فصل في الاغسال الفعلية وقد مر أنها قسمان: القسم الاول: ما يكون مستحبا لاجل الفعل الذي يريد أن يفعله، وهي أغسال: (أحدها) للاحرام، وعن بعض العلماء وجوبه. (الثاني): للطواف سواء كان طواف الحج، أو العمرة، أو طواف النساء، بل للطواف المندوب أيضا. (الثالث): للوقوف بعرفات. (الرابع): للوقوف بالمشعر. (الخامس): للذبح والنحر (السادس: للحلق. وعن بعضهم استحبابه لرمي الجمار أيضا. (السابع): لزيارة أحد المعصومين من قريب أو بعيد (الثامن) لرؤية أحد الائمة (ع) في المنام. كما نقل ]
===============
( 283 )
[ عن موسى بن جعفر (ع) أنه إذا أراد ذلك يغتسل ثلاث ليال ويناجيهم فيراهم في المنام (* 1). (التاسع): لصلاة الحاجة، بل لطلب الحاجة مطلقا. (العاشر): لصلاة الاستخارة، بل الاستخارة مطلقا ولو من غير صلاة. (الحادي عشر): لعمل الاستفتاح المعروف بعمل أم داود. (الثاني عشر): لاخذ تربة قبر الحسين (ع)، (الثالث عشر): لارادة السفر خصوصا لزيارة الحسين (ع). (الرابع عشر) لصلاة الاستسقاء، بل له مطلقا (الخامس عشر): للتوبة من الكفر الاصلي أو الارتدادي، بل من الفسق، بل من الصغيرة أيضا على وجه. (السادس عشر): للتظلم والاشتكاء إلى الله من ظلم ظالم، ففي الحديث عن الصادق (ع) ما مضمونه: إذا ظلمك أحد فلا تدع عليه، فان المظلوم قد يصير ظالما بالدعاء على من ظلمه. لكن اغتسل وصل ركعتين تحت السماء ثم قل: " اللهم إن فلان بن فلان ظلمني " وليس لي أحد أصول به عليه غيرك فاستوف لي ظلامتي الساعة الساعة بالاسم الذي إذا سألك به المضطر أجبته، وكشفت ما به من ضر، ومكنت له في الارض وجعلته خليفتك على خلقك، فأسألك أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن تستوفي ظلامتي الساعة الساعة فسترى ما تحب (* 2) (السابع عشر): للامن من الخوف من ظالم، فيغتسل ويصلي ركعتين ويحسر عن ركبتيه ويجعلهما قريبا من مصلاه ويقول ]
____________
(* 1) مستدرك الوسائل باب النوادر من أبواب الاغسال المسنونة حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 15 من ابواب بقية الصلوات المندوبة حديث: 1.
===============
( 284 )
[ مائة مرة: " يا حي يا قيوم، يا حي لا إله إلا أنت برحمتك أستغيث فصل على محمد وآل محمد وأغثني الساعة الساعة "، ثم يقول: " أسألك أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تلطف بي، وأن تغلب لي وأن تمكر لي وأن تخدع لي وأن تكفيني مؤنة فلان بن فلان بلا مؤنة ". وهذا دعاء النبي صلى الله عليه وآله يوم أحد. (الثامن عشر): لدفع النازلة يصوم الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر وعند الزوال من الاخير يغتسل. (التاسع عشر): للمباهلة مع من يدعي باطلا. (العشرون): لتحصيل النشاط للعبادة، أو لخصوص صلاة الليل، فعن فلاح السائل ان أمير المؤمنين (ع) كان يغتسل في الليالي الباردة لاجل تحصيل النشاط لصلاة الليل (* 1) الحادي والعشرون). لصلاة الشكر. (الثاني والعشرون): لتغسيل الميت ولتكفينه. (الثالث والعشرون): للحجامة على ما قيل. ولكن قيل انه لا دليل عليه. ولعله مصحف الجمعة. (الرابع والعشرون): لارادة العود إلى الجماع، لما نقل عن الرسالة الذهبية إن الجماع بعد الجماع بدون الفصل بالغسل يوجب جنون الولد (* 2). لكن يحتمل أن يكون المراد غسل الجنابة، بل هو الظاهر. (الخامس والعشرون) الغسل لكل عمل يتقرب به إلى الله، كما حكي عن ابن الجنيد. ووجهه غير معلوم، وإن كان الاتيان به لا بقصد الورود لا بأس به. ]
____________
(* 1) مستدرك الوسائل باب النوادر من أبواب الاغسال المندوبة حديث: 2. (* 2) مستدرك الوسائل باب النوادر من أبواب مقدمات النكاح حديث: 19.
===============
( 285 )
[ القسم الثاني: ما يكون مستحبا لاجل الفعل الذي فعله، وهي أيضا أغسال: أحدها: غسل التوبة ما ذكره بعضهم من أنه من جهة المعاصي التي ارتكبها، أو بناء على أنه بعد الندم الذي هو حقيقة التوبة. لكن الظاهر انه من القسم الاول كما ذكر هناك. وهذا هو الظاهر من الاخبار ومن كلمات العلماء. ويمكن أن يقال انه ذو جهتين، فمن حيث أنه بعد المعاصي وبعد الندم يكون من القسم الثاني، ومن حيث ان تمام التوبة بالاستغفار يكون من القسم الاول. وخبر مسعدة بن زياد في خصوص استماع الغناء في الكنيف، وقول الامام (ع) له في آخر الخبر " قم فاغتسل فصل ما بدأ لك " (* 1) يمكن توجهيه بكل من الوجهين. والاظهر انه لسرعة قبول التوبة أو لكمالها الثاني: الغسل لقتل الوزغ. ويحتمل أن يكون للشكر على توفيقه لقتله، حيث انه حيوان خبيث. والاخبار في ذمه من الطرفين كثيرة ففي النبوي: " اقتلوا الوزغ ولو في جوف الكعبة "، وفي آخر: " من قتله فكانما قتل شيطانا ". ويحتمل أن يكون لاجل حدوث قذارة من المباشرة لقتله. الثالث: غسل المولود، وعن الصدوق وابن حمزة وجوبه لكنه ضعيف. ووقته من حين الولادة حينا عرفيا، فالتأخير إلى يومين أو ثلاثة لا يضر. وقد يقال إلى سبعة أيام. وربما قيل ببقائه إلى آخر العمر. والاولى على تقدير التأخير عن الحين ]
____________
(* 1) الوسائل باب: 18 من أبواب الاغسال المندوبة حديث: 1.
===============
( 286 )
[ العرفي الاتيان به برجاء المطلوبة. الرابع: الغسل لرؤية المصلوب. وذكر أن استحبابه مشروط بأمرين: (أحدهما): أن يمشي لينظر متعمدا إليه، فلو اتفق نظره أو كان مجبورا لا يستحب. (الثاني): أن يكون بعد ثلاثة ايام إذا كان مصلوبا بحق، لا قبلها، بخلاف ما إذا كان مصلوبا بظلم، فانه يستحب معه مطلقا ولو كان في اليومين الاولين. لكن الدليل على الشرط الثاني غير معلوم، إلا دعوى الانصراف، وهي محل منع. نعم الشرط الاول ظاهر الخبر وهو: " من قصد إلى مصلوب فنظر إليه وجب عليه الغسل عقوبة " (* 1). وظاهره أن من مشي إليه لغرض صحيح - كاداء الشهادة أو تحملها - لا يثبت في حقه الغسل. الخامس: غسل من فرط في صلاة الكسوفين مع احتراق القرص أي تركها عمدا، فانه يستحب أن يغتسل ويقضيها. وحكم بعضهم بوجوبه، والاقوى عدم الوجوب وإن كان الاحوط عدم تركه. والظاهر انه مستحب نفسي بعد التفريط المذكور ولكن يحتمل أن يكون لاجل القضاء، كما هو مذهب جماعة فالاولى الاتيان به بقصد القربة لا بملاحظة غاية أو سبب، وإذا لم يكن الترك عن تفريط أو لم يكن القرص محترقا لا يكون مستحبا، وإن قيل باستحبابه مع التعمد مطلقا، وقيل باستحبابه مع احتراق القرص مطلقا. السادس: غسل المرأة إذا تطيبت لغير زوجها، ففي الخبر: ]
____________
(* 1) الوسائل باب: 19 من أبواب الاغسال المندوبة حديث: 3.
===============
( 287 )
[ أيما امرأة لغير زوجها لم تقبل منها صلاة حتى تغتسل من طيبها كغسلها من جنابتها " (* 1) واحتمال كون المراد غسل الطيب من بدنها كما عن صاحب الحدائق بعيد، ولا داعي إليه. السابع: غسل من شرب مسكرا فنام، ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله ما مضمونه: ما من أحد نام على سكر إلا وصار عروسا للشيطان إلى الفجر، فعليه أن يغتسل غسل الجنابة (* 2)، الثامن: غسل من مس ميتا بعد غسله. (مسألة 1): حكي عن المفيد استحباب الغسل لمن صب عليه ماء مظنون النجاسة، ولا وجه له. وربما يعد من الاغسال المسنونة غسل المجنون إذا أفاق، ودليله غير معلوم. وربما يقال إنه من جهة احتمال جنابته حال جنونه. لكن على هذا يكون من غسل الجنابة الاحتياطية، فلا وجه لعده منها. كما لا وجه لعد إعادة الغسل لذوي الاعذار المغتسلين حال العذر غسلا ناقصا مثل الجبيرة، وكذا عد غسل من رأى الجنابة في الثوب المشترك احتياطا، فان هذا ليس من الاغسال المسنونة. (مسألة 2): وقت الاغسال المكانية كما مر سابقا قبل الدخول فيها أو بعده لارادة البقاء على وجه. ويكفي الغسل في أول اليوم ليومه، وفي أول الليل لليلته، بل لا يخلو كفاية غسل الليل للنهار وبالعكس من قوة، وإن كان دون الاول في الفضل. وكذا القسم الاول من الاغسال الفعلية، وقتها ]
____________
(* 1) الوسائل باب: 30 من أبواب الاغسال المندوبة حديث: 1. (* 2) مستدرك الوسائل باب نوادر ما يتعلق بأبوابه الجناية حديث: 12 لكن المذكور فيه (وجب عليه كما يغتسل من الجنابة).
===============
( 288 )
[ قبل الفعل على الوجه المذكور، وأما القسم الثاني منها فوقتها بعد تحقق الفعل إلى آخر العمر، وإن كان الظاهر اعتبار اتيانها فورا ففورا. (مسألة 3): ينتقض الاغسال الفعلية من القسم الاول والمكانية بالحدث الاصغر من أي سبب كان، حتى من النوم على الاقوى. ويحتمل عدم انتقاضها بها مع استحباب إعادتها كما عليه بعضهم، لكن الظاهر ما ذكرنا. (مسألة 4): الاغسال المستحبة لا تكفي عن الوضوء، فلو كان محدثا يجب أن يتوضأ للصلاة ونحوها قبلها أو بعدها والافضل قبلها، ويجوز إتيانه في أثنائها إذا جئ بها ترتيبيا. (مسألة 5): إذا كان عليه أغسال متعددة زمانية أو مكانية أو فعلية أو مختلفة يكفي غسل واحد من الجميع إذ نواها جميعا، بل لا يبعد كون التداخل قهريا. لكن يشترط في الكفاية القهرية أن يكون ما قصده معلوم المطلوبية لا ما كان يؤتى به بعنوان احتمال المطلوبية، لعدم معلومية كونه غسلا صحيحا حتى يكون مجزيا عما هو معلوم المطلوبية. (مسألة 6): نقل عن جماعة - كالمفيد والمحقق والعلاما والشهيد والمجلسي - استحباب الغسل نفسا ولو لم يكن هناك غاية مستحبة أو مكان أو زمان. ونظرهم في ذلك إلى مثل قوله تعالى: (إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) (* 1) وقوله: " إن استطعت أن تكون بالليل والنهار على طهارة ]
____________
(* 1) البقرة: 222.
===============
( 289 )
[ فأفعل " (* 1)، وقوله: " أي وضوء أطهر من الغسل " (* 2)، " وأي وضوء أنقى من الغسل " (* 3)، ومثل ما ورد من استحباب الغسل بماء الفرات (* 4) من دون ذكر سبب أو غاية إلى غير ذلك. لكن اثبات المطلوب بمثلها مشكل. (مسألة 7): يقوم التيمم مقام الغسل في جميع ما ذكر عند عدم التمكن منه.