلق الصوم ولو للاجارة نيابة عن الغير، فيجب عليه
____________ (* 1) راجع أول الفصل.
===============
( 559 )
{ بل لا بأس بالاعتكاف المنذور مطلقا في الصوم المندوب (1) الذي يجوز له قطعه (2)، فان لم يقطعه تم اعتكافه، وإن قطعه انقطع (3) ووجب عليه الاستئناف. } في الايام المذكورة أن يصوم نيابة عن الغير للاجارة أو التبرع، أو عن النفس قضاء أو كفارة أو ندبا أو غير ذلك، ويكون الحال كما لو نذر أن يكون صائما في أيام رجب بأي عنوان كان - وفاء للاجارة، أو النذر المطلق، أو قضاء، أو كفارة، أو غير ذلك - فانه بالنذر يجب أن يوقع الصوم في رجب لاحد العناوين المذكورين. ولاتنافي بين كون الصوم مندوبا بعنوانه الاولي، وواجبا بعنوان النذر، فيدعو الامر الوجوبي الى إطاعة الامر الندبي. ومن ذلك كله يظهر ضعف ماعن التذكرة. من أنه لو نذر اعتكاف ثلاثة أيام وجب عليه الصوم بالنذر، لان مالا يتم الواجب إلا به يكون واجبا. اللهم إلا أن يريد به أنه يكون واجبا في الجملة، لا أنه يجب إتيانه للنذر لاغير. كما يظهر أيضا ضعف ماعن المسالك: من الجزم من جعل صوم الاعتكاف المنذور مندوبا، للتنافي بين وجوب المضي على الاعتكاف الواجب وجواز قطع الصوم المندوب. فان ندبية الصوم من قبيل الموضوع للنذر، فيكف تزول به؟! والوجوب ليس في عرض الندب، ليمتنع اجتماعهما للتضاد، بل في طوله. فتأمل جيدا. (1) الظرف متعلق بالاعتكاف. (2) يعني: قطع الصوم. (3) هذا في اليومين الاولين. أما في الثالث فلا يجوز، كما سيأتي.
===============
( 560 )
{ (مسألة 5): يجوز قطع الاعتكاف المندوب في اليومين الاولين (1)، ومع تمامهما يجب الثالث. وأما المنذور فان كان معينا فلا يجوز قطعه مطلقا (2)، وإلا فكالمندوب (3). } (1) كما في الشرائع، وعن المدارك وجمع من المتأخرين، بل قيل: إنه الاشهر. ويشهد له صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع): " إذا اعتكف الرجل يوما ولم يكن اشترط، فله أن يخرج، وأن يفسخ الاعتكاف وان أقام يومين ولم يكن اشترط فليس له أن يفسخ اعتكافه حتى تمضي ثلاثة أيام " (* 1). وعن الشيخ والحلبي وابن زهرة: عدم الجواز مطلقا، وعن الاخير دعوى الاجماع عليه. لما دل على حرمة إبطال العمل. ولما دل على وجوب الكفارة بالوقاع قبل تمام ثلاثة أيام. وفيه: أن الاول - لو تم الاستدلال به على ما نحن فيه - لا يصلح لمعارضة الصحيح. والثاني ليس ظاهرا في المنع عن القطع إلا من جهة الملازمة بين وجوب الكفارة وحرمته، لكنها ممنوعة. ولذا قال في محكي التذكرة: " لا استبعاد في وجوب الكفارة في هتك الاعتكاف المستحب ". ولو سلمت الملازمة فالصحيح المتقدم مقيد لاطلاق دليل الكفارة، حملا للمطلق على المقيد. وعن السيد (ره) والحلي والمعتبر والمختلف والمنتهى و غيرها: جواز القطع مطلقا. للاصل. وعدم الفرق بين اليومين الاولين واليوم الثالث. ولاستصحاب عدم جواز المضي. والجميع - كما ترى - لا يصلح لمعارضة ما سبق. (2) لئلا تلزم مخالفة النذر. (3) لما عرفت: من أن النذر لا يغير المنذور عما هو عليه. وما يظهر من الشرائع - من وجوب المضي بمجرد الشروع فيه - غير ظاهر.
____________ (* 1) الوسائل باب: 4 من ابواب الاعتكاف حديث: 1.
===============
( 561 )
{ (مسألة 6): لو نذر الاعتكاف في أيام معينة، وكان عليه صوم منذور أو واجب لاجل الاجارة، يجوز له أن يصوم في تلك الايام وفاء عن النذر أو الاجارة (1). نعم لو نذر الاعتكاف في أيام مع قصد كون الصوم له ولاجله لم يجز عن النذر أو الاجارة. (مسألة 7): لو نذر اعتكاف يوم أو يومين، فان قيد بعدم الزيادة بطل نذره (2)، وان لم يقيده صح (3). ووجب ضم يوم أو يومين. (مسألة 8): لو نذر اعتكاف ثلاثة أيام معينة أو أزيد فاتفق كون الثالث عيدا بطل من أصله (4)، ولا يجب عليه قضاؤه، لعدم انعقاد نذره. لكنه أحوط (5). } (1) يظهر وجهه مما سبق. (2) لعدم مشروعية المنذور. (3) يعني: بأن أخذه مطلقا. أما لو أخذه مهملا فهو بمنزلة المقيد في عدم المشروعية. (4) لانكشاف عدم مشروعية متعلقه. (5) يمكن أن يكون وجهه: احتمال كون تعيين الايام الخاصة من باب تعدد المطلوب. لكن التعبير بالقضاء لا يساعد عليه. ويحتمل أن يكون باعتكاف اليومين قبل العيد قد حدثت مصلحة في ضم الثالث، وعدم إمكان الضم من جهة العيد لا يرفع الاقتضاء الذي يصدق معه الفوت، فيجب القضاء. لكنه مختص بما إذا اعتكف يومين قبل العيد، ولا يجري فيما لو اعتكلف يوما واحدا. مع أن أصل الاقتضاء غير ثبات، لاختصاص دليله
===============
( 562 )
{ (مسألة 9): لو نذر اعتكاف يوم قدوم زيد بطل (1) إلا أن يعلم يوم قدومه قبل الفجر. ولو نذر اعتكاف ثاني يوم قدومه صح، ووجب عليه ضم يومين آخرين. (مسألة 10): لو نذر اعتكاف ثلاثة أيام من دون الليلتين المتوسطتين لم ينعقد (2). (مسألة 11): لو نذر اعتكاف ثلاثة أيام أو أزيد لم يجب إدخال الليلة الاولى فيه (3)، بخلاف ما إذا نذر اعتكاف شهر، فان الليلة الاولى جزء من الشهر (4). (مسألة 12): لو نذر اعتكاف شهر يجزئه مابين الهلالين (5) وإن كان ناقصا. ولو كان مراده مقدار شهر وجب ثلاثون يوما (6). } بغير صورة كون الثالث العيد. اللهم إلا أن يستفاد القضاء مما دل عليه في الحائض والمريض. فتأمل. (1) البطلان غير ظاهر مع إمكان الاحتياط، بل وجوبه عليه بالعلم الاجمالي بالمردد بين التدريجيين. (2) لما عرفت، من عدم مشروعية الاعتكاف كذلك. (3) لما عرفت من خروجها عن الثلاثة. اللهم إلا أن يقصد من اليوم ما يعم الليل. (4) وبذلك افترق عن اليوم. (5) لان الشهر حقيقة في ذلك لغة وعرفا. ومنه يظهر أنه يتعين عليه ذلك، لا مجرد إجزائه، فانه لا يجزيه الملفق وان كان ثلاثين أو أكثر. (6) فان الشهر - أعني: مابين الهلالين - وإن كان ينقص تارة، فيكون
===============
( 563 )
{ مسألة 13): لو نذر اعتكاف شهر وجب التتابع (1) وأما لو نذر مقدار الشهر جاز له التفريق (2) ثلاثة ثلاثة إلى أن يكمل ثلاثون يوما. بل لا يبعد جواز التفريق يوما فيوما (3)، ويضم إلى كل واحد يومين آخرين، بل الامر كذلك في كل مورد لم يكن المنساق منه هو التتابع. (مسألة 14): لو نذر الاعتكاف شهرا أو زمانا على وجه التتابع - سواء شرطه لفظا، أو كان المنساق منه ذلك - فأخل بيوم أو أزيد بطل (4)، وإن كان ما مضى ثلاثة فصاعدا واستأنف آخر مع مراعاة التتابع فيه (5). وإن كان معينا وقد أخل بيوم أو أزيد وجب قضاؤه (6)، والاحوط التتابع فيه أيضا. وإن بقي شئ من ذلك الزمان المعين بعد الابطال } تسعة وعشرين، ويتم أخرى فيكون ثلاثين، إلا أنه إذا استعمل في مقام التقدير، وامتنع حمله على الجامع بينهما، إذ لا معنى للتقدير بالجامع بين الزائد والناقص، تعين حمله على أحداهما بعينه. ومقتضى الاطلاق حمله على خصوص الكامل، فان الحمل على غيره محتاج إلى عناية زائدة، كما لعله ظاهر بأدنى تأمل. (1) لتتابع أجزاء الشهر، التي يرجع نذر اعتكاف الشهر إلى نذر اعتكافها. (2) إذ لا تتابع في مفهوم المقدر، والاطلاق ينفيه. (3) في دخول ذلك في مقصود النذر تأمل، والمنصرف غيرذلك. (4) لانتفاء الشرط. (5) ليكون مصداقا للمنذور. (6) يحتمل رجوع الضمير إلى نفس المنذور، يعني: قضاء تمام المنذور
===============
( 564 )
{ باخلال فالاحوط ابتداء القضاء منه (1). (مسألة 15): لو نذر اعتكاف أربعة أيام فأخل } - كما عن المبسوط والتذكرة - لبطلانه بفوات المتابعة المشروطة فيه، كما في المسألة السابقة. لكن عن المختلف والمسالك والمدارك: الاقتصار على قضاء ما أخل به، لان ما أتى به من الايام كان متتابعا، فتكون موافقة للمنذور، فلا وجه لوجوب قضائها. وأشكل عليه في الجواهر: بأن التتابع في البعض غير كاف في الامتثال بعد أن فرض اعتباره في الجميع. وعدم امكان استئنافها باعتبار تعينها لا ينافي وجوب القضاء، كما إذا لم يأت بها أجمع. هذا ومحصل الكلام: أن الناذر تارة: يلاحظ كل واحد من الايام المعينة لنفسه، من دون اعتبار انضمامه إلى ما اتصل به من الايام. وأخرى: يلاحظ انضمامه كذلك. فعلى الاول يصح ما أتى به، لمطابقته للمنذور، وليس عليه إلا قضاء ما أخل به، لفواته. وعلى الثاني عليه قضاء الجميع ما أتى به وما أخل به، إذ ما أتى به لم يأت به على وجهه الملحوظ فيه حال النذر، لفقده للانضمام الى ما اتصل به. وعليه يتعين قضاء الجميع متتابعا، لوجوب قضاء الفائت كما فات. فتوقف المصنف (ره) في وجوب التتابع في القضاء يناسب أن يكون المراد من الضمير خصوص ما أخل به. لكن قوله (ره): " فالاحوط ابتداء... " يعين كون المراد الاول إذ لو كان المراد خصوص ما أخل به لتعين قضاؤه خارج ذلك الزمان، لان ما بقي من ذلك الزمان يجب فعل الاداء فيه. وعلى فالتوقف في وجوب التتابع غير ظاهر. (1) كأنه لموافقته للاداء في الزمان في الجملة. ولكنه - كما ترى - لا يصلح للتوقف في الفتوى.
===============
( 565 )
{ بالرابع، ولم يشترط التتابع، ولا كان منساقا من نذره، وجب قضاء ذلك اليوم، وضم يومين آخرين (1). والاولى جعل المقضي أول الثلاثة وإن كان مختارا في جعله أيا منها شاء (2). } (1) الحكم فيها ظاهر. (2) كما استظهره في الجواهر. وحكي عن جماعة من المتأخرين: أن الزائد على الواجب إن تأخر عن الواجب لم يقع إلا واجبا. وإن تقدم جاز أن ينوي به الوجوب من باب مقدمة الواجب، والندب لعدم تعين الزمان له. وحكي عن المدارك: الاشكال فيه - فيما إذا كان الواجب يوما واحدا - بأن اعتكاف اليومين بنية الندب يوجب الثالث، فلا يكون مجزيا عما في ذمته. وبأن الاعتكاف يتضمن الصوم، وهو لا يقع مندوبا ممن في ذمته واجب. وأجاب عن الاول: بأن وجوب اليوم الثالث لتتميم الاعتكاف ثلاثا لا ينافي وجوبه من جهة أخرى. وعن الثاني: بأن الممتنع إنما هو وقوع النافلة ممن في ذمته قضاء رمضان، لا مطلق الواجب. ولو أراد زوال الاشكال من أصله نوى بالاول الندب، وجعل ما في ذمته وسطا. على أنهما واجبان من باب المقدمة، فلا إشكال حينئذ من هذه الجهة. أقول: إذا فرض أنه لايشرع الاعتكاف أقل من ثلاثة، وأنه يجب قضاء اليوم الفائت، كان ذلك دالا على وجوب الضم، فيكون المنضم واجبا ولاوجه لكونه مندوبا، لاذاتا - لعدم مشروعية أقل من ثلاثة - ولا عرضا - كما هو واضح - ولا واجبا من باب المقدمة إذ لا مقدمية بين اليوم واليومين، فانها جميعا اعتكاف واحد، ولولا وجوب القضاء لكان مندوبا، لكن لوجوب القضاء صار الجميع واجبا واحدا نفسيا لا مقدميا. ومن ذلك تعرف الاشكال في كلمات الجماعة. فتأمل.
===============
( 566 )
{ (مسألة 16): لو نذر اعتكاف خمسة أيام وجب أن يضم إليها سادسا (1)، سواء تابع، أو فرق بين الثلاثتين. (مسألة 17): لو نذر زمانا معينا شهرا أو غيره، وتركه نسيانا أو عصيانا أو اضطرارا، وجب قضاؤه (2). } (1) لما تقدم في الشرط الخامس. لكن عن الروضة: حكاية قول بعدم وجوب الضم فيما لو تابع بين الخمسة المنذورة، ونسب الى الشهيد في بعض تحقيقاته: الميل إليه. وعن المحقق القمي: تقريبه بأن الرواية الدالة على وجوب ضم السادس الى الرابع والخامس مختصة بالمندوب، فلا تشمل المنذور. وبأنه في المندوب قد تحقق الاعتكاف بالثلاثة الاول، ولم يثبت من الشرع ما يدل على اتصال اليومين به، فالرابع والخامس منفصلا عنه، فيكون اعتكافا آخر يجب بمضي اليومين، وأما في المنذور فالخمسة اعتكاف واحد، ولا انفصال بين الرابع والخامس، لان النذر جعلها فعلا واحدا متصلا. وفيه: أن الرواية وإن كانت مختصة بالمندوب - بقرينة الترخيص في الخروج - إلا أن المنذور ليس حقيقة أخرى غير المندوب، إذ النذر - كما عرفت - إنما تعلق بالمندوب، فحكم المنذور حكم المندوب لانه هو. ولو بني على الفرق بينهما أشكل حال المنذور في كثير من الاحكام ومنها: وجوب الثالث - لاختصاص دليله بالمندوب أيضا، فاللازم البناء على جواز نذر اعتكاف يومين لاأزيد، وهو كما ترى. ومن ذلك يظهر سقوط الفرق الذي ذكره ثانيا بين المنذور والمندوب، فان إطلاق الرواية ينفيه. فلاحظ. (2) قال في الشرائع: " إذا نذر اعتكاف شهر معين ولم يعلم به حتى خرج - كالمحبوس، والناسي - قضاه ". قال في الجواهر: بلا خلاف بل في المدارك: أنه مقطوع به في كلام الاصحاب ". واستدل له بعموم
===============
( 567 )
{ ولو غمت الشهور فلم يتعين عنده ذلك المعين عمل بالظن، ومع عدمه يتخير بين موارد الاحتمال (1). (مسألة 18): يعتبر في الاعتكاف الواحد وحدة المسجد (2) فلا يجوز أن يجعله في مسجدين، سواء كانا متصلين (3) أو } قولهم (ع): " اقض ما فات كما فات " وقوله (ع): من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته ". وبأنه مشتمل على الصوم الذي قد ثبت القضاء للواجب منه. وبأنه قد ثبت القضاء في الحائض والمريض وغيرهما مما اشتملت عليه النصوص والفتاوى، مع عدم القول بالفصل. لكن المرسلين غير ثابتين. ووجوب قضاء الصوم - لو سلم - لا يقتضي وجوب قضاء الاعتكاف. والنص الدال على القضاء في الحائض والمريض لا يدل على ما نحن فيه، وعدم القول بالفصل لا يدل على عدم الفصل. فالمسألة لا تخلو من إشكال لولا ظهور الاجماع، الذي تطمئن النفس بثبوت معقده. (1) كما عن الشهيد. لكنه غير ظاهر مع إمكان الاحتياط، لوجوبه عقلا حينئذ، ومع عدمه يسقط التكليف بالمرة، بناء على سقوط التكليف المعلوم بالاجمال بالاضطرار إلى مخالفته الاحتمالية. وبالجملة: ما ذكر مبني على تمامية مقدمات دليل الانسداد في خصوص المسألة، وإثباتها بنحو الكلية في نهاية المنع. (2) كما نص عليه في الجواهر. لان ظاهر قولهم (ع): " لااعتكاف إلا بصوم في مسجد الجامع أو مسجد جماعة " (* 1) ذلك، والحمل على الجنس خلاف الظاهر. (3) حكى في الجواهر عن بغية استاذه (ره): جواز التشريك بينهما.
____________ (* 1) الظاهر أن هذا نقل بالمعنى للنصوص المتقدمة في الشرط السادس من شروط صحة الاعتكاف فراجع.
===============
( 568 )
{ منفصلين. نعم لو كانا متصلين على وجه يعد مسجدا واحدا فلا مانع (1). (مسألة 19): لو اعتكف في مسجد، ثم اتفق مانع من اتمامه فيه - من خوف، أو هدم، أو نحو ذلك - بطل، ووجب استئنافه أو قضاؤه (2) إن كان واجبا في مسجد آخر (3) أو ذلك المسجد إذا ارتفع عنه المانع. وليس له البناء، سواء كان في مسجد آخر، أو في ذلك المسجد (4) بعد رفع المانع. (مسألة 20): سطح المسجد، وسردابه، ومحرابه منه (5)، } واستشكل فيه: بأن الاتصال غير مجد. بعد فرض ظهور الادلة في اعتبار الوحدة، المفروض عدم تحققها بذلك. وهو في محله. (1) لصدق الوحدة حينئذ، ويكون الحال كما لو وسع المسجد بوقف الارض المتصلة به، كما سيأتي. (2) قد عرفت الكلام في وجوب القضاء، ولاسيما مع انكشاف عدم الامر بالاداء. (3) احتمل في الجواهر: الاكتفاء بالاتمام بجامع آخر. وفيه: أنه مناف لاطلاق مادل على اعتبار الوحدة. (4) يمكن أن يستفاد مما تقدم - من جواز الخروج للحاجة - عدم قدح الخروج في صحة الاعتكاف، إذا لم يطل، ولم يك ماحيا للصورة. (5) مقتضى الاستصحاب عدم مسجدية ما يشك في كونه مسجدا. نعم قد يحكم على الاستصحاب المذكور ظاهر معتد به عند المتشرعة، فيكون بناؤهم على العمل به حجة على عدم حجيته، مثل بنائهم على مسجدية كل ما يكون داخلا في سور المسجد من فوقاني وتحتاني. وكما يحكم بمسجدية
===============
( 569 )
{ ما لم يعلم خروجها. وكذا مضافاته إذا جعلت جزءا منه (1) كما لو وسع فيه. (مسألة 21): إذا عين موضعا خاصا من المسجد محلا لاعتكافه لم يتعين (2)، وكان قصده لغوا (3). (مسألة 22): قبر مسلم وهاني ليس جزءا من مسجد الكوفة على الظاهر (4). (مسألة 23): إذا شك في موضع من المسجد أنه جزء منه أو من مرافقه لم يجر عليه حكم المسجد (5). (مسألة 24): لابد من ثبوت كونه مسجدا أو جامعا بالعلم الوجداني، أو الشياع المفيد للعلم، أو البينة الشرعية. وفي كفاية خبر العدل الواحد إشكال (6). } ما ذكر يحكم بصحة الاعتكاف في مجموعه وإن انتقل المعتكف من موضع إلى آخر. وما عن الدروس: من تحقق الخروج من المسجد بالصعود على السطح، لعدم دخوله في مسماه واضح الضعف، كما في الجواهر. (1) لصدق الوحدة المعتبرة. (2) لعدم الدليل عليه، والاصل ينفيه. (3) ما لم يرجع إلى تقييد الامتثال. (4) لخروجهما عن سوره، والاصل عدم الالحاق. بل ظاهر اتخاذه قبرا عدمه. (5) لما تقدم: من الاستصحاب النافي لذلك. (6) لما تكرر: من عدم الدليل على حجيته في الموضوعات. وبناء العقلاء على حجية خبر الثقة مطلقا مردوع عنه بمثل رواية مسعدة بن صدقة
===============
( 570 )
{ والظاهر كفاية حكم الحاكم الشرعي (1). (مسألة 25): لو اعتكف في مكان باعتقاد المسجدية أو الجامعية فبان الخلاف تبين البطلان. (مسألة 26): لا فرق في وجوب كون الاعتكاف في المسجد الجامع بين الرجل والمرأة (2)، فليس لها الاعتكاف في المكان الذي أعدته للصلاة في بيتها، بل ولا في مسجد القبيلة ونحوها. (مسألة 27): الاقوى صحة اعتكاف الصبي المميز، فلا يشترط فيه البلوغ (3). } بناء على تمامية عمومها في حجية البينة، كما أشرنا إليه في أوائل الكتاب (* 1). (1) إذا صح منه الحكم. لكن في كون جامعية المسجد، أو كونه مسجد الجماعة من موارد حكم الحاكم تأمل ظاهر. إلا أن يكون موردا للنزاع في الملكية والمسجدية بين المتخاصمين. (2) بلا خلاف أجده بيننا، بل يمكن تحصيل الاجماع عليه - كما ادعاه في الحدائق - كذا في الجواهر. لاطلاق أكثر النصوص. وللتصريح في بعضها: بأن المرأة مثل ذلك. مضافا إلى قاعدة الاشتراك. ومن ذلك يظهر صحة ما بعده. (3) قد أشرنا مكررا: إلى أن إطلاق أدلة المشروعية يقتضي عدم الفرق بين البالغ وغيره. وحديث: " رفع القلم عن الصبي " (* 2) لا يصلح لرفع المشروعية، بل يختص برفع الالزام، جمعا عرفيا بين دليل الرفع ودليل المرفوع.
____________ (* 1) راجع المسألة: 6 من فصل ماء البئر من الجزء الاول من هذا الشرح. (* 2) الوسائل باب: 56 من أبواب جهاد النفس.
===============
( 571 )
{ (مسألة 28): لو اعتكف العبد بدون إذن المولى بطل (1). ولو أعتق في أثنائه لم يجب عليه إتمامه (2). ولو شرع فيه باذن المولى ثم أعتق في الاثناء، فان كان في اليوم الاول أو الثاني لم يجب عليه الاتمام (3). إلا أن يكون من الاعتكاف الواجب. وإن كان بعد تمام اليومين وجب عليه الثالث. وإن كان بعد تمام الخمسة وجب السادس. (مسألة 29): إذا أذن المولى لعبده في الاعتكاف جاز له الرجوع (4) عن إذنه، ما لم يمض يومان. وليس له الرجوع بعدهما، لوجوب إتمامه حينئذ. وكذا لا يجوز له الرجوع إذا كان الاعتكاف واجبا بعد الشروع فيه من العبد (5). } (1) تقدم الكلام في ذلك. (2) لبطلانه من رأس. وما عن الشيخ (ره) من وجوب الاتمام غريب، كما في الجواهر. ولعل مراده الصورة الآتية. (3) الحكم في جميع الصور المذكورة مقتضى إطلاق الادلة، المحكمة بعد انتفاء المانع. وكذا الحال في الفرع الذي بعده. (4) لقاعدة السلطنة. نعم لو قلنا بوجوب الاتمام بمجرد الشروع - كما تقدم نقله عن جماعة - كان الحال فيه هو الحال في الرجوع بعد اليومين، من عدم وجوب إطاعة العبد لسيده في ترك الواجب أو فعل الحرام. كما أنه لو قلنا بعدم وجوب الاتمام مطلقا كان له الرجوع مطلقا، وتجب إطاعته على العبد مطلقا. وقد يقال: بأن اعتكافه تصرف في ملك المولى، فاتمامه بعد رجوع المولى تصرف حرام، فيبطل بنفسه وليس المقام من باب التزاحم بين إطاعة الله تعالى وإطاعة المولى. (5) كما لو نذر إتمامه. أما لو كان الاعتكاف واجبا بنذر أو شبهه،
===============
( 572 )
{ مسألة 30): يجوز للمعتكف الخروج من المسجد لاقامة الشهادة، أو لحضور الجماعة، أو لتشييع الجنازة، وإن لم يتعين عليه هذه الامور (1). وكذا في سائر الضرورات العرفية، أو الشرعية، الواجبة، أو الراجحة. سواء كانت متعلقة بأمور الدنيا، أو الآخرة، مما يرجع مصلحته إلى نفسه أو غيره. ولايجوز الخروج اختيارا بدون أمثال هذه المذكورات. (مسألة 31): لو أجنب في المسجد، ولم يمكن الاغتسال فيه وجب عليه الخروج (2)، } ففى جواز الرجوع وعدمه وجهان، مبنيان على عدم وجوب إتمام الواجب بالشروع فيه، ووجوبه. وفي الشرائع جزم بعدم جواز الرجوع في الاذن بمجرد الشروع في الواجب. وكأنه لبنائه على وجوب إتمامه. لكنه غير ظاهر. وقوله تعالى: (ولا تبطلوا أعمالكم...) (* 1) غير ظاهر فيما نحن فيه. (1) قد تقدم في الشرط الثامن: الاشكال في ذلك، وأنه لادليل ظاهر على جواز الخروج لمطلق الحاجة، بل لابد من كونها لازمة له شرعا أو عقلا، أو عادة. نعم إطلاق صحيح الحلبي وغيره جواز الخروج للجنازة وعيادة المريض (* 2) يقتضي جوازهما ولو مع عدم التعين. (2) قد عرفت: أن حرمة لبث الجنب في المسجد يقتضي وجوب الخروج وإن أمكن الاغتسال في المسجد. نعم لو لم يستلزم الاغتسال اللبث المحرم فلا مانع من جوازه، بل يشكل جواز الخروج حينئذ، لعدم الحاجة اللازمة.
____________ (* 1) محمد: 33. (* 2) تقدم ذلك في الشرط الثامن من شروط صحة الاعتكاف.
===============
( 573 )
{ ولو لم يخرج بطل اعتكافه، لحرمة لبثه فيه (1). } (1) هذا يتم لو لم تكن الجنابة فيما قبل آخر اليوم الثالث بمقدار الخروج والاغتسال، إذ في هذه الصورة ينتهي الاعتكاف بحدوث الجنابة، ويكون اللبث بعدها خارجا عنه، لان وجوب الخروج حين الجنابة للاغتسال مانع من جزئية اللبث من الاعتكاف، فلا تقدح حرمته في صحة الاعتكاف. ومثله: مالو كان زمان اللبث بعد الجنابة والخروج بعده للاغتسال مساويا لزمان الخروج من حين الجنابة والاغتسال، كما لو كان الماء حين الجنابة بعيدا عن المسجد، بحيث يكون زمان الخروج والاغتسال مقدار ساعة، فلبث مقدار نصف ساعة، فجاء الماء إلى باب المسجد، فخرج واغتسل، وكان زمان اللبث والغسل مساويا لزمان الخروج من حين الجنابة والاغتسال، فان اللبث في الفرض المذكور حرام، لكنه لما لم يكن جزءا من الاعتكاف لم تقدح حرمته في صحته. نعم إذا كان اللبث جزءا من الاعتكاف وكان حراما بطل الاعتكاف. هذا ويمكن أن يستشكل في البطلان - حتى في غير الصورتين المذكورتين -: بأن وجوب الخروج للاغتسال إذا كان موجبا لعدم جزئية اللبث، فلذلك لا تقدح حرمته في صحة الاعتكاف، لم يفرق في ذلك بين الآن الاول بعد الجنابة ومابعده من الآنات، فكلما مكث كان مكثه حراما، وحرمته غير قادحة في صحة الاعتكاف، لخروجه عن الجزئية بتوسط وجوب الخروج، ولا تختص الصحة بالفرضين المذكورين. وفيه: أن الجنابة إنما تقتضي الخروج عن المسجد بمقدار الاغتسال، لا أزيد فالكون في المسجد المساوي لذلك المقدار لا يكون جزءا من الاعتكاف، أما ما زاد على ذلك المقدار فهو جزء منه. وحينئذ فإذا بقي لابثا في المسجد عامدا، فان خرج بعد ذلك للاغتسال
===============
( 574 )
{ (مسألة 32): إذا غصب مكانا من المسجد سبق إليه غيره - بأن أزاله وجلس فيه - فالاقوى بطلان اعتكافه (1). } لزم فوات ذلك الجزء، وإن كان واجبا من جهة حرمة لبث الجنب في المسجد. وإن بقي لم يمكن أن يتقرب بلبثه، لانه حرام. فتأمل جيدا. (1) لانه غصب، كما يستفاد من مرسل محمد بن اسماعيل عن أبي عبد الله (ع): " قلت له: نكون بمكة، أو بالمدينة، أو الحيرة، أو المواضع التي يرجى فيها الفضل، فربما خرج الرجل يتوضأ، فيجئ آخر فيصير مكانه. قال (ع): من سبق إلى موضع فهو أحق به يومه وليلته " (* 1) وخبر طلحة بن زيد: " قال أمير المؤمنين (ع): سوق المسلمين كمسجدهم فمن سبق إلى مكان فهو أحق به إلى الليل " (* 2). ويمكن أن يستشكل فيه أولا: من جهة ضعف الاول بالارسال، والثاني بطلحة. وثانيا: بأن الظاهر من الاحقية في المقام - بقرينة صيغة التفضيل - مجرد الاولوية، لا خصوصية في المكان، كما في سائر موارد الحقوق، بحيث يكون السابق يملك التصرف فيما سبق إليه، والمزاحم له فيه غاصب له في ذلك. وثالثا: بأن الاعتكاف عبارة عن مجرد الكون في المسجد ولو بلا قرار، فلا يتحد مع القرار، كي يحرم بحرمته، وغصب المكان إنما يحرم القرار لاغير. اللهم إلا أن يدفع الاخير: بأن الاحقية على تقدير ثبوتها تقتضي لمنع عن التصرف في الفضاء الذي ينتفع فيه السابق، لانه موضوع للسبق، كالارض، فيكون الكون الخارجي من اللاحق حراما، ولا يختص بالارض. ويدفع ما قبله: بأن التفضيل يستعمل كثيرا مع عدم الاشتراك في المبدأ.
____________ (* 1) الوسائل باب: 56 من ابواب أحكام المساجد حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 56 من ابواب أحكام المساجد حديث: 2.
===============
( 575 )
مع أن التحريم لا يتوقف على القول بثبوت إضافة الملكية أو الحقية، بل يكفي فيه تخصيص الرخصة بالسابق دون اللاحق. ودلالة الكلام على هذا المقدار ظاهرة، ومنعها مكابرة، والحمل على الاولوية الاستحبابية محتاج الى قرينة صارفة. ويدفع الاول: بأن الارسال قد لايمنع من الحجية إذا كان المرسل من الاعيان، مثل محمد بن اسماعيل الظاهر في ابن بزيع، والراوي عنه أحمد بن محمد الظاهر في ابن عيسى، وكون الرواية في الكافي. وطلحة قيل: إن كتابه معتمد، والراوي عنه جماعة من الاعيان منهم ابن عيسى. ولعل هذا المقدار كاف في إدخال الروايتين تحت خبر الثقة، وإن كان لا يخلو من نظر. نعم قد يوهنهما: عدم العمل بالتحديد المذكور فيهما. وعدم ظهور القول باطلاقهما من حيث وجود الرحل وعدمه، بل إطلاق الثاني من حيث نية العود وعدمها. قال في الجواهر: " لا خلاف ولا إشكال في سقوط الحق لو قام مفارقا رافعا يده عنه ". وقال فيها أيضا: " لا خلاف في سقوط حقه مع عدم الرحل وإن نوى العود وكان قيامه لضرورة، من تجديد طهارة ونحوه ". نعم حكى بعد ذلك عن التذكرة القول بثبوته. أما إذا كان القيام لغير ضرورة فلا ريب ولا خلاف في سقوط حقه، كما في الجوهر. وبالجملة: مراجعة كلماتهم في كتاب إحياء الموات تقتضي البناء على وهن الحديثين لو جمعا شرائط الحجية في أنفسهما. فراجع. نعم لا خلاف ولا إشكال في أن من سبق إلى مكان من المسجد فهو أحق به مادام جالسا. إلا أن كون معنى الاحقية ثبوت حق له في المكان بحيث يكون التصرف فيه غصبا للمكان لو كان رفعه عنه ظلما غير ظاهر. فتأمل جيدا.
===============
( 576 )
{ وكذا إذا جلس على فراش مغصوب (1). بل الاحوط الاجتناب عن الجلوس على أرض المسجد المفروش بتراب مغصوب أو آجر مغصوب (2) على وجه لا يمكن إزالته (3). وإن توقف على الخروج خرج على الاحوط. وأما إذا كان لابسا لثوب مغصوب أو حاملا له، فالظاهر عدم البطلان (4). (مسألة 33): إذا جلس على المغصوب ناسيا، أو جاهلا، أو مكرها، أو مضطرا لم يبطل اعتكافه (5). } (1) قد عرفت فيما سبق الاشكال في هذا أيضا، وأن التصرف بالفراش بمسه برجله وغيرها من أعضائه - لا يتحد مع الكون الاعتكافي، وليس ذلك إلا كالتصرف فيه بمسه بيده، مما لا مجال لتوهم قدحه في صحة الاعتكاف. (2) حكى في الجواهر عن بعض مشايخه: الجزم بالجواز في الفرض واختاره هو في النجاة. وعلل: بأن المنع تعطيل للمسجد، ومنع للمسلين عن حقهم، وهو ضرر منفي. وفيه - مع إمكان منع كون ذلك ضررا -: أن التصرف بغير إذن المالك ضرر أيضا، فعموم حرمة التصرف بغير إذن المالك محكم. نعم إذا كان معدودا تالفا عرفا كان مضمونا على الغاصب، وجاز التصرف فيه باذن الغاصب، بناء على كون الضمان بالتلف موجبا لانتقال الملك إلى الضامن - كما لعله ظاهر - كما قربناه في (نهج الفقاهة). (3) ولو كان بحيث تمكن إزالته لحقه حكم الفراش المغصوب. (4) لما عرفت من عدم اتحاده مع الكون الاعتكافي. لكن الفرق بينه وبين الجلوس على الفراش المغصوب خفي، لاتحادهما في كون المحرم شأنا من شؤون الكون. فلاحظ. (5) للعذر المانع من مبعدية النهي المانع من صحة التقرب. هذا بناء
===============
( 577 )
{ (مسألة 34): إذا وجب عليه الخروج لاداء دين واجب الاداء عليه، أو الاتيان واجب آخر متوقف على الخروج ولم يخرج أثم، ولكن لا يبطل اعتكافه على الاقوى (1). (مسألة 35): إذا خرج عن المسجد لضرورة فالاحوط مراعاة أقرب الطرق (2). ويجب عدم المكث إلا بمقدار الحاجة والضرورة. ويجب أيضا أن لا يجلس تحت الظلال (3) } على البطلان إذا وقع عمدا وإلا فلا مجال لما ذكر. (1) من كون الامر بالشئ لا يقتضي النهي عن ضده الخاص. (2) بل عن الاصحاب: وجوب ذلك. وكأنه لوجوب الاقتصار على مقدار الضرورة، فان الضرورات تقدر بقدرها. لكن في النجاة جعله مما ينبغي. وكأنه لاطلاق مادل على جواز الخروج للحاجة. وفيه: أن إطلاقه ممنوع، لان الخروج عبارة عن الكون في خارج المسجد، ومع سلوك أبعد الطريقين يكون الخروج الزائد ليس للحاجة. نعم إذا كان التفاوت يسيرا، بحيث لا يلتفت إليه غالبا، فلا يعد سلوكه عبثا، لم يبعد جواز سلوكه، لعدم التنبيه في النصوص عليه، الظاهر في عدم قدحه. ومثله في الجواز: المشي العادي، فلا يجب الركض والاسراع لعين ما ذكر أيضا، وإن كان لا يجوز التواني في المشي جدا، بحيث يخرج عن المتعارف، لانه خارج عن مقتضى الضرورة. كما هو الوجه في قوله (ره): " ويجب عدم... ". (3) بلا خلاف أجده، بل يمكن تحصيل الاجماع عليه - كذا في الجواهر - ويشهد له ما في صحيح داود بن سرحان: " ولا تقعد تحت ضلال حتى تعود إلى مجلسك " (* 1)
____________ (* 1) الوسائل باب: 7 من ابواب الاعتكاف حديث: 3.
===============
( 578 )
{ مع الامكان (1). بل الاحوط أن لا يمشي تحته أيضا (2). بل الاحوط عدم الجلوس مطلقا (3) إلا مع الضرورة. (مسألة 36): لو خرج لضرورة وطال خروجه، بحيث انمحت صورة الاعتكاف بطل (4). (مسألة 37): لافرق في اللبث في المسجد بين أنواع الكون (5)، من القيام، والجلوس، والنوم، والمشي، ونحو ذلك، فاللازم الكون فيه بأي نحو ماكان. } (1) كأنه لانصراف دليل المنع إليه. (2) كما عن جماعة، منهم الشيخ. ودليله غير ظاهر. وما في الوسائل: من أنه قد تقدم ما يدل على عدم جواز الجلوس والمرور تحت الظلال للمعتكف لم نقف على المراد منه. ولعله أراد الصحيح المتقدم في الجلوس، بناء منه على إلغاء خصوصية الجلوس. وما عن الانتصار: من دعوى الاجماع على أن المعتكف لا يستظل بسقف، لا يمكن الاعتماد عليه. فالبناء على عدم المنع متعين. (3) كما عن كثير. لما في صحيحي الحلبي وداود من النهي عنه (* 1). لكن لا يبعد أن يكون المراد منه النهي عن الجلوس الزائد على مقدار الحاجة وهو غير ما نحن فيه. (4) كما نص عليه غير واحد. لفوات الشرط، أعني: الصورة. وما دل على الرخصة في الحاجة لا يقتضي الصحة، لانه أعم، ونظره ليس إلا إلى عدم قدح الخروج في الجملة من حيث كونه خروجا، لامن حيث فوات الصورة التي هي قوام العمل (5) للاطلاق.
____________ (* 1) الوسائل باب: 7 من ابواب الاعتكاف حديث: 2، 1.
===============
( 579 )
{ (مسألة 38): إذا طلقت المرأة المعتكفة في أثناء اعتكافها طلاقا رجعيا، وجب عليها الخروج إلى منزلها للاعتداد (1)، وبطل اعتكافها. ويجب استئنافه إن كان واجبا موسعا بعد الخروج من العدة. وأما إذا كان واجبا معينا فلا } (1) على المشهور، بل عن التذكرة: نسبته الى علمائنا أجمع. لحرمة الخروج عن البيت على المعتدة، وقد عرفت أن الخروج من المكان عبارة عن اللبث في غيره، فإذا حرم لبثها في المسجد - لانه خروج عن البيت - امتنع عليها التعبد به بعنوان الاعتكاف، كما سبق في الشرط السابع. لكن عن الدروس والمسالك: وجوب الاعتداد عليها في المسجد لو كان الاعتكاف واجبا معينا. وهو ظاهر بناء على أن عدم الخروج من البيت من حقوق الزوج - كما في غير المطلقة - كما هو مذهب جماعة من القدماء والمتأخرين. ويشهد له من النصوص: كما تضمن أنها لا تخرج إلا باذن زوجها (* 1) إذ عليه تكون المعتدة كالزوجة، وقد عرفت أن الزوجة إذا اعتكفت باذن زوجها لم يكن له المنع في اليوم الثالث، فلو منع لم تجب إطاعته، ووجب إتمام الاعتكاف في المسجد. أما إذا كان من أحكام الاعتداد فقد يشكل الحال، إذ كما أنه يجب على المطلقة الاعتداد في البيت ويجوز لها الخروج للواجب، كذلك يجب على المعتكف اللبث في المسجد ويجوز له الخروج للواجب، وتقديم أحدهما على الآخر محتاج إلى وجه ظاهر. اللهم إلا أن يقال، إن المقام ليس من باب خروج المعتكف للحاجة بل هو من رفع اليد عن الاعتكاف بالمرة. ولاجل أن رفع اليد عن الواجب لا يجوز إلا مع مزاحمته بواجب أهم أو مساو، وخروج المعتدة لاداء الواجب
____________ (* 1) راجع الوسائل باب: 23 من ابواب العدد.
===============
( 580 )
{ يبعد التخيير بين إتمامه ثم الخروج وإبطاله، والخروج فورا، لتزاحم الواجبين (1)، ولا أهمية معلومة في البين. وأما إذا طلقت بائنا فلا إشكال، لعدم وجوب كونها في منزلها في أيام العدة. (مسألة 39): قد عرفت أن الاعتكاف إما واجب } المعين ليس من باب التزاحم، بل من باب عدم المقتضي، فانه يجوز خروجها لمطلق الواجب المعين، وإن لم يكن أهم أو مساويا - كما ذكروا - فحينئذ يكون وجوب اللبث في المسجد رافعا لاقتضاء وجوب اللبث في المنزل، وهذا الوجوب - لو تم - كان مزاحما لوجوب اللبث في المسجد، لارافعا له. ومع تعارض المقتضي واللا مقتضي يكون الاول مقدما. نعم لو كان الاعتداد غير مناف لاصل الاعتكاف - كما لو كان قبل الآخر بقليل، فيكون من قبيل الحاجة التي يخرج إليها المعتكف وجواز خروجه لعدم المقتضي، نظير خروج المعتدة للواجب - يكون المقام من التعارض، وبعد تساقط الدليلين يرجع إلى استصحاب عدم جواز الخروج الثابت للمعتكفة قبل الطلاق. هذا كله مع غض النظر عن إجماع التذكرة، الذي يظهر من الجواهر وجوب الاعتماد عليه. لكنه غير ظاهر، لعدم تعرض الاكثر للفرض المذكور. فلاحظ. (1) قد تقدمت الاشارة: إلى أن خروج المعتدة للواجب ليس من باب التزاحم، حيث أطلقوا جوازه من دون تقييد بكونه أهم أو مساويا ومثله: خروج المعتكف للحاجة الواجبة. نعم رفع اليد عن الاعتكاف وقطعه بتاتا لاداء واجب من باب التزاحم. فلاحظ كلماتهم، وتأمل.
===============
( 581 )
{ معين، أو واجب موسع، وإما مندوب (1). فالاول يجب بمجرد الشروع - بل قبله - ولايجوز الرجوع عنه. وأما الاخيران فالاقوى فيهما جواز الرجوع قبل إكمال اليومين. وأما بعده فيجب اليوم الثالث. لكن الاحوط فيهما أيضا وجوب الاتمام بالشروع. خصوصا الاول منهما. (مسألة 40): يجوز له أن يشترط حين النية الرجوع متى شاء (2)، } (1) قد تقدم الكلام في هذه المسألة في المسألة الخامسة. فراجع. (2) بلا خلاف فيه في الجملة، بل عن المنتهى: الاجماع عليه. ويشهد له جملة وافرة من النصوص، مثل ما رواه أبو بصير: " وينبغي للمعتكف إذا اعتكف أن يشترط كما يشترط الذي يحرم " (* 1)، وموثق عمر ابن يزيد: " واشترط على ربك في اعتكافك - كما تشترط في إحرامك - أن يحلك من اعتكافك عند عارض إن عرض لك، من علة تنزل بك من أمر الله تعالى " (* 2) وصحيح أبي ولاد: " عن امرأة كان زوجها غائبا، فقدم وهي معتكفة باذن زوجها، فخرجت حين بلغها قدومه من المسجد الى بيتها، فتهيأت لزوجها حتى واقعها. فقال (ع): إن كانت خرجت من المسجد قبل أن تنقضي ثلاثة أيام، ولم تكن اشترطت في اعتكافها، فان عليها ما على المظاهر " (* 3)، وصحيح محمد بن مسلم: " إذا اعتكف الرجل يوما ولم يكن اشترط فله أن يخرج ويفسخ الاعتكاف. وإن أقام يومين ولم يكن اشترط فليس له أن يفسخ اعتكافه حتى تمضي ثلاثة أيام " (* 4).
____________ (* 1) الوسائل باب: 9 من ابواب الاعتكاف حديث: 11. (* 2) الوسائل باب: 9 من ابواب الاعتكاف حديث: 2. (* 3) الوسائل باب: 6 من أبواب الاعتكاف حديث: 6. (* 4) الوسائل باب: 4 من أبواب الاعتكاف حديث: 1.
===============
( 582 )
{ حتى في اليوم الثالث (1)، سواء علق الرجوع على عروض عارض أولا. بل يشترط الرجوع متى شاء حتى بلا سبب عارض (2) ولايجوز له اشتراط جواز المنافيات (3) - كالجماع ونحوه - مع بقاء الاعتكاف على حاله. ولا يعتبر أن يكون الشرط المذكور حال النية (4)، فلا اعتبار بالشرط قبلها، أو بعد الشروع } (1) على المشهور، كما يقتضيه مفهوم صحيح ابن مسلم، وإطلاق غيره. وعن المبسوط: المنع عنه في الثالث. وكأنه لاطلاق مادل على المنع عن الخروج في الثالث. لكنه مقيد بما عرفت. (2) كما نسب إلى الظاهر الاكثر. لكن عن جماعة: التخصيص بالعذر لروايتي أبي بصير وعمر بن يزيد. وفيه - مع أنه مخالف لصحيح أبي ولاد فان حضور الزوج ليس عذرا قطعا، ولاسيما مع التصريح فيه بوجوب الكفارة للفسخ معه بلا شرط. وموجب لالغاء فائدة الشرط، وهو خلاف ظاهر النصوص -: أنه مخالف لاطلاق صحيح ابن مسلم. ولا مجال لحمل المطلق على المقيد في المقام، لعدم التنافي بينهما. بل لعل الصحيح المذكور كالنص في غير العارض، للمقابلة فيه بين اليومين الاولين والثالث، إذ لو كان المراد منه خصوص صورة العذر لم يكن فرق بينهما، فالتقابل بينهما إنما هو في جواز الفسخ في اليومين الاولين بلا عذر، وعدم جوازه في الثالث كذلك. ولاجل أن المفهوم تابع للمنطوق يختص مفهومه أيضا بصورة عدم العذر، كما لعله ظاهر بالتأمل. ومن ذلك يظهر ضعف احتمال التخصيص بالعارض ولو لم يكن عذرا شرعا. فلاحظ. (3) كما صرح به غير واحد. لاصالة عدم نفوذ الشرط، وعدم ترتب أثره عليه، والنصوص المتقدمة مختصة بما سبق. (4) كما نص عليه غير واحد. وهو الذي يقتضيه منصرف النصوص
===============
( 583 )
{ فيه وإن كان قبل الدخول في اليوم الثالث. ولو شرط حين النية ثم بعد ذلك أسقط حكم شرطه فالظاهر عدم سقوطه (1). وإن كان الاحوط ترتيب آثار السقوط، من الاتمام بعد إكمال اليومين. (مسألة 41): كما يجوز اشتراط الرجوع في الاعتكاف حين عقد نيته كذلك يجوز اشتراطه في نذره (2)، كأن يقول: } وما دل على أن وقته النية في الاحرام، مثل خبر الكناني: " يقول حين يريد أن يحرم: أن حلني حيث حبستني " (* 1) - ونحوه غيره - بضميمة مادل في المقام على أنه كما يشترط في الاحرام. وما عن الاردبيلي (ره): من احتمال أن وقته عند نية اليوم الثالث غير ظاهر. (1) لعدم الدليل على أنه من الحقوق القابلة للاسقاط. ومنه يظهر ما في الجواهر: من السقوط به، وفي النجاة جعله وجها موافقا للاحتياط. (2) على المشهور، بل قيل: لا خلاف فيه ظاهر، وعن التنقيح والمستند: الاجماع عليه. ووجهه غير ظاهر، كما أشار إليه في محكي المدارك والحدائق. وعوى: أنه لا حاجة الى دليل خاص يدل على المشروعية في النذر بل يكفي فيها ثبوته في الاعتكاف. فيها: أنها تتم لو كان المراد من الشرط في النذر تقييد الاعتكاف المنذور بالمشروط، لانه إذا كان الاعتكاف المشروع على نحوين: مطلق، ومشروط، جاز نذر كل واحد منهما، فيصح نذر الاعتكاف المشروط، كما يصح نذر الاعتكاف المطلق، فإذا جاء الاعتكاف بقصد الوفاء بالنذر، فقد قصد الاعتكاف المشروط، ومرجع ذلك إلى الاشتراط في الاعتكاف أيضا. لكن الظاهر من كلماتهم إرادة إيقاع الشرط وإنشائه في ضمن النذر، كسائر الشروط التي تكون في ضمن العقد أو الايقاع. وحينئذ فالاشكال عليه ظاهر، إذ المنذور إن كان هو
____________ (* 1) الوسائل باب: 22 من أبواب الاحرام حديث: 1.
===============
( 584 )
{ " لله علي أن أعتكف، بشرط أن يكون لي الرجوع عند عروض كذا، أو مطلقا ". وحينئذ فيجوز له الرجوع وإن لم يشترط حين الشروع في الاعتكاف، فيكفي الاشتراط حال النذر في جواز الرجوع، لكن الاحوط ذكر الشرط حال الشروع أيضا. ولافرق في كون النذر اعتكاف أيام معينة، أوغير معينة متتابعة أو غير متتابعة، فيجوز الرجوع في الجميع مع الشرط المذكور في النذر. ولا يجب القضاء بعد الرجوع مع التعيين (1) } الاعتكاف غير المشروط - كما هو الظاهر - فهو مما يمتنع فسخه، فشرط أن له الفسخ شرط أمر ممتنع، وإن كان هو المشروط فالشرط المذكور لغو. وإن شئت قلت: الشرط في النذر لادليل على صحته، فهو لغو. إلا أن يرجع إلى تقييد الاعتكاف المنذور بالمشروط، فيكون حاله حال سائر القيود، كما لو قال: " لله علي أن أعتكف اعتكافا مشروطا ". وليست صحته حينئذ من حيث كونه إيقاعا في ضمن إيقاع، بل من حيث كونه تقييدا للمنذور. مضافا إلى أن دعوى الاكتفاء بالشرط في النذر عن الشرط في الاعتكاف غير ظاهرة، فانه لابد في جواز الرجوع عن الاعتكاف من الشرط فيه، غاية الامر أنه يكفي الشرط الاجمالي، ولو الحاصل بقصد الوفاء بنذر المشروط، كما سبق. (1) بلا خلاف ظاهر - كما قيل - وعن التنقيح: الاجماع عليه. إذ ليس في الرجوع مخالفة للنذر، ليتحقق صدق الفوت، الذي هو موضوع وجوب القضاء. ودعوى: أن الاعتكاف الناقص ليس براجح ولا مشروع فلا يتعلق به النذر. فيها: أن ذلك خلاف فرض صحة النذر، وخلاف مادل على مشروعية الاعتكاف المشروط، فانه ظاهر في أنه راجح ومشروع ولو فسخ بعد ذلك. مع أنه لو سلم بطلان النذر فلا موجب للقضاء.
===============
( 585 )
{ ولا الاستئناف مع الاطلاق (1). (مسألة 42): لا يصح أن يشترط في اعتكاف أن يكون له الرجوع في اعتكاف آخر له غير الذي ذكر الشرط فيه (2). وكذا لا يصح أن يشترط في اعتكافه جواز فسخ اعتكاف شخص آخر من ولده، أو عبده، أو أجنبي. (مسألة 43): لا يجوز التعليق في الاعتكاف، فلو علقه بطل (3). إلا إذا علقه على شرط معلوم الحصول حين النية، فانه في الحقيقة لا يكون من التعليق. } (1) كما هو المشهور. لعين ما سبق من كونه وفاء بالنذر وإتيانا ببعض أفراد المنذور، فلا موجب للاستئناف. وما عن المعتبر والمنتهى والتذكرة وغيرها: من وجوب الاستئناف، غير ظاهر. (2) لعدم الدليل على ترتب الاثر عليه، والاصل عدمه. وعموم: " المسلمون عند شروطهم " (* 1) إنما يدل على نفوذ شرط المؤمن على نفسه لغيره، ولا يرتبط بما نحن فيه من الشرط على الله سبحانه. فاحتمال الصحة، للعموم المذكور - كما في الجواهر - ضعيف جدا. ومثله الكلام فيما بعده. (3) كما نص عليه في الجواهر، مرسلا له إرسال المسلمات. ودليله غير ظاهر. ودعوى: منافاته لحصول النية المعتبرة في العبادات ممنوعة، فان الامتثال الرجائي نوع من الامتثال، كالامتثال الجزمي. وقياس المقام على العقود والايقاعات التي يبطلها التعليق في غير محله، لانه مع الفارق، وهو الاجماع المنعقد هناك، الذي لاجله قيل ببطلان الانشاء المعلق إلا في بعض المورد، ولولاه كان القول بالصحة كليا صحيحا لا غبار عليه.
____________ (* 1) الوسائل باب: 6 من ابواب الخيار.