فصل في مكان المصلي والمراد به ما أستقر عليه (1) ولو بوسائط، وما شغله ] فصل في مكان المصلي (1) حكي عن جماعة منهم فخر الدين وجامع المقاصد والاردبيلي التصريح بأن المكان في عرف الفقهاء بين معنيين: أحدهما بإعتبار إباحته، والآخر بإعتبار طهارته. قال في جامع المقاصد: " ومن شروط الصلاة المكان المخصوص بالاتفاق، ويراد به بأعتبار إباحة الصلاة فيه وعدمها. الفراغ الذي يشغله بدن المصلي أو يستقر عليه بوسائط، وبإعتبار إشتراط طهارته وعدمه ما سنذكره بعد إن شاء الله تعالى. والشارح الفاضل ولد المصنف عرف المكان بإعتبار الاول في نظر الفقهاء بأنه ما يستقر عليه المصلي ولو بوسائط، وما يلاقي بدنه وثيابه، وما يتخلل بين مواضع الملاقاة من موضع الصلاة، كما يلاقي مساجده ويحاذي بطنه وصدره ". وأورده عليه فيما عن جامع المقاصد والروض والمدارك وغيرها بأنه يقتضي بطلان صلاة ملاصق الحائط المغصوب كما في المدارك، وكذا واضع الثوب المغصوب
===============
( 415 )
الذي لا هواء له بين الركبتين والجبهة، إذ الاول مما يلاقي بدنه، والثاني مما يتخلل بين مواضع الملاقاة. ولاجل ذلك عدل الجماعة عن تعريفه بذلك إلى تعريفه بأنه الفراغ الذي يشغله بدن المصلي أو يستقر عليه ولو بوسائط الراجع إليه تعريف المتن. وفيه: أن الاشكال الاول غير ظاهر، لان المراد من إسم الموصول في التعريف المكان بما له من المفهوم العرفي، وهو لا ينطبق على الجدار الملاصق لبدن المصلي. وكان الاولى إبدال الاشكال المذكور بأنه لازمه صحة الصلاة في الفضاء المغصوب إذا كان القرار مباحا مع المقدار الذي يتخلل بين مواضع الملاقاة. ثم إنه قد أستشكل في التعريف الثاني في جامع المقاصد بأن لازمه صحة الصلاة تحت السقف والخيمة المغصوبين ونحوهما. وأجاب بأن الفساد لو سلم ليس لعدم إباحة المكان، بل لانه تصرف في المغصوب. أقول: سيأتي إن شاء الله منع صدق التصرف في الخيمة بالصلاة تحتها، وكذا السقف، وعدم بطلان الصلاة على سطح الجدار إذا كان في أساسه حجر مغصوب، لعدم صدق التصرف فيه. فالتعريف المذكور أيضا لا يخلو عن إشكال. هذا وعن الايضاح وفي المدارك تعريفه بإعتبار الطهارة بما يلاقي بدنه وثوبه. وربما فسر بما يكون مسقط كل البدن، أو بما هو مسقط أعضاء السجود. وحيث أن لفظ المكان لم يقع في لسان دليل معتبر في المقامين أعني شرطي الاباحة والطهارة فلا يهم التعرض لتحقيق مفهومه ومعناه، وذكره في معاقد الاجماعات على إشتراط الاباحة لا يقتضي ذلك أيضا، للعم بأن مراد المجمعين منه ما يكون التصرف فيه متحدا مع الصلاة، ولو بلحاظ بعض أجزائها، بحيث يكون تحريمه تحريما لها. فالعمدة حينئذ تشخيص
===============
( 416 )
[ من الفضاء في قيامه، وقعوده، وركوعه، وسجوده، ونحوها. ويشترط فيه أمور. (أحدها): إباحته، فالصلاة في المكان المغصوب باطلة (1). ] مصاديق ذلك المفهوم ليترتب عليه الحكم بالبطلان. هذا من حيث الاباحة. وأما من حيث الطهارة فالمرجع في تحقيقه الادلة الدالة على إعتبار الطهارة، وأن الموضوع فيها خصوص مسجد الجبهة، أو موضع المساجد، أو موضع تمام بدن المصلي، وسيأتي الكلام في ذلك إن شاء الله. (1) للاجماع محكيه ومحصله، صريحا وظاهرا، مستفيضا إن لم يكن متواترا، كما في الجواهر. وفي مفتاح الكرامة: حكاية الاجماع عليه ظاهرا عن نهاية الاحكام، والناصرية، والمنتهى، والتذكرة، والمدارك، والدروس، والبيان، وجامع المقاصد، والغرية. قال في جامع المقاصد: " تحرم الصلاة في المكان المغصوب بإجماع العلماء إلا من شذ، وتبطل عندنا وعند بعض العامة ". وقريب منه ما في المدارك، ثم قال: " لان الحركات والسكنات الواقعة في المكان المغصوب منهي عنها كما هو المفروض، فلا تكون مأمورا بها، ضرورة إستحالة كون الشئ الواحد مأمورا به ومنهيا عنه ". ونحوه ما في غيرها. أقول: إمتناع إجتماع الامر والنهي بمجرده غير كاف في بطلان العبادة، لامكان التقرب بالملاك، إذ المصحح للعبادة لا ينحصر بالامر. ولذا بني على صحة الضد المهم إذا زاحمه الضد الاهم بناء على إمتناع الترتب مع أنه لا يعقل الامر بالضدين المتزاحمين، فليس الوجه في صحته إلا البناء على إمكان التقرب بالملاك، كما هو محرر في مسأله الضد من الاصول. فالعمدة في بطلان العبادة في مسألة الاجتماع عدم إمكان التقرب بما هو
===============
( 417 )
معصية، لان القرب والبعد ضدان لا يجتمعان، ولاجل أن المعصية مبعدة يمتنع أن تكون مقربة. ولو كان الملاك صالحا لان يتقرب به. نعم يبقى الكلام في المقدمة الاولى من أن أجزاء الصلاة تتحد مع الغصب في الخارج، فتكون محرمة، فإنها لا تخلو من إشكال، إذ الاقوال منها مثل تكبيرة الافتتاح والقراءة والتسبيح والتشهد والتسليم من قبيل الكيفيات القائمة بالصوت، تحدث بواسطة حركات اللسان، والكيفية ليست من التصرف في المغصوب فتحرم، ولو سلم أنها عين حركات اللسان فشمول ما دل على حرمة التصرف في المغصوب لمثلها محل إشكال، بل منعه غير واحد من المحققين. وأما القيام والجلوس والركوع: فقد عرفت في مبحث اللباس أنها هيئات قائمة بالبدن نظير الاستقامة والانحناء، وليست عبارة عن النهوض والهوي لتكون من التصرف في المغصوب المحرم. وأما السجود: فهو الانحناء الخاص مع مماسة الجبهة للارض، والانحناء من قبيل الهيئة التي قد عرفت أنها ليست متحدة مع التصرف المحرم، وأما المماسة، فإنما هي تصرف في المتماسين فإذا كانا مباحين كان مباحة. (ودعوى): أن المأخوذ في السجود الوضع، وهو لا يصدق إلا بأن يكون رفع، فمقدار من الهوي وهو ما يكون قبيل وصول الجبهة إلى الارض داخل في حقيقة السجود، فإذا كان حراما لانه تصرف في المغصوب إمتنع التعبد به. (مندفعة): بمنع ذلك جدا، بل الوضع ليس إلا نفس المماسة للارض على النحو المخصوص، ولذا يصدق على البقاء بعين صدقه على الحدوث، فلو وضع جبهته على الارض ساعة فهو في كل آن ساجد بعين السجود الذي ينطبق في الآن الاول مع أنه في الآن الثاني كل آن ساجد بعين السجود الذي ينطبق في الآن الاول مع أنه في الآن الثاني
===============
( 418 )
لا يكون الوضع عن رفع، وإنسباق ذلك إنما يكون من جهة أن صرف الوجود مسبوق بالعدم. ومنه يظهر الحال في دعوى ذلك في الركوع. نعم يعتبر في الركوع الواجب في الصلاة أن يكون عن قيام، وذلك لا يقتضي كون الهوي داخلا في حقيقته. ومن ذلك يظهر أن من سجد على أرض مغصوبة بطل سجوده وإن كان الفضاء مباحا له، ومن سجد على أرض مباحة صح سجوده وإن كان الفضاء مغصوبا، فمن صلى في الدار المغصوبة لا تفسد صلاته إلا إذا كان وضع جبهته ومساجده على مواضعها تصرفا في المغصوب. فإن قلت: يعتبر في الصلاة القرار على شئ ولو كان مثل الطيارات الجوية الدائرة الاستعمال في هذه الاعصار، فمن صلى في الهواء بين السماء والارض لا تصح صلاته لفقد القرار، وحينئذ فالصلاة في الدار المغصوبة باطلة، لاتحاد القرار على الارض في القيام والجلوس الركوع مع التصرف في المغصوب. قلت: لو سلم إعتباره فلا دليل على كونه بنحو الجزئية، ولم لا يكون بنحو الشرطية؟ وشروط العبادة من حيث هي شروط عبادة لا يعتبر فيها التقرب، فكونه محرما لانه تصرف في المغصوب. لا يقتضي فساد الصلاة كما هو ظاهر. فينحصر الحكم ببطلان الصلاة في المغصوب بما لو كان وضع المساجد على محالها تصرفا فيه، فلو إتفق عدم كونه كذلك لم يكن وجه الفساد، كما لو صلى على تخت مملوك مثبت في الدار المغصوبة بناء على عدم كفاية الاعتماد على المغصوب في صدق التصرف فيه. ولاجل ذلك قد يشكل إطلاق الاصحاب إعتبار إباحة المكان في صحة الصلاة. والاعتماد على الاجماعات المنقولة أشكل، لوضوح مستند المجمعين
===============
( 419 )
[ سواء تعلق الغصب بعينه أو بمنافعه (1)، كما إذا كان مستأجرا وصلى فيه شخص من غير إذن المستأجر وإن كان مأذونا من قبل المالك، أو تعلق به حق، كحق الرهن (2) وحق غرماء الميت (3)، ] ولا سيما مع نقل الخلاف عن الفضل بن شاذان، بل ظاهر محكي كلامه أن القول بالصحة كان مشهورا بين الشيعة كما إعترف به في محكي البحار. وأشكل منه الاستدلال عليه برواية إسماعيل الجعفي والمرسل عن تحف العقول المتقدمين في مبحث اللباس، فراجع. وبالمرسل عن غوالي اللئالي عن الصادق (عليه السلام): وفيه: " بل نبيح لهم المساكن لتصح عبادتهم " (* 1). فإن ضعف السند من غير جابر وقصور الدلالة مانع عن صلاحية الاستدلال كما لا يخفى. هذا والانصاف أن التشكيك في الاجماع في غير محله، كيف؟ وقد إتفقوا على شرطية الاباحة مع إختلافهم في جواز إجتماع الامر والنهي وإمتناعه، فأفتى بشرطية الاباحة من لا يقول بإمتناع الاجتماع، ولا يعارض ذلك خلاف الفضل ولا نقله، فلاحظ كلماتهم في شرطية الاباحة في الصلاة وكلامهم في مبحث الاجتماع تراهم متفقين على الاول مختلفين في الثاني. (1) لعدم الفرق في حرمة التصرف بين المذكورات. (2) للدليل الدال على حرمة تصرف الراهن في العين المرهونة بدون إذن المرتهن، والعمدة فيه الاجماع المستفيض النقل والنص، وإلا فحق الراهن بنفسه لا إقتضاء في ذلك. (3) هذا بناء على أن المال المقابل للدين باق على ملك الميت أو
===============
( 420 )
[ وحق الميت إذا أوصى (1) بثلثه ولم يفرز بعد ولم يخرج منه، وحق السبق كمن سبق إلى مكان من المسجد أو غيره فغصبه منه غاصب على الاقوى (2)، ونحو ذلك. وإنما تبطل الصلاة ] بحكم ملكه كما هو منسوب إلى جماعة كثيرة، ولعله الظاهر الذي يقتضيه ما دل من النصوص على الترتيب بين الكفن والدين والوصية والميراث (* 1) المقدم على عموم ما دل على إرث الوارث ما ترك الميت ظاهرا، لان التصرف فيه تصرف في مال الغير بغير إذنه. وأما بناء على أنه مملوك للوارث ويتعلق به حق الغرماء كما هو مذهب جمع من المحققين، وأختاره في الجواهر فلا يخلو من إشكال، لان التصرف بمثل الصلاة ليس منافيا لحقهم، إذ ليس هو أعظم من حق المرتهن الذي قد عرفت أنه لا إقتضاء له في نفسه للمنع عن التصرف لولا الدليل الخاص. وتمام الكلام في المسألة موكول إلى محله من كتاب الحجر. (1) فإن المال الموصى به باق على ملك الميت، فلا يجوز التصرف فيه بغير إذن وصيه. هذا لو أوصى بجزء مشاع، ولو أوصى بنحو الكلي في المعين كعشرة دراهم من تركته لم يكن مانع من التصرف، كما لو باع عشرة على النحو المذكور، فإنه يجوز للبائع التصرف فيما زاد على العشرة، لعدم منافاة ذلك لحق المشتري. (2) كما هو ظاهر جماعة، بل المشهور، وعن جامع المقاصد. والكفاية: أنه الوجه. ويقتضيه ظاهر النص أيضا، ففي مرسل محمد بن إسماعيل عن أبي عبد الله (عليه السلام) قلت له: " نكون بمكة أو بالمدينة أو الحيرة أو المواضع التي يرجى فيها الفضل فربما خرج الرجل يتوضأ فيجئ آخر
===============
( 421 )
فيصير مكانه. قال (عليه السلام): من سبق إلى موضع فهو أحق به يومه وليلته " (* 1) وخبر طلحة بن يزيد: " قال أمير المؤمنين (عليه السلام): سوق المسلمين كمسجدهم فمن سبق إلى مكان فهو أحق به إلى الليل " (* 2). وعن التذكرة: " لو دفعه عن مكانه أثم وحل له مكثه فيه وصار أحق من غيره به ". وفي الجواهر: " أما حق السبق في المشتركات كالمسجد ونحوه ففي بطلان الصلاة بغصبه وعدمه وجهان، بل قولان، أقواهما الثاني، وفاقا للعلامة الطباطبائي في منظومته، لاصالة عدم تعلق الحق للسابق على وجه يمنع الغير بعد فرض دفعه عنه، سواء كان هو الدافع أم غيره، وإن أثم بالدفع المزبور لاولويته، إذ هي أعم من ذلك قطعا. وربما يؤيده عدم جواز نقله بعقد من عقود المعاوضة، مضافا إلى ما دل على الاشتراك الذي لم يثبت إرتفاعه بالسبق المزبور، إذا عدم جواز المزاحمة أعم من ذلك، فتأمل ". وفيه أن الاصل لا مجال له مع النص. وعدم جواز النقل بعقد المعاوضة غير ثابت، ولو سلم فهو أعم من نفي الحق، إذ ليس من لوازم الحق جواز النقل إلى الغير، إذ لا دليل عليه. نعم جواز الاسقاط من لوازمه، وهو بلا مانع. مضافا إلى أنه لم يتضح إقتضاء الاولوية لحرمة الدفع، ولو علل الحرمة بأن الدفع عدوان على نفسه كان أولى. والمناقشة في النص بضعف السند لارسال الاول وضعف طلحة يمكن إندفاعها أولا: بظهور الاعتماد عليهما في الجملة. وثانيا: بأن الظاهر من محمد بن إسماعيل أنه إبن بزيع الذي هو أحد الاعيان، والراوي عنه أحمد بن محمد
===============
( 422 )
الظاهر عند الاطلاق في أحمد بن محمد بن عيسى الاشعري الذي أخرج أحمد إبن محمد بن خالد البرقي من (قم) لانه يروي عن الضعفاء ويعتمد المراسيل وطلحة قيل: إن كتابه معتمد، والراوي عنه هذا الحديث جماعة من الاعيان، ومنهم إبن عيسى المتقدم، ولعل هذا المقدار كاف في إدخال الروايتين تحت خبر الثقة. وأضعف من ذلك المناقشة في الدلالة من جهة أن الاحقية في المقام يراد منها مجرد الاولوية بقرينة صيغة التفضيل، لا كما في موارد الحقوق مثل ملك الانتفاع كي يكون التصرف في المكان تصرفا في حق الغير. إذ يدفعها أيضا: أن صيغة التفضيل تستعمل كثيرا مع عدم الاشتراك في المبدأ نظير ما ورد من أن الزوج أحق بزوجته، والميت أحق بماله ما دام فيه الروح، ونحو ذلك. و (بالجملة): دلالة الكلام على منع الغير من التصرف ظاهرة، ومنعها مكابرة، والحمل على إلاستحباب محتاج إلى قرينة صارفة، وهي مفقودة. نعم قد يوهنهما عدم ظهور العمل بالتحديد المذكور فيهما، وتعارضهما فيه، وعدم ظهور القول بإطلاقهما من حيث وجود الرجل وعدمه، بل وإطلاق الثاني من حيث نية العود وعدمه. قال في الجواهر: " لا خلاف ولا إشكال في سقوط الحق لو قام مفارقا رافعا يده عنه " وقال فيها أيضا: " لا خلاف في سقوط حقه مع عدم الرجل وإن نوى العود وكان قيامه لضرورة من تجديد طهارة ونحوها ". نعم حكى بعد ذلك عن التذكرة القول بثبوته. أما إذا كان القيام لغير ضرورة فلا ريب ولا خلاف في سقوط حقه كما هو الجواهر أيضا. (وبالجملة): مراجعة كلامهم في كتاب الاحياء تقتضي البناء على وهن الحديثين لو جمعا شرائط الحجية في أنفسهما، فراجع.
===============
( 423 )
[ إذا كان عالما عامدا، وأما إذا كان غافلا أو جاهلا أو ناسيا فلا تبطل (1). نعم لا يعتبر العلم بالفساد، فلو كان جاهلا بالفساد مع علمه بالحرمة والغصبية كفى في البطلان. ولا فرق بين النافلة والفريضة في ذلك (2) على الاصح. ] نعم لا خلاف ولا إشكال في أن من سبق إلى مكان من المسجد فهو أحق به ما دام جالسا. وفي مفتاح الكرامة: " إجماعا محصلا بل كاد يكون ضروريا ". إلا أن كون معنى الاحقية ثبوت حق له في المكان بحيث يكون التصرف فيه غصبا للحق لو كان قد دفعه ظلما غير ظاهر فتأمل جدا. (1) تقدم الكلام في ذلك في مبحث إعتبار إباحة اللباس، وأن المعيار في مبطلية الغصب للعبادة عدم المعذوريه في مخالفة النهي فإن كان معذورا صحت العبادة، فراجع. (2) كما هو ظاهر الاصحاب حيث أطلقوا إعتبار الاباحة في الصلاة. وعن المحقق: صحة النافلة في المغصوب معللا بأن الكون ليس جزءا منها ولا شرطا فيها. أقول: لولا تعليله بما ذكر لامكن توجيهه بما عرفت من أن القول بفساد الصلاة في المكان المغصوب ليس إلا من جهة أن وضع المساجد على محلها المغصوب تصرف فيه فيبطل وتبطل الصلاة، والنافلة لا يعتبر فيها الوضع المذكور، بل يجزئ أقل مراتب الانحناء الحاصل بالايماء الذي قد عرفت أنه ليس تصرفا عرفا في المغصوب كالركوع. لكن تعليله بذلك موجب لتوجه الاشكال عليه بأن غاية الفرق بين النافلة والفريضة أنه لا يعتبر فيها الاستقرار، ولا الركوع والسجود، فيجزئ فعلها ماشيا مومئا،
===============
( 424 )
[ (مسأله 1): إذا كان المكان مباحا ولكن فرش عليه فرش مغصوب فصلى على ذلك الفرش بطلت صلاته، وكذا العكس (1). (مسألة 2): إذا صلى على سقف مباح وكان ما تحته من الارض مغصوبا، فإن كان السقف معتمدا على تلك الارض تبطل الصلاة عليه (2)، وإلا فلا. ] والايماء أيضا تصرف في المغصوب كالركوع والسجود. أللهم إلا أن يمنع حرمته بخلاف الركوع والسجود كما هو ظاهر محكي كشف اللثام، حيث إختار صحة فعل النافلة في المغصوب ماشيا موميا للركوع والسجود، وبطلانها مع الركوع والسجود. (وكيف كان) فالظاهر أن مراد المحقق من صحة النافلة في المغصوب صحتها في الجملة، بأن يأتي بها ماشيا موميا، لا صحتها ولو ركع وسجد فيها، فإن بطلان الركوع والسجود موجب لبطلانها، أللهم إلا أن يجتزئ بالايماء الحاصل في ضمنها وإن لم يقصد منه البدلية. فتأمل. (1) لان السجود على الفراش تصرف فيه وفي الارض معا، فإذا حرم أحدهما حرم السجود وبطل، فتبطل الصلاة. (2) كأنه لصدق التصرف في المغصوب ولو بالواسطة، نظير الصلاة على فراش مباح مفروش على أرض مغصوبة. وفيه: منع ذلك جدا، فإن الكون على السقف تصرف فيه وليس تصرفا فيما يعتمد عليه السقف، وإنما هو إنتفاع به، والانتفاع بالمغصوب غير محرم، لعدم الدليل عليه، فإن أدلة التحريم ما بين مصرح فيه بحرمة التصرف مثل التوقيع الشريف: " فلا يحل لاحد أن يتصرف في مال غيره بغير إذنه " (* 1)، وبين ما هو
===============
( 425 )
محمول عليه مثل موثق سماعة: " لا يحل دم إمرئ مسلم ولا ماله إلا بطيبة نفسه " (* 1). إذ هو إما ظاهر في حرمة الاتلاف، أو التصرف، أو مجمل محمول على ذلك، كيف؟ وتحليل الانتفاع الحاصل بالمجاورة كالاصطلاء بنار الغير والاستظلال بجداره أو بالنظر كالتلذذ بالنظر إلى التماثيل الجميلة والصور الغريبة، والبساتين والحدائق النضرة أو بالسماع كالتلذذ بالاصوات المفرحة أو بالشم كما في الطيب والرياحين أو بغير ذلك مما لا يحصى كثرة كاد أن يكون من الضروريات الشرعية والعقلائية. وما دل على حرمة الظلم والعدوان غير شامل لذلك قطعا. ومن ذلك يظهر الاشكال فيما هو ظاهر الجواهر من حرمة الانتفاع بمال الغير كحرمة التصرف فيه. وإن قوى الصحة في الفرض ونحوه بناء منه على عدم إتحاد الانتفاع بمال الغير مع الاجزاء الصلاتية بخلاف التصرف بمال الغير. قال (ره) في مسألة الصلاة تحت الخيمة والسقف المغصوبين -: " قد تقوى الصحة وفاقا للشهيدين في البيان والمحكي عن الروض والمحقق الجزائري في شافيته والعلامة المجلسي في البحار، للفرق الواضح بين الانتفاع حال الصلاة وبين كون الصلاة نفسها تصرفا منهيا عنه، والمتحقق في الفرض الاول، إذ الاكوان من الحركات السكنات في الفضاء المحلل ويقارنها حالها الانتفاع بالمحرم، وهو أمر خارج عن تلك الاكوان لا أنها من أفراده، ضرورة عدم حلول الانتفاع فيها حلول الكلي في أفراده كما هو واضح بأدنى تأمل ". ونحوه كلامه بعد ذلك أيضا. مضافا إلى أن الانتفاع وإن لم يتحد مع الافعال الصلاتية فهو متحصل بها وهي محصلاته، فتحريمه تحريم لها، لان علة الحرام حرام، فيرجع المحذور. وبذلك أيضا يندفع إشكاله على
===============
( 426 )
[ لكن إذا كان الفضاء الواقع فيه السقف مغصوبا أو كان الفضاء الفوقاني الذي يقع فيه بدن المصلي مغصوبا بطلت في الصورتين (1) (مسألة 3): إذا كان المكان مباحا وكان عليه سقف مغصوب، فإن كان التصرف في ذلك المكان يعد تصرفا في السقف بطلت الصلاة فيه (2)، وإلا فلا، فلو صلى في قبة سقفها أو جدرانها مغصوب وكان بحيث لا يمكنه الصلاة فيها إن لم يكن سقف أو جدار (3)، أو كان عسرا وحرجا ] بعض الاعيان حيث أعتبر في المكان الاباحة بحيث لا يتوجه إليه منع التصرف أو الانتفاع بوجه من الوجوه. فالعمدة في وجه صحة الصلاة ما ذكرنا من عدم صدق التصرف المحرم، ولا يجدي صدق الانتفاع، لعدم كونه محرما، فلاحظ. وتقدم في شرائط الوضوء ما له نفع تام في المقام، فراجع (1) أما في الصورة الثانية: فظاهر على ما سبق. وأما في الاولى: فغير ظاهر إذ الافعال الصلاتية ليست تصرفا في الفضاء وإن كانت تصرفا في السقف. فإن مماسته بالجلوس عليه أو السجود عليه أو الركوع عليه أو نحوها تصرف فيه عرفا، ومماسة الفضاء ليست كذلك، بل لا معنى لتطبيق المماسة بالنسبة إليه. (2) قد أشرنا سابقا إلى أن الصلاة تحت السقف ليست تصرفا فيه مطلقا فالوجه الصحة مطلقا، كما في الجواهر وحكاه عن جماعة كما سبق. (3) ما ذكر إنما يناط به صدق الانتفاع، فإن تحقق صدق، وإلا فلا، لا صدق التصرف فإنه غير صادق مطلقا. وكذا الحال في الخيمة المغصوبة والاطناب والمسامير. ولاجل ما عرفت من عدم الدليل على حرمة الانتفاع بالمغصوب إذا لم يكن تصرفا فيه لا وجه للحكم بالبطلان في جميع ذلك.
===============
( 427 )
[ كما في شدة الحر أو شدة البرد بطلت الصلاة، وإن لم يعد تصرفا فيه فلا. ومما ذكرنا ظهر حال الصلاة تحت الخيمة المغصوبة فإنها تبطل إذا عدت تصرفا في الخيمة، بل تبطل على هذا إذا كانت أطنابها أو مساميرها غصبا كما في الغالب، إذ في الغالب (1) يعد تصرفا فيها، وإلا فلا. (مسألة 4): تبطل الصلاة على الدابة المغصوبة (2)، بل وكذا إذا كان رحلها أو سرجها أو وطاؤها غصبا، بل ولو كان المغصوب نعلها. (مسألة 5): قد يقال ببطلان الصلاة على الارض التي تحتها تراب مغصوب ولو بفصل عشرين ذراعا، وعدم بطلانها إذا كان شئ آخر مدفونا فيها، والفرق بين الصورتين مشكل (3)، وكذا الحكم بالبطلان، لعدم صدق التصرف في ذلك ] (1) لا تخلو العبارة من تشويش، وكان الاولى أن يقال: إذا كان بحيث يتوقف الاستظلال بالخيمة على الطنب أو المسمار المغصوب، بأن يكون محتاجا إليه في نصبها، ولو لم يكن كذلك بحيث لا يتوقف الاستظلال بها حال الصلاة عليه لا يقدح كونه مغصوبا في صحة الصلاة. (2) إذا كان السجود بالايماء لا وجه للبطلان، إذ لا تصرف في الدابة ينطبق على أفعال الصلاة كما سبق. نعم لو قلنا بأن الجلوس الصلاتي ينطبق على الكون على الدابة، وأن الاستقرار على شئ من أجزاء الصلاة التي يجب فيها التعبد كان البطلان متعينا. وكذا الحال في السرج والوطاء، بل وكذا النعل وإن كان صدق التصرف فيه لا يخلو من خفاء. (3) يمكن أن يكون الفرق: أن المدفون لا إعتماد عليه ولو بالواسطة
===============
( 428 )
[ التراب أو الشئ المدفون. نعم لو توقف الاستقرار (1) والوقوف في ذلك المكان على ذلك التراب أو غيره يصدق التصرف ويوجب البطلان. (مسألة 6): إذا صلى في سفينة مغصوبة بطلت (2) وقد يقال بالبطلان إذا كان لوح منها غصبا. وهو مشكل على إطلاقه، بل يختص البطلان بما إذا توقف الانتفاع بالسفينة على ذلك اللوح (3). (مسألة 7): ربما يقال ببطلان الصلاة على دابة خيط جرحها بخيط مغصوب. وهذا أيضا مشكل، لان الخيط يعد تالفا (4) ويشتغل ذمة الغاصب بالعوض، إلا إذا أمكن رد الخيط إلى مالكه مع بقاء ماليته (5). ] بخلاف التراب المغصوب، فإذا بني على صدق التصرف بالاعتماد ولو بالواسطة صدق في التراب دون المدفون. (1) قد عرفت أن هذا ليس معيارا لصدق التصرف وإنما هو معيار لصدق الانتفاع. (2) بعين الوجه المتقدم في الارض المغصوبة. (3) فيه الاشكال المتقدم من أن صدق الانتفاع لا يستلزم صدق التصرف والمحرم هو التصرف دون الانتفاع. (4) تقدم الكلام فيه في مبحث اللباس. (5) بل لو أمكن ذلك لا متقضي للبطلان، إذ ليس الركوع على الدابة تصرفا فيه، بل ولا إنتفاعا به، إلا إذا إمتنع سير الدابة بدون الخيط، وحينئذ يتوقف البطلان على حرمة الانتفاع بالمغصوب
===============
( 429 )
[ (مسألة 8): المحبوس في المكان المغصوب يصلي فيه قائما مع الركوع والسجود (1) إذا لم يستلزم تصرفا زائدا على الكون فيه على الوجه المتعارف كما هو الغالب. وأما إذا إستلزم تصرفا زائدا فيترك ذلك الزائد ويصلي بما أمكن ] (1) لان المحبوس مضطر إلى شغل مقدار من الفراغ يساوي بدنه لا يمكنه أن يشغل ما يزيد عليه، كما لا يمكنه أن يقتصر على ما دونه سواء أكان قائما، أم قاعدا، أم راكعا، أم ساجدا، أم مضطجعا، أم مستلقيا، أم مكبوبا على وجهه، أم غير ذلك من الكيفيات، فهو في جميع الحالات المذكورة شاغل مقدارا واحدا لا يزيد عليه بتمدد الجسم ولا ينقص عنه بتقلصه، وحيث أنه لا معين لواحد من الاكوان المذكورة يتخير عقلا بينها، فإذا أراد الصلاة وجوبا أو إستحبابا لم يكن مانع من أن يصلي صلاة المختار نعم لو كان ذلك يستلزم تصرفا زايدا كما لو كان المكان ضيقا يتوقف القيام فيه أو الركوع أو السجود على هدم موضع منه أو حفره أو نحوهما لم يجز له ذلك التصرف، وأقتصر على المقدار الممكن. قال في الجواهر: " من الغريب ما صدر من بعض متفقهة العصر بل سمعته من بعض مشايخنا الجواهر: " من الغريب ما صدر من بعض متفقهة العصر بل سمعته من بعض مشايخنا المعاصرين من أنه يجب على المحبوس الصلاة على الكيفية التي كان عليها أول الدخول إلى المكان المحبوس فيه إن قائما فقائما، وإن جالسا فجالسا، بل لا يجوز له الانتقال إلى حالة أخرى في غير الصلاة أيضا، لما فيه من الحركة التي هي تصرف في مال الغير بغير إذنه. ولم يتفطن أن البقاء على السكون الاول تصرف أيضا لا دليل على ترجيحه على ذلك التصرف ". أقول: ما ذكر إنما يتم بالاضافة إلى الفضاء، أما بالاضافة إلى
===============
( 430 )
[ من غير إستلزام. وأما المضطر إلى الصلاة في المكان المغصوب فلا إشكال في صحة صلاته (1). (مسألة 9): إذا إعتقد الغصبية وصلى فتبين الخلاف فإن لم يحصل منه قصد القربة بطلت، وإلا صحت (2). وأما إذا أعتقد الاباحة فتبين الغصبية فهي صحيحة (3) من غير إشكال. (مسألة 10): الاقوى صحة صلاة الجاهل بالحكم ] الارض فالتصرف فيها بالجلوس أكثر من التصرف فيها بالقيام، وكذا التصرف فيها بالجسود. وكذا الحال في الاستنجاء والوضوء والغسل، فإن إراقة الماء في الارض تصرف فيها غير التصرف في الفضاء بنفس الفعل، وعليه فلا يجوز له الوضوء، ولا الغسل ولا الاستنجاء إذا إستلزم إراقة الماء في الارض، فتأمل جيدا. وقد تقدمت الاشارة إلى ذلك في مباحث التيمم. (1) لم يتضح الفرق بين المضطر والمحبوس مع أن المحبوس من أفراده عندهم، فتخصيصه بأنه لا إشكال في صحة صلاته غير ظاهر، بل هما واحد إشكالا ووضوحا. (2) حصول قصد القربة مع كون الفعل مبعدا غير كاف في صحة العبادة، ولاجل ذلك بني على بطلان العبادة بناء على الامتناع ولو حصلت نية القربة بلحاظ الملاك، وعليه فإن بني على قبح التجرؤ وإستحقاق فاعله العقاب عليه يتعين القول بالبطلان وإن حصلت نية القربة، وإن بني على غير ذلك تعين القول بالصحة إذا حصلت نية القربة. (3) لان إعتقاد الخلاف يكون عذرا في مخالفة النهي، فلا يكون الفعل مبعدا، ولا يكون مانع من حصة العبادة.
===============
( 431 )
[ الشرعي وهي الحرمة، وإن كان الاحوط البطلان، خصوصا في الجاهل المقصر (1). (مسألة 11): الارض المغصوبة المجهول مالكها لا يجوز التصرف فيها ولو بالصلاة (2)، ويرجع أمرها إلى الحاكم الشرعي (3). وكذا إذا غصب آلات وأدوات من الآجر ونحوه وعمر بها دارا أو غيرها ثم جهل المالك، فإنه لا يجوز التصرف ويجب الرجوع إلى الحاكم الشرعي. (مسألة 12): الدار المشتركة لا يجوز لواحد من الشركاء التصرف فيها إلا بإذن الباقين (4). ] (1) بل البطلان فيه متعين، لعدم كونه معذورا في مخالفة النهي، فيكون فعله مبعدا، فلا يمكن أن يصح عبادة. وليس الحال كذلك في القاصر. (2) لاطلاق ما دل على حرمة التصرف في مال الغير بغر إذنه. (3) لثبوت ولايته على مثل ذلك، لقوله (عليه السلام): " قد جعلته قاضيا " (* 1) أو " حاكما " (* 2). بناء على أن الولاية على مثل ذلك من وظائف القضاة والحكام في عصر الجعل المذكور، وللتوقيع المشهور: " وأما الحوادث الواقعة فأرجعوا فيها إلى رواة حديثنا " (* 3)، بناء على ظهوره في أمثال ذلك من الوقائع الخارجية التي يتحير في كيفية العمل فيها لا من حيث الحكم الكلي. لكن المبنيين غير ظاهرين. وقد تعرض لوجه الحكم المذكور في المتن في كتاب الخمس في مبحث الكنز، فراجع. (4) لاطلاق ما دل على حرمة التصرف في مال الغير الشامل
===============
( 432 )
[ (مسألة 13): إذا إشترى دارا من المال غير المزكى أو غير المخمس يكون بالنسبة إلى مقدار الزكاة أو الخمس فضوليا (1)، فإن أمضاه الحاكم ولاية على الطائفتين من الفقراء ] للمشترك وغيره. (1) أما في الزكاة: فلظاهر الاجماع على تعلقها بالعين، وإن إختلف في كونه بنحو الشركة والاشاعة، أو الكلي في المعين، أو من قبيل حق الرهانة، أو على نحو آخر، وعلى كل فالتصرف في المال بالبيع أو غيره تصرف في مال الغير أو في موضوع حقه بغير إذنه يتوقف نفوذه على إذنه ويشهد له مصحح عبد الرحمن بن الحجاج: " قلت لابي عبد الله (عليه السلام): رجل لم يزك إبله أو شاته عامين فباعها، على من إشتراها أن يزكيها لما مضى؟ قال (عليه السلام): نعم تؤخذ منه زكاتها ويتبع بها البائع، أو يؤدي زكاتها البائع " (* 1). وأما في الخمس: فالمعروف أنه متعلق بالعين على سبيل الاشاعة. ويقتضيه ظاهر أدلته. نعم قد يظهر من بعض النصوص جواز بيع المالك ويتعلق الخمس بثمنه، ففي رواية الحرث بن حصيرة الازدي قال (عليه السلام) لمن وجد كنزا فباعه بغنم: " أد خمس ما أخذت، فإن الخمس عليك، فإنك أنت الذي وجدت الركاز وليس على الآخر شئ لانه إنما أخذ ثمن غنمه " (* 2)، وفى مصحح الريان بن الصلت: " ما الذي يجب علي يا مولاي في غلة رحى أرض في قطيعة لي، وفي ثمن سمك وبردي وقصب أبيعه من أجمة هذه القطيعة؟ فكتب (عليه السلام): يجب عليك فيه الخمس إن شاء الله " (* 3)
===============
( 433 )
[ والسادات يكون لهم، فيجب عليه أن يشتري هذا المقدار من الحاكم، وإذا لم يمض بطل وتكون باقية على ملك المالك الاول. (مسألة 14): من مات وعليه من حقوق الناس كالمظالم أو الزكاة أو الخمس لا يجوز لورثته التصرف في تركته (1) ولو بالصلاة في داره قبل أداء ما عليه من الحقوق. ] وفي رواية أبي بصير المروية عن السرائر: " فيمن يكون في داره البستان فيها الفاكهة، منها ما يأكله العيال، ومنها ما يبيعه، هل عليه الخمس؟ فكتب (عليه السلام): أما ما أكل فلا، وأما البيع فنعم، هو كسائر الضياع " (* 1) لكن الاولى ضعيفة السند، والاخيرتان غير ظاهرتين في البيع بعد إستقرار الخمس بكمال السنة، بل ولا إطلاق لهما يقتضيه، لعدم ورودهما لبيان هذه الجهة. فالخروج عن عموم ما دل على عدم جواز التصرف بغير إذن المالك، ومثل قولهم (عليهم السلام): " ولا يحل لاحد أن يشتري من الخمس حتى يصل إلينا حقنا " (* 2). غير ظاهر. وتمام الكلام في كتاب الخمس وكتاب الزكاة. (1) لوضوح أن الحقوق المذكورة من قبيل الدين كما تضمنه خبر عباد الآتي، وهو مانع عن التصرف في التركة في الجملة بلا إشكال ولا خلاف. نعم في إقتفائه إطلاق المنع تأمل. ومحصل ما يقال في المقام: هو أنه لا خلاف ولا إشكال في إنتقال التركة إلى الوارث بمجرد موت الموروث إذا لم يكن وصية ولا دين، كما لا خلاف أيضا في إنتقال ما يزيد على الدين والوصية معهما، ولكن أختلفوا
===============
( 434 )
في إنتقالها إليه مع الدين المستوعب، وفي إنتقال تمامها مع الدين غير المستوعب على قولين: (أحدهما): أنها تنتقل، وهو المحكي عن كثير من كتب العلامة وجامع المقاصد وغيرها، وعن ظاهر التذكرة: الاجماع عليه، وأختاره في الجواهر. (وثانيهما): أنها لا تنتقل، ونسب إلى الحلي والمحقق والعلامة في الارشاد وغيرهم، وعن المسالك والمفاتيح: نسبته إلى الاكثر. وقد إستدل لكل من القولين بأدلة لا تخلو من خدش أو منع والاظهر: الاخير. والعمدة فيه: النصوص المتضمنة للترتيب بين الكفن، والدين، والوصية، والميراث، مثل خبر محمد بن قيس: " قال أمير المؤمنين (عليه السلام): إن الدين قبل الوصية، ثم الوصية على أثر الدين، ثم الميراث بعد الوصية، فإن أول القضاء كتاب الله " (* 1)، وخبر السكوني: " أول شئ يبدأ به من المال الكفن، ثم الدين، ثم الوصية، ثم الميراث " (* 3)، وخبر عباد بن صهيب: " في رجل فرط في إخراج زكاته في حياته فلما حضرته الوفاة حسب جميع ما فرط فيه مما يلزمه من الزكاة، ثم أوصى به أن يخرج ذلك فيدفع إلى من يجب له. قال (عليه السلام): جائز يخرج ذلك من جميع المال إنما هو بمنزلة دين لو كان عليه، ليس للورثة شئ حتى يؤدوا ما أوصى به من الزكاة " (* 3). ونحوها غيرها. ولا ينافيها الاجماع على ملك الوارث للزائد على المقدار المساوي للوصية والدين، بتوهم: أنها ظاهرة في نفي أصل الميراث مع أحدهما كي
===============
( 435 )
يتصرف فيها بحملها على إرادة بيان أن سهام الوارث ليس مخرجها أصل المال، بل مخرجها المقدار الزائد على الدين والوصيه، فلا تدل على حكم المقدار المساوي لهما، وأنه باق على ملك الميت أو موروث للوارث، فإذا خلت عن التعرض لذلك وجب الرجوع في تعيين حكمه إلى عموم: " ما ترك الميت فهو لورثته " (* 1) كما صنعه في الجواهر. ووجه عدم المنافاة: أن ظاهر النصوص المذكورة ليس هو الترتيب الزماني ضرورة بطلانه، بل الترتيب بمعنى الترجيح والاهمية، فيختص بصورة التزاحم، وهو إنما يكون في خصوص المقدار المساوي للدين أو الوصية، فتدل على أن مقدار الدين لا مجال للعمل بالوصية فيه ولا توارث في تنافي إرث الزائد على الدين، ولا وجوب العمل بالوصية فيه. كما أن مقدار الوصية لا توارث فيه، فلا تنافي ثبوت التوارث في الزائد عليه. وبالجملة: لما كان مفاد النصوص هو الترجيح يختص نفي التوارث فيها بما كان فيه تزاحم، وهو خصوص ما كان مساويا للدين، وبخصوص الثلث الذي هو مورد وجوب العمل بالوصية، ولا تعرض فيها لنفي الارث في الزائد على الدين والوصية كما لا يخفى. وحملها على تحديد السهام مع أنه يختص بما ذكر فيه السهام كالآية (* 2)، ولا يجري في غيره كالنصوص المتقدمة أنه يقتضي إختصاص الارث بمخرج السهام، إذ لا إرث لغيره، وذلك مناف للبناء على موروثية الجميع. ودعوى إهمالها من هذه الجهة، وأنها متعرضة لحكم الزائد، وأن توارثه على النحو المذكور من التسهيم، فلا ينافي ثبوت الارث في غيره مع أنها خلاف الظاهر
===============
( 436 )
لازمها البناء على كون إرث المقدار المساوي للدين لا على نحو التسهيم، إذ لا دليل حينئذ على هذا التسهيم، ومقتضى الرجوع إلى عموم: " ما ترك الميت فهو لوارثه " في إثبات إرث المقدار المساوي للدين أن يكون ذلك على نحو الشركة، فتأمل جيدا. وبالجملة: ظاهر النصوص المذكورة عدم إرث المقدار المساوي للدين والوصية والكفن، فالبناء عليه متعين، ولاجل أنه لا مانع من البناء على ملك الميت عقلا ولا عقلائيا تعين البناء على كونه باقيا على ملك الميت. وعليه فلا ينبغي التأمل في عدم جواز تصرف الورثة في التركة، لانه تصرف بغير الملك، كما أنه على القول الاول لاإشكال في تعلق الدين بالتركة في الجملة. وفي الجواهر: " الاجماع بقسميه عليه " كما لا إشكال في عدم جواز التصرف بالاتلاف ونحوه مما يوجب ذهاب موضوع الحق المذكور. ثم إن كان الحق قائما بالتركة بما هي مملوكة للوارث لم يجز له التصرف الناقل للعين عن الملك، لان الحق كما يمنع عن إذهاب الموضوع يمنع عن إذهاب قيده، وإن كان قائما بذات العين لا بالقيد المذكور جاز التصرف الناقل، وحينئذ فهل للديان حق الفسخ على تقدير تعذر الوفاء من غير العين كما هو المشهور في حق الجناية أولا؟ وجهان ينشآن من كون الحق المملوك للديان هو أخذ العين من الورثة، أو مطلقا، فعلى الاول: يكون له الفسخ فيرجع المشتري بالثمن على الوارث. وعلى الثاني: لا يكون له الفسخ فيأخذ العين من كل من وجدها عنده. وكيف كان فلو قيل بالمنع من البيع ونحوه فلا وجه ظاهر للمنع عن مطلق التصرف، ولا سيما إذا لم يكن له قيمة معتد بها عند العقلاء كالصلاة والوضوء، بحيث تكون التركة كمال الغير لا يجوز مطلق التصرف فيها.
===============
( 437 )
[ (مسألة 15): إذا مات وعليه دين مستغرق للتركة لا يجوز للورثة ولا لغيرهم التصرف في تركته قبل أداء الدين بل وكذا في الدين غير المستغرق (1) إلا إذا علم رضا الديان (2) ] وتمام الكلام في المسألة موكول إلى محله. ثم إنه قد ورد في صحيح إبن سنان: " في الرجل يموت وعليه دين فيضمنه ضامن للغرماء. قال (عليه السلام) إذا رضي الغرماء فقد برئت ذمة الميت " (* 1)، وعليه فلا مانع من التصرف كما لو لم يكن دين من الاول. (1) كما عن جامع الشرائع، وميراث القواعد، وحجر الايضاح ورهنه، وغيرها، فلم يفرق فيها بين الدين المستغرق وغيره في المنع عن التصرف، إذ لا أولوية لبعض من بعض في إختصاص التعلق به، ولان الاداء لا يقطع بكونه بذلك البعض لجواز التلف، ولما دل على تعليق الارث على مطلق الدين. وعن جامع المقاصد وغيره: الفرق بينهما، ويشهد له صحيح البزنطي: " عن رجل يموت ويترك عيالا وعليه دين أينفق عليهم من ماله؟ قال (عليه السلام): إن إستيقن أن الذي عليه يحيط بجميع المال فلا ينفق عليهم، وإن لم يستيقن فلينفق عليهم من وسط المال " (* 2). ونحوه غيره. وموردهما التصرف المتلف، فالتعدي إلى غيره أولى، ولا سيما مع إمكان المناقشة فيما ذكر دليلا للاول بالتأمل فيما ذكرنا آنفا. فتأمل. (2) إذا بنينا على بقاء التركة على ملك الميت لم يجد رضا الديان في
===============
( 438 )
[ بأن كان الدين قليلا والتركة كثيرة والورثة بانين على أداء الدين غير متسامحين، وإلا فيشكل حتى الصلاة في داره. ولا فرق في ذلك بين الورثة وغيرهم. وكذا إذا لم يكن عليه دين ولكن كان بعض الورثة قصيرا أو غائبا أو نحو ذلك (1) (مسألة 16): لا يجوز التصرف حتى الصلاة في ملك الغير إلا بإذنه الصريح أو (2) الفحوى أو شاهد ] جواز تصرف الوارث، لان المانع كونه ملكا للميت، وهو حاصل وإن رضي الديان بالتصرف. أللهم إلا أن يرجع رضاه إلى إبراء ذمة الميت من الدين، فيكون المال حينئذ ملكا للوارث، كما لو لم يكن دين من الاول. نعم بناء على إنتقالها إلى الوارث يجدي رضا الديان في جواز التصرف، إذ المانع حقه لا غير فيرتفع برضاه لكن عرفت أنه على هذا المبنى لا وجه للمنع عن التصرف بمثل الصلاة مما لا مجال فيه لتوهم المزاحمة مع الدين. (1) لما تقدم من عدم جواز التصرف في المشترك إلا بإذن جميع الشركاء. (2) أقول: ظاهر التوقيع الشريف المروي عن الاحتجاج (* 1) إعتبار الاذن الظاهر في الاذن الانشائية، وعدم الاكتفاء بالرضا النفسي. وظاهر مثل موثق سماعة (* 2) إعتبار الرضا النفسي ومقتضى الجمع العرفي إعتبارهما معا، لكن لما كانت الاذن من قبيل الطريق العرفي إلى الرضا كان الجمع العرفي بين الدليلين حمل الاول على الحكم الظاهري، والثاني على الحكم الواقعي، فيكون الموضوع للحكم الواقعي هو الرضا الباطني، والموضوع للحكم الظاهري هو الاذن، كما هو الحال في كل ما كان من هذا القبيل مما علق فيه الحكم
===============
( 439 )
[ الحال، والاول كأن يقول: (أذنت لك بالتصرف في داري) بالصلاة فقط أو بالصلاة وغيرها والظاهر عدم أشتراط حصول العلم برضاه (1)، بل يكفي الظن الحاصل بالقول المزبور، لان ظواهر الالفاظ معتبرة عند العقلاء. والثاني: كأن يأذن ] تارة على الطريق وأخرى على ذي الطريق، فالمدار في الرخصة واقعا هو الرضا الباطني، فلو أذن المالك بالتصرف مع العلم بعدم الرضا لم يجز، ولو علم الرضا مع عدم إنشاء الاذن جاز التصرف. ثم إن ظاهر النصوص إعتبار الرضا الفعلي فلا يكتفي بالرضا التقديري المتوقف على الالتفات. لكن ظاهر الاصحاب التسالم على كفايته. وكأنهم فهموا من النصوص أنها مسوقة مساق الارفاق بالمالك، ولا إرفاق في المنع عن التصرف مع الرضا التقديري. أو أنهم حملوها على ذلك إعتمادا على السيرة العملية على التصرف إذا أحرز الرضا التقديري، أو السيرة الارتكازية على جوازه معه. نعم لو كان المالك ملتفتا إلى القضية الخارجية فلم يأذن بالتصرف غفلة عن أن التصرف صلاح له، أو جهلا منه بذلك، أو لاعتقاده كون المتصرف عدوا، أو نحو ذلك من الامور الزائدة على الالتفات في الجملة إلى القضية الخارجية، لم يجز التصرف وإن كان راضيا تقديرا، إذ لا دليل على الجواز حينئذ بحيث ترفع به اليد عن إطلاق دليل المانعل. (1) لما عرفت أن شرط جواز التصرف في مال الغير رضاه. فلا بد في جوازه عقلا من إحرازه، إذ مع الشك فيه يكون المرجع أصالة عدم الرضا المترتب عليها عدم الجواز، وإحراز الرضا إما بالعلم حقيقة أو حكما بقيام حجة عليه. كالبينة أو خبر العادل بناء على حجيته في الموضوعات، أو نحو ذلك ولو كانت حجيته في خصوص المورد.
===============
( 440 )
[ في التصرف بالقيام والقعود والنوم والاكل من ماله، ففي الصلاة بالاولى يكون راضيا (1). وهذا أيضا يكفي فيه الظن على الظاهر، لانه مستند إلى ظاهر اللفظ إذا أستفيد منه عرفا (2) وإلا فلابد من العلم بالرضا، بل الاحوط أعتبار العلم مطلقا. والثالث: كأن يكون هناك قرائن وشواهد تدل على رضاه كالمضائف المفتوحة الابواب، والحمامات، والخانات، ونحو ذلك. ولا بد في هذا القسم من حصول القطع بالرضا (3)، ] (1) يعني رضا تقديريا إذا قد لا يكون ملتفتا إلى الصلاة. (2) الاستفادة العرفية موقوفة على كون المستفاد إما تمام المعنى، أو بعضه، أو لازمه لزوما بينا بالمعنى الاخص بحيث ينتقل الذهن إليه بمجرد حضور المعنى فيه، والصلاة بالنسبة إلى القيام والقعود والاكل والنوم ليست من هذا القبيل، وعليه فلا تجوز الصلاة في ملك الغير بمجرد إذنه في النوم والقيام إذا كانت الاذن الانشائية غير موجبة للعلم بالرضا بالمأذون به. نعم إذا كانت موجبة للعلم به جازت الصلاة، لاستلزام العلم المذكور العلم بالرضا بالصلاة من جهة الاولوية. (فإن قلت): إذا كانت الاذن النوم مثلا موجبة للظن بالرضا به أستلزم الظن المذكور الظن بالرضا بالصلاة، وكما يكفي الظن بالرضا بالنوم في جوازه لانه مستند إلى اللفظ، فليكف الظن بالرضا بالصلاة لانه مستند إليه أيضا. (قلت): حجية الدلالة اللفظية مختصة بالمداليل اللفظية أعني: ما يكون بإحدى الدلالات الثلاث لا مطلق المدلول ولو كان عقليا، لان حجية الدلالة اللفظية مستفادة من بناء العقلاء، ولم يثبت بناؤهم عليها في مطلق المدلول، فتأمل. (3) كما عن صريح المدارك وظاهر كثير، لما في المتن من عدم
===============
( 441 )
[ لعدم أستناد الاذن في هذا القسم إلى اللفظ، ولا دليل على حجية الظن غير الحاصل منه (1). ] الدليل على حجية الظن الحاصل من غير اللفظ، ودلالة الافعال ليست كدلالة الالفاظ، إذ دلالة الالفاظ من أجل أنها مجعولة طرقا إلى المعاني بخلاف الافعال، فإن دلالتها من أجل المقارنة الغالبية بين الفعل والمدلول، ولاجل أن الاقتران الغالبي غير كاف في البناء على وجود أحد المقترنين بمجرد العلم بوجود المقارن الآخر، بل لا بد من الملازمة بينهما في ذلك، لا يجوز البناء على وجود ما يقارن الفعل غالبا بمجرد العلم بوجود الفعل. نعم إذا كان الفعل مجعولا طريقا إلى شئ كاللفظ كان الاعتماد عليه في محله، لبناء العقلاء على الحجية فيه كالالفاظ، ويختلف ذلك بإختلاف العادات كإختلاف اللغات، ولا الحجية فيه كالالفاظ، ويختلف ذلك بإختلاف العادات كإختلاف اللغات، ولا يبعد أن يكون فتح أبواب المضائف والمسابل من هذا القبيل، فيجوز الدخول في المضيف والصلاة فيه بمجرد فتح بابه، كما يجوز الوضوء والاستقاء من السبيل بمجرد فتح بابه أيضا، ونحوهما غيرهما، ولا يصح قياسهما بسائر الافعال الموجبة للظن بالرضا من جهة غلبة إقترانها به. (1) قد عرفت بناء العقلاء على حجية الفعل المجعول طريقا إلى الشئ كبنائهم على حجية اللفظ، ولولا هذا البناء لكان الجعل لغوا كما في وضع اللفظ. هذا والمحكي عن الذخيرة والبحار: جواز الصلاة في كل موضع لا يتضرر المالك بالكون فيه، وكان المتعارف بين الناس عدم المضايقة في أمثاله وإن فرض عدم العلم برضا المالك، إلا أن تكون أمارة على الكراهة وأيده في الحدائق بما دل على جعل الارض مسجدا له (صلى الله عليه وآله) ولامته (* 1)، لمناسبة
===============
( 442 )
[ (مسألة 17): يجوز الصلاة في الاراضي المتسعة (1) ] الامتنان للاكتفاء بالظن. وإستدل في محكي المستند بعد ما قواه بأصالة جواز التصرف في كل شئ. والاجماع على المنع غير ثابت في صورة الظن، والتوقيع (* 1) ضعيف السند، ومثله خبر محمد بن زيد الطبري: " لا يحل مال إلا من وجه أحله الله " (* 2)، ولضعف الاستدلال بموثق سماعة المتقدم المتضمن عدم حل مال المسلم إلا بطيب نفسه (* 3). وفيه: أن حرمة التصرف في مال الغير مما أجمع عليه جميع الاديان والملل كما أعترف به، وكفى بذلك حجة عليه، ولا حاجة إلى التمسك بالتوقيع ليورد عليه بضعف السند. مع أنه أعترف في محكي كلامه بإنجباره بالشهرة، والخلاف في المقام إنما كان في حجية الظن لا في تخصيص حرمة التصرف في مال الغير بغير رضاه بغير صورة الظن، فإن الخلاف في الحكم الظاهري لا يلازم الخلاف في الحكم الواقعي، وموثق سماعة ظاهر في التصرف، وحمله على خصوص الاتلاف غير ظاهر. وبالجملة: بعد الاتفاق على الحكم الواقعي يعني: حرمة التصرف في مال الغير بغير رضاه يكون المرجع عند الشك في الرضا أصالة العدم، إلا أن تقوم حجة عليه، ومع الشك في الحجية يبنى على عدمها. (1) كما صرح به جماعة والعمدة فيه السيرة القطعية على التصرف من دون إستئذان من ملاكها. وفي عموم الحكم لصورة العلم بالكراهة إشكال، للشك في ثبوت السيرة فيها، وإن كان غير بعيد. وأما أدلة نفي الحرج
===============
( 443 )
[ إتساعا عظيما بحيث يتعذر أو يتعسر على الناس إجتنابها وإن لم يكن إذن من ملاكها، بل وإن كان فيهم الصغار والمجانين بل لا يبعد ذلك وإن علم كراهة الملاك، وإن كان الاحوط التجنب حينئذ مع الامكان. ] والضرر (* 1): فلا مجال للتمسك بها، لاختصاصها بالحرج والضرر الشخصيين وهما غير محل الكلام، ولو سلم فلا تصلح لاثبات الجواز، لانها إمتنانية، والادلة الامتنانية لا تجري إذا لزم من جريانها خلاف الامتنان في حق الغير. وأما ما يقال من أن أدلة نفي الحرج والضرر والضرار لا تصلح لتحليل أموال المسلمين المحرمة بالكتاب والسنة وفطرة العقل مجانا بلا عوض، وإلا لاقتضى ذلك إباحة كثير من المحرمات، ولعله بعموم التحريم يستكشف أنه لا حرج لا يتحمل في الحرمة المزبورة. فضعيف أولا: بأن محل الكلام مجرد الجواز لا نفي العوض. وثانيا: لا محذور في تحليل المحرمات بأدلة نفي الحرج، إذ لا يتضح فرق بين الواجبات والمحرمات، فكما أنها تقتضي نفي الوجوب لو كان حرجيا كذلك تقتضي نفي التحريم لو كان حرجيا. وثالثا: بأن تطبيق أدلة الحرج يتوقف على إحراز ثبوته كما هو المفروض، ومعه لا مجال لان يستكشف عدمه من عموم التحريم. فالعمدة في عدم جواز تطبيق أدلة نفي الحرج ونحوها في المقام ما ذكرنا من لزوم خلاف الامتنان. ولو جرت لم تصلح لاثبات كون التصرف مجانيا، إذ لاحرج في ثبوت القيمة، فعموم ضمان مال المسلم بحاله غير محكوم عليه بها. هذا كله إذا فرض ثبوت الحرج في ترك التصرف، لكنه ليس محل الكلام أيضا، بل محله ما يلزم من تركه حرج نوعا، فإنه المراد مما في المتن في
===============
( 444 )
[ (مسألة 18): تجوز الصلاة في بيوت من تضمنت الآية جواز الاكل فيها بلا إذن (1) مع عدم العلم بالكراهة (2) كالاب والام والاخ والعم والخال والعمة والخالة ومن ملك الشخص مفتاح بيته والصديق. وأما مع العلم بالكراهة فلا يجوز بل يشكل مع ظنها أيضا (3). ] قوله (ره): " بحيث يتعذر أو يتعسر ". (1) لان تجويز الشارع الاقدس للاكل مع عدم الاذن الثابت كتابا وسنة بل وإجماعا كما في الجواهر راجع إلى حجية ظهور الحال في الرضا من المالك بالاكل، فيكون حجة على الرضا بالصلاة، لانها أولى، فتأمل. والآية الكريمة هي قوله تعالى: (ليس على الاعمى حرج ولا على الاعرج حرج ولا على المريض حرج ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم أو ما ملكتم مفاتحه أو صديقكم ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا " (* 1). (2) بلا خلاف أجده فيه، كما في الجواهر. (3) بل ظاهر محكي كشف اللثام الاجماع على المنع معه، لانصراف الآية الشريفة عنه فيرجع إلى أصالة المنع. لكن لا يظهر للانصراف وجه غير الغلبة، وفي أقتضائها للانصراف المعتد به في رفع اليد عن الاطلاق إشكال أو منع، فالاطلاق محكم، المقتصر في الخروج عنه على خصوص العلم بالكراهة، لظهور الاجماع الكاشف عن أن الحكم المذكور ظاهري، والحكم الظاهري لا مجال له مع العلم بالواقع. (فإن قلت): إذا كان
===============
( 445 )
[ (مسألة 19): يجب على الغاصب الخروج من المكان المغصوب (1)، وإن أشتغل بالصلاة في سعة الوقت يجب قطعها (2) ] الحكم المذكور ظاهريا فملاكه جعل الظهور الحالي طريقا إلى الرضا، فمع الظن بالكراهة لا طريق إلى الرضا ليثبت لاجله الترخيص. (قلت): الظهور الحالي المجعول طريقا هو الظهور النوعي الذي لا ينافيه الظن بالخلاف، وتخصيصه بالظهور الشخصي خلاف الظاهر، ولو سلم كان اللازم إعتبار الظن بالرضا، فلا يجوز الاكل مع الشك فيه، كما لا يجوز مع الظن بالكراهة، فلاحظ. (1) الخروج: عبارة عن الحركة إلى المكان المباح، وهذه الحركة لما كانت في المغصوب كانت محرمة، وحيث أنها بالاختيار الملازم لاختيار الدخول كانت معصية كما ذهب إليه أبو هاشم. وما عن المنتهى من أن هذا القول باطل عندنا، وما عن التحرير من أنه أجمع الفضلاء على تخطئة أبي هاشم في هذا المقام غير ظاهر، كما موضح في الاصول. وحينئذ فوجوب الخروج لا يراد منه الوجوب النفسي، لما عرفت من أنه غصب كالدخول، ولا الوجوب الغيري، إذ ليس هو إلا مقدمة للكون في خارج المغصوب، وليس هو بواجب، بل الواجب ترك الكون في المغصوب، لكن لما كان يلازمه الكون في المباح كان الكون المذكور واجبا بالعرض، فتكون مقدمته أعني: الخروج واجبا كذلك، فوجوب الخروج ليس إلا مقدمي عرضي. (2) الصلاة المذكورة باطلة، فكأن المراد وجوب قطعها بالخروج، لكن الخروج قد لا يقتضي قطعها لعدم إستلزامه لبعض المنافيات لها.
===============
( 446 )
[ وإن كان في ضيق الوقت يجب الاشتغال بها حال الخروج (1) ] (1) على المشهور، بل قيل: يظهر من بعض أنه لا خلاف فيه. وكأن ذلك منهم لبنائهم على كون التصرف بالخروج مباحا، وحينئذ لا مانع من صحة الصلاة لامكان التقرب بها، ولاجل أن الركوع والسجود يوجبان مزيد المكث في المغصوب وجب الانتقال إلى الايماء، ولا يجب حينئذ القضاء، لانه فرغ الفوت وهو غير حاصل بفعل الصلاة الناقصة، لان المراد من الفوت فوت أصل أصل الفريضة لا الفريضة الكاملة. لكن في إقتضاء الركوع المكث الزائد منع ظاهرا، لعدم أستلزامه الاستقرار بخلاف السجود، فالبناء على إطلاق بدلية الايماء عنه غير ظاهر. مضافا إلى ما عرفت من فساد المبني، وأن الخروج محرم كالدخول، فوقوعه من الغاصب مبعد له، ويمتنع معه التقرب بالتصرف في حاله. أللهم إلا أن يمنع من شمول التحريم لمثل التصرف بالقراءة والايماء، لكنه في غير محله كما سبق. فإن قلت: قد سبق أن الظاهر أن القراءة ليست تصرفا في المغصوب لانها كيفية قائمة بالصوت، وكذلك الايماء يراد منه الهيئة القائمة بالجسم، وليست من التصرف المحرم. قلت: هو مسلم، لكنهما موقوفان على حركة الفم والرأس ويمتنع التكليف بما يتوقف على الحرام، إلا أن ترفع اليد عن حرمته، لكنه في المقام ليس كذلك قطعا. وعلى هذا أيضا يشكل الوجه في وجوب الصلاة بالكيفية المذكورة. إلا أن يقال: بعد أضطراره إلى الغصب ولو بسوء الاختيار يجب عليه عقلا الصلاة بالقراءة والايماء فرارا عن محذور المعصية بترك الصلاة، لان المانع من وجوبها ليس عدم إمكان التقرب بها، لكون
===============
( 447 )
[ مع الايماء للركوع والسجود، ولكن يجب عليه قضاؤها أيضا إذا لم يكن الخروج عن توبة وندم، بل الاحوط القضاء وإن كان من ندم وبقصد التفريغ للمالك (1). ] المفروض عدم أنطاق الواجب على ما هو الحرام، بل المانع توقفها على الحرام، فإذا فرض الوقوع في الحرام على كل حال والاضطرار إليه وجب عقلا الوقوع في خصوص الفرد المترتب عليه الواجب تحصيلا لغرض الشارع أللهم إلا أن يكون فرضه في مثل هذه الحال الصلاة بمحض الاخطار، لان كل ما عداها من المراتب يمتنع التكليف به، والصلاة لا تترك بحال (* 1). لكن لم يتحقق هذا الحديث، فيشكل الاكتفاء بالصلاة الاخطارية، والبناء على عدم وجوب القضاء. هذا ولاجل الاشكال في صحه الصلاة بالايماء لم يكتف بها في المتن، بل ألزم بوجوب القضاء، لكن كان المناسب أن يجعل وجوب الاداء أو القضاء من باب الاحتياط، لا من باب الفتوى بالوجوب كما لعله ظاهر. (1) ربما فصل بين كون الخروج صادرا عن توبة وندم، وكونه لا عن ذلك، فيحكم بوجوبه في الاول، لعدم كونه محرما، ولا معصية بعد سبقه بالتوبة، بخلاف الثاني فيكون محرما لا غير بناء على إمتناع إجتماع الامر والنهي. هذا بناء على كونه مقدمة للتخلص الواجب، أما بناء على بطلان ذلك كما تقدم تحقيقه يكون حاصل التفصيل أنه حرام في الثاني دون الاول، فتصح الصلاة فيه. وفيه: أن التوبة لاترفع الحرمة، ولا ترفع كونه معصية، لان كونه محرما ومعصية من قبيل الموضوع لها، فيمتنع
===============
( 448 )
[ (مسألة 20): إذا دخل في المكان المغصوب جهلا أو نسيانا أو بتخيل الاذن ثم إلتفت وبان الخلاف، فإن كان في سعة الوقت لا يجوز له التشاغل بالصلاة (1)، ] أرتفاعهما بها، وإنما ترفع حسن العقاب، وحينئذ فإن كان المانع من صحة العبادة كون الخروج محرما ومعصية فالتوبة لا تجدي في صحة العبادة، وإن كان المانع كون الفعل يحسن العقاب عليه كانت التوبة مجدية في صحة العبادة وحيث أن الاظهر الثاني فالتفصيل في الصحة وعدمها بين التوبة وعدمها في محله. هذا وقد يظهر من الجواهر أن التوبة إنما يترتب عليها الاثر إذا كانت بعد الفعل لا قبله. ولكنه غير ظاهر في مثل الفرض، أعني: ما لو فعل ما هو علة تامة في الوقوع في المعصية. (1) لمنافاته لوجوب التخلص عن التصرف في مال الغير بغير إذنه، فيحرم عقلا. لكن لو تشاغل بالصلاة أمكن القول بصحتها إذا كان زمانها مساويا لزمان الخروج أو أقل منه، لان ذلك المقدار من التصرف مضطر إليه لاعن سوء الاختيار، فلا يكون حراما، فلا مانع من صحته إذا كان معنونا بعنوان الصلاة، غاية الامر أنه لو صلى كذلك وقع في التصرف في المغصوب زائدا على المقدار المضطر إليه، لكن التشاغل بالصلاة ليس مقدمة لذلك، بل هو ملازم له، لان الخروج مقدمة للكون في المكان المباح الملازم لترك الغصب، فترك الخروج علة لعدم الكون في المكان المباح الملازم للتصرف في المغصوب، والتشاغل بالصلاة ملازم لترك الخروج الملزم لحرام. نعم إذا كان زمان الصلاة يزيد على زمان الخروج فبعض الصلاة يكون تصرفا غير مضطر إليه محرما. وكذا لو أذن له المالك بالخروج ونهاه عن التشاغل، إذ الاذن المذكورة رافعة للاضطرار إلى الحرام، فالتشاغل
===============
( 449 )
[ وإن كان مشتغلا بها وجب القطع (1) والخروج، وإن كان في ضيق الوقت أشتغل بها حال الخروج (2) سالكا أقرب الطرق، مراعيا للاستقبال بقدر الامكان، ولا يجب قضاؤها وإن كان أحوط (3) لكن هذا إذا لم يعلم برضا المالك بالبقاء بمقدار الصلاة، وإلا فيصلي ثم يخرج. وكذا الحال إذا كان مأذونا من المالك في الدخول ثم إرتفع الاذن (4) برجوعه عن إذنه، أو بموته والانتقال إلى غيره. (مسألة 21): إذا أذن المالك بالصلاة خصوصا أو عموما ثم رجع عن إذنه قبل الشروع فيها وجب الخروج في سعة الوقت (5)، ] بالصلاة تصرف محرم. (1) بناء على ما ذكرنا من إمكان دعوى صحة الصلاة فوجوب القطع للمزاحمة بين حرمة القطع وحرمة الغصب، والثانية أهم. نعم على تقدير البطلان تكون الصلاة باطلة منقطعة. (2) ويسقط وجوب الاستقرار والسجود، لمنافاتهما للخروج الواجب، المقدم دليله على دليلهما، ويومئ حينئذ إلى السجود. وأما الركوع فإن كان مستلزما لزيادة المكث أومأ بدلا عنه، وإلا وجب فعله. (3) لما سيأتي عن إبن سعيد وغيره. (4) فإن التصرف حينئذ يكون عن عذر فيجري عليه ما تقدم كما سيذكره في المسألة الآتية. (5) هذا القيد غير ظاهر، لان الخروج واجب في السعة والضيق، غاية الامر أنه في السعة يصلي بعد الخروج، وفي الضيق يصلي حال الخروج
===============
( 450 )
[ وفي الضيق يصلي حال الخروج (1) على ما مر. وإن كان ] فكأن السعة قيد لامر مقدر. (1) كما هو المشهور، لما سبق في المسألة السابقة. وعن إبن سعيد: أنه نسب صحة هذه الصلاة إلى القيل، وقد يظهر منه التوقف فيها. ومثله ما عن منظومة الطباطبائي. قال في الجواهر: " لعله لعدم ما يدل على صحتها، بل قد يدعى وجود الدليل على العدم بإعتبار معلومية إعتبار الاستقرار والركوع والسجود ونحو ذلك، ولم يعلم سقوطها هنا، والامر بالخروج بعد الاذن في الكون وضيق الوقت وتحقق الخطاب بالصلاة غير مجد، فهو كما لو أذن له في الصلاة وقد شرع فيها وكان الوقت ضيقا مما ستعرف عدم الاشكال في إتمام صلاته، فالمتجه حينئذ عدم الالتفات إلى أمره بعد فرض كونه عند الضيق الذي هو محل الامر بصلاة المختار والمرجح على أمر المالك بسبق التعلق، فلا وجه للجمع بينهما بما سمعت، بل يصلي صلاة المختار مقتصرا فيها على الواجب مبادرا في أدائها على حسب التمكن لكن لم أجد قائلا بذلك، بل ولا أحد إحتمله ". ولا يخفى ما فيه، لان قاعدة حرمة التصرف في مال الغير بغير إذنه تقتضي عجزه عن كل شرط وجزء للصلاة مناف للخروج، فيسقط، فإن كان له بدل كالسجود أنتقل إلى بدله، وإلا سقط بلا بدل. وقياس المقام على ما لو رجع في أثناء الصلاة مع أنه قياس مع الفارق لا يجدي للمنع في المقيس عليه. وليس ذلك من باب الترجيح أمر المالك على الامر بصلاة المختار، ليرجح العكس للسبق، بل هو لورود دليل النهي عن التصرف بغير إذن المالك على دليل الشرائط والاجزاء الذي عليه العمل في جميع الموارد. مع أن السبق الزماني من حيث هو ليس من المرجحات كما هو ظاهر، ولا فرق
===============
( 451 )
[ ذلك بعد الشروع فيها فقد يقال بوجوب إتمامها مستقرا (1) وعدم الالتفات إلى نهيه وإن كان في سعة الوقت إلا إذا كان موجبا لضرر عظيم على المالك. لكنه مشكل، بل الاقوى وجوب القطع في السعة (2)، والتشاغل بها خارجا في الضيق ] بين أن يكون الامر بالخروج رجوعا عن الامر السابق أولا، لجريان ما ذكرنا في المقامين. والفرق بينهما كما يظهر من الجواهر في كلام له بعد ذلك غير ظاهر. (1) قال في الذكرى: " لو نهى الآذان في القرار عن الصلاة لم يصل فإن نهى في الاثناء فالاتمام قوي للاستصحاب، ولان الصلاة على ما أفتتحت عليه ". وحكي ذلك عن البيان. وفي حاشية المدارك: " في شمول النهي يعني نهي المالك لهذه الصورة تأمل، لان المفروض أن المالك رخصه وأذن له بقدر الصلاة ويعلم قدر الصلاة ويعلم أنه يجب عليه إتمام الصلاة ويحرم عليه قطعها، على أنه لعله في هذا القدر يدخل في أمر لا يمكن شرعا قطعه، كما لو كان مشغولا بجماع أو غيره مما لا يتيسر له القطع، لانه ربما يقتله أو يضره ضررا عظيما أو غير عظيم، إذ لا ضرر ولا ضرار، فيمكن أن تكون الصلاة أيضا من قبيل الامور المذكورة.. ". (1) كما عن كتب كثيرة منها جامع المقاصد والروض والمسالك ومجمع البرهان والمدارك عملا بما دل على حرمة التصرف في مال الغير بغير إذنه وعن الارشاد، ونسب إلى جماعة: أنه يصلي في حال الخروج ولو في سعة الوقت. ومحصل الكلام: أن المقام مورد طوائف ثلاث: إحداها: ما دل على عدم جواز التصرف في مال الغير بغير إذنه. ثانيتها: ما دل على حرمة
===============
( 452 )
قطع الصلاة. ثالثتها: ما دل على وجوب صلاة المختار. وهذه الطوائف الثلاث لما لم يكن العمل بها أجمع، يدور الامر بين طرح الاولى فيتعين القول الاول، وطرح الثانية فيتعين القول الثاني، وطرح الثالثة فيتعين القول الثالث. لكن الطائفة الثانية لا تصلح لمعارضة الطائفتين الاخريين، لان موضوع حرمة القطع العمل الصحيح، ومع حرمة التصرف يمتنع التقرب فيبطل العمل. وكذا مع وجوب صلاة المختار لا تكون الصلاة في حال الخروج موضوعا للامتثال لتصح ويحرم قطعها. وعليه يتعين القول الثاني كما عرفت. نعم لو فرض حرمة القطع في المقام يتعين سقوط القاعدة الثالثة، لان حرمة التصرف توجب العجز عن الصلاة المختار، فيتعين القول الثالث. وأما القول الاول المبني على سقوط القاعدة الاولى فما سبق من وجهه ضعيف جدا، كما يظهر بأقل تأمل فيما ذكرنا. وأما قياس المقام على الاذن في الرهن والدفن حيث لا يجوز فيهما عن الاذن بمعنى: أن لو رجع لا يترتب أثر عليه ففيه: أن الرهن يوجب حقا للمرتهن في العين ثابتا بإذن المالك، فالرجوع لما لم يكن موجبا لزوال الحق، إذ لا دليل عليه، بل هو خلاف قاعدة السلطنة على الحقوق نظير السلطنة على الاموال، لم يؤثر الرجوع أثرا. وثبوت حق الصلاة للمأذون في الصلاة غير ظاهر، بل لا يظن إلتزامه من أحد. وفي الدفن قام الاجماع على حرمة نبش من دفن بوجه مشروع حال الدفن، ولما لم يكن الرجوع عن الاذن رافعا لذلك الموضوع، لامتناع إنقلاب ما وقع عما وقع عليه، لم يؤثر الرجوع في جواز النبش، وليس المقام كذلك، لاعتبار الاباحة في جميع أجزاء الصلاة، ولا يختص إعتبارها بأول الاجزاء. وأما قاعدة أن الاذن في الشئ أجزاء الصلاة، ولا يختص إعتبارها بأول الاجزاء. وأما قاعدة أن الاذن في الشئ إذن في لوازمه: فلو صحت فغاية ما تقتضيه أن لوازم الصلاة
===============
( 453 )
[ خصوصا في فرض الضرر على المالك. (مسألة 22): إذا أذن المالك في الصلاة، ولكن هناك قرائن تدل على عدم رضاه، وأن إذنه من باب الخوف أو غيره لا يجوز أن يصلي (1)، كما أن العكس بالعكس. (مسالة 23): إذا دار الامر بين الصلاة حال الخروج من المكان الغصبي بتمامها في الوقت أو الصلاة بعد الخروج وإدراك ركعة أو أزيد، فالظاهر وجوب الصلاة في حال الخروج، لان مراعاة الوقت أولى (2) من مراعاة الاستقرار والاستقبال والركوع والسجود الاختياريين. ] تكون بالاذن اللازم للاذن في الصلاة، وأين هذا من إثبات جواز المضي في الصلاة بعد الرجوع عن الاذن فيها؟! نعم لو كان إتمام الصلاة من لوازم الشروع فيها جاز بمجرد الاذن في الشروع، لكن عرفت منع ذلك وأن إباحة المكان شرط في الاتمام على نحو شرطيتها في الشروع، فمع إنتفائها يمتنع الاتمام. فلاحظ وتأمل. (1) تقدم أن موضوع الجواز واقعا هو الرضا الواقعي، وأن الجواز مع الاذن جواز ظاهري إنما يعمل عليه مع الشك في الرضا الباطني، لا مع العلم بالحال وجودا أو عدما. فراجع. (2) هذا في الجملة من القطعيات، ويقتضيه جميع ما دل على لزوم الانتقال إلى الابدال الاضطرارية في الوقت عند عدم التمكن من الفرد الاختياري فيه وإن تمكن منه في خارج الوقت. نعم قد يشكل من جهة ما دل على أن من أدرك ركعة من الصلاة في الوقت فقد أدرك الصلاة فيه (* 1). لكن تقدم إختصاصه بصورة ما لو فات الوقت إلا مقدار ركعة
===============
( 454 )
[ (الثاني): من شروط المكان: كونه قارا فلا تجوز الصلاة على الدابة (1)، ] فلا يدل على جواز التأخير إلى أن تبقى ركعة، فعموم ما دل على وجوب إيقاع تمام الصلاة في الوقت بحاله، ومقتضى الجمع بينه وبين ما دل على الابدال الاضطرارية وجوب البدل. فإن قلت: المراد من الركعة الركعة التامة ومقدارها يسع الصلاة الاضطرارية، وحينئذ فدليل: " من أدرك ركعة " يقتضي تعين إيقاع ركعة تامة في الوقت والباقي خارج الوقت، وعدم الاكتفاء بالبدل الاضطراري وإن وقع تمامه في الوقت. قلت: هذا مسلم، لكنه بخصوص مورد: " من أدرك " وهو ما لو لم يبق من الوقت إلا مقدار ركعة تامة، لا في مثل المقام مما بقي منه أكثر من ذلك. وقد تقدم نظير ذلك في بعض مسائل التيمم لضيق الوقت. فراجع. (1) لا إشكال ولا خلاف في عدم جواز الصلاة على الدابة إذا كان يفوت بعض ما يعتبر فيها من إستقبال أو قيام أو طمأنينة أو غيرها مما يعتبر في الصلاة، بل أدعي عليه إجماع المسلمين. ويقتضيه ما دل على أعتبار ذلك في صحتها، المعتضد بما دل بالخصوص على عدم جواز فعل الفريضة على الدابة، كصحيح عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله (عليه السلام): " لا يصلي على الدابة الفريضة إلا مريض يستقبل به القبلة، وتجزؤه فاتحة الكتاب، ويضع بوجهه في الفريضة على ما أمكنه من شئ، ويومئ في النافلة إيماء " (* 1)، ورواية عبد الله بن سنان: " قلت لابي عبد الله (عليه السلام):
===============
( 455 )
[ أو الارجوحة (1)، ] أيصلي الرجل شيئا من المفروض راكبا؟ قال (عليه السلام): لا، إلا من ضرورة " (* 1) ونحوهما غيرهما. هذا وليس في النصوص المذكورة دلالة على إعتبار الاستقرار في الصلاة بمعنى الطمأنينة، فضلا عن إعتباره بمعنى آخر، لانه إن بني على الجمود على ما تحت العبارة فيها دلت على مانعية الكون على الدابة تعبدا من حيث هو، فيكون عدم الكون على الدابة شرطا في قبال سائر الشرائط، فلا ربط له بالاستقرار ولا بغيره. وإن بني على ظهورها في كون وجه النهي كون الصلاة على الدابة فاقدة لما يعتبر فيها، فالفقدان لا يختص بالاستقرار، فإن الصلاة على الدابة على النحو المتعارف فاقدة للاستقرار والقيام والاستقبال والسجود على المساجد السبعة، ولا قرينة على كون النهي من جهة خصوص فقد الاستقرار، كي تكون دليلا على شرطيته. فالعمدة في أعتبار الاستقرار بمعنى الطمأنينة ما دل على إعتباره بالخصوص من الاجماع والنص، الآتى التعرض لهما في محله من أفعال الصلاة، فانتظر. (1) لا إشكال أيضا في عدم صحة الصلاة على الارجوحة إذا كان يفوت بعض ما يعتبر في الصلاة، لادلة الاعتبار كما في الدابة، ويشير إليه خبر إبن جعفر (عليه السلام) عن أخيه (عليه السلام): " عن الرجل هل يصلح له أن يصلي على الرف المعلق بين نخلتين؟ فقال (عليه السلام): إن كان مستويا يقدر على الصلاة عليه فلا بأس " (* 2)، لظهوره في أعتباره تمامية الصلاة لو وقعت فوقه. نعم بناء على ظهوره في المسمر بالمسامير يدل على حكم الارجوحة بالاولوية.
===============
( 456 )
[ أو في السفينة (1) ونحوها مما يفوت معه إستقرار المصلي. ] (1) المحكي عن جامع المقاصد والجعفرية وشرحها: أنه لا تجوز الصلاة في السفينة مع عدم التمكن من إستيفاء الافعال. وعن ظاهر المبسوط والنهاية والوسيلة ونهاية الاحكام والمدارك: الجواز مطلقا. وكأنهم أعتمدوا على أطلاق بعض النصوص كصحيح جميل: " أنه قال لابي عبد الله (عليه السلام): تكون السفينة قريبة من الجدد فاخرج وأصلي؟ قال (عليه السلام): صل فيها، أما ترضى بصلاة نوح (عليه السلام) "؟ (* 1)، وموثق المفضل بن صالح: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الصلاة في الفرات وما هو أضعف منه نم الانهار في السفينة فقال (عليه السلام): إن صليت فحسن وإن خرجت فحسن " (* 2). ونحوهما غيرهما. وفيه: أن الظاهر منها السؤال عن حيثية الصلاة في السفينة، وأن كونها في السفينة مانع عن صحتها أم لا؟ كما يقتضيه القياس بنظائره، كما لو سئل عن الصلاة ضاحكا أو متكتفا أو ملتفا أو نحو ذلك، فالجواب بنفي البأس إنما يقتضي الصحة من هذه الجهة ولا يقتضي الصحة من الجهات الاخر كما لا يخفى، فلا إطلاق فيها يقتضي الجواز ولو مع عدم إستيفاء سائر الواجبات. نعم الظاهر من تخصيص السفينة بالسؤال دون سائر الاماكن التي يصلي فيها كون الحيثية المنظورة بالسؤال ملازمتها دائما للحركة التبعية، فمرجع السؤال عن الصلاة في السفينة إلى السؤال عن مانعية الحركة المذكورة، فالجواب بنفي البأس يقتضي عدم قدحها في صحة الصلاة ولا تعرض في النصوص لسائر الجهات. هذا، مضافا إلى معارضتها بغيرها مما دل على عدم جواز الصلاة في الوسائل باب: 13 من أبواب القبلة حديث: 3. (* 2) الوسائل باب: 13 من أبواب القبلة حديث: 11.
===============
( 457 )
[ نعم مع الاضطرار، ولو لضيق الوقت عن الخروج من السفينة مثلا لا مانع (1)، ويجب عليه حينئذ مراعاة الاستقبال ] السفينة إختيارا مثل مصحح حماد بن عيسى: " سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يسأل عن الصلاة في السفينة فيقول (عليه السلام): إن إستطعتم أن تخرجوا إلى الجدد فأخرجوا، فإن لم تقدروا فصلوا قياما، فإن لم تستطيعوا فصلوا قعودا وتحروا القبلة " (* 1)، وما في خبر علي بن إبراهيم: " ولا يصلي في السفينة وهو يقدر على الشط " (* 2). فإن الجمع بينهما يتعين إما بحمل الاخيرة على الاستحباب، أو بالحمل على صورة عدم إمكان الصلاة تامة، والثاني هو المتعين، لان الاول خلاف الترغيب عليها بمثل قوله (عليه السلام): " أما ترضى بصلاة نوح (عليه السلام)؟ " بل الترغيب المذكور بنفسه قرينة على إرادة خصوص الصلاة تامة، فلاحظ. وبالجملة دعوى جواز الصلاة في السفينة ولو ناقصة ضعيفة جدا. (1) بلا خلاف ظاهر، كما صرح به في خبر إبن سنان السابق، ونحوه غيره مما هو مصرح بالجواز فيه، أو ظاهرا فيه، مثل ما تضمن الجواز للمريض، أو يوم الوحل، أو المطر. وأما خبر منصور بن حازم قال: " سأله أحمد بن النعمان فقال: أصلي في محملي وأنا مريض؟ فقال (عليه السلام): أما النافلة فنعم، وأما الفريضة فلا. قال: وذكر أحمد شدة وجعه. فقال (عليه السلام): أنا كنت مريضا شديد المرض فكنت آمرهم إذا حضرت الصلاة فينحوني فأحتمل بفراشي فأوضع وأصلي ثم أحتمل بفراشي فأوضع في محملي " (* 3)
===============
( 458 )
[ والاستقرار بقدر الامكان، فيدور حيثما دارت الدابة أو السفينة (1). وإن أمكنه الاستقرار في حال القراءة. والاذكار والسكوت خلالها حين الاضطراب وجب ذلك مع عدم الفصل الطويل الماحي للصورة، وإلا فهو مشكل (2). (مسألة 24): يجوز في حال الاختيار الصلاة في السفينة (3) أو على الدابة (4) الواقفتين مع إمكان مراعاة جميع الشروط من الاستقرار والاستقبال ونحوهما، بل الاقوى جوازها مع ] فمحمول على صورة عدم الضرورة بقرينة غيره مما عرفت، ولا وجه لحمله على الاستحباب كمات عن الشيخ. (1) لان الضرورة تقدر بقدرها، ولخبر محمد بن عذافر: " قلت لابي عبد الله (عليه السلام): رجل يكون في وقت الفريضة لا تمكنه الارض من القيام عليها ولا السجود عليها من كثرة الثلج والماء والمطر والوحل أيجوز له أن يصلي الفريضة في المحمل؟ قال (عليه السلام): نعم هو بمنزلة السفينة إن أمكنه قائما، وإلا قاعدا وكل ما كان من ذلك فالله أولى بالعذر، يقول الله عزوجل: (بل الانسان على نفسه بصيرة) (* 1). (* 2) (2) بل الظاهر وجوب التشاغل بالذكر والقراءة، لان مانعية السكوت الماحي للصورة أهم من شرطية الاستقرار. (3) قال في جامع المقاصد: " أما السفينة الواقفة فيجوز إتفاقا مع عدم الحركات الفاحشة ". وتقتضيه النصوص المتقدمة بالاطلاق أو بالاولوية لظهور بعضها في السائرة. (4) قال في القواعد: " وفي صحة الفريضة على بعير معقول أو
===============
( 459 )
أرجوحة معلقة بالحبال نظر ". وقال في مفتاح الكرامة: " منع من الصلاة عليهما في المنتهى والايضاح والموجز الحاوي والجعفرية وشرحيها وحاشية الفاضل الميسي، لكونه في الاول بمعرض الزوال كالدابة ". ويظهر من التعليل المفروغية عن المنع في الدابة الواقفة. (وكيف كان) فالمنع إما لما ذكر الموجب لعدم الجزم بالنية، أو لمخالفته قوله تعالى: (حافظوا على الصلوات) (* 1) كما عن الايضاح لان المراد بالمحافظه عليها المداومة وحفضها عن المفسدات والمبطلات، وإنما يتحقق ذلك في مكان أتخذ للقرار وإما لقوله (صلى الله عليه وآله): " جعلت لي الارض مسجدا " (* 2) أي: مصلى فلا يصح إلا فيما معناها. وإنما عديناه إليه بالاجماع، وغيره لم يثبت كما عن الايضاح أيضا. أو لاطلاق النصوص الناهية عن الصلاة على الدابة. لكن الاول مبني على إعتبار الجزم بالنية، والمبنى ممنوع، مع أنه لا يقتضي المنع مطلقا. والثاني: ممنوع، لان الظاهر منه الاتيان بها على الوجه الصحيح. والثالث: يراد من الارض فيه ما يقابل المسجد، فالمراد عدم إعتبار وقوع الصلاة في المساجد. والرابع: وإن كان مقتضى الجمود عليه هو مانعية الكون على الدابة عن صحة الصلاة كما أشرنا إليه سابقا، إلا أن التأمل في النصوص يشرف على القطع بأن المراد إيقاعها على الدابة على النهج المتعارف المستلزم لفوات كثير من الواجبات، فإن قوله (عليه السلام) في مصحح عبد الرحمن: " لا يصلي على الدابة الفريضة إلا مريض يستقبل به القبلة، وتجزؤه فاتحة الكتاب، ويضع بوجهه في الفريضة على ما أمكنه من شي، ويومئ في النافلة إيماء " (* 3) لا يراد منه عدم جواز إيقاع الفريضة تامة لغير المريض
===============
( 460 )
[ كونهما سائرتين إذا أمكن مراعاة الشروط ولو بأن يسكت حين الاضطراب عن القراءة والذكر مع الشرط المتقدم ويدور إلى القبلة إذا إنحرفتا عنها، ولا تضر الحركة التبعية بتحركهما (1) وإن كان الاحوط القصر على حال الضيق والاضطرار. (مسألة 25): لا تجوز الصلاة على صبرة (2) الحنطة وبيدر التبن وكومة الرمل مع عدم الاستقرار. وكذا ما كان مثلها. ] وجوازه له. وكذا ما في خبر إبن سنان: " أيصلي الرجل شيئا من المفروض راكبا؟ قال (عليه السلام): لا، إلا من ضرورة " (* 1)، لا يراد منه ذلك أيضا. ويشهد له ما ورد في جواز النافلة على الدابة والفريضة عند الضرورة من الثلج والوحل والماء والمطر وغير ذلك (* 2)، فإنه صريح في الجواز على النحو الممكن وإن كانت ناقصة، ولو لم يكن إلا غلبة وقوعها ناقصة لكفى بها قرينة على ما ذكر. وليس ذلك من الانصراف للغلبة كي يقال: إن التحقيق عدم كون الغلبة موجبة للانصراف المعتد به في رفع اليد عن الاطلاق بل هو من أجل الغلبة موجبة لتنزيل السؤال والجواب على كون الجهة المسؤول عنها هو صحة الصلاة من أجل النقص الوارد عليها من جهة الركوب على ما هو المتعارف، وصرفها عن مقتضى الجمود عليها من الحمل على مانعية الكون على الدابة من حيث هو مع إستيفاء تمام الواجبات فيها سائرة كانت أو واقفة. (1) كما نص عليه غير واحد، لعدم الدليل عليه، حيث أنها لا تنافي الاطمئنان المعتبر نصا وإجماعا. (2) مع عدم الاستقرار وجهه ظاهر.
===============
( 461 )
[ (الثالث): أن لا يكون معرضا لعدم إمكان الاتمام والتزلزل في البقاء إلى آخر الصلاة (1) كالصلاة في الزحام المعرض لابطال صلاته، وكذا في معرض الريح أو المطر الشديد أو نحوها، فمع عدم الاطمئنان بإمكان الاتمام لا يجوز الشروع فيها على الاحوط. نعم لا يضر مجرد إحتمال عروض المبطل. (الرابع): أن لا يكون مما يحرم البقاء فيه (2) كما بين الصفين من القتال، أو تحت السقف أو الحائط المنهدم، أو ] (1) كأنه لوجوب النية الجزمية، وتوضيح ذلك: أن إرادة الصلاة لما كانت متعلقة بالصلاة التامة، والصلاة الناقصة ليست مرادة، فمع كون الصلاة في معرض النقصان تكون الارادة لها غير فعلية، بل معلقة على تقدير عروض المبطل، ويعتبر في صحة العبادة الارادة الفعلية. نعم إذا كان أحتمال النقصان غير معتد به عند العقلاء لكونه ضعيفا لم يكن منافيا لتحقق الارادة الفعلية. وفيه: أولا: أنه مع وجود التقدير المعلق عليه الارادة واقعا تكون فعلية وإلا كان خلفا. وثانيأ: أنه لادليل على إعتبار الارادة الفعلية في حصول التعبد عند العقلاء، فكما تكفي الارادة الفعلية في حصوله تكفي الارادة الاحتمالية التقديرية فيه كما في جميع موارد الاحتياط. ودعوى أن الاكتفاء بها إنما يكون في ظرف إمتناع الارادة الجزمية ممنوعة جدا، والرجوع إلى العقلاء أقوى شاهد عليه، وقد تقدم جواز الاحتياط المستلزم للتكرار وإن لم يكن عن أجتهاد أو تقليد، فالشرط المذكور غير ظاهر. (2) هذا الشرط مبني على أن أفعال الصلاة وواجباتها من قبيل الاكوان لتتحد مع الكون المحرم، ويمتنع التقرب بها، وقد تقدم الكلام فيه.
===============
( 462 )
[ في المسبعة، أو نحو ذلك مما هو محل للخطر على النفس. (الخامس): أن لا يكون مما يحرم الوقوف والقيام والقعود عليه (1) كما إذا كتب عليه القرآن، وكذا على قبر المعصوم (عليه السلام) أو غيره ممن يكون الوقوف عليه هتكا لحرمته. (السادس): أن يكون مما يمكن أداء الافعال فيه بحسب حال المصلى، فلا تجوز الصلاة في بيت سقفه نازل بحيث لا يقدر فيه على الانتصاب، أو بيت يكون ضيقا لا يمكن فيه الركوع والسجود على الوجه المعتبر. نعم في الضيق والاضطرار يجوز، ويجب مراعاتها بقدر الامكان، ولو دار الامر بين مكانين في أحدهما قادر على القيام لكن لا يقدر على الركوع والسجود إلا مومئا، وفي الآخر لا يقدر عليه ويقدر عليهما جالسا، فالاحوط الجمع بتكرار الصلاة، وفي الضيق لا يبعد التخيير. (السابع): أن لا يكون متقدما على قبر معصوم (3) ] (1) هذا أيضا مبني على كون الوقوف على شئ من واجبات الصلاة، أما إذا كان من شرائطها فلا مقتضى لاعتبار الشرط المذكور، لعدم إعتبار التقرب في شرائط الصلاة وإنما يعتبر في أجزائها لا غير، وقد تقدمت الاشارة إلى ذلك في اللباس والمكان المغصوبين. (2) هذا ليس شرطا في قبال وجوب الافعال كما هو ظاهر. (3) المحكي عن البهائي والمجلسي والكاشاني وبعض المتأخرين عنهم: المنع من التقدم على قبر أحد الائمة (عليه السلام). ومستندهم في ذلك صحيح محمد إبن عبد الله الحميري: " كتبت إلى الفقيه (عليه السلام) أسأله عن الرجل يزور قبور
===============
( 463 )
الائمة هل يجوز أن يسجد على القبر أم لا؟ وهل يجوز لمن صلى عند قبورهم (عليهم السلام) أن يقوم وراء القبر ويجعل القبر قبلة، ويقوم عند رأسه ورجليه؟ وهل يجوز أن يتقدم القبر ويصلي ويجعله خلفه أم لا؟ فأجاب وقرأت التوقيع ومنه نسخت -: أما السجود على القبر فلا يجوز في نافلة ولا فريضة ولا زيارة، بل يضع خده الايمن على القبر. وأما الصلاة فأنها خلفه ويجعله الامام، ولا يجوز أن يصلي بين يديه لان الامام لا يتقدم، ويصلي عن يمينه وشماله " (* 1). لكن المنسوب إلى المشهور: الكراهة، بل عن بعض المحققين: الظاهر إتفاقهم على ترك العمل بظاهر الصحيح، بل عن بعض عدم وجدان الخلاف فيه. وكأن للخدش في الصحيحة من وجوه: الاول: أنها رواها الشيخ عن محمد بن أحمد بن داود، ولم يذكر طريقه إليه في مشيخته. والثاني: أنها مروية عن الفقيه (عليه السلام): والظاهر من الكاظم (عليه السلام)، ونظرا إلى أن الحميري متأخر عن زمانه (عليه السلام) فالسند فيه سقط، فتكون مقطوعة. الثالث: أنها مضطربه المتن، لانها مروية في الاحتجاج للطبرسي هكذا: " هذا ولا يجوز أن يصلي بين يديه ولا عن يمينه ولا عن شماله لان الامام لا يتقدم ولا يساوي " (* 2). الرابع: أنها مخالفة للمشهور. ويمكن دفع الاول بأن الشيخ (ره) ذكر في محكي الفهرست في ترجمة محمد بن أحمد بن داود أنه أخبرنا بكتبه ورواياته جماعة منهم محمد بن محمد بن النعمان، والحسين بن عبيدالله، وأحمد بن عبدون كلهم، ولذا قال الاردبيلي في رسالة تصحيح الاسناد: " إن طريقه إليه صحيح في الفهرست".
===============
( 464 )
لكن قال فيها: " والمشيخة ". وهو غير ظاهر، لما عرفت من عدم ذكر طريقه إليه في المشيخة كما أعترف به غير واحد. ويمكن أيضا أن يستفاد طريقه إليه من ذكر طريقه إلى أبيه أحمد بن داود، ولكونه فيه، وإن تنظر فيه في نهج المقال، وكأنه لعدم الملازمة بين الطريقين. ويدفع الثاني: أن قول الحميري: كتبت إلى الفقيه (عليه السلام) قرينة على أن الفقيه من ألقاب الحجة (عجل الله تعالى فرجه)، وسيأتي في مبحث السجود على التربة الحسينية ما يشهد به، أو أن المراد منه معناه الوصفي ولم يقم دليل على عدم صحة أستعماله إلا في الكاظم (عليه السلام) ليكون ذلك قرينة على السقط في السند. ويدفع الثالث: أن رواية الاحتجاج مرسلة لا تصلح لمعارضة الصحيح، مع أحتمال كونهما روايتين عن واقعتين، فتأمل. ويدفع الرابع: أن إعراض المشهور إنما يقدح في الحجية لو كان كاشفا عن أطلاعهم على عدم الصدور، أو على وجه الصدور، أو على قرينة تقتضي خلاف الظاهر بحيث لو عدم الصدور، أو على وجه الصدور، أو على قرينة تقتضي خلاف الظاهر بحيث لو أطلعنا عليها لكانت قرينة عندنا، والجميع غير ثابت في المقام، لجواز كون الوجه في الاعراض عدم فهمهم منها الوجوب. فالعمدة إذا النظر في دلالة الصحيحة فنقول: قوله (عليه السلام): " ولا يجوز أن يصلي بين يديه " ظاهر ظهورا لا ينكر في المنع، لكن قرينة مورد السؤال تعين حمل " الامام " في قوله (عليه السلام): " يجعله الامام " على الامام المعصوم لا إمام الجماعة، فيكون الضمير في قوله (عليه السلام): " يجعله " راجعا إلى القبر، وحينئذ يكون قوله (عليه السلام): " لان الامام لا يتقدم " مرادا منه المعصوم، وحيث أن التقدم على المعصوم في الموقف ليس حكما إلزاميا، بل أدبيا قطعا. يكون التعليل قرينة على الكراهة. ودعوى: أن التقدم على المعصوم في الموقف غير الصلاة وإن كان أدبيا، لكن التقدم
===============
( 465 )
[ ولا مساويا له (1) مع عدم الحائل الرافع لسوء الادب ] فيه في الصلاة غير ظاهر في كونه أدبيا. مندفعة بأن الظاهر من التعليل مطلق التقدم لا في خصوص الصلاة، لعدم القرينة عليه. وبالجملة: ظهور التعليل في كونه أدبيا لا إلزاميا يوجب صرف قوله (عليه السلام): " لا يجوز.. " إلى الكراهة. وأضعف من ذلك الاستدلال بما ورد من الامر بالصلاة خلف القبر كما في رواية هشام (* 1)، أو خلفه وعند رأسه كما في غيرها (* 2) فإن ذلك كله وارد مورد آداب الزيارة، فهو محمول على الفضل. (1) كما عن بعض متأخري المتأخرين. ولا وجه له بناء على كراهة التقدم، أما بناء على المنع منه فوجهه إما قوله (عليه السلام) في الصحيح: " أما الصلاة فإنها خلفه "، لظهوره في الحصر، ولا ينافيه قوله (عليه السلام): " ويصلي عن يمينه ويساره " وإن بني على كونه جملة مستأنفة لا منصوبا معطوفا على " يصلي "، ولا مبنيا للمفعول معطوفا على " يتقدم "، لكونهما خلاف الظاهر. ووجه عدم المنافاة: إمكان حمله على صورة عدم المحاذاة، لان المراد من الخلف ما يقابل التقدم والمحاذاة. وإما رواية الاحتجاج، لصراحتها في كون اليمين واليسار كالتقدم. وفي الاول: أن الاقتصار في نفي الجواز على خصوص التقدم، والاقتصار في التعليل على أن الامام لا يتقدم وقوله (عليه السلام): " ويصلي عن يمينه ويساره: بقرينة تقدم السؤال عن الصلاة عند رأسه ورجليه، قرينة على أختصاص المنع بصورة التقدم وعلى جواز المحاذاة، وأن الحصر بالخلف إما أضافي في مقابل التقدم، أو للفضل في قبال التقدم والمحاذاة. والاخير هو الاظهر.
===============
( 466 )
وبالجملة: دلالة الصحيح على جواز المحاذاة مما لا ينبغي أن ينكر، وتؤيدها رواية إبن فضال التي تأتي. وأما رواية الاحتجاج: فمع عدم صلاحيتها في نفسها لاثبات المنع من المحاذاة، لضفعها، معارضة بالصحيح الواجب تقديمه عليها عرفا. ثم إن ظاهر جماعة ممن قال بجواز المحاذاة عدم الكراهة فيها، ويقتضيه أيضا ما في رواية إبن فضال في وداع أبي الحسن (عليه السلام) لقبر النبي (صلى الله عليه وآله) وفيها: " فقام إلى جانبه يصلي فألزق منكبه الايسر بالقبر قريبا من الاسطوانة المخلقة التي عند رأس النبي (صلى الله عليه وآله) " (* 1)، وإطلاق جملة من النصوص الورادة في باب الزيارات مثل رواية جعفر بن ناجية: " صلى عند رأس الحسين (عليه السلام) (* 2)، ورواية الثمالي: " ثم تدور من خلفه إلى عند رأس الحسين (عليه السلام) وصل عند رأسه ركعتين، وإن شئت صليت خلف القبر وعند رأسه أفضل " (* 3) ورواية صفوان: " فصل ركعتين عند الرأس " (* 4).. إلى غير ذلك. أللهم إلا أن يحمل الجميع على صورة عدم المحاذاة، لكنه لا يأتي في رواية إبن فضال. وإحتمال أن المراد من المحاذاة: المحاذاة لوسط القبر غير ظاهرة، بل هي خلاف ظاهر النص والفتوى، أللهم إلا أن تحمل على أن ذلك من خواص النبي (صلى الله عليه وآله)، أو من خواص المعصوم كأبي الحسن (عليه السلام)، أو كون المقدار الذي ألزق منكبة الشريف به زائدا على مقدار القبر. نعم يبقى الاشكال في وجه الكراهة. أللهم إلا أن يكون رواية الاحتجاج بناء على التسامح في أدلة السنن. وعلى
===============
( 467 )
[ على الاحوط. ولا يكفي في الحائل الشبابيك (1) والصندوق الشريف وثوبه. (الثامن): أن لا يكون نجسا نجاسة متعدية إلى الثوب أو البدن (2)، ] هذا كله فالمراد من الخلف في صحيح الحميري: خط الخلف، والصلاة إلى جانب الرأس منه أفضل من الصلاة على بقيته. والمحكي عن المشهور: كراهة إستقبال القبر. وعن المفيد والحلبي: المنع عنه. لكن ظاهر ما عرفت من النصوص العدم، غاية الامر أن الصلاة عند الرأس أفضل. وكذا رواية أبي اليسع في قبر الحسين (عليه السلام): " أجعله قبلة إذا صليت؟ قال (عليه السلام): تنح هكذا ناحية " (* 1). وكأن منشأ المنع ما ورد من النهي عن إتخاذ القبر قبلة، وفي صحيح زرارة: " فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نهى عن ذلك، وقال (صلى الله عليه وآله): لا تتخذوا قبري قبلة ولا مسجدا " (* 2). لكن الظاهر منها قصد كونه قبلة كالكعبة الشريفة، لا مجرد جعل المصلي له أمامه. وأما الكراهة فلا وجه لها ظاهر إلا فتوى الجماعة بناء على التسامح في أدلة السنن. والله سبحانه أعلم. (1) لكون الامور المذكورة معدودة من توابع القبر فهي كثياب المصلي المعدودة من توابعه، والجميع مشمولة لاطلاق النص والفتوى. نعم إذا كان الحائل مستقلا كجدار أو ستار كان خارجا عن النصوص، ولا سيما بملاحظة كون العلة فيه إرتكازا هو التأدب غير الحاصل منافيه مع الحائل على النحو المذكور. (2) هذا ليس زائدا على شرطية طهارة البدن واللباس كما هو ظاهر. ]
===============
( 468 )
[ وأما إذا لم تكن متعدية فلا مانع إلا مكان الجبهة فإنه يجب طهارته (1) وإن لم تكن نجاسته متعدية، لكن الاحوط طهارة ما عدا مكان الجبهة أيضا مطلقا، خصوصا إذا كانت عليه عين النجاسة. (التاسع): أن لا يكون محل السجدة أعلى أو أسفل من موضع القدم بأزيد من أربع أصابع مضمومات على ما سيجئ في باب السجدة (2). (العاشر): أن لا يصلي الرجل والمرأة في مكان واحد (3) بحيث تكون المرأة مقدمة على الرجل أو مساوية له ] (1) سيجئ إن شاء الله تعالى التعرض لذلك في مبحث السجود. (2) ويجئ إن شاء الله تعالى التعرض لوجهه. (3) نسب المنع إلى أكثر المتقدمين، وإلى الشيخين وأتباعهما، وإلى أكثر علمائنا، وإلى المشهور. وعن الخلاف والغنية: الاجماع عليه، لصحيح إدريس بن عبد الله القمي: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يصلي وبحياله إمرأة نائمة (قائمة خ ل) على فراشها جنبا (جنبه خ ل). فقال (عليه السلام): إن كانت قاعدة فلا يضرك وإن كانت تصلي فلا " (* 1)، وخبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يصلي والمرأة بحذاه عن يمينه ويساره. فقال (عليه السلام): لا بأس إذا كانت لا تصلي " (* 2)، وصحيح إبن مسلم عن أحدهما (عليه السلام): " عن المرأة تزامل الرجل في المحمل يصليان جميعا؟ قال (عليه السلام): لا، ولكن يصلي الرجل
===============
( 469 )
فإذا فرغ صلت المرأة " (* 1)، وصحيح إبن جعفر (عليه السلام) عن أخيه موسى (عليه السلام): " عن إمام كان في الظهر فقامت إمرأة بحياله تصلي وهي تحسب أنها العصر هل يفسد ذلك على القوم؟ وما حال المرأة في صلاتها معهم وقد كانت صلت الظهر؟ قال (عليه السلام): لا يفسد ذلك على القوم وتعيد المرأة " (* 2) بناء على أن الموجب للاعادة تقدمها على صفوف الرجال وقيامها بحذاء الامام. لكنه غير ظاهر فيحتمل أن يكون لعدم تقدم الامام عليها الذي هو شرط في صحة الائتمام، أو لعدم جواز الائتمام في العصر بالظهر، ويحتمل غير ذلك وصحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): " عن المرأة تصلي عند الرجل. فقال (عليه السلام): لا تصلي المرأة بحيال الرجل إلا أن يكون قدامها ولو بصدره " (* 3) وموثق عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث -: " أنه سئل عن الرجل يستقيم له أن يصلي وبين يديه إمرأة تصلي؟ قال (عليه السلام): إن كانت تصلي خلفه فلا بأس وإن كانت تصيب ثوبه " (* 4). ونحوها غيرها. وقيل بالجواز مع الكراهة، كما عن السيد والحلي وأكثر المتأخرين، بل عن شرح نجيب الدين: أنه مذهب عامة المتأخرين، وأختاره في الشرائع والقواعد. أما الجواز: فلصحيح جميل عن أبي عبد الله (عليه السلام): " لا بأس أن تصلي المرأة بحذاء الرجل وهو يصلي فإن النبي (صلى الله عليه وآله) كان يصلي وعائشة مضطجعة بين يديه وهي حائض، وكان إذا أراد أن يسجد غمز رجلها فرفعت رجلها حتى يسجد " (* 5)، وخبر الحسن بن فضال
===============
( 470 )
عمن أخبره عن جميل عن أبي عبد الله (عليه السلام): " في الرجل يصلي والمرأة تصلي بحذاه. قال (عليه السلام): لا بأس " (* 1)، وصحيح الفضيل عن أبي جعفر: " إنما سميت مكة بكة لانه يبتك فيها الرجال والنساء والمرأة تصلي بين يديك وعن يمينك وعن يسارك ومعك ولا بأس بذلك، وإنما يكره في سائر البلدان " (* 2) بناء على عدم الفصل بين مكة وغيرها في المنع والجواز وإن فصل بينهما في الكراهة. وأما الكراهة: فلنصوص المنع بعد حملها عليها جمعا بينها وبين نصوص الجواز. وقد يستشكل في ذلك بإضطراب الصحيح الاول، وأحتمال التصحيف فيه بقرينة التعليل لاستفاضة النصوص بالتفصيل بين كون المرأة مصلية وعدمه في المانعية في الاول وعدمها في الثاني. وضعف المرسل بالارسال. وعدم ثبوت عدم الفصل ليتم الاستدلال بالثالث. مع عدم صراحته في كون مورده صلاة الرجل، فمن المحتمل إرادة غير حال الصلاة فلا يكون مما نحن فيه. وبأن الجمع بالكراهة ليس بأولى من الجمع بنحو آخر، لاستفاضة النصوص بالتفصيل بين صورتي التباعد وعدمه، فلتحمل نصوص الجواز على الاولى ونصوص المنع على الثانية بشهادة تلك النصوص. وفيه: أنه إحتمال التصحيف لا يعول عليه بعد جريان أصالة عدم السهو والتعليل لا يصلح قرينة عليه، لامكان عدم الفصل واقعا بين حالتي الصلاة وعدمها في المانعية، وإن كان بينهما فصل في الكراهة الذي هو المراد بنصوص التفصيل ولو بقرينة الصحيح المزبور وغيره من نصوص الجواز. والارسال غير قادح في الحجية بعد الانجبار بالعمل، فتأمل. ولا سيما وكون الرواية
===============
( 471 )
من روايات بني فضال الذين قال العسكري (عليه السلام) في كتبهم: " خذوا ما رووا وذروا ما رأوا " (* 1)، فتأمل. وعدم الفصل يمكن أن يستفاد من إطلاق المانعين والمجوزين، وإحتمال إرادة غير حال الصلاة بعيد لا يعول عليه، ولا سيما بملاحظة قوله (عليه السلام): " أو معك ". ونصوص التفصيل بين التباعد وعدمه لا تصلح شاهدا للجمع لاختلافها فيه، ففي بعضها الاكتفاء بالشبر كصحيح معاوية بن وهب عن أبي عبد الله (عليه السلام): " أنه سأله عن الرجل والمرأة يصليان في بيت واحد قال (عليه السلام): إذا كان بينهما قدر شبر صلت بحذاه وحدها وهو وحده لا بأس " (* 2). وفي بعضها شبر أو ذراع كخبر أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " سألته عن الرجل والمرأة يصليان في بيت واحد المرأة عن يمين الرجل بحذاه؟ قال (عليه السلام): لا، إلا أن يكون بينهما شبر أو ذراع " (* 3). وفي روايته الاخرى: " شبر أو ذراع أو نحوه " (* 4). وفي بعضها موضع رحل كمصحح حريز عن أبي عبد الله (عليه السلام): " في المرأة تصلي إلى جانب الرجل قريبا منه. فقال (عليه السلام): إذا كان بينهما موضع رحل فلا بأس " (* 5). ونحوه صحيح زرارة المروي عن مستطرفات السرائر (* 6). وفي بعضها ما لا يتخطى، أو قدر عظم الذراع فصاعدا كصحيح زرارة المروي عن الفقيه عن أبي جعفر (عليه السلام): " إذا كان بينها وبينه ما لا يتخطى أو قدر عظم الذراع فصاعدا فلا بأس " (* 7). ونحوه
===============
( 472 )
صحيحة المروي عن المستطرفات (* 1). وفي بعضها أكثر من عشرة أذرع كموثق عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام): " أنه سئل عن الرجل يستقيم له أن يصلي وبين يديه إمرأة تصلي؟ قال (عليه السلام): لا يصلي حتى يجعل بينه وبينها أكثر من عشرة أذرع، وإن كانت عن يمينه وعن يساره جعل بينه وبينها مثل ذلك، فإن كانت تصلي خلفه فلا بأس.. " (* 2). وفي خبر علي إبن جعفر (عليه السلام) عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام): " عن الرجل يصلي ضحى وأمامه إمرأة تصلي بينهما عشرة أذرع. قال (عليه السلام): لا بأس ليمض في صلاته " (* 3). وهذا الاختلاف قرينة الكراهة، بل لا بد من الالتزام بها في الزائد على الشبر، لصراحة نصوصه بإرتفاع المانعية به، فليحمل هو على الكراهة أيضا لوحدة السياق، ولا سيما فيما عطف عليه الذراع وحده أو مع " نحوه "، بل يمكن أن تؤيد بالتعبير ب " لا ينبغي " في رواية المحمدين الحلبي (* 4) والثقفي (* 5)، وب " يكره " في صحيح الفضيل وب " لا يستقيم " في موثق عمار المتقدمين (* 6). نعم في الحدائق قرب حمل نصوص التقدير بما دون العشرة على صورة تقدم الرجل على المرأة لا المحاذاة بقرينة صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): " عن المرأة تصلي عند الرجل. فقال (عليه السلام): لا تصلي المرأة بحيال الرجل إلا أن يكون قدامها ولو بصدره " (* 7)، وموثق إبن فضال عمن أخبره
===============
( 473 )
عن جميل عن أبي عبد الله (عليه السلام): " في الرجل يصلي والمرأة بحذاء أو إلى جنبه. فقال (عليه السلام): إذا كان سجودها مع ركوعه فلا بأس " (* 1) بناء على أن المراد منه التقدير للتباعد في المكان لا في الزمان. ونحوه مرسل إبن بكير عن أبي عبد الله (عليه السلام) (* 2) فإن ما ذكر فيها مما يقرب من الشبر. وفيه: أن نصوص التقدير آبية عن الحمل على ما ذكر. فلتلحظ صحيحة معاوية بن وهب ورواية أبي بصير المتقدمتين (* 3)، فإن لازم ذلك التصرف في المحاذاة الظاهرة في أن يكونا على خط واحد عرفا، والتباعد بمقدار الشبر ينافيه. مضافا إلى التصرف في البينية الظاهرة في البينية في جميع الاحوال، إذ على ما ذكره تكون البينية بين الموقفين لا غير، ومع التباعد بدون العشرة تكون البينية بين خط موقفه وخط موقفها، وكلاهما خلاف الظاهر. وأيضا فإن المقدار المذكور في النصوص التي إتخذها قرينة على ما ذكر من التصرف أكثر من شبرين لا كما ذكر. وأبعد من ذلك ما حكي عن بعض من حمل أخبار الشبر ونحوه على إرادة تقدير الحائل بذلك يعني: إذا كان بينهما حائل إرتفاعه بمقدار شبر أو ذراع أو نحوهما فإن ذلك خلاف ظاهر النصوص المذكورة جدا، ولا سيما مصحح حريز وصحيح زرارة المتقدمان. فإذا لا معدل عما هو المشهور من البناء على الكراهة مع عدم التباعد، وأنها تخف به وتختلف بإختلاف مراتبه زيادة ونقيصة. وأما ما عن الجعفي من المنع إلا مع الفصل بقدر عظم الذراع. ففيه: أنه عمل ببعض النصوص وطرح لما سواه من غير وجه ظاهر.
===============
( 474 )
[ إلا مع الحائل (1)، ] ثم إن صورة تقدم المرأة قد تعرضت لها نصوص المنع كموثق عمار، بل وصحيح إدريس المتقدمين، كما تعرضت لها نصوص الجواز كصحيح جميل، فإن المحاذاة فيه وإن كان الظاهر منها المساواة إلا أن الظاهر من التعليل فيه جواز تقدمها عليه، وكصحيح الفضيل بناء على عدم الفصل. والجمع العرفي أيضا يقتضي الحمل على الكراهة. مضافا إلى عدم القول بالفصل بين التقدم والمحاذاة، والظاهر إنحصار إرتفاع المنع أو الكراهة بالعشرة أذرع، كما في موثق عمار وصحيح إبن جعفر، ولا تكفي المقادير المذكورة في النصوص من الشبر وغيره، لعدم شمولها لهذه الصورة. فلاحظ. (1) قال في محكي المعتبر: " ولو كان بينهما حائل سقط المنع إجماعا منا ". بل الظاهر أنه لا خلاف في زوال الكراهة على القول بها مع الحائل لاختصاص أدلتها بصورة عدمه. ويشهد له صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام): " في المرأة تصلي عند الرجل. قال (عليه السلام): إذا كان بينهما حاجز فلا بأس " (* 1)، وخبر محمد الحلبي " لا ينبغي ذلك إلا أن يكون بينهما ستر فإن كان بينهما ستر أجزأة " (* 2)، وخبر إبن جعفر: " عن الرجل هل يصلح له أن يصلي في مسجد قصير الحائط وإمرأة قائمة تصلي بحياله وهو يراها وتراه؟ قال (عليه السلام): إن كان بينهما حائط طويل أو قصير فلا بأس " (* 3)، وصحيحه عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) في حديث قال: " سألته عن الرجل يصلي في مسجد حيطانه كوى كله قبلته وجانباه
===============
( 475 )
[ أو البعد عشرة أذرع (1) بذراع اليد على الاحوط، وإن كان الاقوى كراهته إلا مع أحد الامرين. والمدار على الصلاة الصحيحة لولا المحاذاة (2) أو التقدم، دون الفاسدة لفقد شرط أو وجود مانع. والاولى في الحائل كونه مانعا (3) عن المشاهدة وإن كان لا يبعد كفايته مطلقا، كما أن الكراهة أو الحرمة مختصة بمن شرع في الصلاة لاحقا (4) إذا كانا ] وإمرأته تصلي حياله يراها ولا تراه. قال (عليه السلام): لا بأس " (* 1). (1) فيزول المنع معه إجماعا، كما عن المعتبر والمنتهى، بل الكراهة على تقدير القول بها إجماعا، كما عن جامع المقاصد وإرشاد الجعفرية ويشهد له خبر إبن جعفر (عليه السلام) المتقدم، بل وموثق عمار بناء على أن المراد منه العشرة فما زاد نظير قوله تعالى: (فإن كن نساء فوق إثنتين) (* 2)، أو كون الزيادة لاجل الاحراز. (2) كما عن جماعة التصريح به، بل نسب إلى الاكثر. وعن الايضاح وجامع المقاصد والروض: إحتمال العموم للباطلة لصدق الصلاة على الفاسدة وفيه: أنه لم سلم فالانصراف إلى الصحيحة يقتضي الاختصاص بها. (3) كما يقتضيه إطلاق الساتر في رواية الحلبي لكن عرفت التصريح بالاكتفاء بما لا يكون مانعا عن الرؤية، فالعمل عليه متعين. أللهم إلا أن يحمل الثاني على خفة الكراهة، فتأمل. (4) كما عن جماعة الجزم به، أو الميل إليه، ومنهم الشهيدان والمحقق الثاني وإبن فهد وسيد المدارك وكاشف اللثام. وربما يستدل له (تارة):
===============
( 476 )
بإستبعاد بطلان الصلاة التي إنعقدت صحيحة بفعل الغير. (وأخرى): بأن المتأخرة مختصة بالنهي المتقتضي للفساد، ومع عدم إنعقادها فكيف تبطل بها صلاة أنعقدت؟ ولا كذلك مع الاقتران، لعدم الاولوية هنا بخلافه ثمة. كذا ذكر في جامع المقاصد. (وثالثة): بأن المتأخرة ليست بصلاة، لبطلانها بالمحاذاة، فلا تصلح لابطال السابقة. (فإن قلت): الفساد الناشئ من قبل هذا الحكم لا يعقل أن يكون مانعا من تحقق موضوعه كما في نهي الحائض عن الصلاة، إذ ليس موضوعه إلا الصلاة الصحيحة من غير جهة مانعية الحيض، ولو أريد الصلاة الصحيحة حتى من جهة المحاذاة إمتنع البطلان في صورة الاقتران. (قلنا): إنما يصار إلى التأويل المذكور بالنسبة إلى الصلاة الواقعة في حيز المنع بقرينة عقلية كما في صلاة الحائض، وكذا في صورة الاقتران، لا بالنسبة إلى الصلاة اللاحقة، إذ لا مانع عقلا من أن يراد من قوله (عليه السلام): " وإمرأته تصلي بحذائه " الصحيحة المبرئة لذمتها، فيجوز أن يصرح الشارع بأنه وإمرأته تصلي بحذائه " الصحيحة المبرئة لذمتها، فيجوز أن يصرح الشارع بأنه يشترط في صحة صلاة الرجل أن لا تصلي إمرأته بحذائه صلاة صحيحة مبرئة لذمتها من جميع الجهات كما أشار إلى ذلك في مصباح الفقيه. (ورابعة): لصحيح إبن جعفر (عليه السلام) المتقدم في أدلة المنع. وفيه: أن الاستبعاد المحض لا يصلح لاثبات الحكم الشرعي. وأن النهي لا يختص بالاخيرة. وأن دليل مانعية المحاذاة إما أن يكون المراد منه المحاذاة في الصلاة الصحيحة من غير جهة المحاذاة، أو حتى من جهة المحاذاة فعلى الاول: لا فرق بين صورتي الاقتران والترتيب في البطلان بالنسبة إليهما وعلى الثاني: لا فرق بينهما في عدمه كذلك، وحيث يمتنع الثاني يتعين الاول وإستفادة الاول منه في صورة الاقتران والثاني في صورة الترتيب غير ممكن. ومثل ذلك دعوى إختصاص النصوص بصورة الاقتران، إذ فيها مع أنها
===============
( 477 )
[ مختلفين في الشروع، ومع تقارنهما تعمهما وترتفع أيضا بتأخر المرأة مكانا بمجرد الصدق (1)، وإن كان الاولى تأخرها عنه في جميع حالات الصلاة، بأن يكون مسجدها وراء موقفه. ] خلاف الاطلاق أن صورة الاقتران نادرة جدا فكيف يدعي إختصاص النصوص بها؟ فالعمل بالاطلاق متعين. وأما صحيح إن جعفر (عليه السلام): فقد عرفت بها إجماله وتكثر محتملاته. ولذلك حكي عن جماعة عدم الفرق بين صورتي الاقتران والترتيب في المنع أو الكراهة. بالنسبة إلى الصلاتين معا. وعن بعض: نسبته إلى المشهور. وفي جامع. المقاصد: نسبته إلى إطلاق كلام الاصحاب. وكذا في الحدائق. والاول أن يقال ولعل فيه حل الاشكال -: إن المانع من صحة الصلاة أو كمالها إن كان هو المحاذاة فنسبتها إلى السابق واللاحق نسبة واحدة نظير المنع عن الجمع بين الاختين، وإن كان هو أن يصلي الرجل وبحذائه إمرأة تصلي أو تصلي المرأة وبحذائها رجل يصلي إختص المانع باللاحق، والنصوص قد إشتملت على المفادين معا فلاحظها، والجمع يتقضي الاخذ بالاول، ولا سيما وأنه لو بني على الاخذ بالمفاد الثاني يلزم عدم تعرض النصوص لصورة الاقتران، وهو كما ترى. وما في المدارك من أنه ينبغي القطع بصحة الصلاة المتقدمة لسبق إنعقادها وفساد المتأخرة خاصة، فغير ظاهر، إذ سبق الانعقاد لا يمنع من طروء الفساد إذا إقتضاه الدليل. ولذا قال في الذكرى: " ولو سبقت إحداهما أمكن بطلان الثانية لاغير، لسبق إنعقاد الاولى فيمتنع إنعقاد الثانية، ويحتمل بطلانهما معا، لتحقق الاجتماع في الموقف المنهي عنه ". (1) كأنه لاختصاص نصوص المنع أو الكراهة بصورة المساواة في
===============
( 478 )
الموقف، لاشتمالها على التعبير بالمحاذاة وما يؤدي معناها فلا تشمل صورة التأخر. وفيه: أنه مناف لما في الصحيح زرارة المتقدم من قوله (عليه السلام): " إلا أن يكون قدامها ولو بصدره " (* 1)، وما في خبري جميل وإبن بكير: " إذا كان سجودها مع ركوعه " (* 2) بناء على إرادة تقدير التباعد بالمكان كما هو ظاهر وما في موثق عمار: " إن كانت تصلي خلفه فلا بأس وإن كانت تصيب ثوبه " (* 3). بناء على أن الظاهر منه إرادة كون موضع صلاتها بتمامه خلفه وإن كانت متصلة به بحيث تصيب ثوبه كما هو الظاهر لا أن موقفها خلف موقفه. فالمتعين بناء على الكراهة القول بخفة الكراهة بما في الصحيح، ثم بما في الخبرين، وترتفع بما في الموثق، وبناء على المنع إرتفاعه بالاول مع الكراهة، وتخف بالثاني، وترتفع بالثالث. ومن ذلك يظهر الاشكال فيما هو ظاهر جملة من كلمات الاصحاب، ففي الشرائع: " ولو كانت وراءه بقدر ما يكون موضع سجودها محاذيا لقدمه سقط المنع ". ونحوها عبارتا المقنعة واللمعة على ما حكي وفي القواعد: " ولو كانت وراءه صحت صلاتهما ". ونحوهما غيرهما. وفي محكي المنتهى بعد حكاية الاجماع على صحة صلاتهما مع الحائل والاذرع -: " وكذا لو صلت متأخرة ولو بشبر أو قدر مسقط الجسد ". وفي جملة: الاقتصار على مسقط الجسد. وفي غيرها: غير ذلك. وبالتأمل فيما ذكرنا يظهر ما فيها فلاحظ. نعم بناء على المانعية يكون مادل على إرتفاعها بالشبر
===============
( 479 )
[ أن الظاهر إرتفاعها أيضا بكون أحدهما في موضع عال على وجه لا يصدق معه التقدم أو المحاذاة وإن لم يبلغ عشرة أذرع (1). ] المحاذاة دالا عليه مع التأخر حينئذ ولو قليلا، فيكون الجمع بينه وبين دل على إعتبار التقدم بالصدر حمل الثاني على صورة عدم الانفصال بالشبر عنه يعرف الحكم لو قلنا بالكراهة. فلاحظ. (1) حيث أن النصوص الدالة على المنع أو المحتملة الدلالة عليه مشتملة على التعبير بالامام، وبين يديه، وقدامه، وحياله، وحذاءه، ويمينه، ويساره، ونحوها، ويستفاد منه كون الموضوع للمانعية هو التقدم أو المساواة، إذا كان أحدهما في مكان مرتفع عن مكان الآخر لا يصدق معه أحد العنوانين لم يكن المورد داخلا في النصوص المذكورة، بل يكون المرجع إليه الاصل الجاري في الشك في المانعية أو الكراهة. نعم إذا كان الارتفاع قليلا بمقدار ذراع ونحوه لم يكن مانعا من صدق التقدم والمحاذاة، فيكون المورد مشمولا للنصوص المذكورة، فيثبت المنع أو الكراهة. نعم قد يشكل الحال فيما هو المعيار في صدق العنوانين وعدمه، فيمكن أن يقال: إن المعيار كون الارتفاع بمقدار قامة الآخر بحيث تكون الخطوط الخارجة من أحدهما مستقيمة إلى جهة الآخر غير مارة به، أو دونها بحيث تكون مارة، ويحتمل أن يكون المعيار تعدد المكان تعدد المكان عرفا ووحدته. ولعل الاقوى الاول. فتأمل. وكيف كان فلو صدق أحد العنوانين فالبعد الرافع للنقص هل يراد منه البعد ما بين موقف أحدهما وما يسامته من أساس موقف الآخر، أو مجموع ما بين الموقف والاساس، أو مابين الاساس وموقف الآخر، أو ضلع المثلث الخارج من موقف أحدهما وموقف الآخر؟ وجوه، أقواها: الاخير
===============
( 480 )
[ (مسألة 26): لا فرق في الحكم المذكور (1) كراهة أو حرمة بين المحارم وغيرهم. والزوج والزوجة وغيرهما، وكونهما بالغين أو غير بالغين (2) مختلفين بناء على المختار من صحة عبادات الصبي والصبية. ] كما في الجواهر، وقبله محكي كشف اللثام لظهور البينة في المسافة بين الجسمين. وفي محكي الروض: أستظهر ذلك مع إيراثه زاوية حادة، ولو كانت قائمة ففيه الاحتمالات، ولو كان منفرجة ضعف الاحتساب إلى الاساس لاغير. أنتهى وضعفه يظهر مما ذكرنا. (1) بلا خلاف ظاهر، لاطلاق أكثر النصوص، وخصوص بعضها المشتمل على التعبير بالزوجة والبنت. (2) وعن المشهور: الاختصاص بالبالغين، لاختصاص النصوص بالرجل والمرأة المختصين بهما وفيه: أن مقتضى الاطلاق المقامي لدليل تشريع عبادة الصبي مع عدم بيان كيفية عبادته الاعتماد على بيانها للبالغ، فالعبادة المشروعة لغيره هي العبادة المشروعة له إلا أن يقوم دليل على الخلاف، وحيث لا دليل في المقام على الخلاف يتعين البناء على العموم. أللهم إلا أن يقال: إنما يتم ذلك بناء على إستفادة مشروعية عبادة الصبي بالادلة الخاصة مثل: " مروهم بالصلاة " (* 1) ونحوه، أما لو كان دليل المشروعية منحصرا بالادلة العامة المثبتة للتكاليف لعدم إقتضاء حديث رفع القلم عن الصبي (* 2) أكثر من رفع الالزام، فتبقى الدلالة
===============
( 481 )
[ (مسألة 27): الظاهر عدم الفرق أيضا بين النافلة والفريضة (1). (مسألة 28): الحكم المذكور مختص بحال الاختيار، ففي الضيق والاضطرار لا مانع ولا كراهة (2). نعم إذا كان الوقت واسعا الالتزامية للادله العامة على ثبوت الملاك في فعل الصبي، الموجب لرجحانه ومشروعيته بحالها فيشكل ثبوت الاطلاق المقامى المذكور، لان الادلة العامة حسب الفرض موضوعها الرجل والمرأة، فلا تعم الصبي لا بإطلاقها اللفظي ولا بإطلاقها المقامي، لعدم تمامية مقدمات الحكمة بالنسبة إليه، كما هو ظاهر. لكن حديث أن الظاهر تمامية الادلة الخاصة بالصبي في الدلالة على مشروعية عبادته فالتمسك بالاطلاق المقامي في محله. نعم الاطلاق المقامي المذكور إنما يقتضي إلحاق الصبي بالرجل في قدح محاذاته للمرأة في صلاته وإلحاق الصبية بالمرأة في قدح محاذاتها للرجل في صلاتها، أما قدح محاذاة الرجل للصبية في صلاتها، أو قدح محاذاة المرأة للصبي في صلاتها، أو قدح محاذاة كل من الصبي والصبية للآخر في صلاته، فشئ لا يقتضيه الاطلاق المذكور، إذ مقتضاه أن الكيفية المشروعة للبالغ تثبت للصبي، فإذا كانت محاذاة المرأة مانعة من صحة عبادة البالغ كانت مانعة أيضا من صحة عبادة الصبي، أما محاذاة البالغ للصبية فلم يثبت مانعيتها لصلاة البالغ فكيف يحكم بثبوتها لصلاة الصبي؟ وهكذا الكلام في بقية الصور، كما أشار إليه في الجواهر. (1) للزوم سراية حكم الفريضة إلى النافلة كما قررناه في مواضع من هذا الشرح. مضافا إلى إطلاق جملة من نصوص المقام الشامل للفريضة والنافلة معا. (2) كما نسب إلى الاكثر. بل إلى الاصحاب، لقاعدة الميسور المجمع
===============
( 482 )
[ يؤخر أحدهما صلاته (1). والاولى تأخير المرأة صلاتها (2). ] عليها في المقام وأمثاله من موارد الاضطرار، التي بها يقيد إطلاق المانعية وبها يظهر الاشكال فيما ذكره في جامع المقاصد، فإنه بعدما حكى عن الشارح الفاضل أن هذا البحث إنما هو في حال الاختيار، أما في الاضطرار فلا كراهة ولا تحريم، قال: " ويشكل بأن التحاذي إن كان مانعا من الصحة منع مطلقا، لعدم الدليل على إختصاص الابطال بموضع دون آخر ". نعم يتم ما ذكره بناء على الكراهة، إذ لا دليل على تقييد أدلتها، فالبناء عليها في حال الاضطرار كحال الاختيار متعين. أللهم إلا أن يستفاد نفيها من أدلة نفي الاضطرار بناء على شمولها لمثل المقام، لكن شمولها للكراهة مشكل، فضلا عن الكراهة العبادية. فلاحظ. (1) وجوبا أو إستحبابا فرارا عن المانعية أو الكراهة. (2) لصحيح محمد بن مسلم: " عن المرأة تزامل الرجل في المحمل يصليان جيمعا؟ فقال (عليه السلام): لا، ولكن يصلي الرجل فإذا فرغ صلت المراة " (* 1). ونحوه خبر أبي بصير (* 2)، المحمول معه على الاستحباب حتى بناء على المانعية، جمعا بينهما وبين صحيح بن أبي يعفور: " أصلي والمرأة إلى جنبي وهي تصلي؟ قال (عليه السلام): لا، إلا أن تتقدم هي أو أنت " (* 3) بناء على إرادة التقدم في الزمان بقرينة المنع عن تقدمها في المكان، فيكون ظاهرا في التخيير وجواز كل منهما. مضافا إلى ما عن المنتهى من الاجماع على صحة صلاتهما لو تقدمت المرأة. ومن ذلك يظهر ضعف ما عن الشيخ (ره)
===============
( 483 )
[ (مسألة 29): إذا كان الرجل يصلي وبحذائه أو قدامه إمرأة من غير أن تكون مشغولة بالصلاة لا كراهة ولا إشكال (1)، وكذا العكس (2)، فالاحتياط أو الكراهة مختص بصورة إشتغالهما بالصلاة. (مسألة 30): الاحوط ترك الفريضة على سطح الكعبة وفي جوفها إختيارا (3)، ] من الوجوب تعبدا أو شرطا، إذ الاول: خلاف ظاهر الخبرين، والثاني: خلاف الاجماع المذكور. فتأمل. (1) لصراحة النصوص في جواز ذلك، منها ما تقدم في أدلة المنع والجواز، ومنها صحيح إبن أبي يعفور: " لا بأس أن تصلي والمرأة بحذاك (جالسة أو قائمة " (* 1). وغيره. (2) يشير إليه وإلى ما قبله روايتا إبن مسلم وأبي بصير الواردتان في المرأة تزامل الرجل، وليس موردهما الضرورة، لجواز إيقاع النافلة إختيارا على الراحلة. (3) لصحيح محمد بن مسلم المروي في الكافي عن أحدهما (عليهما السلام): " قال: لا تصل المكتوبة في الكعبة " (* 2)، وصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام): " قال: لا تصل المكتوبة في جوف الكعبة، فإن
===============
( 484 )
النبي (صلى الله عليه وآله) لم يدخل الكعبة في حج ولا عمرة ولكنه دخلها في الفتح فتح مكة وصلى ركعتين بين العمودين ومعه أسامة بن زيد " (* 1). ولاجلهما أختار في الخلاف والتهذيب وحج النهاية والمهذب: المنع، مدعيا في الاول الاجماع عليه. وقد يقتضيه ظهور الاستقبال الواجب في الصلاة بالاجماع والضرورة في غير ما يكون عليه المصلي في جوف الكعبة، لا أقل من الانصراف عنه. وفيه: أن الصحيحين معارضان بموثق يونس بن يعقوب: " قلت لابي عبد الله (عليه السلام): حضرت الصلاة المكتوبة وأنا في الكعبة أفأصلي فيها؟ قال (عليه السلام): صل " (* 2)، والجمع العرفي يقتضي حمل الاولين على الكراهة. مضافا إلى أن الصحيح الاول رواه الشيخ: " لا تصلح صلاة المكتوبة في جوف الكعبة " (* 3)، ورواه أيضا بطريق آخر: " تصلح صلاة المكتوبة في جوف الكعبة " (* 4)، والاول لو لم يصلح دليلا على الجواز مع الكراهة فلا يصلح دليلا على المنع، والثاني صريح في الجواز. وأما حمل الموثق على صورة الاضطرار فبعيد عن مساق السؤال لا شاهد له. والاجماع المدعى غير حجة بعد شهرة الخلاف. بل عدم إعتماد ناقله عليه في المبسوط على ما حكي. وما ذكر أخيرا لا يصلح لمعارضة الموثق. وأما دفعه بعدم الدليل على وجوب الاستقبال لمن كان في جوف الكعبة، ولا إجماع ولا ضرورة
===============
( 485 )
[ ولا بأس بالنافلة (1)، بل يستحب أن يصلي فيها قبال كل ركن ركعتين (2). ] عليه. ففيه: أنه مخالف لاطلاق مثل: " لاصلاة إلا إلى القبلة " (* 1) مع أن لازمه عدم وجوب إستقبال جزء منها إذا صلى في جوفها، ولا يظن إلتزامه من أحد، فلاحظ. هذا فالجواز كما عن الاكثر بل نسب إلى الاصحاب أنسب بالعمل بالادلة. وأما الصلاة على سطح الكعبة: فلم يعرف الخلاف في جوازها إختيارا إلا من القاضي، فخص الجواز بالاضطرار. وكأن مستند الجواز أصالة البراءة من مانعية الكون على السطح. وأما حديث المناهي: " نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن الصلاة على ظهر الكعبة " (* 2)، فضعيف في نفسه، مهجور عندهم، فلا يصلح دليلا على المنع. لكن عرفت أن ما دل على إعتبار الاستقبال في الصلاة ظاهر في غير ذلك أو منصرف عنه. أللهم إلا أن يستفاد حكم المقام مما دل على جواز الصلاة في جوفها، لعدم إمكان التفكيك بين الفوق والتحت من حيثية الاستقبال، وإحتمال مانعية الكون على السطح تعبدا منفي بأصل البراءة. (1) بإجماع العلماء كافة، كما عن المعتبر والمنتهى والمدارك. (2) ففي صحيح معاوية بن عمار: " إذا أردت دخول الكعبة.. إلى ان قال: ثم تصلي ركعتين بين الاسطوانتين على الرخامة الحمراء.. إلى أن قال (عليه السلام) وتصلي في زواياه " (* 3)، وصحيح إسماعيل بن همام: (قال
===============
( 486 )
[ وكذا لا بأس بالفريضة في حال الضرورة (1). وإذا صلى على سطحها فاللازم أن يكون قباله في جميع حالاته شئ من فضائها (2) ويصلي قائما. والقول بأنه يصلي مستلقيا متوجها إلى البيت المعمور (3) أو يصلي مضطجعا ضعيف. ] أبو الحسن (عليه السلام): دخل النبي (صلى الله عليه وآله) الكعبة فصلى في زواياها الاربع وصلى في كل زاوية ركعتين " (* 1). (1) بلا خلاف كما عن البحار، وإجماع أصحابنا كما عن الذكرى، وإجماع العلماء كافة كما عن المعتبر والمنتهى والمدارك. (2) على المشهور، ليتحقق الاستقبال الواجب بإطلاق أدلة وجوبه. (3) هذا القول محكي عن الفقيه والخلاف والنهاية والمهذب والجواهر، وأستدل له برواية عبد السلام عن الرضا (عليه السلام): " في الذي تدركه الصلاة وهو فوق الكعبة قال (عليه السلام): إن قام لم يكن له قبلة ولكن يستلقي على قفاه ويفتح عينيه إلى السماء ويعقد بقلبه القبلة التي في السماء البيت المعمور ويقرأ، فإذا أراد أن يركع غمض عينيه، وإذا أراد أن يرفع رأسه من الركوع فتح عينيه، والسجود على نحو ذلك " (* 2) وعن الشيخ: دعوى الاجماع على العمل بمضمونه. وعن المبسوط: نسبة الحكم إلى رواية أصحابنا. والظاهر أنها عين المسند المذكور. لكن ضعفها في نفسها وإعراض المشهور عنها، بل إعراض الصدوق والشيخ في باقي كتبهما، بل عدم نسبة القول بمضمونها إلى أحد فيما لو صلى في جوفها مع كون المقامين من باب واحد. بل عن الروض الاجماع على خلافها يمنع من الاعتماد عليها في تخصيص الادلة القطعية